ترجمة/بهاءالدين جلال
الدستورهو اعلى قمة لهيكلة النظام القانوني في كل البلدان و مفهوم مقدس لدى عموم الشعوب،لذا يتطلب النقاش والجدال حوله مستوى رفيعاً من شأنه عدم الأخلال بقدسيته و اثارة الصراعات و التجاذبات بشأنه،واللجنة التي يتم تشكيلها لصياغة الدستور يجب أنْ تراعي حقوق الأنسان وكذلك حقوق جميع القوميات و الأديان ومبادىء الديمقراطية،اذاَ الدستور لايتم وضعه لحزب سياسي معين أو مجموعة معينة،وبعد أنْ يتم اعداده و يصبح قانوناً و يحال الى الأستفتاء العام عندئذٍ يتجاوز المرحلة التي تتعامل معه الأحزاب السياسية من منطلق توجهاتها الخاصة لأن ذلك من اختصاص رجال القانون و المختصين في امور اعداد و صياغة الدستور أما السياسيون فإنهم يستطيعون مناقشته خارج قبة البرلمان و يوقعون اتفاقاتهم السياسية،ولكن مع كل الأسف نجد ان الأمور على عكس ذلك في اقليم كوردستان فالسياسيون غير مستعدين للأصغاء الى رجال القانون وللحديث عن هذا الموضوع زارت (كولان) السيد شيروان حيدري وزير العدل و نائب رئيس لجنة مراجعة دستور اقليم كوردستان وناقشت معه الأمور المتعلقة بالدستور عبر الحوار الأتي:
* اصبح مشروع دستور اقليم كوردستان حالياً موضوعاً ساخناًَ بين الأوساط السياسية في اقليم كوردستان،ويتم التعامل معه على مستويين،الأول قانوني أي من وجهة نظر الفقه القانوني و الثاني هو سياسي من منطلق الفكر السياسي للأحزاب، السؤال هو: هل ان الدستور يُحسم وفق المبادىء القانونية أو يتحول الى سلعة للمزايدات السياسية بين الأحزاب؟
- تجري الآن بين وسائل الأعلام و على الساحة الكوردستانية مناقشات و جدال كبير بشأن دستور الأقليم
وبالنسبة لي اود هنا طرح وجهات نظري حول الدستور لأنني كنت احد المشاركين في اعداد هذا المشروع،منذ 2002 وحتى 2009 ، لقد قطع المشروع كافة المراحل،ففي المرحلة الأولى تمت صياغته من قبل لجنة مخصصة من برلمان كوردستان،و قد شارك في اللجنة المذكورة ممثلو عموم المكونات السياسية وبعد انتهاء مرحلة الأعداد و مراجعته من قبل لجنة المراجعة تم احالته في24/6/2009 الى برلمان كوردستان للمصادقة عليه و بحضور جميع اعضاء المراجعة،بعدها تمت قراءته بشكل كامل دون انْ تكون للبرلمان صلاحية مناقشة اي مادة من مواده،وبعد المصادقة عليه يحال المشروع الى المرحلة القادمة وهي الأستفتاء و المصادقة عليه من قبل رئيس الأقليم،لذا فأن المشروع قطع كافة مراحله القانونية،وهو الآن امام الشعب للتصويت عليه ب(نعم) أم ب(لا)حول تحديد مصيره النهائي،كما لايمكن من الناحية القانونية اعادة الدستورالى البرلمان لعدم وجود أي مادة أو فقرة قانونية تسمح بذلك،كما انّ 63 حزباً كوردستانياً وافقت على هذا المشروع دون ان يكون لها اي اعتراض او انتقاد معين بشأنه،الى جانب ذلك ضمت لجنة مراجعة الدستور ممثلين عن كل تلك الأطرافمنها ثلاثة اعضاء من الديمقراطي الكوردستاني و مثلهم في الأتحاد الوطني الكوردستاني و عضواَ واحداَ لكل من الجماعة الأسلامية و الأتحاد الاسلامي و الأخوة الأزديين و المسيحيين و التركمان،صحيح كانت هناك اختلافات بين الأعضاء في وجهات النظر اثناء مناقشة المشروع حول المادة(2)من الدستور العراقي التي تقابل المادة (6) من دستور اقليم كوردستان،ولكن تم حسم المادة من قبل الجميع،وعندما قُدم المشروع الى برلمان كوردستان كان عليه اجماع كبير وهذا يعني ان هناك توافقاً وطنياً الذي تم الأعتماد عليه لدى اعداد هذا المشروع،وبالنتيجة يعني ذلك انه جرى بشأنه توافق وطني قاطعاَ كافة المراحل القانونية لذا بقي فقط رأي الشعب الذي يقرر القبول أم الرفض،و لايحق لأي طرف التحدث نيابة عن شعب كوردستاني في تحديد مصير مشروع الدستور.
