المنطقة الوحيدة التي يستطيع المسيحيون العيش فيها بأمان و سلام هي اقليم كوردستان الذي يراسه السيد مسعود بارزاني، حيث اصبح الأقليم نموذجاَ للتعايش السلمي و التسامح بين عموم الديانات و المذاهب و القوميات المختلفة، وبفضل الأستقرار الذي يسود اقليم كوردستان فقد لجأ اليه كل منْ هرب من بطش و ظلم ارهابيي داعش و من مختلف مناطق العراق، و للحديث عن اوضاع المسيحين في العراق و اقليم كوردستان على وجه الخصوص اجرينا هذا اللقاء مع رئيس اساقفة كلدان اربيل المطران بشار متي وردة.
ترجمة/ بهاءالدين جلال
* لقد واجه المسیحیون فی العراق بعد عام 2003 كارثة كبیرة تمثلت في استهدافهم من قبل الأرهابيين ما ادى الى التهجير و النزوح و مغادرة العراق ، ماهي اوضاع المسيحيين في الوقت الحالي؟
- في الحقيقة بعد عام 2003 و بسبب الظروف التي مر بها العراق عم الفوضى و حالة من عدم الأستقرار مدن العراق منها بغداد و البصرة و الموصل، انعكست على المسيحيين عموماً، و اصبحنا نحن المسيحيين هدفاَ للأضطهاد الديني و السياسي و الأجتماعي و الأقتصادي، و آخرها كما تعلمون في الموصل حيث لأول مرة منذ 1900 سنة لا يوجد في الموصل ولا مسيحي و لم يقام اي قداس او صلاة في الكنائس، في عام 2003 كان عدد المسيحيين في العراق نحو مليون 200 الف مواطن مسيحي، واليوم يقدر عددهم بنحو 300 الف شخص و ذلك بسبب كل هذه الضغوطات التي جرت بحقهم خلال الفترة المنصرمة، و بالتأكيد من الأمور التي ساعدتنا وجود اقليم كوردستان و الأمان الذي يسوده، و الذي احتضن اكثر من 200 الف مسيحي، وهذا الأمر خفف من وطأة الهجرة، ولولا هجمات داعش الأخيرة لعاد الكثير من المسحيين المهجرين الى الخارج و الأنضمام الى مسيرة النمو و البناء و الأعمار، وبعد الحصار المالي للحكومة الأتحادية على اقليم كوردستان في 2014 أخذ بعض المستثمرين المسيحيين يفكرون بمغادرة الأقليم ولكن الكثير منهم واصلوا العمل بالرغم من هذه الظروف الصعبة.
* مسألة هجرة المسيحيين لاتكمن في العدد فقط، بل انهم كانوا اصحاب حضارة و لغة خاصة و تاريخ مشترك ، ألا تعتقد ان عملية الهجرة سوف تنعكس سلباَ على هذا الجانب؟
- قبل كل شىء فإنّ الكثير من المسيحيين الذين يغادرون العراق يندمجون في مجتمعاتهم، و موضوع اللغة وهي الآرامية القديمة قبل كل شئ هي التي تبدأ بالأندثار، اضافة الى اسهامات المسيحين لأنهم اليوم متواجدون في مؤسسات اقليم كوردستان الحكومية و كذلك في الحكومة الأتحادية، هذه الكفاءات التي يُشهد لها بالولاء و الأخلاص في العمل، وكما تعلمون في العراق الجديد هناك ولاءات الى الأحزاب أو الى الدول الخارجية لازالت تشكّل مشكلة كبيرة، مشكلة اللغة و التأريخ والولاء للوطن عادة في المهجر تندثر مع الجيل الثاني و كذلك بالنسبة الى الجيل الثالث، كما ان هناك شواهد كثيرة لوجود المسيحيين في اقليم كوردستان من الأديرة و الكنائس وهي تشهد لحضور المسيحيين، ومع زيادة حدة التطرف في المنطقة اصبح المسيحيون يمتلكون القدرة على الأنفتاح و قبول الآخرين.
* قبل فترة زرتم دول اوروبية و القيتم هناك خطباً، ماهي فحوى تلك الخطب؟
- خطابي كان دائماَ يؤكد على ضرورة وجود تدخل عسكري في المسألة ليس على مستوى التدخل البري بل مساعدة قوات البيشمركة التي تقاتل على جبهة طولها 1060 كيلومتر ضد داعش، و ايصال مايمكن ارساله من الدعم المادي أو العسكري من اجل ايقاف هذا السرطان واكثر من ذلك تحرير هذه المناطق للعودة، ومواصلة الدعم في المجال الأنساني لأن اقليم كوردستان يستقبل اكثر من مليون و 600 الف مهجر من عموم المناطق، وهذا الدعم يترجم عملياَ من خلال انه يسهم في امكانية العودة، ولكي يعود المسيحيون الى نينوى اليوم فهم بحاجة الى قوة تدفع بداعش خارج هذه المناطق، ولكن القوة الوحيدة التي تقاتل اليوم في الساحة هي قوة البيشمركة و التي تقدم تضحيات كبيرة من اجل حماية المنطقة، كما ان هناك قوة من المسيحيين بدأت تتدرب باشراف البيشمركة من اجل عملية مسك الأرض و القيام بما يلزم. والمسيحيون حالياَ كلهم في اقليم كوردستان يتوزعون بين اربيل و دهوك و السليمانية.
