معد فياض
في مثل هذا اليوم وقبل ثمان سنوات كنت قادما من لندن الى #اربيل# في رحلة عمل صحفية، ومن اربيل ذهبت الى #دهوك#، حيث كانت الافواج الاولى من الايزيديات والايزيديين يصلون من #سنجار#، منهكين للغاية، ليستقروا ببيت واسع يعود لشخص ازيدي خصصه لاستقبال الناجين من هول جرائم الدواعش الذين هاجموهم واقترفوا بحقهم ابشع الجرائم التي عرفها التاريخ الحديث.
غالبية من وصل كان او كانت قد مشت لاكثر من 12 ساعة، وهناك من حظي بمساعدة قوات البيشمركة، او من حالفهم الحظ ووصلوا بواسطة سيارات البيك آب او اللوريات التي تواجدت في الطريق مصادفة، اطفال ونساء وعجائز وشيوخ هدهم التعب والعطش والخوف من هول ما شاهدوه وعايشوه في مناطقهم، واتذكر ان المتواجدين كانوا يمدوهم بقناني المياه عند اول وصولهم، والكثير منهم كان يفقد الوعي منهارا بسبب الرعب الذي عاشوه والسير على الاقدام لمسافات طويلة جدا تزيد على المائة كيلو مترا.
لم اتمكن من الحديث مع الناجين من مذبحة سنجار التي تمت على ايدي الدواعش المجرمين، بل أجلت ذلك ليومين ريثما يلتقطوا انفاسهم وينالوا قسطا من الراحة ليتمكنوا من رواية الاحداث المهولة التي جرت معهم..وفي هذه الاثناء كان المزيد من الناجين يتوافد على المكان قبل ان يتم ايوائهم في مخيم سميل قرب مدينة دهوك.
بعد يومين كان البيت وباحته الخارجية الذي اقام به الناجون قد ازدحم بالعوائل، ولا استطيع القول انهم تعافوا من الفاجعة التي المت بهم وباقاربهم على يد عصابات داعش الارهابية، ووانا على يقين بانهم لن يتعافوا من هول الفاجعة على الاطلاق، حيث كانت عيون ولهجة الاطفال تعكس حالات الخوف بالرغم من بعض ملامح الهدوء التي كانت تبدو بالعلن..النساء والشيوخ كانوا يسالون اي ناجية او ناجي يصل عن اقاربهم وجيرانهم، وكانت الاجابات مؤلمة للغاية.
امراة في الاربعين من عمرها كانت تفترش الارض وحولها ثلاثة من اطفالها، قالت انا انتظر زوجي الذي انقذنا من هجوم الدواعش واخرجنا من الباب الخلفي للبيت وراح يتحدث مع المهاجمين لالهائهم، بينما نحن تسللنا بسرعة هربا منهم بينما نسمع اصوات اطلاق النار بكثافة خلفنا. تصمت قليلا ثم تفيض عيناها بالدموع وتستطرد قائلة: انا متاكدة بانهم قتلوه، لاننا هنا منذ يومين ولم يصلنا عنه اي خبر.
نساء واطفال وشيوخ ازيديون بعد يومين من وصولهم الى دهوك- تصوير: معد فياض
هذه المراة الايزيدية الاربعينية التي لم ترتكب هي وجميع من معها اي ذنب سوى انها ايزيدية كوردية، خسرت زوجها، وقادت اطفالها الثلاث مشيا الى دهوك مع مجاميع صغيرة من الناجين، قالت: كنا نبتعد عن الشارع العام خشية ان يعثروا علينا، وقد اختبئنا في بعض المواقع طلبا للراحة بينما كنا خائفين جدا ان يلحق الدواعش بنا ويقتلونا.
امرأة عجوز كانت تنتحب في زوايا الصالة لانها فقدت ابنتيها(17 و19 عام) وزوجة ابنها(23 عام) مع ابنها..لم استطع التحدث معها لانها كانت غارقة في مصيبتها، وهي لا تعرف اصلا كيف وصلت الى دهوك، لكن احد الرجال قال لي لقد اجبرناها على المشي قبل ان تتدخل قوات البيشمركة وتبعدنا بسياراتهم، كما فعلوا مع آخرين، واوصلونا الى هنا.
