تأتي الذكرى السنوية لإعدام الشيخ عبدالسلام البارزاني، الذي أعدمته الدولة العثمانية بتاريخ 14/12/1914 في مدينة الموصل. ويقول الصحفي والمؤرخ الفرنسي الشهير، كريس كوجيرا، إن الشيخ عبدالسلام البارزاني، هو صاحب أول وثيقة لحركة التحرر الوطنية الكوردية
تأتي الذكرى السنوية لإعدام الشيخ عبدالسلام البارزاني، الذي أعدمته الدولة العثمانية بتاريخ 14/12/1914 في مدينة الموصل.
وعقب الثورة التي استمرت 7 أعوام في منطقة بارزان، والتي كانت تطالب بالحقوق القومية للشعب الكوردي، أُعدم الشيخ عبدالسلام البارزاني.
ويقول الصحفي والمؤرخ الفرنسي الشهير، كريس كوجيرا، إن الشيخ عبدالسلام البارزاني، هو صاحب أول وثيقة لحركة التحرر الوطنية الكوردية.
ونجح الشيخ عبدالسلام البارزاني في أن يجمع العشائر الكوردية بدهوك على عدد من مطالب الشعب الكوردي، لأول مرة، وذلك في عام 1907، ومن ثم أرسلوا تلك المطالب إلى سلطان الدولة العثمانية، إلا أن الدولة العثمانية اعتبرت ذلك بمثابة محاولة للانفصال، ومن ثم شنَّت هجوماً على منطقة بارزان.
ويعتبر الشيخ عبدالسلام البارزاني صاحب عدد من الإصلاحات الرئيسية آنذاك، مثل حماية الغابات، منع الصيد الجائر، منع زواج القاصرات، تطبيق مصالحة الدم من خلال الزواج، تحديد المهر عند الزواج، وتأمين حرية العقيدة وممارسة الطقوس الدينية للمسيحيين واليهود.
وفي هذا السياق يتحدث الباحث والمؤرخ الكوردي، كرم سرحدي، في مقابلة خاصة ، عن سيرة الشيخ عبدالسلام البارزاني، بالاستناد إلى وثائق رسمية من أرشيف الدولة العثمانية، حصل عليها سرحدي، وتتحدث عن نضال الشيخ عبدالسلام، وكيف تمكنت الدولة العثمانية من اعتقاله ومن ثم إعدامه، ودور الكورد في ذلك، وفيما يلي نص المقابلة:
رووداو: منذ مدة طويلة وأنتم تعملون على جمع الوثائق العثمانية، لماذ أصدرت الدولة العثمانية قرار إعدام الشيخ عبدالسلام البارزاني، بحسب الوثائق التي حصلتم عليها؟
كرم سرحدي: بدايةً أودُّ أن أتحدث عن الراحل الشيخ عبدالسلام البارزاني: هو الشيخ عبدالسلام ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبدالسلام ابن الشيخ عبدالله ابن الشيخ عبدالرحمن ابن الشيخ تاج الدين (ملا بكر) ابن سعيد ابن مسعود، حيث يعتبر الأخير جدهم الأكبر.
بالنسبة لإعدام الشيخ عبدالسلام، فعندما نُفي والده الشيخ محمد إلى منطقة بدليس في كوردستان تركيا، كان الشيخ عبدالسلام لا يزال صغيراً وقتها، وتوفي الشيخ محمد بعد مدة وجيزة من عودته إلى منطقة بارزان، حيث استمر الشيخ عبدالسلام على نهج والده من بعده، وقد كان شخصيةً وطنية، رجل دين، وعالماً في الوقت ذاته، ونجح في رصِّ صفوف العشائر الكوردية، وقام بالكثير من الإصلاحات، حيث ألغى الملكية الخاصة ووزع الأراضي على الفلاحين، منع الزواج القسري، أقام علاقات اجتماعية على أساس العدالة والمساواة، أوعزَ ببناء مسجد في كل قرية، وأن تكون إلى جانب كونها دور عبادة، مراكز للصلح والعدل بين الناس، أمر بتشكيل لجان مهمتها النظر في مشاكل الناس وحلها، إلى جانب تشكيل قوة مسلحة من كل عشيرة كوردية وتعيين قائد عليها.
