شيركو بيكه س الشعر والسياسة
د. محمود عباس
شعراء أبدعوا في بدايات أعمارهم، خلقوا مدارساً، وإتجاهات فكرية في القصيدة، تلاعبوا بالكلمات والفكرة، من عنفوان روح العمر الناشئ الصاعد، فكانت لهم بصمات على الآدب العالمي، خلفوا حضوراً أبدياً بجمالية الفكرة ورونق الكلمة، قبل أن يغادروا الوجود إلى العدم المادي،
ربما كان الشاعر الكردي #شيركو بيكه س# من هذه الطفرة الفكرية، وهذا الإبداع خلقاً جينات، ونشاطاً، وعملاً فكريا دؤوباً، مع غريزة اللذة في الخلق الجديد، لكن قدر الشاعر الكردي الكبير أنه خلق كردياً، أمتزجت حياته بين الفكر والنضال السياسي، بين الصراع من أجل الوطن ونزعاته الروحية حيث الشعر والقصيدة، أنه كان ذاك الكردي ، الذي ساير حضورهالشبابينزعة النضال من أجل وطن الأحلام، والتي سخر لها رغباته ومواهبه وذاته، أجلت بها إبداعاته الشعرية إلى عمر متأخر، بدونها كان يشعر بالنقصان، وتأنيب الضمير، أوالعتب الذي يلاحق مفكري الكرد، هذه الفروض النضالية أجلت البعض منأبداعاته الشعرية إلى عمر متأخر، وخزنت بعضها الآخر في زوايا معتمة،ظهرت في فترات تجاوز فيها مراحل صراعات الشباب.
لقد ذاق بيكه س في الشعر نقائه وفي السياسة نفاقها، تلمس في القصيدة براءتها وفي السياسة خباثتها، وجد في الكلمة صيرورة وفي السياسة افولاً، في الصورة الشعرية الحب بكل أبعاده، وفي السياسة الحقد والكراهية بكل سلبياتها، فلا عجب لشاعر مناضل صادق مع ذاته مرهف الحس من تفضيل حمل ثقل الكلمة وجمالية روحها على المنصب وبشاعة أروقة السياسة، لذلك ترك في فترة قصيرة منصباًسياسياً في حكومة الأقليم، كان صادقاً مع الوطن والشعر في الشعور واللاشعور ومتماهياً مع أحابيل السياسة، فخلد في أختياره هذا ذاته في ذاكرة الكردي، وفي صفحات الأدب حروف أبدية.
مرت حياة الشاعر الراحل شيركو بيكه س بمراحل متعددة، مناضلاً، ثورياً جاب وهاد الجبال، سياسياً معاصراً، لكن روحانيات الشعر بقي الطفل المدللالمفضل على كل ماعداه في أعماق الراحل، لازمته كل تلك المراحل، كان ملاذه في كل ضائقة ذاتية أو موضوعياً، وفي كل وعكة فكرية، غذائه الروحي عند كل صراع مع الحياة، أستمد منها طاقاته الأبدية في رؤية الواقع والمستقبل.
هذا الحب الغريزي للشعر، خلق منه الشاعر الكلي من حيث الحدث والفكرة، وتخليد الذكرى بكل ألوانها وأبعادها، لا شك إن الجينات ساعدته في كثيره، فقد كان والد المرحوم شاعراً معروفاً، مع ذلك فإصراره على خلق الجديد في الشعر الكردي ساعدته في كثيره وأعطت لقيمه علواً وخلوداً، لا أبداع بدون جهود مضنية، وعزيمة الإصرار على الخلق، فهو من أوائل الشعراء الكرد الذين تعمقوا في اللاشعور وإحضار الصورة قبل السردية، ومن أوائل وأوسع الشعراء الكرد الذين نقلوا الفكرة المجازية في الشعر الكلاسيكي إلى البعد التصويري، واستمد القوة من إحضار الخيال المخفي في اللاشعور أو ما وراء الخيال إلى الشعور والإسقاط المباشر الحاضر، بنفس القدرة الإبداعية في الحالة المعاكسة، وهو من الشعراء النادرين في الشرق الذين تمكنوا في خلق هذه التنقلات بدون أن تخسر القصيدة أبعادها الجمالية .
