يعتقد البعض ان انتاج التشدد الديني في المجتمع مصدره المدارس الدينية و كليات الشريعة و العلوم الاسلامية و بعض الخطب المتشددة لخطباء المساجد، اذا كانت وجهة نظر هؤلاء صحيحة اذاً كيف ينظر المختصون و علماء الدين الأسلامي الى هذه المسألة و ما هو برنامجهم من اجل تغيير مصادر توليد هذا التشدد الى مصادر لأنتاج المحبة و التسامح؟ وهل توجد في كوردستان الفكرة التي تنتج التطرف والتشدد، و لو كانت موجودة اذاً كيف يمكن التعامل معها ؟ و للحديث عن فكرة التطرف و محاولة التجدد و الأنفتاح على الدين الأسلامي الحنيف، اجرينا هذا اللقاء مع الدكتور حسن المفتي الأستاذ المساعد في الفقه و اصول الفقه الأسلامي في جامعة صلاح الدين/ اربيل.
ترجمة/ بهاءالدين جلال
* كثير من المراقبين توصلوا الى قناعة بأن ظاهرة ارهابيي داعش، قد احرجت الدين الأسلامي، ما هو مصدر الفكرة التي انتجت داعش؟
- الفكرة التي انتجت داعش مصدرها الفكر السلفي الأصولي الخارجي التفكيري، ان مخاوف هذه الفكرة تجعلني انْ اقول انني لااخاف من داعش الخارج، وانما خشيتي من الفكرة التي قد تنتج داعش مرة اخرى داخل كوردستان بشكل آخر، لذا من المهم هنا ان نتوقف قليلاً عن الفكر الأصولي التكفيري، لكي يطلع مسلمو كوردستان عموماً و شبابنا على وجه الخصوص على مخاطر هذه الفكرة. وحول فكر السلفيين يقولون انهم انواع، واعتقد انه عدا السلف الصالح فإن السلفيين كلهم على نفس النمط حيث يلتقون أخيراُ في السلفي التكفيري القتالي،و السبب هو انّ السلفية تأتي بمعنى السلف الصالح كما يشير اليه العالم الشهير الدكتور محمد سعيد رمضان البوتاني (ان السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب اسلامي)، وهذا يعني ان السلف الصالح كان له اطار للقرنين الأول والثاني و حتى الرابع الهجري، ثم ان الذين أحيوا السلفية لا يسمونها السلف الصالح بل السلفية فقط، و الهدف من ذلك هو القيام بأطلاق الفتاوى كما يشاؤون من دون أنْ يراقبهم أحد، لذا فإن الدعوة الى السلفية ليست دعوة سليمة و لاتنسجم مع ظروفنا الحالية، لأنه لو تحدث أحد العلماء في زمن الخلفاء الراشدين عن شىء في مجال القتال و الجهاد فإنه قاله لعصره فقط، ولايجوز اتباعه من قبل المسلمين في الوقت الحالي و يذهبون الى جيجان او منطقة اخرى خاضعة لسيطرة داعش باسم الجهاد، لأن الزمن قد تغير، ونشأت دول، وعندما يأتي داعش و يعلن الخلافة الأسلامية فإن ما ينتج عنها هو الفوضى و الفتن التي تعم العالم الآن.
* لماذا ينتج الفكر الأصولي هذا النوع من التطرف، وهل انهم لايتّبعون النصوص و السنة ايضاً؟
- نحن في الدين الأسلامي الحنيف لدينا مجموعة من المصادر القانونية، ولا يجوز التفريق بينها،المصدر الأول للتشريع هو القرآن الكريم، ثم تأتي السنة النبوية الشريفة للرسول( ص)، ولكن مشكلة السلفيين هي السياسة الأنتقائية ، حيث يأخذون بعض الآيات من القرآن الكريم و مجموعة من الأحاديث النبوية التي تنسجم مع افكارهم وفق تأويلاتهم لها، كما انّ هناك سياسة حصر الشيوخ بين هؤلاء العلماء، أي انهم يعتمدون على عدد من العلماء و يرفضون الآخرين، و على سبيل المثال الفكر السلفي، و يرفضون المذاهب الأربعة( المالكي، الحنفي، الشافعي، الحنبلي)لأنها تحتوي على الأعتدال بصورة عامة، لذا فإن السلفيين يقولون فقط( قال الله) و قال (الرسول ص) من دون تأويل و تفسير لتلك النصوص و الأحاديث، لأنه لايمكن لأي شخص القيام بتفسيرها حيث جاء في القرآن الكريم(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، أو (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، وهذا يعني توجيه السؤال الى الخبراء فقط، أو اخراج المعاني من القرآن، ولكن بين السلفيين من يعتبر نفسه مفتياً و يتحدث عن الجهاد، في حين ان الجهاد له اوقات و مواعيد و يتطلب وجود دولة اسلامية حقيقية و تحظى بتأييد الجميع، بينما يقول الرسول(ص) ان الخلافة الحقيقية من بعدي تمتد لثلاثين سنة فقط أي عهد الخلفاء الراشدين، وهذا يعني ان أي خلافة بعد الخلفاء الراشدين تتعرض الى الأنتقاد، ولكن السلفيين يعتبرون انفسهم معصومين، ويقولون لمؤيديهم لايجوز قراءة اكثر من هذه الكتب أو تلك، والهدف من ذلك هو غسل ادمغتهم و تحديد اطار عقليتهم و تفكيرهم، أنا اقول هنا: لو درس الشبيبة الذين يسيرون وراء هؤلاء السلفيين الفقه الأسلامي لمدة شهرين فقط، لجرت في عقولهم تغييرات من دون انتاج هذا التطرف و الأرهاب.
