أخذ حسين أحمد من اسم قريته لقباً فنياً له لمحبته الزائدة لها ولأهلها، وهي بقعة صغيرة، جميلة تدعى #كري بري حاجو#، تعد غضن من أغصان مدينة #قامشلو# في غربي كوردستان (كوردستان سوريا).
منذ الطفولة وحسين كري بري منعزل عن وجوه ملونة بالسواد والرماد، يرى نفسه طفلاً وفي مخيلته مشاهد، يتوق لها وإليها، منها خبز التنور وجلسات الأصابع المفترقة وشقاوته وقرة عينه، وفي هذا الصدد يقول: أنا ما زلتُ وسأظل طفلاً، وهذه المرحلة تبدأ من الولادة إلى حين يسقط العمر بسماع ما لا أريد سماعه.
أما شبابه، يندرج في خانة المتاهة، فقد ضاع فيها الكثير من العمر والروح وحتى الجسد بسبب الظروف الصعبة، فلم ترى النفس الكامنة مع صاحبها النور ولا التمتع بملذات الحياة.
لطالما الأحلام عند حسين كري بري صعبة التحقيق، فقد ترك ما يتمناه في زاوية سوداء، ويعمل على تحقيق أشياء أخرى فيقول عنها هذا هو حلمي، فهو يؤمن بالحظوظ والأقدار أكثر.
وحب الشريكة، الحبيبة بالنسبة له هو خرق لجميع المعادلات الحياتية ونظريات التي تكسر الحب وتفقده قيمته، فكلما زاد رقم عن الأول زاد الإخفاقات، ويصف: المرأة لها حق في حب واحد وكذلك الرجل وأما غير ذلك لهو مرض. ويحلم أن يتجاوز مرحلة العزوبية ويصبح أباً.
حوار مع التشكيلي والشاعر الكوردي حسين كري بري:
لقاءات ومشاهد الأولى مع الرسم والتشكيل: هنا لا أتذكر متى كان لقاءنا، ففي كل صفحة من كتبي المدرسية وخاصة المرحلة الابتدائية، كنت أزينها بخربشاتي إلى حين تم طباعة المشهد في ذاكرتي، مشهد معلمتي التي تدعى سهام معلمة الرسم، عندما رأتني كيف أرسم الخرائط بجماليتها فشجعتني، وهنا أيضاً تكمن الزبدة فبعد المجاملة، أصبحت الصفحات المدرسية مثل تشريح الجسد.
وعندما رسمت والداي في طفولتي ببورتريه قريب الملامح، زاد خوف والدي علي، من الخروج عن دراستي وأقنعني في الابتعاد عن الرسم والمضي قدماً في الدراسة للحصول على وظيفة كلنا نعرف أن الفن في سوريا ومعظم البلدان لا تكسب رغيف خبز
وفي عام 2013 أثناء وجودي في تركيا في رحلة المرور واللجوء، وبعد عشر سنوات من الإهمال، عدت إلى الرسم، وأيضاً مع احتجازي في السجن ببلغاريا فيما بعد، قمت برسم شخصيات موجودة معي على جدرانه لقضاء الوقت والملل.
بدأت مرحلة التحول إلى اللون والفرشاة بعد لقائي بالفنان التشكيلي جلال دادا في ألمانيا.
أوقات ولحظات الإشراق والإبداع لديه: أولاً، لا أسمي نفسي فناناً لأنني طالب للفن، وأضع نفسي في مرحلة الموهبة نحو الاحتراف إن سمح لي القدر.
فلكل فنان طقوسه وزمنه في طباعة أفكاره على تلك المساحة البيضاء. لا تأتيني الأفكار إلا حينما أكون في مجال عملي لقوت يومي أو حينما أكون بعيداً عن أدوات الرسم، وهنا بنات أفكاري تتركني وتمشي في شوارع النسيان أو الملل.