وقد كانت بداية الظهور العلني في هذه الخطوة الجريئة مستقاة من مسيرة طويلة فكرية،دعمها ب ( بيان روانكه - المرصد ) التي أصدرها في عام 1970 مع مجموعة من الشعراء والأدباء، في الواقع كان توضيحاً أكثر ما يكون بياناً عن الإنحرافات الشعرية التي كانت قد أخذت مداها الواسع في شعره وشعر البعض من الذين عاصروه عن بدايات التحول نحو الحداثة الشعرية بعمق، والتي كانت تروج في أروقة الشعر حينها بين الشعراء العرب ومنهم العراقيين، الذين استقوا الفكرة من الغرب ومعظمها من الشعر الفرنسي، فخلقوا الشعر النثري والتي أدت إلى ظهور المدرسة الشعرية العصرية، وكان المرحوم ملهمها في الشعر الكردي وأثبتها على مراحل وفترات قصيرة متقاربة، وأوجدها في ديوان بعد آخر، لا شك أنه كان يجاري التغيرات الأدبية العالمية وخاصة في مجال الشعر النثري الذي طغى على الكلاسيكي في معظم اللغات العالمية، حيث الصورة الشعرية والبحث في أبعاد ما وراء الكلمة التي سادت على السردية الطاغية في الكلاسيكي،وقد ذكرها مرة في أحدى حواراته بأنه يسافر داخل اللغة ويكتب المجاز ويسافر به والصورة الشاعرية مرافقه.
تنوع شيركو بيكه س في الأساليب، لكنه رغم غرفه من الموضوعات ما لا يحصى وكدسه من المقارنات المتعددة، وتعمقه في الحداثة الشعرية التي زينت بها اسلوبه وزاد من رونقة كلماته وجمالية الموسيقى الخفية في القصيدة، ورغم عرضه للأفكار المتشعبة الفكرية والفلسفية والثورية، إلا أن القضية الوطنية الكردستانية بكل روحانيتها و آلامها ومآسيها بقيت حاضرة أبداً في شعره وذاته، ورغم ذلك لم يبخل بالمواضيع الإجتماعية والفكرية والثقافية الأخرى، بل تشعب في تلك التي يغرفالشعراء منها هواجسهم الروحية، فهذه القدرة التي أمتلكها أظهرته كأحد كبار شعراء الشرق المعاصر.
أنه الشاعر الكردي الوحيد الذي ترجمت أشعاره ودواووينه إلى أكثر من عشر لغات عالمية، في الوقت الذي لا تزال اللغة الكردية من اللغات المحاطة بجغرافية مغلقة حوافها، ودخولها العالم الخارجي في بداياتها وهي غير معروفة في كثيره أدبياً. لم تقف خطواته الإبداعية عند أختراق حواجز الترجمة والدخول في جغرافيات متنوعة بل تجاوزها، فقد حصل المرحوم على جوائز عالمية عديدة، ونحن لسنا بصدد تبيان مزاياه الكثيرة هنا، ولا البحث في جمالية اللغة أو الفكر أو القصيدة وما ورائها بشكل عام، فالنقاد أبدعوا في كل هذا، وأعطوا البعض الجميل منه حقه، رغم أن كثيره لا يزال يحتاج إلى بحوث ودراسات نقدية عميقة، ولكن لا يمكن الحديث عن الشاعر المرحوم شيركو بيكه س دون أن ينجرف اليراع إلى ذكر فتات من هذه المزايا، حتى ولو كانت الغاية مغايرة.
الخلود لصاحب الكلمة، والفكر النقي، ومنسق الشعر حداثة، لرافع راية وطن الأحلام قصائداً، للمناضل الصادق مع ذاته ووطنه، للشاعر الإنسان الذي فضل العيش في نعيم القصيدة على رغد نفاق السياسة، الشاعر الذي دمج النضال مع الكلمة، صارع الإستبداد في المجالين، مادة وفكراً، الشاعر الذي عاش الغربة وقاسى آلام المنفى القصري في شبابه، تلك السنوات التي أمدته ذخيرة لقادمه الشعري حينذاك، للشاعر الذي عاش جباله صادقاً مثلما فعلها مع القصيدة، للشاعر الذي له جولات نضالية في سنوات متعددة طويلة بدأها من إنتفاضة السادس من ايلول إلى سنوات الهجرات المتعددة، إلى بداية الطلاق مع السياسة والعيش أبداً مع ملاحم الفكر ودهاليز الشعر الرخيم، إلى وداعه المادي الأبدي لكرده. سيبقى ىشيركو بيكه س الشاعر الخالد روحاً في ذاكرة الكل بلا ذنوب السياسة، عظيماً مع هالة الإبداع الشعري والفكر وسموه.
