قامشلو/ بيريفان خليل
“بالرسم أرى نفسي وأكسر الصمت” رسامة عفرينية استوحت من طبيعة موطنها أفكار لرسوماتها، فشقت طريقها بنفسها لتصل إلى مستوى الفن العالمي، وريشتها أبت ألا ترسم إلا ملامح العودة إلى أرض الزيتون.
في العقد العاشر من عمرها أمسكت بالريشة ورسمت أولى لوحاتها، حيث كانت الأزهار والطبيعة جزءاً أساسياً في كل لوحة ترسمها، كما موطنها الأصلي عفرين والتي أسمتها مدينة الزيتون والسلام.
الريشة أحبّت الطبيعة
البيئة والطبيعة اللتان كانتا تحيطان بالرسامة صباح علي من ناحية معبطلي بعفرين كانا لهما دور في أن تختار صباح أفكارها منها، فقريتها كانت تتميز بالجبال العالية والطبيعة الخلابة “هذا الشيء جعل أكثر لوحاتي حينذاك عنوانها الطبيعة”.
تلقت التشجيع من رفاقها بالمدرسة لتمارس موهبتها “عند الاستراحة كانوا يجلبون لي الأوراق لكي أقوم برسم الطبيعة وأحياناً رسم بعض أشكال الحيوانات والحقول”.
كان هناك دافع بداخل صباح يجعلها تمارس هذه الموهبة في أكثر أوقاتها لا بل أكثر، والراحة التامة التي كانت تتلقاها عند مسكها للريشة، كانت تشد من علاقتها الوثيقة بفنها لتبحر في خيالها لدى الرسم “الرسم كان يجعلني أشعر بالراحة وأن أسهو في الخيال”.
لجنسها فسحة في فنها
كما الطبيعة لم تكن المرأة غائبة ضمن رسومات المبدعة صباح، فكانت والدتها وهي تقوم ببعض النشاطات الصورة المماثلة لكل امرأة كادحة “لم أتذكر يوماً بأني قمت برسم شخصيات حزينة أو لوحات تدل على الحزن كل ما كان يخطر ببالي هو الربيع، ذلك الربيع الذي يعطي الأمل في ألوانه الزاهية لتنوع وجمال الطبيعة، وكان لي بعض المحاولات في ذلك العمر بأن أقوم برسم شخصيات المرأة، عندما كنت أرى أمي تقوم بنسج الصوف، أول شيء كان يخطر ببالي هو إحضار الورق وقلم الرصاص ومحاولة رسم هذا المشهد، والكثير من هذه المشاهد المحيطة بي”.
صعوبات تم تجاوزها
أكملت الرسامة صباح مسيرتها ضمن هذا المنوال، وبعد أن أصبحت أماً ازدادت مسؤولياتها أكثر من ذي قبل، وضيق الوقت أبعدها في بعض الأحيان عن ممارسة موهبتها مقارنةً مع السابق، ولكن لا يعني ذلك أنها قلبت صفحة موهبتها، بل كان لديها سعي في الاستمرار، فبعد القيام بواجبها تجاه عائلتها، كانت تبدأ برسم بعض اللوحات، لتكمل بعدها مسيرتها الفنية نحو مزيد من التطور، حيث دخلت مجال التجميل وحصلت على الشهادة في هذا المجال وبالنسبة لها لم يكن ما نالته أو ما تعلمته سواء أكان ذاتياً أو من خلال التدريب كافياً بالنسبة له
هنا كان تشجيع ابنتها لها إلهاماً لاستكمال الطريق نحو القيام بمزيد من الخطوات، فتوصيف ابنتها لفنها بقي عالقاً في مخيلتها ليدفعها نحو تنمية موهبتها “أرى أنك فنانة رائعة وعليكِ أن تنمي هذه الموهبة”.
من هنا بدأت الأم صباح بالانخراط بمجال الرسم أكثر وذلك عبر التدريب حيث انضمت إلى الدورات التدريبية للرسم في مركز الثقافة والفن بعفرين، وحصدت ثمار جهودها من خلال مشاركتها في عدة معارض.
ولدى افتتاح أول جامعة على مستوى شمال وشرق سوريا “جامعة عفرين” شاركت الفنانة صباح مع ثلاث معلمات أخريات في رسم لوحة لقائد الشعوب عبد الله أوجلان، وتم إهدائها إلى إدارة الجامعة.
