البروفيسور هوشيار معروف هو الخبير في مجال التخطيط الأقليمي، ومؤلف كتاب حول التخطيط الستراتيجي و قد عمل لفترة طويلة كخبير في المراكز ذات العلاقة بالأقتصاد و التخطيط، وللحديث حول تأثير الأتفاق بين حكومة اقليم كوردستان و الحكومة الأتحادية بشأن تهيئة الأجواء لأعادة الحركة التجارية والأقتصادية، كان لنا معه هذا اللقاء:
ترجمة/ بهاءالدين جلال
* في الوقت الذي تسجل قوات البيشمركة اروع الأنتصارات على جبهات القتال، استقبل الجميع بحفاوة بالغة الأتفاق المبرم بين حكومتي الأقليم و العراق الأتحادية، ماهو تقييمكم لهذا الأتفاق باعتبارك خبير في المجال الأقتصادي؟
- يأتي الأتفاق المبرم بين حكومتي الأقليم و العراق الأتحادية في وقت يحتاج فيه الطرفان الى التقارب و التفاهم، وبغداد بغض النظر عما تعاني من المشكلات السياسية و العسكرية، الاّ انها تواجه في الوقت ذاته ازمة مالية و اقتصادية خانقة، بحيث كادت ان تلجأ الى القروض الدولية، كما ان اقليم كوردستان يواجه منذ سنة حصاراَ مفروضاً ما ادى الى اختلال توازن الحياة الأقتصادية فيه و توقف معظم المشاريع، حيث اصبح رجال الأعمال و المقاولون قلقين ازاء مستقبل الأقليم الأقتصادي، و هذا كله يأتي في وضع تقاتل فيه قوات بيشمركة كوردستان ارهابيي داعش من على جبهة تمتد لأكثر من 1040 كيلومتر، و من جهة اخرى الطرفان بحاجة ماسة الى اجراء محادثات بشان رفع مستوى تصدير النفط الخام، كما ان حرب داعش و كذلك امتداد انابيب تصدير النفط في كوردستان اصبح واقعاً جديداُ حيث لايمكن تصدير نفط كركوك من دون اقليم كوردستان، ووفق هذا الأتفاق يتم تصدير 300 الف برميل من نفط كركوك عبر الأنابيب النفطية للأقليم، اذاً فإن اهم نقطة اقتصادية في هذا الأتفاق- برأيي- هي اعتراف حكومة المركز بالشرعية الدستورية و القانونية لتصدير نفط كوردستان، ثم تأتي نقاط اخرى تتعلق بأرسال حصة الأقليم من الموازنة و رواتب الموظفين، و الأعتراف الشرعي بقوات البيبشمركة من قبل بغداد، وكذلك مسألة البيشمركة و تأمين المساعدات المالية لتلك القوات و التي بموجبه يتم تخفيف الثقل على كاهل الأقليم.
* تحدثتم عن ملف النفط وهو لب الأتفاق و المحادثات تدور حول هذه المسألة، اذاَ ماهي المكاسب الأقتصادية للأقليم من هذا الجانب؟
- كما اشرت اليه في السابق، فإنّ تصدير النفط عبر انابيب اقليم كوردستان سواء كان نفط الأقليم أم نفط كركوك، هو اعتراف بدستورية المسألة، و يأتي هذا بعد انْ كان المالكي و الحكومة السابقة يقفان بشدة ضد هذه المسالة، فضلاً عن انّ تركيا لم تكن عند توقعاتنا، حيث يصدّر اقليم كوردستان الآن 250 الف برميل يومياً و 300 الف برميل من نفط كركوك عبر انابيب اقليم كوردستان، مقابل ارسال 17% من الموازنة الى الأقليم، وهذه تشكل بداية لأن تخطو المشاريع النفطية و تصدير النفط نحو بناء صناعات نفطية متطورة و التوجه نحو اقتصاد مستقل، الجانب الاخر و المهم من الأتفاق هو انه صحيح منحت الحكومة الأتحادية نفسها الحق في اعتبار نفط كركوك هو نفط الحكومة المركزية الاّ انه في المقابل فإنّ كركوك و عموم المناطق الكوردستانية خارج الأقليم هي تحت سيطرة قوات البيشمركة و ان النفط يُصدّر عبر انابيب كوردستان، و هذه النقطة قد تُمهّد لأجراء محادثات تخدم مسألة تنفيذ المادة 140 الدستورية، واعود مرة اخرى الى الآراء الأقتصادية ومفادها انّه لا يجوز ان يضع الكورد كل البيض في سلة واحدة، وهذا يعني البحث عن مصادر عائدات اخرى ماعدا النفط، لأستخدامها في القطاعات الزراعية و الصناعية، وكما هو معلوم فإنّ اقليم كوردستان لايملك متراَ واحداً من الموانىء لتصدير نفطه الى الخارج، والأعتماد على البيترودولار هو خطأ تأريخي كبير وقع فيه الأقتصاد العراقي و الذي ادى الى حصول هذه الأزمة المالية و الأقتصادية الحالية.