شعراء أبدعوا في بدايات أعمارهم، خلقوا مدارساً، وإتجاهات فكرية في القصيدة، تلاعبوا بالكلمات والفكرة، من عنفوان روح العمر الناشئ الصاعد، فكانت لهم بصمات على الآدب العالمي، خلفوا حضوراً أبدياً بجمالية الفكرة ورونق الكلمة، قبل أن يغادروا الوجود إلى العدم المادي، ربما كان الشاعر الكردي شيركو بيكه س من هذه الطفرة الفكرية، وهذا الإبداع خلقاً جينات، ونشاطاً، وعملاً فكريا دؤوباً، مع غريزة اللذة في الخلق الجديد، لكن قدر الشاعر الكردي الكبير أنه خلق كردياً، أمتزجت حياته بين الفكر والنضال السياسي، بين الصراع من أجل الوطن ونزعاته الروحية حيث الشعر والقصيدة، أنه كان ذاك الكردي ، الذي ساير حضورهالشبابينزعة النضال من أجل وطن الأحلام، والتي سخر لها رغباته ومواهبه وذاته، أجلت بها إبداعاته الشعرية إلى عمر متأخر، بدونها كان يشعر بالنقصان، وتأنيب الضمير، أوالعتب الذي يلاحق مفكري الكرد، هذه الفروض النضالية أجلت البعض منأبداعاته الشعرية إلى عمر متأخر، وخزنت بعضها الآخر في زوايا معتمة،ظهرت في فترات تجاوز فيها مراحل صراعات الشباب.
لقد ذاق بيكه س في الشعر نقائه وفي السياسة نفاقها، تلمس في القصيدة براءتها وفي السياسة خباثتها، وجد في الكلمة صيرورة وفي السياسة افولاً، في الصورة الشعرية الحب بكل أبعاده، وفي السياسة الحقد والكراهية بكل سلبياتها، فلا عجب لشاعر مناضل صادق مع ذاته مرهف الحس من تفضيل حمل ثقل الكلمة وجمالية روحها على المنصب وبشاعة أروقة السياسة، لذلك ترك في فترة قصيرة منصباًسياسياً في حكومة الأقليم، كان صادقاً مع الوطن والشعر في الشعور واللاشعور ومتماهياً مع أحابيل السياسة، فخلد في أختياره هذا ذاته في ذاكرة الكردي، وفي صفحات الأدب حروف أبدية.
مرت حياة الشاعر الراحل شيركو بيكه س بمراحل متعددة، مناضلاً، ثورياً جاب وهاد الجبال، سياسياً معاصراً، لكن روحانيات الشعر بقي الطفل المدللالمفضل على كل ماعداه في أعماق الراحل، لازمته كل تلك المراحل، كان ملاذه في كل ضائقة ذاتية أو موضوعياً، وفي كل وعكة فكرية، غذائه الروحي عند كل صراع مع الحياة، أستمد منها طاقاته الأبدية في رؤية الواقع والمستقبل.
هذا الحب الغريزي للشعر، خلق منه الشاعر الكلي من حيث الحدث والفكرة، وتخليد الذكرى بكل ألوانها وأبعادها، لا شك إن الجينات ساعدته في كثيره، فقد كان والد المرحوم شاعراً معروفاً، مع ذلك فإصراره على خلق الجديد في الشعر الكردي ساعدته في كثيره وأعطت لقيمه علواً وخلوداً، لا أبداع بدون جهود مضنية، وعزيمة الإصرار على الخلق، فهو من أوائل الشعراء الكرد الذين تعمقوا في اللاشعور وإحضار الصورة قبل السردية، ومن أوائل وأوسع الشعراء الكرد الذين نقلوا الفكرة المجازية في الشعر الكلاسيكي إلى البعد التصويري، واستمد القوة من إحضار الخيال المخفي في اللاشعور أو ما وراء الخيال إلى الشعور والإسقاط المباشر الحاضر، بنفس القدرة الإبداعية في الحالة المعاكسة، وهو من الشعراء النادرين في الشرق الذين تمكنوا في خلق هذه التنقلات بدون أن تخسر القصيدة أبعادها الجمالية .
