حاور موقع PUKmedia السفير الارميني في العراق هراش بولاديان حول العلاقة بين الشعبين والكوردي والارميني والعمليات التي وقعت بحق الشعبين، لا سيما جينوسايد الارمن وعمليات الانفال التي وقعت بحق الشعب الكوردي في اقليم كوردستان.
فيما ياتي نص الحوار:
1-كيف هي العلاقات الحالية بين الشعبين الكوردي والارميني؟
سار الشعبان الأرمني والكوردي معاً جنباً إلى جنب في مسيرة تاريخية طويلة مليئة بالمحن والمصاعب وعاشا حقب تاريخية مشتركة غنية بالأحداث العسكرية والسياسية وعاشا في كنف الإمبراطورية العثمانية قرون عديدة. فيما يخص شعب أرمينيا وشعب كوردستان العراق، أعتقد أن علاقاتهما، يمكن وصفها بالجيدة والصديقة. موقف بلدنا تجاه كوردستان العراق يمكن اعتباره موقفاً خاصاً، وخير دليل على ذلك افتتاح الممثلية الدبلوماسية الأرمينية (القنصلية العامة) والمركز الثقافي الأرمني في أربيل، وكذلك العلاقات التجارية والاقتصادية فهي قائمة وفي تطور. هناك طائفة كوردية في أرمينيا، وطائفة أرمنية في كوردستان العراق تربطهم علاقات صداقة ومتينة في بلدانهم. أود أن أشير إلى أن الصحيفة الكوردية الثانية في التاريخ والصادرة باللغة الكوردية (ريا تازان) تم نشرها في أرمينيا منذ عام 1930، وهناك ساعة من البرامج تذاع باللغة الكوردية من إذاعة (يريفان) الأرمنية، والجدير بالاشارة ان الزعيم الراحل مصطفى بارزاني كان حاضراً خلال الافتتاح الرسمي للإذاعة.
2-ما هي اوجه الشبه بين جينوسايد الارمن وعمليات الانفال بحق الشعب الكوردي؟
السؤال مثير للاهتمام والجواب بسيط جدا. أعتقد يمكن العثور على أوجه التشابه في المجال القانون الدولي.
كما هو معروف ان مصطلح الإبادة الجماعية صاغه رافائيل ليمكين Rafael Lemkin عام 1944، وهو محام بولندي من أصل يهودي ومتخصص في القانون الدولي. أراد ليمكين، أحد الناجين من المحرقة، استخدام هذا المصطلح لوصف السياسة النازية للقتل المنهجي والعنف، وكذلك الفظائع التي ارتكبت ضد الأرمن في الإمبراطورية العثمانية في عام 1915. وتجدر الإشارة إلى أنه عندما سُئل ليمكين رأيه حول الإبادة، أجاب قائلاً هذا ما حدث للأرمن. مصطلح الجينوسايد قد صيغ من مقطعين اليونانية (راسا γένος-) اي العرق واللاتينية (ed caedo)اي القتل. في عام 1945 عندما أدانت محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية القيادة النازية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تم تضمين كلمة إبادة جماعية في الحكم، ولكن كمصطلح وصفي وليس مصطلحًا قانونيًا.
في 9 ديسمبر 1948، تبنت الأمم المتحدة اتفاقية (منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها)، وعرفت الإبادة الجماعية على أنها جريمة دولية، وتتعهد الدول الموقعة على الاتفاقية بمنع وقوع الابادة ومعاقبة مرتكبيها.
وفقًا للاتفاقية، فإن الأفعال التالية التي ترتكب بغرض الابادة الجزئية أو الكاملة لأي جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية تعرف بالابادة الجماعية.
أعتقد ان هذا التشابه بين الإبادة الجماعية للأرمن وعمليات الانفال موجودة في الصياغات القانونية الدولية.
هزت العالم مظاهر الكراهية والتطرف والعنصرية وكراهية الاخر والتمييز خلال القرن العشرين، مستهدفة الأقليات القومية في الدرجة الأولى. الإنكار والإفلات من العقاب من العوامل الرئيسية هي التي تساعد على وقوع الابادات. لا تزال العدالة المرفوضة وعدم كشف الحقيقة تطارد أجيال الناجين من الإبادة الجماعية وتعرقل المصالحة الحقيقية وهذا ما يعرفه الأرمن من خلال تجربتهم الخاصة وهذا ما يعمم على جميع الإبادات الجماعية.
3-هل انصف المجتمع الدولي، الأرمن، وما احدث الاجراءات الدولية بشأن الابادة الجماعية لشعبكم؟
للأسف الشديد ان تحقيق العدالة غالبًا لها ابعاد سياسية أيضاً وتسعى إلى تحقيق مصالح مختلفة. العديد من الدول لا تنظر الى موضوع الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن كأولوية وذات قيمة انسانية عالية بل تنظر اليها كورقة لعب في بناء سياساتها وتطوير العلاقات مع دولة ثالثة.