* هل يمكن اعتبار هذا الأتفاق كبداية لأعادة الثقة للمستثمرين و رجال الأعمال المحليين و الأجانب؟
- قبل كل شىء، الأتفاق و سرعة تنفيذ العديد من فقراته كان ايجابياً، حتى انّ الأتفاق يجعل تركيا و ايران ترفعان المعوقات و الحواجز امام اقليم كوردستان، لأن الأقليم فٌتح بوجهه الآن بوابة العراق، المستفيد الرئيس في هذا الأتفاق هو شعب كوردستان و العراق عموماً، لأن المواطنين العاديين و متوسطي الدخل في المناطق الوسطى و الجنوبية من العراق هم المتضررين جراء الأزمة المالية للأقليم و تردي المعيشة في تلك المناطق، وما يتعلق برجال الأعمال و اصحاب الأموال المحليين و الأجانب، اعتقد ان ذلك بحاجة الى اعادة نظر، لأن معظم هؤلاء لم يكن لهم الدور في تخفيف الأزمة، بل قاموا بسحب اموالهم بسرعة من الأسواق و المصارف، وبهذا تم الكشف عن وجههم اللاوطني الحقيقي، حتى ان بعض الشركات الكبيرة غير مستعدة لدفع الضرائب فكيف في مسألة مساعدة الحكومة و النازحين و المتعففين.
ولهذا نرى ان الأزمة المالية و هذا الوضع المتردي الذي طرأ على الأقليم و اقتصاده، اشارة الى اننا ينبغي علينا اتخاذ خطوات جريئة لأستقلال الأقتصاد و الأعتماد على الأنتاج المحلي و الأكتفاء الذاتي، مادام الكورد يتطلع الى الأستقلال و انشاء دولته المستقلة، كما ينبغي تجاوز التبعية الأقتصادية، انّ حصار بغداد الأقتصادي اثبت انّ اقليم كوردستان هو ملحق لحكومة فاشلة في اقتصاد اصبح اداة بيد الأحزاب الطائفية العراقية، وهذا يتطلب منا انْ نجعل السياسة اداة اقتصادية، و عدم تسليم عائدات النفط الى الشركات التجارية و المقاولات، وانما وضعها في خدمة قطاع الأستثمار في الصناعة و الزراعة.
* تحدثتم مراراً عن السياسة النفطية و كيفية الأستفادة من هذه الثروة الطبيعية، ماهو دور النفط في انجاح الأتفاق و اذابة الجليد بين اربيل و بغداد؟
- لو لم يكن انتاج النفط و تصديره لما كان هناك توازن في انجاح الأتفاق بين الطرفين، لقد وصلا الى مفترق طريق يتطلب منهما رفع مستوى انتاج النفط، ولكن كما ذكرت لايجوز الأعتماد على النفط فقط، كما انّ اسعار النفط الخام في الأسواق العالمية في انخفاض مستمر، واذا انخفض سعر البرميل الواحد من النفط دون 60 دولاراً فإنّ موازنة العراق و اقليم كوردستان سوف تواجه العجز، يجب ان نتعلم لأننا نستطيع الأستفادة عشرات المرات من استخراج برميل واحد من النفط الخام وذلك لأنتاج النفط و البانزين و الوقود و الصناعات البتروكيميائية،و نتساءل لماذا تغرق اسواق كوردستان ببضائع و وقود الدول المجاورة؟ حيث ان تركيا و ايران قد اغرقتا اسواقنا بسلع و بضائع فاسدة، يجب انْ لا نخصص العائدات النفطية الى المصروفات التشغيلية و الرواتب فقط، نحن بحاجة الى خطة ستراتيجية و برامج عملية لتحويل مجتمع اقليم كوردستان الى مجتمع منتج.
* المحور الآخر و المهم من اتفاق اربيل- بغداد هو مسألة البيشمركة، ولا سيما في الوقت الذي سجلت فيه قوات البيشمركة في عموم الجبهات و في (كوبانى) اروع الملاحم البطولية، كيف تنظرون الى هذه المسألة؟
- ان الأمن و الأستقرار هما عماد الأقتصاد و خاصة في هذا الوقت الذي شغل فيه الأستثمار و التجارة ملايين الدولارات في الأقليم، لذا فإنّ تعزيز الأمن و الأستقرار على حدود الأقليم أمر في بالغ الأهمية، قوات البيشمركة هي درع الأقليم و ينبغي تكثيف تدريبها و تسليحها باحدث الأسلحة المتقدمة و تحسين وضع عائلاتهم و ذويهم المعاشي، لأن البيشمركة يحمون اهل كوردستان و اقتصاد البلد، وهذا يتطلب مراجعة خطتنا الأقتصادية الى جانب انتصارات البيشمركة على جبهات القتال.
الدول الأوروبية و امريكا قامتا اثناء الحروب بتحويل الجرارات الزراعية الى الدبابات و بنتا صناعات حربية، و التي اصبحت فيما بعد عماداً مهماً للصناعة و الحضارة، صحيح ان الأقتصاد يدعم الحرب، ولكن دعم الحرب لايتم فقط عن طريق البترودولار، احياناَ كان الجندي الذي يُصنّف كأحتياط ولم يؤخذ الى جبهات القتال، يُؤخذ الى الحقول لمساعدة الفلاحين اثناء الحصاد، انا اتعجب لدينا الكثير من الكورد في الخارج، لماذا لا يتم حثهم على جمع المساعدات و الدعم من الدول التي يقيمون فيها؟ ينبغي وجود سياسة التوازن و كذلك حث الأمم المتحدة على تجاوز نقص الموازنة التي تواجهه و يطلب هؤلاء الكورد من الدول الغنية اغاثة الآلاف من عائلات اللاجئين السوريين و النازحين العراقيين و الذين اصبحوا الآن عبئاً على اقتصاد و شعب اقليم كوردستان.[1]