وقد كانت بداية الظهور العلني في هذه الخطوة الجريئة مستقاة من مسيرة طويلة فكرية،دعمها ب ( بيان روانكه - المرصد ) التي أصدرها في عام 1970 مع مجموعة من الشعراء والأدباء، في الواقع كان توضيحاً أكثر ما يكون بياناً عن الإنحرافات الشعرية التي كانت قد أخذت مداها الواسع في شعره وشعر البعض من الذين عاصروه عن بدايات التحول نحو الحداثة الشعرية بعمق، والتي كانت تروج في أروقة الشعر حينها بين الشعراء العرب ومنهم العراقيين، الذين استقوا الفكرة من الغرب ومعظمها من الشعر الفرنسي، فخلقوا الشعر النثري والتي أدت إلى ظهور المدرسة الشعرية العصرية، وكان المرحوم ملهمها في الشعر الكردي وأثبتها على مراحل وفترات قصيرة متقاربة، وأوجدها في ديوان بعد آخر، لا شك أنه كان يجاري التغيرات الأدبية العالمية وخاصة في مجال الشعر النثري الذي طغى على الكلاسيكي في معظم اللغات العالمية، حيث الصورة الشعرية والبحث في أبعاد ما وراء الكلمة التي سادت على السردية الطاغية في الكلاسيكي،وقد ذكرها مرة في أحدى حواراته بأنه يسافر داخل اللغة ويكتب المجاز ويسافر به والصورة الشاعرية مرافقه.
تنوع شيركو بيكه س في الأساليب، لكنه رغم غرفه من الموضوعات ما لا يحصى وكدسه من المقارنات المتعددة، وتعمقه في الحداثة الشعرية التي زينت بها اسلوبه وزاد من رونقة كلماته وجمالية الموسيقى الخفية في القصيدة، ورغم عرضه للأفكار المتشعبة الفكرية والفلسفية والثورية، إلا أن القضية الوطنية الكردستانية بكل روحانيتها و آلامها ومآسيها بقيت حاضرة أبداً في شعره وذاته، ورغم ذلك لم يبخل بالمواضيع الإجتماعية والفكرية والثقافية الأخرى، بل تشعب في تلك التي يغرفالشعراء منها هواجسهم الروحية، فهذه القدرة التي أمتلكها أظهرته كأحد كبار شعراء الشرق المعاصر.
أنه الشاعر الكردي الوحيد الذي ترجمت أشعاره ودواووينه إلى أكثر من عشر لغات عالمية، في الوقت الذي لا تزال اللغة الكردية من اللغات المحاطة بجغرافية مغلقة حوافها، ودخولها العالم الخارجي في بداياتها وهي غير معروفة في كثيره أدبياً. لم تقف خطواته الإبداعية عند أختراق حواجز الترجمة والدخول في جغرافيات متنوعة بل تجاوزها، فقد حصل المرحوم على جوائز عالمية عديدة، ونحن لسنا بصدد تبيان مزاياه الكثيرة هنا، ولا البحث في جمالية اللغة أو الفكر أو القصيدة وما ورائها بشكل عام، فالنقاد أبدعوا في كل هذا، وأعطوا البعض الجميل منه حقه، رغم أن كثيره لا يزال يحتاج إلى بحوث ودراسات نقدية عميقة، ولكن لا يمكن الحديث عن الشاعر المرحوم شيركو بيكه س دون أن ينجرف اليراع إلى ذكر فتات من هذه المزايا، حتى ولو كانت الغاية مغايرة.
الخلود لصاحب الكلمة، والفكر النقي، ومنسق الشعر حداثة، لرافع راية وطن الأحلام قصائداً، للمناضل الصادق مع ذاته ووطنه، للشاعر الإنسان الذي فضل العيش في نعيم القصيدة على رغد نفاق السياسة، الشاعر الذي دمج النضال مع الكلمة، صارع الإستبداد في المجالين، مادة وفكراً، الشاعر الذي عاش الغربة وقاسى آلام المنفى القصري في شبابه، تلك السنوات التي أمدته ذخيرة لقادمه الشعري حينذاك، للشاعر الذي عاش جباله صادقاً مثلما فعلها مع القصيدة، للشاعر الذي له جولات نضالية في سنوات متعددة طويلة بدأها من إنتفاضة السادس من ايلول إلى سنوات الهجرات المتعددة، إلى بداية الطلاق مع السياسة والعيش أبداً مع ملاحم الفكر ودهاليز الشعر الرخيم، إلى وداعه المادي الأبدي لكرده. سيبقى ىشيركو بيكه س الشاعر الخالد روحاً في ذاكرة الكل بلا ذنوب السياسة، عظيماً مع هالة الإبداع الشعري والفكر وسموه.[1]
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
نشرت في جريدة ( بينوسا نو ) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، العدد السادس عشر.