يقول الباحث التونسي الدكتور عادل بالكحلة: لم أكن أعرف شيء عن الشعب الكردي إلا عندما قمت في البحث عن الموسيقى الشرقية وتطورها وعندما اطلعت على مخطوطات الموسيقي الكوردي المعروف (زرياب) وزرياب رغم تمكنه من اللغة العربية إلا أنه أستخدم أغلب المصطلحات الموسيقية باللغة الكوردية ناهيك عن أسماء المقامات الموسيقية التركيبية وفروعها... أولاً السلم الموسيقي وأسماء العلامات الموسيقية كانت بالكوردية، يكا، دوكا، سيكا، جاركا، نوا........تعني العلامة الأولى، الثانية، الثالثة والرابعة........ أما الوتر الأخير اسماها كريدان، اي الربط وهنا تعني اوكتاف كامل من القرار إلى الجواب. والربط بين علامة اليكا في القرار مع الكريدان في نهاية الأكتوف أو السلم الموسيقي.
لم يكن زرياب مجرد عبقري في المجال الموسيقي، ومجرد ملِّحنٍ ومغنٍّ بارعٍ فقط، فلقد كان شاعراً مُجيداً، وعالماً ملماً بمختلف ألوان العلوم والمعرفة والآداب حيث إنه كان فلكياً عارفاً بالنجوم ومطّلعاً على جغرافية الأرض والبلدان، ومتعمقاً في التاريخ وفي أخبار الملوك والأمراء، فكان موسوعة متنقلة، وهذا ساعده لأن يقدّم العديد من الإسهامات ويقوم بالكثير من التجديدات في مختلف المجالات والفروع.
بالنسبة للعلامات الرئيسية كانت تسمى مال، والفرع بيمال، ثم تم تحريفها وقالوا بيمول، وعلامة دييز، جاءت من كلمة دو آواز،... أما عن أسماء المقامات الموسيقية:
مقام الراست وتعني بالكوردية المستقيم أو الأساس، لأنها سيد المقامات كما يُقال وهو المقام الرئيسي في السلم الشرقي.
مقام سيكا: سماها زرياب هكذا لأنها حصرا تبدأ من العلامة الثالثة وهي درجة (سيكا نيف بيمول)
مقام جاركا: وكانت تستقر على العلامة الرابعة.
مقام: نوروز، نسبة إلى اليوم الأول من كل ربيع وعيد الكرد القومي.
مقام كورد: نسبة إلى الشعب الكوردي.
مقام حجاز كوردي، وحجازكار كوردي. ومقام بيات كوردي.
دل نشين، كول عزا، سوز دل، خورشيد، سوزناك، شاهيناز، ترزه نوين، محير كورد، بسته نيكار، نه هفت، أثر كورد، سوز دلارا، نهاوند كوردي... الخ والكثير من المقامات الموسيقية وفروعها التركيبية.
زرياب ايضاً طور بعض الآلات الموسيقية وكان يعزف على الكثير من الآلات الموسيقية ومنها الطمبور الكوردي ذات الوترين.
أما بالنسبة لأصله، ووفقاً لبعض المصادر والمراجع العلمية للباحثين والمستشرقين الأجانب فيُعتَقد إنه ذو أصول كوردية، وهذا ما تخبرنا به المستشرقة الألمانية الدكتورة زيغريد هونكه في كتابها المعروف (شمس العرب تسطع على الغرب) في الصفحة رقم 488 عندما تقول: (كان الفتى الكوردي زرياب ألمع تلاميذ مدرسة الفن، واجتهد كثيراً إلى أن صار من كبار موسيقي عصره... وزرياب كان لقبه وليس أسمه، وتعني بالكوردية (ماء الذهب) و أسمه الحقيقي: أبو الحسن علي بن نافع.
وهو مؤسس أول معهد موسيقي في مدينة قرطبة في جنوب إسبانيا المشهورة بقصورها الجميلة.. وحسب مصادر اسبانية كثيرة قالوا عن زرياب أنه فتى كوردي الأصل ولد في قرية بشمال مدينة الموصل.
ويعتبر زرياب كذلك أول من وضع قواعد علم الصول فيج وتربية الصوت والسمع والقراءة الموسيقية، وأول من افتتح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر والعزف، وكما أنه كان يتمتع بقدرة هائلة على حفظ الألحان والأغاني، فيُقال إنه كان حافظاً لعشرة آلاف مقطوعة بغنائها وألحانها.
وقد نقل الزرياب كل ما سبق له معرفته من آلات موسيقية في بلاد المشرق إلى الأندلس، وأخذ يتفنن عليها ويبتكر فيها ليجتمع بذلك في الأندلس ثروة كبيرةً جداً من الآلات الموسيقية لم تجتمع في أي بلد قبله، ليصبح بذلك زرياب حلقة الوصل التي نقلت الفنون الموسيقية وآلاتها من الشرق إلى الغرب.
وبعد أن لاقى زرياب قبولاً وموضعاً في قلوب الناس وصارت له مكانته المرموقة وقيمته الاجتماعية العالية ودوره الفعّال في المجتمع الأندلسي قام بتأسيس مدرسةٍ للغناء والموسيقى، والتي تعدّ أول مدرسةٍ أُسست لتعليم علوم الموسيقا وفنون الغناء وقواعد اللحن والإيقاع والتي أصبحت في مدة قصيرة قبلة لعشاق الفن والموسيقى ليس من العالم الإسلامي فقط وإنما من مختلف بقاع عالم الأخرى كذلك، واتبع زرياب في مدرسته فلسفة تعليمية خاصة به تقوم على أسس علمية في الصوتيات والموسيقي، والتي كانت تبدأ بإجراء اختبار لأصوات المقبلين على المدرسة قبل البدء بتعليمهم، فبذلك يعد أول من وضع أسس وقواعد لفحص المبتدئين الراغبين في التعلم، والتي يتم اتباعها حتى يومنا هذا في مختلف المعاهد والمراكز الفنية.[1]