هذا الرجل الذي كان قد تجاوز الخمسين من عمره قال: كان الهجوم مباغتا من قبل بعض العرب الساكنين على مقربة منا، والذين تربطنا بهم علاقات حسن الجيرة ، وكان معهم غرباء يحملون البنادق والسكاكين الطويلة(القامات) وهم يصرخون(الله أكبر) ويقتلون اي رجل مهما كان عمره ويسحبون النساء، الفتيات والشابات خاصة، حيث اغتصبوا البعض منهن في بيوتهن بعد ان قتلوا اخوانهن او ازواجهن. يتحدث بالم قائلا: اي ضمير هذا يدفعهم لقتل واغتصاب ناس آمنين، فنحن لم نعتدي على احد.
معد فياض مع الاطفال الازيديين في دهوك
للطفلة، وقتذاك، مرفت ماساتها الكبيرة، طفلة جميلة لم تتجاوز الثانية عشر من عمرها، كان الهلع يتملكها تماما، قالت: عندما سمعنا بالهجوم واطلاق الرصاص اختبئت خلف خزانة الملابس لانني ضعيفة مثلما ترى، وحاولت ابنة عمي التي عمرها 13 عام الهروب لكن الدواعش امسكو بها وقادوها الى الغرفة التي كنت بها، وتعاقب ثلاثة رجال على اغتصابها وهي تصرخ حتى صمتت، كنت اعتقد انها فقدت الوعي، لكنها ماتت، كل هذا جرى امام عيني وانا ابكي بصمت خشية ان يفعلوا بي مثلما فعلوا بابنة عمي. نظرت في وجهي وقالت لي: عمو لماذا فعلوا هذا بنا..بعضهم كان جيراننا، بل ان احد الذين اغتصبوا ابنة عمي كان رجلا كبيرا ونعرفه.
هذه بعض الفضائع التي حصلت في سنجار على يد عصابات داعش الارهابية قبل ثمان سنوات وما تلاها، وهناك مئات القصص التي غيبت الاف الايزيديات الاسيرات، بينما قتلوا المئات من الرجال..فضائع باتت معروفة لكل العالم في جريمة ابادة بحق الايزيديين.
مدير عام شؤون الايزيديين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كوردستان، سعود مسطو، أكد لشبكة رووداو أنه إلى الآن تم تحرير 3504 كوردياً إيزيدياً من أيدي داعش من أصل 6417 مختطفاً، مشيراً إلى أن الجهود لتحرير المختطفين الباقين قد تقلصت في خلال السنوات الثلاث الماضية.
وكان رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني قد اكد في كلمة له خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية للإبادة الجماعية التي تعرضت لها سنجار، أن على الفصائل المسلحة غير الشرعية مغادرة سنجار، مشيراً الى أن إقليم كوردستان سيعمل ما بوسعه لتحرير الكورد الإيزيديين، واصفاً ما حدث في سنجار ب أكبر فاجعة للعصر.
اطفال وفتيات ازيديات يحملن قصصا مرعبة عن اعتداءات داعش- تصوير: معد فياض
وأضاف في كلمته اليوم الاربعاء (3 آب 2022) أن آلافاً من الإيزيديين تعرضوا للإبادة الجماعية، مشدداً على ضرورة العمل على منع تكرار الفاجعة والتقليل من آثارها.
بينما اعتبر رئيس حكومة اقليم كوردستان ما حدث للايزيديين في سنجار قبل 8 سنوات جريمة ومأساة وفاجعة يستحيل نسيانها.
وجاء في بيان صادر عن رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، اليوم الأربعاء (3 آب 2022)، في الذكرى السنوية الثامنة للإبادة الجماعية في سنجار:في الذكرى السنوية الثامنة للإبادة الجماعية بحق الإخوة والأخوات الإيزيديين في سنجار وضواحيها على يد وحوش داعش الإرهابي، نستذكر بألم بالغ وحزن شديد جميع الشهداء والمفقودين في هذه الجريمة البشعة التي طالت آلاف الأبرياء بين سفكٍ جماعي للدماء واختطافٍ وتهجيرٍ وتدميرٍ.[1]