* نفهم من قراءتكم انّ هدف السلفيين هو الوصول الى السلطة، و ليس خدمة الدين الأسلامي الحنيف؟
- السلفية ايديولوجية سياسية تكفيرية ، تهدف الى الوصول للسلطة السياسية تحت غطاء القرآن و الأحاديث، كما انّ متتبعو المذهب الشيعي الذين شكّلوا امبراطورية بذريعة اهل البيت، لذا انهم السلفيون التشيعون، و الآخرون هم السلفيون التسننون، وهدف الطرفين هو واحد.
* ولكن السلفيين ومعهم سلفيي كوردستان يدّعون انهم لايريدون الأنخراط في السلطة، هل هذا هو عكس وجهات نظركم؟
- هذا الأدعاء للسلفيين هو تكتيك ، لأن ستراتيجيتهم شىء آخر، يقول السلفيون لمريديهم في المرحلة الأولى و الثانية و الثالثة انه لايجوز باي شكل من الأشكال التكلم في السياسة، و في المرحلة الرابعة يطرحون فكرة السياسة كمقترح لأعضائهم، وعلى سبيل المثال كان هناك عدد منهم في اقليم كوردستان ولقد تخلوا عن هذه الفكرة- والحمد لله- ويقال ان السلفيين يطالبون في المرحلة الخامسة انْ يجعلوا السياسة كمقترح و اثارتها من اجل معرفة مدى قبولها لدى اعضائهم، و الأمثلة كثيرة على ذلك، ففي مصر السلفيون لم تكن لديهم الفرصة لتشكيل حزب، ولكن بعد ان تهيأت لهم الفرصة شكلوا حزب النور السلفي، و في اليمن اعلنوا حزب اتحاد الرشاد، أما في سوريا و العراق فإن 99% من يقاتل هم من السلفيين، لذا لو اجرينا مقارنة بين سلفيي داعش و سلفيي كوردستان و سلفيي العالم الأسلامي لوجدنا انّ هناك أوجه تشابه حيث يطلقون اللحايا العريضة و يكفّرون الناس و يشجعون العنف و ينتجون التطرف، و يعتمد جميعهم على بعض العلماء و عدد من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة ، كما انهم لديهم نفس المعتقد، حيث يحرّمون اشياء و يحللّون أخرى، وعلى سبيل المثال السلفيون يرفضون الأحتفال بذكرى المولد النبوي في كوردستان كما ان داعشيون يرفضونه ايضاً.
* ولكن السلفيين بأقليم كوردستان لم ينخرطوا في السياسة لحد الآن، أو بالأحرى ليس لديهم حزب سياسي، وهذا لايعني انهم بعيدون عن السياسة؟
- صحيح، ان السلفيين ليس لديهم حزب سياسي خاص بهم، ولكنهم ككل الأحزاب السياسية الحالية في كوردستان و من ضمنها حزبهم السياسي الأسلامي الأم ( الحركة الأسلامية ثم النهضة الأسلامية و الأنصار و الجند و... الخ) و ثم الجماعة الأسلامية و الأتحاد الأسلامي فإن نسبة كبيرة منهم من السلفيين، لقد اعلن حزب الجماعة الأسلامية من قبل انه كان لهم منهج سلفي، فيما تجرأ بعض قادة الأتحاد الأسلامي الكوردستاني بأنهم اتخذوا خطوات على هذا النهج، ويقولون ليس من الشرط ان نتّبع السيد القطب، الأخوان المسلمون في مصر لهم الولاء للعروبة، يسيرون خلف توصيات حسن البنا، وكانوا يؤمنون بأنه على جميع الشعوب المسلمة غير العربية ان يكون خدماً العرب، ويقول في احد النصوص: لا العرب يستطيع الأستمرار بدون الأسلام ولا الأسلام يستطيع فعل شىء من غير العرب.
