ترجمة/ بهاءالدين جلال
كان لعلماء الدين الأسلامي وأئمة مساجد كوردستان دور متميز في عموم الثورات الكوردستانية، لذا في هذه المرحلة الحساسة التي ينشغل فيها رئيس اقليم كوردستان لأعداد و تهيئة أرضية قانونية حول إجراء الأستفتاء العام و حق تقرير المصير، فمن المهم جعل هذه المسألة مسألة جماهيرية يشارك فيها عموم افراد شعب كوردستان، ومن المعلوم أنّ أحدى الشرائح المعروفة و الثورية في اقليم كوردستان هي علماء الدين الأسلامي و أئمة المساجد، و للحديث عن هذه المسألة اجرينا اللقاء الآتي مع الشيخ عبدالرحمن الشيخ عثمان عبدالعزيز،نجل المرحوم الشيخ عثمان عبدالعزيز أول زعيم اسلامي والذي اطلق فتوى الجهاد ضد حزب البعث في ثمانينيات القرن الماضي، وخلال اللقاء يجيب عن أسئلة كولان الموجهة اليه:
* تشهد الأوضاع في اقليم كوردستان تحولات سريعة، حيث وجه السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان من برلمان كوردستان رسالة الى شعب كوردستان و العالم، ماهي قراءتكم لمنحى الأحداث؟
- في الحقيقة كما اشرتُ اليه في كتاباتي أنّ بقاء العراق موحداَ بين الكورد و الشيعة و السنة إنْ لم يكن أمراً مستحيلاً فإنّه صعب للغاية، لأن بقاء العراق موحداً يحتاج الى تغيير في العقلية السياسية العراقية، أي التوصل الى القناعة بأنّه يمكن المحافظة على وحدة العراق عندما تكون اختيارياً في اطار دولة اتحادية أو اتحاد كونفدرالي. وفي غياب هذه الحقيقة فإنّ مصير العراق سوف يكون التقسيم، وفي هذا المنحى فإنّ القيادة السياسية الكوردستانية و على رأسها الرئيس مسعود بارزاني درس واقع اقليم كوردستان و العراق بالتفصيل و بمنطق، والكل يرى تفاصيل الأحداث وفق هذه القراءة، حيث أنه من الصعب عودة اوضاع العراق الآن الى ما قبل 9 حزيران 2014، اي قبل استباحة الموصل و تكريت و ديالى، وقد اعرب الرئيس البارزاني عن موقفه التأريخي عندما أمر سيادته بتحريك قوات البيشمركة ليحل مواقع الجيش العراقي الذي ترك ثكناته العسكرية، من اجل حماية الحدود الجغرافية لجنوب كوردستان، والأهم من ذلك عدم سماح سيادته بتقدم البيشمركة الى مواقع متقدمة و الأنخراط في القتال، حيث ان القتال في الأساس هو حرب طائفية بين السنة و الشيعة، وان قوات داعش لم تأت الى هذه المناطق بمفردها بل انّ العرب السنة الذين ذاقوا الأمرين من المالكي انتفضوا و حرروا مناطقهم. اذاً ان سير الأحداث تشير الى أنّ المعادلة السياسية في كيفية التعامل مع بغداد، مع الواقع الجديد في الموصل و تكريت و ديالى شهدت تحولات جذرية، و على هذا الأساس يجب حدوث تغيير في السياسة و الدبلوماسية الكوردستانية و التعامل وفق مستجدات الأحداث، ان الواقع الجديد لكوردستان قبل كل شىء يفرض أن يقر شعب كوردستان مصيره، ومن ثم يجري التفكير في كيفية بناء العلاقات مع العراق و الجوار و العالم،و اقولها بصراحة فإنّ تهيئة الأرضية لأجراء الأستفتاء العام حول مصير كوردستان و بناء دولة مستقلة تأتي في مقدمة خطوات و مهام رئيس الأقليم.