في ذلك الوقت، كانت هناك علاقات تنظيمية ولقاءات مع تنظيمات وشخصيات كوردية، مثل الشيخ محمود برزنجي، الشيخ عبدالقادر النهري، وسمكو آغا شكاكي، وقد عُقد اجتماع عام 1907، وتحديداً بمنزل الشيخ محمد بريفكاني في قرية بريفكان، وفي ذلك الاجتماع اتفقت العديد من العشائر الكوردية على مطالب محددة، وأُرسلت إلى الدولة العثمانية، وكانت مطالبهم مُحقة وإنسانية، كأن تكون اللغة الكوردية رسمية في المناطق الكوردية، التعليم باللغة الكوردية، أن يجيد مدير الناحية والقائممقام والموظفون، اللغة الكوردية، أن تكون الشريعة الإسلامية أساس الحكم في الدولة، وصرف الضرائب التي يتم تحصيلها، على المنطقة الكوردية.
وعقب ذلك أرسلت الدولة العثمانية جنوداً لجلب الشيخ عبد السلام، إلا أن جنود الدولة العثمانية هُزموا، فاضطروا لقعد صلح بين الشيخ عبد السلام والدولة العثمانية، وقد تضمن الصلح عدة نقاط مهمة، منها إطلاق سراح الأسرى من كلا الطرفين الكورد والعثمانيين، أن تدفع الدولة العثمانية تعويضات عن الأضرار المادية التي تسببت بها، أن يبقى عدد ضئيل جداً من الجنود العثمانيين في المنطقة الكوردية، حل كافة المشاكل العالقة بين الطرفين، إلى أن ترأس أسعد باشا والياً للموصل، حيث نشأت علاقات جيدة بين الكورد والعثمانيين آنذاك، إلى أن بدأت حرب العثمانيين في البلقان سنة 1912، حيث بَعثَ الشيخ عبد السلام رسالة إلى الباب العالي في الدولة العثمانية، والتي قال فيها: أنا الآن في (آكري)، وحالياً تدور رحى الحرب في البلقان، أشعر بالحزن، لأن إخوتي في الدين يحاربون، وأنا أنعم هنا بالراحة، وقد جهزت 12 ألف مقاتل بأسلحتهم لدعم إخوتنا في الدين، وعليه يجب أن ترسلوا قائداً عثمانياً مع بعض المقاتلين لقيادة هؤلاء من أجل التوجه إلى البلقان عن طريق البحر مروراً ب(حلب)، أو عن طريق (أرزروم) مروراً ب(وان)، من جهتها ردَّت الدولة العثمانية على رسالته، وبعثت رسالةً موقعة من السلطان محمد رشاد محمد الخامس والصدر الأعظم، قالت فيها إن هذا ليس ممكناً لأن المسافة بعيدة، ونحن نشكر الشيخ عبدالسلام البارزاني، ونُقلده رابع أكبر رتبة في الدولة العثمانية، تثميناً لهذا العمل البطولي بتجهيز 12 ألف مقاتل.
رووداو: من الذي أبلغ العثمانيين عن الشيخ عبدالسلام البارزاني، وكيف تمكنوا من اعتقاله؟
سرحدي: لغاية سنة 1913 كانت الأوضاع مستقرة جداً بين المقاتلين الكورد والجنود الأتراك، إلى أن أصبح سليمان نظيف والياً للموصل، حيث كان سليمان نظيف، ضياء كوكالب، وعبدالله جودت، ينتمون لتيار تركيا الفتاة، أو الأتراك الشباب (اتحاد لمجموعات عديدة مؤيدة لإصلاح الإدارة في الدولة العثمانية)، ومع أن الأشخاص الثلاثة المذكورين كانوا كورداً، إلا أنهم ما كانوا يقبلون بالكورد، وفي ذلك الوقت أرسل سليمان نظيف من خلال عدد من العشائر الكوردية (لا أريد ذكر أسمائها الآن) رسالة إلى الباب العالي، اشتكوا من خلالها على الشيخ عبدالسلام البارزاني، فأرسلت الدولة العثمانية 6 آلاف جندي تركي مدججين بالمدافع لمهاجمة الشيخ عبد السلام، وعلى إثر ذلك توجه إلى كوردستان سوريا، ومن ثم إلى تبليسي رفقة عبد الرزاق بدر خان وسمكو آغا، حيث اجتمعوا بالقادة الروس ولكن في طريق عودتهم عَبرَ الأراضي الإيرانية، أرسل الشيخ جلال الدين من قرية دار الأمان رسالة للدولة العثمانية يعرض عليهم تسليم الشيخ عبدالسلام مقابل منحه رتبةً عالية وراتباً جيداً، لكن لم يتحقق له ذلك، لأن الشيخ عبد السلام توجه حينها إلى قرية كنجكين في كوردستان إيران ونزل ضيفاً مع ثلاثة من أصدقائه عند صوفي عبد الله إبراهيمي، وعندما حلَّ المساء، وبينما كانوا نائمين، ألقى إبراهيمي القبض عليهم بمساعدة أهله، ثم أخبر عنهم مسؤولي الدولة العثمانية في وان بكوردستان تركيا من أجل تسليمهم، وبدورها أرسلت الدولة العثمانية قوةً وجلبتهم إلى وان، حيث كان فوزي جقمق قائد الحامية العثمانية هناك، وبعد ذلك أرسل والي وان رسالةً لوالي الموصل سليمان نظيف، سأله فيها عن الشيخ عبدالسلام ورفاقه، وعن التهم الموجهة إليهم من أجل محاكمتهم، فأجابهم سليمان نظيف الخائن، بأنه لا حاجة لمحاكمتهم هناك، أرسلوهم إلي وأنا سأكتكفل بمحاكمتهم، فأرسلهم فوزي جقمق إلى الموصل.
