ترجمة/ بهاءالدين جلال
بعد مرور ثلاث سنوات على التغييرات التي حصلت في الدول العربية و الأوضاع المضطربة التي طرأت في سوريا و الشرق الأوسط بصورة عامة،يعتقد بعض المراقبين أنّ هذه المنطقة سوف تتحول الى المزيد من الأحتقان و التعقيد و المخاطر حيث العمليات الأرهابية و القتال الطائفي و قد اجمع الكل على أنّه من الصعوبة بمكان التكهن بالتحول نحو الهدوء و الأستقرار في المدى القريب،وللحديث عن هذه المسألة اتصلنا بالبروفيسور زكاري لوكمان استاذ الدراسات الأسلامية و الشرق اوسطية في جامعة نيويورك ، حيث اعرب عن رأيه عنها و عن المسائل الأخرى ذات العلاقة ضمن اجابته عن اسئلة كولان:
* لقد مرت ثلاث سنوات على مايسمى بالربيع العربي،ولكن الأوضاع لاتزال متوترة في الدول التي حدثت فيها التغييرات، اذاً كيف تقرأون الأوضاع في الشرق الأوسط الآن بعد هذه المدة؟
- علينا النظر الى هذه المسألة من منظور تأريخي،ويجب أنْ لا نفكّر في سنة أو اثنتين أو ثلاث،بل علينا التفكير في عقد أو عقدين،لأننا سوف نتفهم التطورات التي حدثت في اوضاع تلك الدول بعد عشرين او ثلاثين سنة،الأنتفاضات العربية اصبحت تحدياً للأنظمة السياسية التقليدية،أواضعافها واسقاطها،من جهة اخرى فإن النتئاج الأيجابية التي كان يتمناها الشعب،تكمن في انشاء انظمة سياسية ديمقراطية جديدة و العدالة الاجتماعية و المشاركة الفاعلة للمواطنين التي لم تتحقق حتى الآن.
وفي بعض الأحوال اعقب سقوط و انهيار الأنظمة القديمة ظهور بعض التطورات الخطرة،مثل اندلاع الحرب الأهلية الدامية في سوريا،و عدم استقرار الأوضاع في ليبيا،اذاً فإن النتائج اصبحت غير معروفة،ولكن من المبكر جداً أنْ نّصفها بالأحباط لأنّ مسار الأوضاع و التطورات لازال غير واضح و لا يمكن التكهن بما يحدث مستقبلاً،صحيح فإنّ الآلاف بل الملايين من الأشخاص نزلوا الى الشوارع مطالبين بتوفير العدالة الأجتماعية،ولازال الحكم بيد نظام عسكري الذي يسعى الى اعادة عقارب الساعة الى الوراء،ولكنني متأكد بعدم الوصول الى نهاية القصة،وعلينا الأنتظار في الأشهر و السنوات القادمة للتعرف على الاحداث و اتجاهاتها،اذاً هذه هي المرحلة الانتقالية و الفوضى،كما هي مرحلة تصاعد الطائفية في العديد من المناطق، و يظهر ذلك جلياً في العراق و السعودية،نحن نرى حروباً بالوكالة،بين ايران من جهة و السعودية من جهة اخرى، و كل واحدة من هذه الدول ترسل الأسلحة و النقود الى حلفائها المحليين،و هي بالنتيجة تؤدي الى نتائج وخيمة و دموية مؤسفة،و لكن فإن اجراء أي تقييم تأريخي مناسب لهذه المرحلة يحتاج الى وقت طويل.