اليوم اعترفت العشرات من الدول المعروفة رسميًا وأحداث عام 1915 التي وقعت في الامبراطورية العثمانية على انها إبادة جماعية للأرمن وتم الاعتراف بشكل اساسي ببيانات برلمانية. وكذلك اعترفت العديد من المنظمات الدولية بالإبادة الجماعية للأرمن والقائمة تطول. لا تخضع الاعتراف بالإبادة لاي وظائف قانونية. ومع ذلك هناك دول إلى جانب اعترافها بالابادة تبنت رفع قضايا جنائية بحق انكار وقوع الابادة والهدف الأساسي هو منع وقوع إبادات جماعية أخرى مستقبلاً. هذه الدول من خلال اعترافها بالإبادة الجماعية للأرمن تمنع وقوع ابادات جماعية جديدة والتي للأسف لا تزال تحدث في جميع أنحاء العالم، كما حدث على سبيل المثال، مع الأيزيديين في العراق في عام 2014 في منطقة شنكال. بالمناسبة، في بداية القرن العشرين، تعرضت الشعوب الأخرى التي عاشت في كنف الإمبراطورية العثمانية للإبادة الجماعية حيث قُتل مئات الالاف من اليونانيين والآشوريين والأيزيديين وغيرهم وتم ترحيلهم.
على أي حال يجب أن ندرك أن الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن من قبل جميع البلدان بأستثناء تركيا لا يمكن أن يكون له اي تبعات او عواقب قانونية. تبعات هكذا اعترافات تكون سياسية فقط وفي نفس الوقت وببساطة يمكن ان يساهم في اقناع تركيا للاعتراف بالإبادة الجماعية.
4-ما التأثيرات النفسية على الشعب الارميني بعد اكثر من قرن على الجريمة؟ وكيف عالجتم تلك الصدمات النفسية لأجيالكم السابقة؟
هذا سؤال صعب نوعا ما. التأثير النفسي هائل جداً. فالتجرد من الوطن والإدراك لعقود من الزمن أن أمة بأكملها انقطعت عن جذورها من خلال الجرائم اللاإنسانية التي نفذت بحقها يشكل عبء ثقيل على الأرمن. ان التجرد من الجذوروالاصل يعني ايضاً إبادة ثقافية. الإبادة الجماعية للأرمن مقارنة بالإبادات الجماعية الأخرى مختلفة، اذ نحن تعرضنا ليس فقط لأضرار بشرية ومادية، ولكن أيضًا فقدنا اجزاء كبيرة من ارض الوطن الذي عشنا عليه منذ آلاف السنين. وفي مقابل كل هذا لم نحصل حتى على تعويض معنوي او اعتذار. يتذكر أي أرمني في العالم اليوم ما حدث لأسلافه ويتناقله جيلًا بعد جيل ويتعايش مع تلك المأساة. ينتشر الجيل الرابع من الأرمن في أكثر من 100 دولة في العالم، ويحيي كل عام ذكرى ضحاياه القديسين. لربما اجيالنا السابقة واجهت ظروفاً اصعب واكثر من الجيل الحالي للبقاء على قيد الحياة والحفاظ على الهوية الأرمنية والتغلب على كل هذه المشاكل ، ولكن محاولة العيش مع كل هذا المأساة والالام التي سببتها الإبادة الجماعية، اعتقد انها لم تتغير. ولا تزال السلطات التركية تحاول التشكيك في الامر وتطالب بالكشف عن الحقيقة من خلال لجنة من المؤرخين الأرمن والاتراك.
بالنسبة لي شخصياً ليس هناك ما يستوجب التوضيح او التفسيرحيث الحقيقة واضحة عن كيفية وصول اجدادي الايتام الناجين من مدن فان وأورفة وساسون الى البادية السورية او الى دار الايتام التابعة الى الانكليز في العراق والذين لا يتذكرون حتى اسماء اجدادهم.
وتجدر الإشارة إلى أن اعتراف تركيا بالإبادة الجماعية له تداعيات أمنية بالنسبة لنا. يمكن أن يكون الاعتراف و الإدانة ضمانًا لعدم تكرارها.
5-لماذا تنكر تركيا الحالية مذابح الارمن على يد العثمانيين؟
أود أن أشير إلى أن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية ضد الشعب الأرمني في أوائل القرن العشرين تتوافق تمامًا مع الجريمة الموصوفة في اتفاقية (منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة مرتكبيها) وتحتوي على جميع عناصر الجريمة. هناك الآلاف من الوثائق التي تثبت حقيقة الإبادة الجماعية للأرمن وشهود العيان والعديد من الأدلة الأخرى.