* كثيراً يجري الحديث عن الدولة و الأستقلال، و بقدر ما يتم التأكيد على العوامل الخارجية لا نفكر بالعوامل الداخلية و وحدة موقف شعب كوردستان، لأن العامل الأساس هو الداخلي، وعلى سبيل المثال عندما يواجه رئيس اقليم كوردستان هذه المرحلة التاريخية فإنه يواجهها بالتوكل على الله وبدعم من شعبه، و هذا يحتاج الى هداية من الله ووحدة صفوف شعب كوردستان، كيف تنظرون الى النقاط القوية و الضعيفة للمجتمع الكوردستاني الآن؟
- بدون شك فإن رئيس الأقليم يحتاج في هذه المرحلة الى هداية الله و نحن كشعب كوردستان نسنده كصف واحد و كموقف موحد، لأن التكوين الجغرافي لكوردستان هو أن كل جزء منها يقع تحت سيطرة احدى الدول ، قد لاتروق لها انْ تكون هناك دولة مستقلة، ولكن ماهو أغرب من ذلك هو وجود اطراف كوردستانية داخل الأقليم لا يروق لها انْ يكون لكوردستان كيان او دولة مستقلة، بحجة ان الوقت لايزال غير مناسب، انا لااعتقد أن الوقت قد حان لتقرير المصير، وكان أجدر بالرئيس الأعلان عن هذا القرار التأريخي قبل هذا الوقت، ان الظروف المهيأة للكورد حالياً تختلف كثيراً عما توفرت في زمن اعلان جمهورية كوردستان في مهاباد و كذلك في زمن مملكة الشيخ محمود، واذا ما فقد الكورد هذه الفرصة التأريخية- لا سامح الله- فإن مسؤولية ذلك سوف تقع على القيادة السياسية الكوردستانية و بالأخص على رئيس اقليم كوردستان، لذا لا ينبغي أنْ يُنظر الى مسألة مصيرية لتحديد مستقبل كوردستان من زاوية المصالح الحزبية و المزايدات السياسية، لأن أقل خطأ او احداث شرخ بين صفوف و وحدة الموقف لشعب كوردستاني سوف يؤدي الى مآسي و كوارث كبيرة، وعلى سبيل المثال ولسنوات عدة كانت هناك عقبة كبيرة امام انشاء دولة كوردستان في تركيا وحتى ان الكورد لم يستطعوا التحدث بينهم باللغة الكوردية، أما الآن و بسبب الأنفتاح بين الأقليم و تركيا من خلال نقل ثرواته النفطية عبر الأراضي التركية نجد أن تحولات كبيرة شهدتها السياسة التركية ازاء جنوب كوردستان، واكثر من ذلك فإن المسؤولين الأتراك يؤكدون احترامهم للقرار الكوردي فيما اذا اعلنت كوردستان عن تقرير مصيره في الأستقلال لأنه لا يضر بمصالح تركيا.
* نتساءل ، كيف يمكن لرئيس اقليم كوردستان أن يصبح في هذه المرحلة خيمة يجمع في ظلها عموم شعب كوردستان من اجل نيل دعم و اسناد الشعب لهذه المسألة التاريخية؟
- من الواضح ان سيادته يواجه الآن اكبر مسؤولية، ولكن من المهم ايضاً انْ يولي اهتماماً خاصاُ بداخل الأقليم و الرأي العام و يسعى الى رفع روح الأنتماء القومي و الوطني بين ابناء الشعب، و أنْ يهتم كثيراً بعلماء الدين و عموم الشرائح لكي يصبح الأنتماء الوطني و القومي من الأهتمامات الأولى لكل افراد المجتمع، اود هنا أنْ اشير الى دور المرحوم الملا مصطفى بارزاني و الذي استطاع جمع عموم الكورد تحت خيمة واحدة، والأهم منذ لك هو وضع الكوردايتي فوق كل الأعتبارات الحزبية و كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يعتمد ذات السياسة، كما هو المعلوم فإنّ البارتي كان قد تحول الى الحزب الأول و الشامل في كوردستان، ما ادى الى عدم الحاجة الى أي حزب آخر، و اقصد هنا الأحزاب الأسلامية، قد يتساءل البعض لماذا لم يظهر في زمن المرحوم مصطفى البارزاني أي حزب اسلامي؟ هل ان المرحوم منع ذلك أم أنّ البارتي كان يسد هذا الفراغ؟ ان الأجابة عن هذه الأسئلة مهمة جداً، بالنسبة لي استذكر هنا قصة والدي المرحوم الشيخ عثمان عبدالعزيز، حيث كان بامكانه تأسيس حزب اسلامي في حينه، و لكنه لم يفعل ذلك، بل شارك ثورة ايلول بمشروع تأسيس اتحاد العلماء الدين الأسلامي، وسبب ذلك هو ان والدي و عموم علماء الدين الأسلامي كانوا على دراية بأن ما يتحملونه من الواجبات الدينية و القومية كان الملا مصطفى يقوم بأدائها والكل كان يمارس عمله بحرية تامة.