* في العديد من دساتير العالم يتم تحديد فترة معينة لتعديله بعد قبوله من قبل الشعب وهذه المدة قد تكون من 5-10 سنوات، ولكن لاتوجد في دستور اقليم كوردستان اي فقرة تشير الى ذلك و هذا يعني انه يجوز بعد الأستفتاء طلب التعديل مباشرة ، اذاَ لماذا هذه التجاذبات و النقاشات و لايوجد هناك توافق سياسي لحل هذه الأشكالية؟
- صحيح وردت هذه النقطة في عدد من دساتير الدول و انعدامها في قسم آخر،وفي مشروع دستور اقليم كوردستان لم ترد مثل هذه النقطة،لذا ليس هناك اي مانع قانوني على تعديله بعد الأنتهاء من الأستفتاء الشعبي عليه ان تعديل الدستور،وهنا اود الأشارة الى ان تعديل الدستور امر طبيعي،وعلى سبيل المثال فإن دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي أُقرّ في عام 1787 اثناء انعقاد مؤتمر فيلادلفيا و نُفّذ عام 1789 و تم تعديله 27 مرة حتى الآن،والدستور الألماني تم تعديله منذ عام 1949 لأكثر من 46 مرة بشكل جزئي،اما الدستور الفرنسي جرى التعديل فيه حتى هذا اليوم 14 مرة ،وبالنسبة الى الهند أقّر الدستور عام 1949 وقد تم تعديله جزئياً 78 مرة حتى عام1995،اما الدستور الأسترالي تم اقراره عام 1901 و خلال قرن من الزمن تم تعديله 42 مرة.
* لقد وصف دستور اقليم كوردستان نظام الحكم في الأقليم ب (البرلماني)ولكن نسمع يومياً بضرورة اعادة الدستور الى البرلمان و تغيير نظام الحكم الى البرلماني،السؤال هو:هل ان الحقيقة غير ذلك ؟ام ان ادعاء الأحزاب السياسية يأتي من عدم فهمها لمواد الدستور؟
- لو بدأنا من المادة الأولى من هذا الدستور وهي تنص على ما يأتي: (كوردستان العراق اقليم داخل دولة العراق الفدرالي، نظامه السياسي هو برلماني جمهوري ديمقراطي و يستند على التعدد السياسي و اسس فصل السلطات و التناوب السلمي للسلطة عن طريق الأنتخابات الحرة المباشرة السرّية و الدورية)، اذاً لايحتاج هذا النص الى اي تفسير،ويمكن لأي شخص فهمه بعد القراءة،ولكن مع الأسف الشديد نرى انّ هذا الدستور اصبح اداة للصراعات و المزايدات السياسية و لايحق لأي طرف التعامل معه بهذا الشكل،انا ادعو هؤلاء الأخوة،أنْ يأتوا بنموذج دستور من اي دولة اُعيد الى البرلمان لتعديله قبل الأستفتاء العام عليه.
* اذاً الى اي حد تُعتبر اعادة الدستور الى البرلمان كما تطالب بها الأحزاب السياسية هي خلاف للقانون؟
- اعادة الدستور الى البرلمان ليست من صلاحية اي طرف او شخص،شعب كوردستان هو الحكم و الفيصل،لذا لايحق لأي جهة من الناحية القانونية المطالبة بأعادته،والسبب هو ان الدستور اعدته لجنة اختارها البرلمان و صوّت لها الأعضاء،وهذا يعني ان الدستور قطع كافة المراحل القانونية وان اي تصرف او اجراء يّعد انتهاكاَ للقانون وضد مبادىء الدستور و الأعراف الدولية ايضاً، كما ان هذا الدستور لايتعارض مع الدستور العراقي و قد تضمن كافة الحقوق الفردية و حقوق المرأة و الطفل و كذلك حقوق عموم المكونات في اقليم كوردستان، كما يستند الدستور على مبادىء حقوق الأنسان و العهدين الدوليين بالنسبة الى الحقوق المدنية و السياسية و الثقافية و الأقتصادية و الأجتماعية.
* لقد صدر الدستور وفق مبدأ المعيار القانوني ، وهل يحق للبرلمان تشريع قانون ثم اعادته اليه مرة اخرى؟
- لقد قضيت 20 عاماً في برلمان كوردستان،وقد اصدر مئات من القوانين و القرارات ولم يستطع البرلمان طيلة هذه الفترة اعادة أي قانون، اذاً كيف يتمكن من اعادة مشروع دستور الأقليم الذي قطع مراحل الأعداد و التصويت من اعضاء البرلمان و مصادقة رئيس الأقليم و الأحالة الى المرحلة الأخيرة وهي الأستفتاء الشعبي،للأسف نشاهد من على شاشات التلفاز بعض المختصين في القانون يقولون ما المانع في تعديل المادة 16 من قانون عام 2008 و اضافة فقرتين اليها واعادة الدستور،وللأجابة عليهم اود الأشارة الى ان هؤلاء ينظرون الى دستور نظرة ازدراء و استخفاف،انه اكبر من انْ يجري بشأنه الحديث بهذا التوجه،لو تم ذلك فإنه يعني انهم يريدون سلب الحق و اغتصابه من الشعب عبر قانونٍ يُعد مخالفاً للدستور العراقي و حتى لمشروع دستور الأقليم الذي صوتوا له.