إدراكًا لافتقار الحجج التاريخية المضادة، يحاول بعض المدافعين عن منظمي الإبادة الجماعية اليوم تغيير موقفهم من التاريخي إلى القانوني، وتقديم الحجج القانونية ضد تقييم الإبادة الجماعية. هؤلاء يدعون أن الجريمة التي ارتكبت ضد الشعب الأرمني لا يمكن وصفها بأنها إبادة جماعية، حيث لم يكن مفهوم الإبادة الجماعية موجودًا وقت ارتكابها، وان تنفيذ العقوبة بحق مرتكبي ومنفذي الجرائم تم تنظيمها فيما بعد من خلال (اتفاقية الإبادة الجماعية). وهم يبنون وجهة نظرهم على المبدأ القانوني المعروف أن القانون ليس له أثر رجعي ، مشيرين إلى أنه لا يمكن تطبيق بنود الاتفاقية على الأحداث التي وقعت قبل ذلك. للأسف ، لا يوجد قانون لا توجد جريمة) «Nullum crimen sine lege»
من دون التشكيك في مبدأ لا يوجد قانون لا توجد جريمة، لا بد من الإشارة إلى أن أحد المصادر الرئيسية للقانون الدولي هي العادة الدولية، وهي شكل من أشكال قواعد القانون الغير المكتوب. يتناسى مؤلفو النهج المذكور أعلاه أنه إذا كان وجود جريمة في القانون المحلي يتطلب تعريف الجرم بواسطة قانون مكتوب، فعندئذٍ في القانون الدولي وصف الجريمة وتحمل المسؤولية لا تحدد بالقانون المكتوب فقط، بل أيضًا عن طريق العادة الدولية. لوجود العادة الدولية، يجب الاعتراف بالعادة كقاعدة قانونية (Opinio juris ).
إن القاعدة القانونية تعبر دليلاً واضحاً على الأعتراف بإبادة الأرمن بكونها جريمة دوليةز أن نص البيان الرسمي المشترك الصادر عن دول الوفاق (بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا) في 24 مايو 1945 له أهمية خاصة في مسألة الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن باعتباره اساساً يمكن الاستناد عليه، حيث ولأول مرة في التاريخ وصفت الإبادة الجماعية للأرمن بأنها جريمة ضد الإنسانية و أن الحكومة التركية مسؤولة عن وقوع الجريمة وتنفيذها .
إلى جانب الاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية للأرمن ، تتابع السلطات التركية باستمرار انكار وقوع الإبادة الجماعية للأرمن وتحاول بشتى الطرق ايقاف جميع الاعمال الهادفة للاعتراف بها، ويتم تنفيذها بأساليب حديثة وفي اتجاهات مختلفة منها الدعاية والدبلوماسية والسياسة والعلمية والعامة. وتجدر الإشارة ان انكار الابادة الأرمنية التي وقعت في الفترة 1915-1923 تجاه الأرمن من قبل السلطات التركية بدأت خلال تنفيذ الجريمة نفسها، على الرغم من الحقائق العديدة التي تثبت وقوع الإبادة الجماعية للأرمن الا أن السلطات التركية تستمر في الانكار حتى يومنا هذا. لقد وضعت السلطات التركية امامها هدفًا واضحًا لاعادة صياغة التأريخ والتحكم في مستقبل تركيا، وتقوم الأوساط الأكاديمية بإعداد منصة علمية لعلماء السياسة لدفع وتأييد المزاعم في إنكار الإبادة الجماعية للأرمن.
أحدى الاساليب النشطة للسياسة المعادية للأرمن التي تنتهجها أنقرة تجاه إنكار الإبادة الجماعية للأرمن هو العمل الذي يتم تنفيذه في داخل المجتمعات الأرمنية في الشتات ومحاولة زرع الفتن بينهم، بمشاركة نشطة من الأرمن الذين هاجروا من تركيا، والتي تهدف إلى خلق خلافات ليس فقط داخل المجتمعات الأرمنية بل تحاول ايضاً زعزعة العلاقات بين أرمينيا والشتات.
أن مسألة الاعتراف بالابادة الجماعية وادانتها لا تعتبر قضية أرمنية-تركية فقط بل تعتبر قضية بين تركيا والمجتمع الدولي. والدليل على ذلك العديد من التصريحات والعمليات التركية المناهضة تجاه الدول المختلفة التي تحاول الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن.
إن الإبادة الجماعية للأرمن هي حقيقة بالنسبة لنا و للمجتمع الدولي، والتي كانت أيضًا بمثابة الأساس لاتفاقية إدانة ومنع الإبادة الجماعية التي وضعت في عام 1948 ولتطوير هذه الاتفاقية وإدخال آليات لمنع وقوع الإبادات الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
الإنكار ليس له مستقبل، بغض النظر عن الجهة او الطريقة التي يتم الالتفاف حولها. على الرغم من كل الجهود التي تبذلها السلطات التركية لقمع الحقيقة من الظهور الا ان الحقيقة ستبصر النور من تلقاء نفسها.
ولا بد من الاشارة ايضاً إلى أن الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في داخل تركيا لها عراقيل أخلاقية ونفسية، حيث أنه سيدمر تاريخ تركيا الحديث والمبني على مئات السنين من التزوير والتلاعب والنفاق.
لهذه الاسباب تنفي تركيا اليوم الإبادة الجماعية للأرمن والتي ارتكبها العثمانيون. [1]
حاوره موقع PUKmedia