لكن، في عصر التكنولوجيا أصبح بمقدورنا رسم سكيتشات على برامج الشاشة الرقمية إلى حين نقلها إلى أفكار ملونة ملموسة. وعند انتهاء اللوحة أشعر بأنها لم تكتمل وإنها تحتاج إلى شيء ربما ستكون عظيمة النتيجة وربما عكسها، وكلتا الحالتين، المشاهد هي التي تحدد النتيجة أي عين الناقد والناظر والفنان الآخر أكثر من الفنان نفسه.
اللوحة التي ينهيها الفنان حسين كري بري في دفعة واحدة، يشعر بأنها مكتملة، ويبين في شرحه: اللوحة لا تملك ساعة رملية لنحدد زمنها. القماش يختلف عن الورق والكرتون وكذلك الأمر مع الخامات، ففي رسم البورتريه بالرصاص أحتاج لساعات طويلة فوق عشر ساعات مع استراحة ربما يوم، وربما ساعة بالرصاص والفحم، وإذا تركتها أيام سأستمر في تناسيها لقلة رغبتي في الرجوع إليها ولهذا أنهيها خلال أسبوع، والرسم كل يوم في أوقات متفاوتة.
أما خامة أكريلك، هناك أعمال ننهيها في أشهر، وأيضاً في أسابيع وربما في ساعة، حسب الفكرة والمساحة، وحسب الشغف.
مضمون وخطابات معظم لوحاته تكون عن الحروب: الجسد ساحة المعركة، تغزونا السياسة وما تخلفها من الدمار وضرائب الحرب والجميع يدفعها هذا ما لا نستطيع الهروب منه. ففي ملامح ووجوه شخصياتي آثار للحروب وأخطاء للأقدار.
وفي أعماله، الفكرة تغلب على اللون لشد انتباه المتلقي، ملامح الشخصيات مكتظة بالأفكار، وعندما يرغب المتلقي في معرفة ما ينظر إليه، الشخصية أو اللون أو الحالة التي تكون واقعة على القماش حينها يملكه الفضول في المعرفة، وهنا يأتي دور الفنان في صياغة الأفكار التي يستطيع طرحها، فمعظم الفنانين يرسمون من دون تحديد الموضوع، وعند الانتهاء تكتمل الفكرة.
رأيه في الناقد والمتلقي: أرسم لنفسي، والناقد له دور في تنمية مهارات الفنان والإصرار على الاستمرار في النجاح أو بلوغه. لم أكن أهتم بالنقد فيما مضى، أما الآن أحاول أن تصل لوحاتي إلى النقاد سواء أكان مدحاً أو رمياً بسهام الوعظ والإرشاد. أما المتلقي تكفيني نظرة الإعجاب منه.
أجمل وأسوء لوحة له: هناك رسمة اسميتها الرجل الكُردي بقلم رصاص، كان إنجاز جميل وأيضاً لها معزة كبيرة على قلبي ولا أستطيع التخلي عنها بالرغم من إصرار بعض المشترين في اقتنائها، أما بالنسبة ل حواء والتفاحة اللوحة التي خالجتني وعشت معها فكرة وحباً، فقد اقتناها شاب ألماني، يرأس مركز ثقافي في هامبورغ.
أما السيئة فهي لوحة بعنوان أقنعة وتم وضعها في زاوية النسيان.
عن شعوره في أول معرض له، يصف قائلاً: أول معرض لي كان مع الفنان السوري عاصم رحيمه في ألمانيا – هامبورغ Thalia Theatre بتاريخ 09.12.2015
كان شعوراً لا يوصف كأول درج أصعده إلى الوسط الفني، كان المعرض في مسرح تاليا ضم العديد من الجماهير مع فرقة موسيقية سورية ووسط صحافة وإخوة ورفاق الفن. كانت أعمالي عبارة عن بورتريهات بخامة الرصاص متقنة الملامح، وهذا ما سارع دخولي إلى صالات المعارض الأخرى فيما بعد، وتسجيل كطالب تحضيري في جامعة هامبورغ، وزدت إصراراً في متابعة ما أنا عليه. وكما تعرفت على فنانين سوريين، وألمان وأساليب فنهم الحديث التي تسبقنا بعقود زمنية.