* هناك ادعاء بأن غالبية شعب كوردستان ترفض هذا الدستور،لو كان هذا صحيحاَ فلماذا يخشون الأستفتاء ، هل يجوز سلبب هذا الحق من شعب كوردستان لأغراض سياسية؟
- كما اشرت الى ذلك من قبل،لايحق لأي طرف أو شخص اغتصاب هذا الحق لأنه مخالف للدستور العراقي الفدرالي و كذلك لدستور اقليم كوردستان،والنقطة المهمة هي ادعاء تلك الأطراف بأن الدعوة الى تعديل الدستور هي محاولة لتحويل النظام من البرلماني الى الرئاسي،و يجب انتخاب الرئيس من البرلمان وليس من الشعب،لتوضيح هذه النقطة هناك حقيقة يعلمها كل القانونيين و لكن يتغاضى البعض عنها لأسباب قد تكون سياسية ، وهي انّ عملية انتخاب الرئيس سواء من قبل الشعب أم من البرلمان ليست لها أي علاقة بالنظام السياسي لهذا البرلمان،لأن الأختلاف بين النظام البرلماني و بين النظام الر ئاسي يكمن في نقاط اخرى ، هؤلاء يظنون انه لو تم انتخاب الرئيس من قبل البرلمان يعني أن النظام هو برلماني اما لو انتخب من قبل الشعب فالنظام هو رئاسي،اقول أن هذا فهم خاطىء، اورد لكم بعض الأمثلة لدول العالم والتي انظمتها برلمانية ولكن رؤساءها يُنتخبون من قبل شعوبها،وهي النمسا و فنلندا و بلغاريا و سنغافورة و مصر و ايرلندا و سكوتلندا،اما بالنسبة للأختلاف بين النظامين البر لماني و الرئاسي،اقول اولاَ ان من سمات النظام البرلماني هي وجود رئيس للبلاد و رئيس لمجلس الوزراء في آن واحد،وهذا الرئيس سواء كان رئيس جمهورية او حاكماَ او ملكاَ أو رئيس اقليم،النقطة الأخيرة وهي مهمة جداَ ان في النظام البرلماني يستطيع البرلمان منح الحكومة الثقة،و في الوقت ذاته سحب الثقة منها و مسائلتها و مساءلة وزرائها، وفي المقابل للحكومة الحق في حل البرلمان،وفي الوقت الحالي فإن برلمان كوردستان يتعامل مع هذا المبدأ وفق قوانينه،و لكن بأستطاعة البرلمان حل نفسه بعد تصويت ثلثي اعضائه على ذلك،كما يجري كثيراً الحديث عن صلاحيات رئيس اقليم كوردستان بأنها واسعة جداً،بدون شك انها 24 صلاحية، ولكن لندقق فيها،ان غالبية تلك الصلاحيات هي بروتوكولية أو تشريفاتية أو صلاحيات رمزية، وبعضها يتم من خلال التنسيق مع رئيس البرلمان و الأخرى بالتنسيق مع رئيس الحكومة، وبالنتيجة فإنّ رئيس الأقليم لايملك الصلاحيات المطلقة.
* في لقاء خاص مع (كولان) اشار السيد عدنان المفتي الرئيس الأسبق لبرلمان كوردستان الى ان الأطراف السياسية تستطيع اعداد مشروع خارج البرلمان و التوافق عليه و جعله ملحقاً للدستور،وهذا يعني انَّه يمكن اثراء الدستور ولكن لايمكن تعديله الاّ بعد اجراء الأستفتاء عليه، هل انك مع هذا التوجه؟
- انا اتفق مع السيد المفتي في هذا الموضوع ، لأن الدستور الآن هو ملك لشعب كوردستان و ينبغي احالته الى الأستفتاء العام، النقطة الأخرى هي ان السيد المفتي قد ذكر انّه يمكن الأتفاق على الفقرات و المواد التي فيها خلافات من خلال التوافق السياسي ولكن بعد الأستفتاء ومن ثم تعديلها وهي سهلة،إما من خلال موافقة رئيس الأقليم أو رئيس الحكومة على ذلك، وإما عن طريق تصويت ثلث اعضاء البرلمان الذين لهم الحق في هذا الجانب،ومن ثم تتم المصادقة على تلك التعديلات و احالتها الى التصويت على ان يتم ذلك بموافقة اصوات ثلثي اعضاء البرلمان بشأنها.[1]