رووداو: هل توجد أي وثيقة تشير إلى إجراء محاكمةٍ للشيخ عبدالسلام البارزاني؟
سرحدي: نعم، بحوزتي الوثيقة التي تضمنت قرار إعدام الشيخ عبد السلام، وهي موقعة ومصدقة من السلطان محمد رشاد محمد الخامس، والصدر الأعظم، ووزير الحرب، لتنفيذ حكم الإعدام بحقه، كما تضمن القرار ذاته حكماً غيابياً بالإعدام على محمد علي وأشخاص آخرين من قرية نروة في دهوك.
رووداو: كيف دافع الشيخ عبدالسلام البارزاني داخل المحكمة عن حقوق الشعب الكوردي، خلال محاكمته؟
سرحدي: عندما سألوا الشيخ عبدالسلام خلال المحاكمة إن كان يريد قول شيء قبل تنفيذ الإعدام، أجابهم بأنه لا يخشى الموت، وأنه لم يعد هناك ما يمكن القيام به، وهو مستعد للموت، فافعلوا ما تستطيعون، ولم تَلِن عزيمة الشيخ عبدالسلام حتى خلال الحكم عليه بالإعدام.
رووداو: هل شارك في محاكمة الشيخ عبدالسلام البارزاني، أي قاضٍ كوردي؟
سرحدي: نعم لقد شارك كورد الموصل فيها، كما أريد الإشارة إلى أن سليمان نظيف هو من أهالي ديار بكر آمد، وهو نجل سعيد باشا ووالدته اسمها عائشة وهي ابنة آغا كوردي، وقد أَعدمَ سليمان نظيف الشيخ عبد السلام بيد شخص كوردي.
رووداو: برأيكم، ما هو سبب اختيار العثمانيين لقاضٍ كوردي من مدينة آمد - دياربكر لمحاكمة الشيخ عبدالسلام البارزاني، حيث يُقال إن القاضي نفسه هو من أصدر حكم الإعدام بحق شيخ سعيد بيران، كما يُقال إن ذلك القاضي كان من أهالي منطقة رواندز؟
سرحدي: يقول المثل الكوردي إن لم يكن دود الشجرة منها، فإنها لن تزول، فالذي أعدم الشيخ عبدالسلام كان كوردياً، حتى أن الوالي الذي قبله ما كان ليعدمه، لكن العثمانيين كانوا يعلمون أن سليمان نظيف ينتمي لتيار تركيا الفتاة - الأتراك الشباب، لذلك أرسلوه إلى هناك، وهو بدوره أصدر حكم الإعدام بحقه، كما أنه في عام 1925 نُفذ حكم الإعدام بحق الشيخ سعيد بيران مع 424 كوردياً، وقد أعدمهم علي سعيد وهو كوردي من رواندز، وكان ضابطاً لدى الأتراك.
رووداو: هل هناك أسماء أخرى اكتشفتها من خلال الوثائق العثمانية التي بين يديك، ممن ساهموا في تسليم الشيخ عبدالسلام البارزاني للعثمانيين؟
سرحدي: نعم هناك أسماء أخرى، ولكن كما قلت في البداية، لا أريد الكشف عن هذه الوثيقة حالياً، وهي تتضمن أسماءهم بالكامل وتواقيعهم، وسأكشف عن أسمائهم في الوقت المناسب.
rudaw[1]