* هناك نهج اسلامي آخر يسمى( الصوفية) أو التصوف، وهل يوجد اختلاف بين الصوفية و السلفية؟
- لنبدأ من الكلمة ذاتها، و لنعرف ماذا يقول العلماء السلفيون، بدون شك فإنّ نهج الصوفية كاسس الفقه الأسلامي و علم العقائد و الكلام نهج مستقل، لذا فإن الصوفية علم له مصطلحه الخاص وقد انتهت هذه المصطلحات في القرن الثاني الهجري و حتى القرنين الرابع و الخامس الهجريين، وهي مصطلحات( الأحوال و المقامات) وهذه نابعة من مذهب التصوف الأسلامي، ليس غربياً و لاشرقياً، هناك الرهبانية في الديانة المسيحية، و هي تخص الرهابنة الذين يتركون امور الحياة، و في المقابل هناك في الأسلام الربانية، أي ان القرأن لم يحرّم كل ملذات الحياة، الاّ الأمور التي تعيق حياة الأنسان، وفي هذا الأطار فإن مذهب الصوفية هي ثورة اخلاقية و تربوية من اجل تطهير ذات الأنسان من العنف، حيث ان الكثير من الناس بعد انتهاء عهد الخلفاء الراشدين و اثناء عصري الأمويين و العباسيين أخذ يتبع مذاهب مختلفة، لذا قام مفكرون اسلاميون مخلصون من مدرسة الحسن البصري بأعلان ثورة تربوية بغية العودة الى اسس الأخلاق و المظاهر الجميلة و الأبتعاد عن العنف وقتل الناس و عبادة الدنيا، و في هذه الفترة ظهر الحجاج بن اليوسف الثقفي حيث قام بقتل الآلاف و نستطيع القول بأنه كان يمثل في عصره داعش الحالي، لذا قام رجال الصوفية بأطلاق مذهب الصوفية على اساس التسامح و الأبتعاد عن العنف، كما اسس طلبة النور في تركيا مدرسة بديع الزمان للشيخ سعيد الكوردي النورسي، لقد تأسس مذهب الصوفية على اساسين اثتين:
1- الأصلاح في ذات الفرد المسلم
2- الأصلاح في المجتمع
بأجراء هذين النوعين من الأصلاحات يكون المجتمع قد تخلص بصورة عامة من العنف و كل المشكلات، لأنه في المذهب الصوفي لاتسطيع انتقاد المقابل أو تكفيره من غير انتقاد الذات اولاً، كما يقول الأمام الشافعي (وعيناك إن أبدت إليك معائبا * فدعها وقل ياعين للناس أعين)، وهذا يعني ان مذهب الصوفية يجعل جهاد النفس قبل أي جهاد آخر، و على هذا الأساس فإن كل دعوات الصوفية كانت تهدف الأصلاح. ولو اطلعنا على تأريخنا لوجدنا ان كبار الشعراء الكوردستانيين كانوا من اهل التصوف، امثال نالي و سالم و مولوي و محوي و بيخود و الملا الجزيري و خاني و غيرهم، والتسامح الموجودة في اربيل يعود الى كل من الشيخ ابوبكر النقشبندي و الشيخ محمد جولي، وكلاهما كانا من المذهب النقشبندي الصوفي، و حتى قبل خمسين سنة من الآن و كذلك قبل ان يدمج الدين الأسلامي بالسياسة، كان الأسلام عبارة عن المحبة و التسامح، ولكن بعد ظهور هذه المجموعة المراهقة من السلفية اعتبر كل واحد منهم نفسه مفتياً، وقد حدثت بعدها الفوضى و العنف.