* نحن نعلم أنّ الشرق الأوسط من الناحية التأريخية كان من نتاج اتفاقية سايكس- بيكو التي تأسست بموجبها الدول على اساس التعددية القومية و العرقية،و لكنها تعاني الآن من المشكلات العرقية و القومية،هل انّ سبب ذلك هو الأتفاقية المذكورة؟
- صحيح أنّ الكثير من حدود دول الشرق الأوسط تم رسمها من قبل الدول الأستعمارية وفق مصالحها بعد الحرب العالمية الأولى،وهي سبب تلك المشكلات التي نتحدث عنها الآن،ولكن علينا التأمل لأنه توجد في الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل ستراتيجيات تعمل على تفكيك تلك الدول و اعادة رسم الحدود وفق التقسيم العرقي و الديني،وهذا هو أمر خطير،لأنّه كلما تم التلاعب بالحدود كلما ادى ذلك الى سفك المزيد من الدماء،لذا علينا التحلي بالصبر و الحذر،و بالتأكيد ففي تلك المجتمعات و على سبيل المثال العراق و الذي على الرغم من سيطرة الأقلية السنية على الأغلبية الشيعية لزمن طويل ولكن هناك علاقات اجتماعية حميمة بين الجانبين ومن بينها الزواج المتبادل،اذاً الطائفية هي ليست نموذجاً متوارثاً وانما من صنع السياسة،يمكن التصور في اتباع اسلوب للديمقراطية و المشاركة في التعامل مع مسألة الطائفية، وصحيح انه من الأمور الصعبة،ولكنه ليس مستحيلاً،لأننا يمكن أنْ نتصور وجود موقع قدم مناسب و معترف به للأقلية الكوردية في تركيا،يضمن الحقوق الثقافية و السياسية وهذا يُحدث تغييراً كبيراً في السياسة و في المجتمع التركي،ولكن المهم هو أنّ الكل في تركيا يدافع عنها،وهي مهمة ايضاً بالنسبة الى العلاقات بين الأقلية و الأغلبية،لذا أنا متأكد أنّ الغاء التقسيمات التي اوجدتها اتفاقية سايكس – بيكو سوف يساعد على حل المشكلات،ان ما يحدث في تلك الدول هو نضال محلي بالرغم من انّ له أبعاد قومية وعالمية،النضال من اجل اثبات وجود البلدان،اقصد هنا دور المواطنين اذا اصبحت لديهم السلطة وأي نظام سياسي سوف يختارونه.
* صحيح أنّ القوى الأستعمارية رسمت حدود الشرق الأوسط وفق مصالحها الذاتية و لقد قامت كل من بريطانيا و فرنسا بهذا العمل، و لكن هناك اختلافاً في وجهات النظر، وهو هل يمكن الأستمرار على هذا الخطأ و يصبح مصير هذه القوميات ضحية لخارطة قديمة؟
- لكل طريقة حلٍ ضريبة،ومن المعلوم أنّ خارطة المنطقة تم رسمها بعد الحرب العالمية الأولى ما ادى الى نشوء القمع، قمع الأقليات القومية و الدينية و اشكال القومية المختلفة،هذا من جهة و من جهة اخرى كما اشرتُ اليه فإن اعادة رسم الحدود و تقسيم السكان يفتح الباب على بدء مرحلة اخرى من سفك الدماء و القتال،وعلى الرغم من أنّ الحدود تم رسمها من قبل القوى الأستعمارية الاّ أنّه بالنسبة الى تركيا فالوضع مختلف قليلاً،لأنّ انشاء الدولة التركية و الجمهورية التركية كان في أحد جوانبه هو نتيجة لرفض شروط الأستعمار،أي ان الأتراك استطاعوا التمسك بزمام الحياة ما ادى الى حصولهم على الشرعية ، وفي نظري الشخصي إنّ التحدي الحقيقي هو اكتشاف اسلوب ديمقراطي لحل تلك المسائل،وليس من الشرط انْ يشمل ذلك تفكيك الدول،بل العمل من اجل ضمان الحقوق الديمقراطية لعموم الأقليات العرقية و الدينية وانْ يسود نظام ديمقراطي تعددي و ثقافي مختلف يمنح الحق للمواطنين لممارسة حقوقهم اللغوية و العرقية و القومية،هذا من جهة و من جهة اخرى يحق لهم المشاركة في الحكومة،و اعتقد هذا هو الاسلوب الصحيح في حل عموم المشكلات.