يرى الفنان حسين بإن الفن التشكيلي الكُردي غني منذ زمن بالرغم من أنه لم يأخذ حقه في الأضواء إلا فنانون يمكن عدّهم على عدد أصابع اليد. وبعد الثورة والحرب 2011 في سوريا، ازدادت نشاطات الفنانين الكورد سواء في Rojava شمال سوريا أو في أوروبا، وكل يوم نسمع عنهم وعن أسماء جدد ظهروا بتقنياتهم القوية بالرغم من ممارساتهم للفن منذ زمن بعيد إلا أن الفرص لم تأتيهم إلا في أوروبا أو بعد ثورة وحرب 2011.
ويردف قائلاً: لا نستطيع المقارنة بين الفن الكوُردي والعربي الآن فكلا الطرفين يحاولان اللحاق بالغرب، نستطيع المقارنة بالغرب لأنهم كما قلت يسبقنا بعقود كثيرة.
هناك أسماء كُوردية وصلوا إلى العالمية أمثال الفنان الكُوردي العالمي المرحوم عمر حمدي (مالفا) والفنان الراحل محمد عارف وغيرهم ممن سيفتح لهم باب العالمية في الغد.
ارهاصات الأولى في مجال الأدب: كانت بداياتي الأدبية عبارة كما يقولون عن خربشات وخواطر ناقصة إلى أن تعرفت على الشاعر المتقن محمد مجيد حسين، بعد ذلك كانت هناك محاولات في الشعر، ونشرت في مواقع الكترونية كثيرة، تناولت فيها الغربة والمرأة مع محاولات في كتابة القصة القصيرة إلا أن الشعر أخذ الوقت الكثير مني.
وكتبتُ الشعر في مجلة بينوسا نو، السلام، مركز النور، صوت العروبة، الحوار المتمدن، دنيا الرأي، رابطة أدباء الشام، جريدة العراق اليوم، شبكة صوت الكُرد، وغيرها من المواقع.
التوافق بين الحرف واللون هو قمة في الجمال: كلاهما (الحرف واللون) شعور وفكرة، إلا أنه من وجهة نظري لا يلتقيان في الوقت نفسه فكلاهما له وقته وجوّه على حساب الآخر، ومن يستطيع التوافق بينهما بالطبع سيكون قمة في الجمال.
يسهب في الشرح عن ديوان مشترك بعنوان Fluchtpunkt Hamburg باللغتين الألمانية والأم قائلاً:
أثناء معرضي المشترك في المركز الثقافي في هامبورغ، ألتقيتُ بأحد أعضاء اتحاد كتاب هامبورغ وقدمت لي عرضاً للمشاركة في كتاب بعنوان Fluchtpunt Hamburg مع بعض كتاب وشعراء من مختلف البلدان واللغات، وقتذاك لم أفهم عليها جيداً بسبب ضعفي في اللغة ليتم ترجمتها إلى الألمانية، وبعد شهور تم طباعتها بتنسيق ومواد جيدة، وقد علمت فيما بعد من البريد الذي أرسله الاتحاد قبل الطباعة، المشاركة بعدد كبير من كتاباتي. الديوان حينما أخبرني الاتحاد عن المشاركة، اعتقدت بأنها للقصص القصيرة التي حدثت معنا بسبب الحروب في بلادنا إلا حينما تم الطباعة ورأيتها كانت عبارة عن الشعر والقصة.
ويتم حالياً إرسال الدعوات لي من نفس الجهة للمشاركات القادمة إلا أنني بحكم انشغالي وظروفي أعتذر.
للتنويه: المادة التي شاركتها كانت بالعربية لعدم إتقاني الكتابة بالكردية.
ويضيف: هناك مخطوطة لي بعنوان مشاوير وجنازة تغلبها الغربة في القصائد وبإحساس جميل وموسيقا نثرية، أتمنى القدرة على إخراجها إلى النور في أقرب وقت.
ويختم التشكيلي والشاعر حسين كري بري حوارنا معه بالقول: الحوارات والنقد والدراسات تعد من الطرق التي تؤدي إلى النجاح، وأتمنى أن تتيح الفرصة من قبل القدر للذي يستحق القمة.[1]