مؤرخ الصحافة الكوردية عبدالله زنكنة هو بالاساس مهندس، فهو المشغول والشغوف دوما بتأريخ الصحافة الكوردية والغارق في تفاصليها الدقيقة منذ صدور الصحيفة الام (كردستان) في القاهرة عام 1898م...
اجرى اللقاء : طارق كاريزي
ربما القليلون يعرفون بان مؤرخ الصحافة الكوردية عبدالله زنكنة هو بالاساس مهندس، فهو المشغول والشغوف دوما بتأريخ الصحافة الكوردية والغارق في تفاصليها الدقيقة منذ صدور الصحيفة الام (كردستان) في القاهرة عام 1898م. لقد ترك زنكنة عالم الهندسة جانبا وانشغل حد النخاع بعالم الصحافة. يتنقل باستمرار بين مدن كوردستان الرئيسة، يسكن العاصمة اربيل ولا تنقطع زياراته للسليمانية وخلال زياراته للاخيرة يعرج على كركوك وكثيرا ما يزور دهوك، وشغله الشاغل وديدنه الاول والاخير هو عالم الصحافة الكوردية. لا سؤال حول الصحافة الكوردية من دون جواب شاف ومفصل من قبل عبدالله زنكنة عنه. وفي آخر زيارة لي ذهبت الى منزله في الضاحية الشمالية الشرقية من اربيل والذي هو في الحقيقة مركز ثقافي وارشيف ضخم وغني لعالم الصحافة الكوردية. نعم في آخر زيارة لي وجدته منشغلا بآلته الكومبيوتر وهو يرمم صحيفة (هولير) التي اصدرها عدد من معلمي اربيل في خميسنيات القرن الماضي. سألته:
*أراك مشغولا اكثر من ذي قبل يا استاذ عبدالله؟
-منذ سنوات وانا منشغل بصحيفة (هولير) التي كانت تصدر اسبوعيا في بداية خمسينيات القرن الماضي من قبل نقابة المعلمين في اربيل. هذه الصحيفة التي صدرت بشكل اسبوعي قبل حوالي سبعين عاما، تشكل الآن معينا مهما لكثير من شؤون وشجون تلك الايام الماضية.
*طيب، ما هو مشروعك بالضبط؟
-انني الآن بصدد جمع واعادة طبع جميع اعداد هذه الصحيفة، وقد بذلت الكثير من الجهود المضنية حتى الآن من اجل العثور على كامل اعداد هذه الصحيفة التي باتت نادرة جدا وبقي منها اعداد قليلة في بعض البيوتات الاربيلية من طبقة النخبة المثقفة.
*ما هي معوقات انجاز المشروع؟
-المعوق الاكبر هو صعوبة الحصول على اعداد هذه الصحيفة، فالاشخاص والاسر التي تحتفط بها لديها حرص بالغ من حيث تداول هذه النسخ وتخشى اكثر من اللازم من اجل عدم اتلافها وضياعها، وهذا يشكل عائقا كبيرا امام الباحث من اجل اتمام مهمته البحثية. اضافة الى ذلك فان النسخ الباقية من هذه الصحيفة باتت مهلهلة وعرضة للتلف النهائي، بل ان في كثير من الاحيان عندما أعثر على نسخ من الصحيفة في ارشيف احد الاسر او الشخصيات الاربيلية، تكون اجزاء من صفحاتها تالفة او باتت مشوه لا يمكن قراءتها.
*وما الذي تفعله من اجل اعادة ترميم اعداد صحيفة (هولير)؟
-لاشك ان المهمة ليست سهلة، خط مسار عملي يتلخص بضمان الاعداد المتتالية للصحيفة، ومن ثم اتولى عميلة تصويرها الكترونيا بجهاز (الاسكنر) في عميلة تقنية تتضمن نقل المطبوع من اصله الورقي الى شاشة الكومبيوتر، ومن ثم اجري عمليات ترميم دقيقة، وهي تشمل عمليات كولجة اجزاء تالفة واعادة هذه الاجزاء من صفحات نسخ اخرى، والكولجة اجريها بشكل دقيق بحيث لا يشعر القارئ بالمطلق بان هذه الصفحات كانت تالفة في السابق، يرافقها عملية ترميم الحروف والكلمات غير الواضحة باستخدام برنامج (الفوتوشوب) حيث اجري عمليات شبيه بعمليات الجراحة التي يجريها الاطباء من اجل ضبط الرسم الهندسي للاحرف والكلمات والجمل التي يتعذرها قراءتها الآن او التي كانت في الطبعة الاصيلة غير واضحة اصلا نظرا للنظام الطباعي المتواضع آنذاك، واعتمادا على نفس البرنامج، اقوم بعميلة ازالة الشوائب والتشوهات المطبعية من صفحات الجريدة وكذلك ازالة ما لحق بها من تشوهات تالية من اجل ان تصل يد القارئ والباحث في النهاية بشكل جميل ومن دون نواقص وثغرات وذلك بعد اعادة طبع جميع الاعداد ضمن كراس موحد، مثلما جرت العادة في اعادة طبع الكثير من الجرائد والمجلات الكوردية السابقة.
*وما الذي يحصل عليه عبدالله زنكنة بعد كل هذا الجهد الجهيد؟
-(توقف برهة ثم قال) معلومة اطلقها لك ويمكنك ايصالها للقراء، ان ترميم الصفحة الواحدة من صحيفة (هولير) يستغرق وقتا يمتد بين خمس ساعات وخمسة ايام متتالية، وذلك بحسب حاجة الصفحة للكولجة والترميم الفني. عميلة ترميم التنضيد الطباعي ورفع جميع التشوهات الحاصلة في اعداد الصحيفة يحتاج طولة بال وساعات طويلة من العمل الجاد. لعل عشقي الطاغي لعالم الصحافة هو الذي يجعلني لا اعرف للتعب والملل من معنى.[1]