بمناسبة مرور 95 عاماً على تأسيس مدينة القامشلي، يوم 20آب 2021م، يسعدني ان اخذكم بجولة سريعة، لمعرفة تاريخ كلمات نتداولها كثيراً في حياتنا اليومية وهي قامشلي وحسكة وعامودا.
سأبدأ بكلمة القامشلي؛ وهي منحوتة من مفردة (قاميش) التي تعني بالكردية نوعاً من القصب ومفردة (لي) تعني مكان وجوده، وهي صيغة كردية بمثابة ياء النسبة في العربية، فيكون معنى كلمة القامشلي مكان وجود القصب أو الأراضي المقصبة.. ويخطأ من يكتبها (قامشلو).. في البداية كان الناس في قضاء القامشلي المحدثة يعيشون تحت الخيام والأكواخ المصنوعة من القصب وهم يزاولون حياتهم اليومية في البيع والشراء وما شابه ذلك من التبادل التجاري.
ولم يكن يوجد في موقع مدينة القامشلي سوى بناء آل علي بك (قدور بك) ومطحنتهم المائية على نهر جقجق. حول تأسيس المدينة يقول الجنرال الفرنسي بيير روندو، أحد القواد الفرنسيين للانتداب على سوريا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي: (لقد تم الدخول إلى الجزيرة العليا في أيار 1926م، بفعل العمل البارع والحازم للملازم أول (ب. ترييه) – حالياً رائد، كما تم احتلال الدرباسية وعامودا لدى إخضاع عشائر الدقوريين، وقد أبدت عشائر بينار آلي وميرسيني ومللي موقفاً جيداً. في 20 آب 1926م أقيم بالقرب من مزرعة صغيرة منعزلة مركز (القامشلي) والتي من المنتظر أن تصبح مدينة حقيقية تغلب مدينة (نصيبين) التركية المجاورة والتي أصبحت محج الأنظار بالنسبة لكرد المنطقة.. ضمت مدينة القامشلي بسرعة العناصر الأكثر جرأة في المنطقة: يهود نصيبين، الأرمن والكرد، البشيريين، يعوقبيي طور عابدين وممثلو أصحاب العقارات في ماردين، وهكذا أصبح مركزاً مهنياً وتجارياً من الطراز الأول… بالرغم من أن اللغة الرسمية لم تكن الكردية تماماً، إلا أن هذه المدينة لعبت دور العاصمة لكرد المنطقة..).
في عام 1965م، عندما قدمت الى مدينة القامشلي للدراسة، كانت آخر الجغرافيا بالنسبة لي.. كانت تصنع نفسها على طريقة الغرب الأمريكي.. تكبر بسرعة، بلا ذاكرة، الا من حي قدور بك وسريان وارمن ويهود وغربي/ علي فرو.. ولاحقاً حي الطي.. ويجاورها قرية عنترية من الشرق وهلالية من الغرب وحلكو وزندا وطرطب وطراطب من الجنوب وشمالاً مدينة نصيبين العريقة.. كان اهل محيطها في حمى الركض وراء زراعة القمح والشعير وتربية المواشي.. والبعض كان يعمل بالقاجاغ/ تهريب المواد المفقودة بين طرفي الحدود.. وكبرت مع مدينة القامشلي.. حتى اصبحت جزءاً من ذاكرتي.. واليوم لا يمكنني العيش خارج محيطها!
الحسكة: كانت الأراضي الواقعة عليها مدينة الحسكة اليوم، أرضاً لا عمران فيها سوى ثكنة صغيرة بنيت عام 1900م فوق تل مشرف على نهر الخابور للمحافظة على إقرار الأمن بين عشائر المنطقة. وبعض البيوت الايزيدية من عشيرة (هسكا) التي كانت تعيش حياة بدوية. ويقال بأن أول الذين سكنوا في موقع مدينة الحسكة وبنوا فيها بيوت هم عائلة ايزيدية أصلها من عشيرة (هسكا) قادمة من جبل سنجار. ومعروف عن هذه العشيرة أنها كانت تعيش حياة متنقلة كالعشائر الكردية الكوجرية والعربية البدوية، وبعد تعرضها لهالة فتاكة محيط جبل شنكال (يعتقد كوليرا)، تشتت أفرادها مابين جبل سنجار والبرية.. وكان تجمع البعض منهم في موقع مدينة الحسكة، حيث ملتقى نهر جقجق بالخابور. وبمرور الزمن أصبح الناس يطلقون على تجمعهم السكني باسم عشيرتهم (هسكا أو حسكا) ولاحقاً (حسجة) ومن ثم أصبحت حسكة.
عامودا: ومدينة (عامودا) أو تلّ الكمالية من التلول الأثرية القديمة، يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وأعتقدُ أنها كانتْ موجودة في عهد الآشوريين، واسمُها كان عندهم (آمادا) كما كانت موجودة في العهد السوبارتي والميتاني، كالعمادية في العراق, والتي كانتْ تسمى عند الآشوريين ب (أمادي – آميدي) أو ديار بكر في تركيا, والتي كانت تسمى ب (آمد). وبرأيي -مجرد رأي- أنّ اسم عامودا الحالية اسمٌ مُحدث حلّ محل اسم (آمادا) القديمة بعد اندثارها نتيجة الحروب والغزوات. وكلمة (آمادا: عامودا) مثل كلمة (آمادي: العمادية) وكلمة (آمد: ديار بكر). وكلمة (آمادا) معناها المتأهب أو المستعد والجاهز وهي كلمة كردية أصيلة، رُخّمت الكلمة لكثرة الاستعمال ونتيجة تأثرها بالعربية صارتْ في يومنا هذا ب (عامودا) أو (عمودا). هذه المدينة تقع في البوابة الجبلية الشمالية لسهل ماردين الفسيح وعلى مقربة من مدينة (دارا) التاريخية، يسكنها الشعب الكردي منذ قدومه، وشهدت المدينة مثل بقية مدن المنطقة مختلف التغيرات الاقتصادية والاجتماعية..[1]