* لو نشير الى مسألة تأسيس اتحاد علماء الدين الأسلامي و نتساءل كيف كان دوره في ثورة ايلول التحررية؟
- قد لايفسح المجال في هذا اللقاء التحدث بالتفصيل عن دور اتحاد علماء الدين الأسلامي في ثورة ايلول، ولكن يمكن القول أن الأتحاد ومعه كل افراد الشعب، استطاعوا تحويل ثورة ايلول الى ثورة شعبية و جماهيرية، و تمكن اتحاد علماء الدين الأسلامي بدوره من جمع دعم و اسناد عموم ائمة المساجد و علماء الدين في كافة مناطق كوردستان لثورة ايلول، وهذا هو أحد جوانب التقصير لأعلام البارتي الذي لم يتمكن من ابراز الدور المشرف لعلماء الدين الأسلامي في هذه الثورة، وهنا اود استذكار حكاية للمرحوم مصطفى بارزاني، حيث طلب المرحوم من والدي عام 1974 من خلال برقية زيارته في ديلمان( مقر الملا مصطفى آنذاك) و قد حضر اليه و هناك دعاه لجمع مجموعة من علماء الدين الكورد و المعروفين على المستوى العالمي، بغية الأستعداد للتوجه الى السعودية و عدد من الدول العربية الأخرى، والهدف من هذه الزيارات هو شرح واقع الثورة الكوردستانية بالتفصيل لدى الملك فيصل عاهل السعودية، لأن الحكومة العراقية تنوي ضرب ثورة كوردستان بسلاح العروبة و الدين الأسلامي، و قد توجه الوفد فعلاً و التقى بعد يومين العاهل السعودي، و قد اعرب الملك فيصل عن دعمه و تأييده للزعيم القومي الكوردي الملا مصطفى، كما كان لمحادثات الوفد مع الجانب السعودي تاثير كبير كورقة ضغط على الحكومة العراقية للأعتراف بالحقوق القومية للكورد، وبعد ايام من تلك الزيارة، قام وزير الخارجية المصري بزيارة الى العراق، ووصل الأمر الى ابداء الحكومة العراقية عن بعض المرونة، الاّ انّ اتفاقية الجزائرية المشؤومة حالت دون ذلك، والهدف من هذه القصة هو اظهار الدور الدبلوماسي للأتحاد، أما على الصعيد الداخلي فقد اسس علماء الدين الأسلامي محاكم شرعية في المناطق المحررة للبت في مشكلات و دعاوي المواطنين، كما تم تسليح العلماء و المشاركة في ثورة ايلول، ولذا يمكنني القول أن المرحوم الملا مصطفى كان قائداَ جامعاً و شاملاً يهتم بالجانب الديني الى جانب اهتمامه بالمسألة القومية و احترام الديانات الأخرى في كوردستان.
* لو تحدثنا عن دور و موقف علماء الدين الأسلامي الكوردستاني الآن، نجد أنّ دورهم و موقفهم كان في كل الأوقات متميزاَ جداً، أما للفترة الحالية نريد انْ نجعل الأستقلال مسألة جماهيرية، ترى ما هوالدور الذي يفترض أنْ يلعبه علماء الدين الأسلامي الكوردستاني؟
- بالنسبة للمرحلة الحالية فإن مهام علماءالدين الأسلامي الكوردستاني صعبة ومختلفة، هناك حساسية تسود الدول العربية الأسلامية و الدول الأسلامية غير العربية حول تأسيس دولة كوردستان، لذا يتطلب الوضع انْ تكون لنا مرجعية دينية من اجل شرح الواقع الكوردستاني الحالي لتلك الدول، لأنّ في كوردستان علماء رفيعي المستوى اكبر درجة من علماء الدين الشيعة، وقد بعث الرئيس البارزاني قبل ايام رسالة الى المرجع الشيعي السيد علي السيستاني ولم نر منه اي دور حتى في زمن النظام السابق، مثلما كان للمرجعيات الأخرى امثال آل حكيم و آل خالص و الصدريين، فالشيعة بالرغم من خلافاتهم الاّ انهم يطيعون مرجعيتهم السيستاني، اتساءل لماذا لا يرسل رئيس اقلم كوردستان رسائل الى علماء الدين الأسلامي الكوردستاني و لا يجتمع معهم؟
حيث انني على ثقة بأن هؤلاء يستطيعون اداء دورهم اكبر من أئمة و علماء النجف و كربلاء، ولكن نشاطاتهم حددت من قبل الأتحاد الحالي لعلماء الدين الأسلامي و وزارة الأوقاف ولم يكلفوا بأداء دورهم كما في زمن الملا مصطفى بارزاني ،لنأتي على دور علماء الدين الأسلامي على الصعيد الداخلي و شعبية مسألة الأستقلال، مقترحي الى السيد رئيس كوردستان هو اجتماعه في مأدوبة افطار او في ليلة القدر مع مجموعة من علماء الدين و الأئمة(على مستوى اجزاء كوردستان الأربعة) من اجل تفعيل هذه المسألة المصيرية و اطلاق فتوى جماعي لدعم استقلال كوردستان، كما من المهم قيام علماء الدين الأسلامي بزيارة جبهات القتال لقوات بيشمركة كوردستان و تناول الأفطار و اداء الصلاة معهم و هذه الأمور تقع مسؤوليتها على السيد مسعود بارزاني بأعتباره مؤمناَ و يحترم كثيراً الدين و علماء الدين الأسلامي و أئمة المساجد.[1]