* بعد هجمات داعش الى الموصل و سهل نينوى ارسل قداسة بابا الفاتيكان مبعوثه الى اقليم كوردستان ، ما هي رسالة الفاتيكان بهذا الصدد؟
- زيارة مبعوث البابا الى اقليم كوردستان دائماً تحمل رسالتين الأولى هي التضامن مع مسيحيي اقليم كوردستان و بيان قرب بابا الفاتيكان و الكنيسة الكاثوليكية مع المهجرين و الثانية هي رسالة شكر الى الأقليم و شعب كوردستان على احتضانهما للمسيحيين، و احترام و تقدير الكنيسة التي تقدمها حكومة الأقليم من المساعدات ليست للمسيحيين فقط بل الى الأيزديين و العرب السنة و الشيعة و السوريين و خاصة ومنهم 200 اف مسيحي و اكثر من 350 الف ايزيدي.
* ما هي وجهات نظر الفاتيكان الصريحة حول التعايش و التسامح في اقليم كوردستان؟
- بصراحة لاتوجد في اية منطقة بالشرق الأوسط غير اقليم كوردستان نموذج للتعايش الأخوي و الديني وهذا ما يشجع على تثمين الفاتيكان لدور الأقليم في هذا المجال، فالكثير من الدول تنظر بعين الأعجاب الى شعب كوردستان على هذا الموقف، لذا على الأقليم انْ يكون واعياً على هذه الحالة الصحية و هي مهمة صعبة يتحملها الأقليم في هذه الظروف العصيبة.
* لو نظرت الى رسالة الرئيس البارزاني سوف تجد انّها ذات رسالة قداسة البابا حول عدم هجرة المسيحيين الى الخارج، كيف تنظرون الى موقف الرئيس البارزاني هذا؟
- في كثير من اللقاءات قدمنا الشكر الى السيد رئيس الأقليم، و هو موقف معروف و شريف بعدم الهجرة، وكان لموقف الرئيس شخصياً صدى كبير، لقد طلبنا منه تكرار هذا الطلب لأننا كمسيحيين نشعر بأن هناك من يهتم بنا و يريد مصلحتنا و بقاؤهم بمسؤولية، وبالتأكيد ان هذا الموقف له تقدير في الكنيسة سواء في العراق أو اقليم كوردستان أو في الفاتيكان.
* آخر مرة التقيتم رئيس اقليم كوردستان، ماذا دار بينكم؟
- اللقاء الأخير مع رئيس الأقليم كان بحضور الكاردينال فريناندو فيلوني مبعوث بابا الفاتيكان، و خلال هذا اللقاء قدم المبعوث الفاتيكاني شكره الجزيل الى الرئيس البارزاني على مواقفه تجاه المسيحيين، و تأكيد سيادته المستمر لبقاء المسيحين و عدم الهجرة و جرى الحديث ايضاً بشان تحرير مناطق سهل نينوى ، وكذلك تامين المناطق المحررة بغية عودة الأهالي اليها.
* لقد زار السيد رئيس اقليم كوردستان و كذلك السيد رئيس حكومة الأقليم في الفترة الماضية قداسة بابا الفاتيكان ، ما هي ابعاد العلاقات بين اقليم كوردستان و الفاتيكان؟
- هذا التواصل ضروري جدا،َ الفاتيكان يمتلك علاقات دبلوماسية جداً، ولمكانة الفاتيكان و رؤيته مكانة كبيرة بين الدول، و الكثير من الدول تستشير الفاتيكان في حل مشكلاته، ولا ننسى بأنه لأول مرة منذ عقود يقبل الفاتيكان بحل عسكري في هذه الظروف، ولكن هذه حالة خطرة و حساسة، و هناك اكثر من 264 جامعة كاثوليكية في العالم، وهذه مؤسسات علمية تضم اساتذة و مفكرين و طلبة لهم تواصل كبير مع الفاتيكان، و للفاتيكان علاقات دبلوماسية مع 90 دولة، و و هذه العلاقة مع الفاتيكان يخرج او يعرّف الأقليم على العالم، لأنه في هذه المنطقة المتأزمة من الصعب أنْ يُحمل أي دولة أو أي اقليم على محمل الجد من دون تقييم الفاتيكان، وانه لا يتخذ أي موقف قبل الدراسة الدقيقة له.
* كان هناك في السابق بعض المطاليب طرحت من المسيحيين كأقامة منطقة حكم ذاتي، و الآن ما هي مطاليبكم من هذا القبيل؟
- طموحاتنا نفس طموحات شعب اقليم كوردستان نحن لسنا اجانب او جالية في هذا البلد، ونحن ايضاً نترقب ما يقرره شعب الأقليم حول مصيره ، كما اننا بحاجة الى شريك يدافع عن صوتنا و حقوقنا لذا اننا نؤيد بكل ما لدينا من الأمكانيات ما سوف يحققها اقليم كوردستان لأننا نرى بأن مصيرنا واحد.