توريث المهنة
لم تحب الرسامة صباح أن يبقى فن الرسم حبيس ذاتها، حيث رغبت بتعليم غيرها هذا الفن؛ فكانت تجربتها الأولى مع الأطفال وذلك بتدريبهم في مركز الثقافة والفن في مدينة عفرين، وبعدها تم التحضير لمعرض خاص برسوماتها تضمن 15 لوحة.
تركت الرسامة صباح بصمتها في عفرين لتبقى ذكرى مرسومة لها، حيث زينت جدران المدارس بألوان ورسومات من وحي طبيعة عفرين وتاريخها وعاداتها وتقاليدها، وبذلك رسمت الفرحة على وجه الأطفال وزرعت الأمل في نفوسهم، وكما ذكرته المبدعة صباح “لنا ذكرى في كل بقعة من عفرين”.
وليكون فن الرسم وريث عائلي، علمت أبنائها أيضاً هذا الفن.
صور التهجير في لوحات المقاومة
صباح كغيرها من أبناء عفرين واجهت الموت والوحشية من قبل المحتل التركي الذي قصف أرض السلام والخير، أرض البركة كما سمتها صباح، وبعد مقاومة 58 يوماً هُجِّر الكثير من الأهالي قسراً من موطنهم عفرين درءاً لآلة القتل التركية التي لم تفرق بين كبير في السن أو صغير بين النساء والرجال، كل تلك الصور بقيت عالقة في ذهن صباح كغيرها من أهالي المنطقة.
المقاومة استمرت حتى بعد وصلوهم إلى الشهباء، فإرادة صباح ورفاقها كانت أقوى من همجية المحتل، فاستمروا بمسيرتهم الفنية، حيث عقدت صباح وجميع مدرسو ومدرسات الشهباء لافتتاح معرض يعبّر عن آلامهم وشوقهم لموطنهم، حيث تحول الفرح والربيع إلى ألم وحزن.
وطغت بطولة الشهداء على مظاهر الحرب في اللوحات التي رسمنها كي تبقى راسخة لا تمحى عبر التاريخ كما أوضحته الرسامة صباح.
تقول صباح عن تجربتها بعد التهجير “نعم نحن الآن وبعد مرور أربع سنوات، لم نتوقف عن العمل والرسم وزرع الأمل، حيث قمت بتدريب الأطفال في مخيمات الشهباء، رؤيتي لوجوه الأطفال وهم يقومون برسم طبيعة مدينة عفرين وقراها وحتى بعض المشاهد من الحرب جعلني أكثر إصراراً على المتابعة في هذه الموهبة”.
وتكمل صباح بعبارات تمتزج بطابع المقاومة: “لم تقف الظروف الصعبة في المخيمات من جميع النواحي؛ برد الشتاء القارس، وحر الصيف عائقاً أمامنا، فالأطفال من عمر خمسة أعوام وحتى عمر الشباب يتلقون التدريب على فن الرسم لنؤكد بأننا أبناء الشمس”.
ريشتها لامست الجمال دولياً
لم تنحصر أعمال الرسامة صباح ضمن تدريب الأطفال فقط بل تعدت ذلك بالمشاركة في المعارض المحلية في كل من سري كانيه قبل الاحتلال وفي الطبقة، وفي المعرض السنوي بقامشلو، وفي فعاليات يوم المرأة العالمي الماضي، مشاركتها القيّمة كانت بمشروع “حكاية أرض الزيتون” برسم اللوحة ذات الطول ثمانية وخمسين متراً، وحالياً تتحضر مع أربع من رفاقها للمشاركة باسم كومين الرسم بالشهباء في معرض خاص لهم سيتم افتتاحه بروسيا من خلال أربعين لوحة.
كما سيكون لها مشاركة باسم كومين الرسم في مهرجان الهلال الذهبي بحلب الذي سيتم افتتاحه في الشهر المقبل.
آخر عبارة قالتها المبدعة صباح في حديثها لنا معبّرةً عن شعورها عند الرسم “بالرسم أرى نفسي… بالرسم أرسل رسالة… بالرسم أكسر الصمت… بالرسم نصنع التاريخ عندما نعبّر عن الحرب والمقاومة هذه مهنتي وأنا أعشقها”.[1]