* بغية حل المشكلات العرقية و القومية ينبغي تغيير خارطة سايكس- بيكو،كما جرى في منطقة البلقان،أي توفير فرص لأنشاء دول جديدة وفق مطالب المواطنين،السؤال هو:الى أي مدى يستعد المجتمع الدولي لبلقنة هذه المنطقة؟
- حسب ما افهم،فإن الجزء الأكبر من العالم غير مستعد لهذا المشروع،هناك دروس مختلفة يجب أنْ نتعلمها من يوغسلافيا السابقة،صحيح أنّه جرى تقسيمها،ولكنها ادت الى وقوع حرب دموية و تشريد الآلاف من المواطنين،الذين كانوا متعايشين لقرون عدة في سلام و وئام و احترام،اذاً تقسيم الدول بحاجة الى ضرائب كبيرة،و بالتأكيد فإنّ طلب الأقلية الكوردية في تركيا لتأسيس ادارة ذاتية هو طلب واقعي و قابل للتفهم و ينبغي مراعاته،ولكن هل أنّ الحل الأمثل يكمن في اعادة رسم الحدود،و هذا غير واضح،نحن لدينا الآن تجربة السودان الجنوبية،التي انفصلت و استقلت من السودان،ولكن ادى ذلك الى اندلاع حرب اهلية و زعزعة الأمن في المنطقة،انا اؤمن بحق تقرير المصير و يجب اتخاذ ذلك على محمل الجد من جهة، ومن جهة أخرى فإن اعادة رسم الحدود تؤدي الى المزيد من المشكلات و خاصة بالنسبة الى الذين كانوا من قبل اقلية قومية.و يجب التفكير في وسائل اخرى لتحقيق مطالب و طموحات الأقليات القومية و الدينية و منها حق الأدارة الذاتية.
* تحقيق الأستقرار و السلام في المنطقة يحتاج الى اتخاذ طرق دبلوماسية، و بمعنى آخر فيما لم يستطع العالم تغيير خارطة سايكس- بيكو و ممارسة دبلوماسية متعددة الأبعاد، ما تأثير عدم الأستقرار في الشرق الأوسط على الأمن و السلام الدوليين؟
- هذه مشكلة خطيرة و هناك احتمال لأستمرار عدم الأستقرار و الفوضي في المنطقة و لفترة طويلة،اعيدها ثانيةً،ففي سوريا حيث العمليات العسكرية مستمرة و قتال دموي ولكنه ليس محلياً بل أنّ القتال هو اقليمي ولكنه بالنيابة،وخير مثال على ذلك هو تدخّل تركيا و السعودية و ايران في الأزمة السورية، وانني غير متفائل في ايجاد مخرج حقيقي من الأزمة ولكن المجتمع الدولي يستطيع أنْ يؤدي دوراً ايجابياً وذلك من خلال حث الأطراف على اجراء الحوار من اجل انهاء القتال الدموي في سوريا و انقاذ الشعب السوري و كذلك العراقي من المأساة التي يعاني منها، و اعتقد أنّ عملية اجراء المفاوضات تتعلق بشكل من الأشكال بالعلاقات الأمريكية – الأيرانية،كما انها تتعلق بمشكلة اسرائيل مع الفلسطينيّن،اذاً فإنّ المسألة معقدة جداً،ولكن من الحل الأمثل يكمن في مشاركة امريكا و الأتحاد الأوروبي و روسيا و الأطراف الأخرى بجدية في حل الأزمة السورية الحالية من خلال التدخل ضمن نفوذها و علاقاتها مع حلفائها المحليين،لحل الازمة دبلوماسياً و سياسياً بدلاَ من المساعدات العسكرية و ارسال الأسلحة الى الجهات المتحاربة.[1]