* اذا بقينا في اطار الصوفية و السلفية، هل هناك اختلافات بين المذهبين؟
- في المذهب الصوفية يتبعون الأشاعرة، ولكنهم لايرفضون الجوانب الأيجابية للمعتزلة، وهذا يعني عدم رفض اي شىء في الصوفية، بل يجري التعامل معه حسب حجمه، لأن القرآن يتحدث في الجزئيات حتى عن الشيطان و يقول انه صادق في هذا الشك، لذا تم في الصوفية ترك مسافة للحوارو المناقشة،حيث ورد في القرآن الكريم: ( (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه)، وهذا يعني انّه لو اراد كافر سماع كلام الله دعه ليستمع، وان لم يؤمنْ ارجعه الى مكانه سالماً، أي الى مكة، مصدر الفهم في المذهب الصوفي هو(الخبر الصادق، و هو القرأن الكريم و السنة النبوية الشريفة، مع العقل السليم أي الحواس الخمس)،السلفيون تخلوا عن العقل و الحواس الصحيح، بل اعتمدوا على العقل، وفي المذهب الصوفية كلما تقدم العلم تقدم معهم الدين، وهذا هو السبب في استفادة السلفيين من جهل و فقر و الناس المهمشين، و يفتي المراهقون السلفيون في بعض المسائل حسب فهمهم للآيات و الأحاديث، حتى ان بعضاً منهم لايفهمون اللغة العربية، وعلى سبيل المثال اخرج الأمام الشافعي فقط في آية ( وأحل الله البيع) آلاف المسائل الشرعية، و لكننا نفهم بأن البيع حلال، و اكثر من ذلك يقول الرسول(ص): (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين)، فالسلفيون لايؤمنون بالفقه الأسلامي التي يعتمده كبار العلماء الأسلاميين.
* تحدثتم عن الأئمة( الشافعي و المالكي و الحنفي و الحنبلي) الذين استطاعوا ايجاد مسائل شرعية في القرآن الكريم و تنظيم حياة الناس، ألا يمكن قيام علماء آخرين بمثل ما قاموا به اولئك العلماء؟
- ابواب الأجتهاد مفتوحة و لامانع في ذلك، ولكن ينبغي توفير آليات و عوامل، من اجل الأجتهاد في هذا الجانب،شريطة ان يكون الأجتهاد لأهل العلم، ولكن مشكلة هؤلاء السلفيين هي ان مراهقيهم يحفظون بعض الايات و الأحاديث فيقومون بتفسيرها حسب اهوائهم، لذا لايجوز فتح ابواب الجهاد أمام كل الناس، و في ذلك شرطان: الفقه المدون و الفقه الواقعي.
* هل استطعتم في كلية الشريعة بجامعة صلاح الدين، حث الباحثين في الدراسات العليا (الماجستير و الدكتوراه للتوجه نحو التجدد و دراسة تاريخ الكورد في الأسلام؟
- نحن نقوم بتوجيه طلبة الماجستير و الدكتوراه، من اجل عدم اجراء بحوثهم على علماء الأسلام غير الكورد، بينما يحتوي التاريخ الكوردي و الأسلامي على المئات من العلماء الكورد و الذين خدموا العلوم الأسلامية بدون مقابل، حيث تم في السنوات الأخيرة تخريج عدد من حملة الشهادات العليا الذين كانت اطروحاتهم و رسائلهم عن العلماء الكورد ومنهم( محوي و مولوس و ملاي جزيري).
* ولكن لدينا في اقليم كوردستان مدارس دينية قسم منها تابعة لوزراة الأوقاف و الأخرى لوزارة التربية، وليس فيها اساتذة معتدلون، كيف تقييم هذه المدارس؟
- بالنسبة لي لاأزكي أي من تلك المدارس، ولا أعني انها لا تضم مدرسين معتدلين، كلا، بل فيها مدرسون معتدلون كفرق موحدة يقومون بتدريس الطلبة، ويديرون امور المدارس بشكل مرضي.
* من المسؤول عن هذه الظاهرة التي تتعلق ببعض المراكز الدراسية والتي تنتج فكرة التشدد الديني؟
- المسؤول الأول عن هذه الظاهرة هو الجهات ذات العلاقة في حكومة اقليم كوردستان، لأنها هيأت ظروفاً مناسبة لهذا الغرض، وعلى تلك الجهات تحمل مخاطرها، صحيح ان اقليم كوردستان بالمقارنة مع المناطق الأخرى يعدّ من انظف الحكومات في المنطقة و اقل عدداً من التي التحق شبابها بأرهابي داعش.وهذا محل فخر لشعبنا، وهذا نتيجة انفتاح حكومة اقليم كوردستان بوجه الأحزاب الأسلامية حيث تمارس تلك الأحزاب السياسة في اطار معين، ولكن الفكرة السلفية الموجودة بين الأحزاب الأسلامية و خارج تلك الأحزاب من غير الأعلان عن التنظيم الخاص بها الهدف منها نوع من التكتيك، ولكن في المقابل فإن للسلفيين قناة تلفزيونية و ومواقع الكترونية لها تاييد خارجي، وعلى حكومة اقليم كوردستان الأجابة عنها.[1]