* التعايش بين الكورد و المسيحيين له تأريخ عريق و انعكس ذلك في عهد القائد مصطفى بارزاني الراحل، الى أي مدى اصبح هذا التعايش ثقافة بين الجانبين؟
- صحيح ان التعايش بين الكورد و المسيحيين له تأريخ عريق و في الكثير من المناطق هناك قرى كوردية مجاورة لقرى مسيحية و نحن نحسب انفسنا من آل بيت السندي، كما ان العديد من المسيحيين التحقوا في ركب ثورة ايلول بقيادة الراحل مصطفى البارزانين لقد انعكس هذا التعايش على مجالات حياتنا المختلفة و تحول الى ثقافة مستركة، كما تلاحظون اننا حتى في نوع الأزياء متشابهون حيث لايمكنكم التمييز بين المسلمين و المسيحيين، و انعكست هذه الثقافة على الأكلات و اطوار الدبكات و الغناء، لقد شاركتُ شخصياً في بعض الحقلات المقامة في استراليا و امريكا وقدمت فيها اغان كوردية و سريانية، حيث يرقص الحضور مع الأغاني الكوردية اكثر من الأغاني السريانية، لذا اكرر القول بأن هذا التعايش تحول الى ثقافة مشتركة بين عموم الديانات و الشعوب في اقليم كوردستان.
* بما ان تأريخكم و حضارتكم مشتركة في هذه الأرض، و لقد تعرضتا في هذه الظروف الى الخراب و الأساءة و العبث، الى أي مدى جرت محاولة لأحياء هذا التأريخ و هذه الحضارة أو حمايتهما من الفناء؟
- منذ عام 1930 و الذي بدأت فيه الثورة اصبحت معظم مناطقنا اهدافاً للطائرات و القصف من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، وكانت قرانا تضم مزارات عريقة وقد تعضت قرانا الى الخراب و الدمار، ولكن في عام 2003 و بفضل سركيس آغاجان وزير المالية في حكومة الأقليم آنذاك جرت محاولة اعادة اعمار نحو 40 قرية للمسيحيين، ولقد بدأ هذا الأعمار قبل هجمات ارهابيي داعش على الموصل و سهل نينوى، ما ادى الى احتضان عدد كبير من المسيحين، ولكن عدداً كبيراً منهم غادروا البلاد و توجهوا الى الغرب.
* كمرجعية للمسيحييين في اقليم كوردستان، تعتقد اى أي مدى تتفهم الدول المسيحية الاوضاع الراهنة في اقليم كوردستان؟
- بدون شك، فإن تلك الدول تعلم جيداً انّ هناك تسامحاَ و تعايشاَ في اقليم كوردستان، وهذا الأقليم محاط بمجاميع ارهابية و متطرفة مختلفة، وكلها تترصد عن كثب الأستقرار السائد فيه، رئيس الكنائس الغربية يزورنا باستمرار، وبعد زيارة مبعوث بابا الفاتيكان، زارنا رئيس كنائس انكلترا و ويلز و قضوا اياماَ بيننا، وشرحنا لهم بأنّ الأوضاع في اقليم كوردستان مستقرة و مشجعة للبقاء و مواصلة العيش لكافة القوميات و الديانات.
* لقد اشرتم الى أنه و بعد تحرير مناطق المسيحيين ينبغي تأمين السلامة لهم، هل تعني بذلك توفير الحماية الدولية للمسحيين؟
- هذا الطلب لازال قائماَ وذلك بقيام المجتمع الدولي بنشر قوة لحماية تلك المناطق، و لكن هذا الطلب قد يكون صعباُ، لذا نطالب المجتمع الدولي زيادة مساعداته الى قوات البيشمركة على الأرض لأن المسيحيين يثقون بهذه القوات و من الضروري ايضاً وجود تفاهم مشترك مع حكومة اقليم كوردستان لتعزيز دور البيشمركة في حماية الجميع.
* كعالم ديني مسيحي ماهي رسالتكم الى رجال الدين في مختلف الديانات ليلعبوا دورهم في تخفيف العنف و ظاهرة التطرف؟
- قبل كل شىء علينا انْ نعلم انّ هناك موآمرة كبيرة على اقليم كوردستان و هو محاط بمجاميع و افكار متطرفة، لذا تقع علينا كرجال الدين من كل الديانات مسؤولية كبيرة لحماية السلم الأجتماعي، وعنما يخطب رجال الدين من على منابر الكساجد و اكنائس فأنهم يتحملون مسؤولية كبيرة و خطيرة، و يجب انْ يكونوا واعين بما يقولون و قد تؤدي اقل كلمة الى صب الزيت على النار و تأجيج الأوضاع، وهذا يرغمنا الى مخاطبة عقول الشباب كي يبتعدوا عن كل فكرة تحمل التطرف و العنف و انء ندعوهم الى السلام و المحافظة على مبادىء السلم و الآمان و التعايش المشترك بين الجميع.[1]