مجموعة قصص مرمّزة ، يطرح من خلالهاالكاتب #حليم يوسف# عدة مواضيع إشكالية ففي حب منخور الجمجمة برز ذلك الخيال الغرائبي ليتحدث عن تلك الفجوة الكبيرة في عالم الرجل والمرأة في الشرق الأوسط والذي أحال كل حب إلى سراب مأهول،
وقد استفاد الكاتب من تقنية التوصيف والتخييل في آن معاً ليرسم في حكاياته لوحات سريالية مثيرة للتساؤل، مضفياً على القصص مفهوم جمالية القبح وهو ديدن الوجوديين في سبر الحياة والإنسان ورحلة الصراع لإثبات الكينونة، إذ يخوض في الحب ، الموت والولادة ليفهم دواعي تلك الجرائم التي ترتكب، حيث تتكرر في قصصه مفردات الجمجمة، الحريق، الدود، الجثث لتشير إلى تضخم الفجوات في مسارات عيش المجتمع المقموع والمحروم والذي ينتظر أملاً قد تأخر، أما في فقرة الحب ذئب في برية مقفرة فيلتهم رأسه يشير إلى الإخفاقات المتكررة في بناء علاقة عاطفية سواء مع المرأة أو مع البلاد بإسلوب عماده الخيال وينطلق القلم ليحمل صريره في كل الأرجاء، نتأمل هنا ص11: „لعنت عمي وجدي وكل البغال التي تطير سراً، دحرجت الديدان جمجمتي باتجاه الشارع فتلمست عن كثب ما جرى فحوى النص مكتظ بالتساؤلات الفلسفية وانتثار عقد العلاقات محل التغني بتشاؤمية تسود النص كأنما تبحث عن شيء مفقود في كينونة الموجود الإنساني، فهنا في فقرة الحب امرأة تفكر برأس غيرها تشير إلى انهماك الأنثى في ظل مجتمع الإقطاع ، مجتمع يدمن الخسائر وقراءة التعاويذ والإدمان على شرب كؤوس العجز حتى الثمالة، لاشك أن حليم يوسف يخوض زمن الديكتاتورية وكيف يغدو المجتمع عبارة عن فوارغ رصاص متساقط في حفل قروي، أو علباً فارغة معدة لترتيب البيوض، حيث ذلك العيش بدد في الدواخل وجود الأمل ، لننتقل إلى فقرة أخرى عنوانها الحب امرأة تحمل روح رجل وترث الله دائماً على سرير وحدتها بعد كل صلاة ، نلحظ مدى انهماكه في السعي للمرأة الكمال وما جدوى ذلك فالكمالية من أوهام المرء المتعصب الذي يبحث عن كمال ليس فيه، لكنه يتمادى في إصراره ليعيش دقائق الحياة ببؤس أكبر ، لنتأمل تلك الحوارية ص 13: „ -وضعت الصبار
: في علبة ومددت لها يداً مرتجفة
. خذي هدية العيد-
:فتحت العلبة ، حملت الصبار بأصابعها الناعمة ، ذعرت، رمته أرضاً، وبدأت تدهسه بعنف رجولي
أتمنى أن أسحق روحك أيضاً ، أنت ساقط-
.الجميع يقول ذلك
هي مفردات تشير إلى عراك مع الآخر، هذا العراك يدمن البحث عن الأبدية عن خيوط توصل المرء الماشي
. في العتمة إلى نور مستدام لكن عبثاً بلا جدوى
في إيغالنا في فلسفة الرمز في ذلك الترابط بين الخيال والإدراك لفهم الحياة الإنسانية التي لا تنفصم فيها النفس
. عما تتخيله عن النفس المدركة وإنما تحاولان معاً فهم حقيقة الحياة
وفي مونولوج في كازينو الموتى يكمل الكاتب استعراض ذلك التداعي والأفول الذي استولى على المكان وترسخ أكثر في شخصية عبد الكريم الميدي، لنتأمل هنا ص 20: „أنا كوخ مهجور متهدم الجدران متآكل القدمين مشوه ، تافه مزحوم بالحشرات والقتلى أنا ابن آدم، سقط ضلع من أضلاعي فلم يتحول إلى امرأة، رأيته
يتحول إلى حمار
يبين الكاتب حليم يوسف سيكولوجيا الإنسان المقهور الذي خذله الحب كما خذلته تلك البلاد الهامشية فقعد يحاول فهم ما تبقى له من إدراك في إحصاء موته ومعضلاته، وكذلك نراه ينتقل بين أزقة القبح والدمامة باحثاً
. عن جمال فيرصد الحواجز والمخافر والكلاب، يرصد الاحتيال والكذب والقتام الطويل
ففي مونولوج في شوارع الموتى يصل البطل إلى خلاصة فلسفية تروقه مفادها المعرفة هي القوة والقوة هي المعرفة، ثم يليه سيل من الخيال وسيل من الصراخ يدفعانه إلى القتل وكذلك الصراع من بوابة تلك الحنجرة الدامية، ثمة قصة أخرى عنوانها قصة تقتل مؤلفها، تشير إلى كم النفاق الذي يستولي مجتمعات التحزبية التقليدية، وتآمرها على المعرفي ومحاولة قتله بل اغتياله على هيئة شخوص ملحمة مم وزين المعروفة حيث تتحلق الشخصيات حول طاولة مستديرة لتصفية حسابها مع المؤلف من ثم تقوم الشخوص بقتله وطعنه عدة
. طعنات جعلت دمه المهدور يغرق جزيرة بوطان بكاملها
: خلاصة_
القصص احتجاجية ناقدة تنتقد بؤس السلطة الحاكمة وفساد المجتمع المتغول فيه*
دعوة إلى إخراج الحب من تلك الحفر التي صنعتها التقاليد وقامت عبره في دفن القيم الطبيعية وهذا ما مثّل*
. إيذاناً بسقوط الحياة الطبيعية لصالح بروز المنظومة الاستهلاكية
ضياع الشباب في عز الاحتياجات والبطالة وطغيان الحياة المنفعية وسيادة الأنا الدولتيه في ظل عجز البؤساء*
. عن دفع دواعي ومسببات الفقر والعجز
بروز واقع تشاؤمي يدعو للقلق وينذر بالعديد من المشكلات المتأتية عن ضياع الروابط بين الناس والركون*
. للفوضى
وأخيراً يمكن القول أن قصص هذه المجموعة تتميز بفرادتها الفنية وإحاطتها بالحياة من جوانب معتمة عمّقت تلك الصلة ما بين الإدراك والتخييل ، الأمرالذي جعل من الأدب ساحة للكشف عن كل مبهم وغير جلي
. يستوطن تفاصيل الحياة الإنسانية والنفس القلقة[1]