حمل همومه المرسومة على ظهره وسلك دروب الهجرة الى اسطنبول وعرضها امام الناس في شارع الاستقلال الشهير حيث شد الانتباه اليه والى لوحاته المرسومة للملك الذي يضع تاجاً على رأسه مغروراً بسلطته ولكنه يسخر منه ومن جبروته الذي يجعله يمارس القمع على الناس،
أنه الفنان التشكيلي أكرم زافي الذي ولد في احدى قرى الطين على تلك الاراضي المنبسطة جنوب مدينة #عامودا# في خريف 1974 ، كان كما كل اولاد قريته عادياً يعيش طفولته البريئة في تلك الحياة الموحشة، ولكنه اختلف عنهم عندما بدت علامات الموهبة والابداع تظهر عليه، حيث يقول اكتشفت ان لدي قدرة وموهبة فنية حين بدأت بصنع تماثيل من الطين ومجسمات لرؤس الحيوانات والبشر واي شيء آخر يأتي على بالي، فكان الصغار وحتى الكبار يستغربون من تلك المنحوتات التي كنت اعرضها امام اعينهم في معرضي الصغير في ظل تلك الحيطان المترهلة ويستغرب زافي من تصرفه حينما ينتهي من عرضها الى دفنها جميعاً تحت التراب ويقول اجهل سبب ذلك لحد اليوم، زافي الذي لم يملك ويرى الألوان وادوات الرسم دفعته موهبته بالفطرة الى الرسم على شرشف امه الابيض والتي كانت تصلي بها ورسمت عليه برماد التنور أشكال غريبة الشكل حينها ولا يخفي انزعاجه كثيراً من تصرفه الذي ادى بنفس الوقت الى انزعاج امه منه وتوبيخه له، تصقلت موهبته الفنية وتطور المامه بالرسم والألوان والتشكيل اكثر عندما ذهب للسكن في مدينة الحسكة وتعرف على فنانين كثيرين هناك وبدأ مشواره الفني حينما تعرف على فنانين تشكيلين معروفين أمثال حسن حمدان وزهير حسيب وخليل عبدالقادر الذي لا ينكر انه تأثر به و له بصمة على مشواره الفني.
وحينما سألته على أية مدرسة تنسب نفسك واعمالك؟ قال اعمالي تقوم على السخرية والترميز والانسنة والاهتمام بأبعاد المكان والاشارة الى معاناة الانسان ولعل بتلك التقنية ادفع المرء الى التساؤل عن اسباب ذلك لانه في بعض تجلياته يبدو عنصراً شفاهياً قادماً من الحكايات، وهناك رغبة مني في توصيل الحكايات للمتلقي واشعاره بالحميمية والتقرب الى العمل وبذلك خلقت ادهاشاً للمتلقي، أنا لا انتمي الى اية مدرسة واعتبر نفسي حراً.
وفي سؤال آخر متعلق بأعماله الغريبة الشكل والملك المشوه الذي يلفت نظر المتلقي اليه وغايتة من الامر؟ قال المتلقي يجب ان يكون قادراً على التعاطف الروحي والفكري مع اللوحة الفنية او مع الشعر والموسيقى وكافة انواع الفنون، وان لم يكن متأهلاً ولا يعرف ان يتذوق الفن وطعمها؟ هناك اسباب تحول بين الفنان والناظر أليه، ومنها المستوى الثقافي وتأثير البيئة والعادات والتقاليد الاجتماعية، فهناك الكثيرون ممن ينتقدون الاعمال الفنية ويجهلون فهمها وينسون ان الابداع والفن هو الذي يخترق كل القوانين والاعراف ويكسر كل القوالب الجاهزة، ان عدم رغبة المتلقي في استيعاب فكرة الفنان تجعله غير مكتمل هذا لا يعني ان الفنان ايضاً جزء من تلك الحالة فنجد اعمالاً كثيرة مضطربة وعصية على الفهم فالفنان الشرقي بشكل عام يعيش في متاهة غريبة.
واستمر بالحديث عن اعماله وما يحمله من افكار يريد ان يفرغ ما بداخله عبرها (يقول الاديب السوري الراحل ممدوح عدوان ان عالم القمع المنظم والعشوائي الذي يواجه انسان هذا العصر، لا يسمح لنمو انسانيته بل هو عالم يعمل على حيونة الانسان تدور اعمال وافكار لوحاتي حول نفس الموضوع، وارى ان كل مهمة ابداعية مغامرة في المجهول ومؤلمة، هناك خوف من اكتشاف اشباحنا الخاصة فيها
زافي الذي لا يمل من الحديث عن اعماله قال في ختام حديثه لا بد أن تؤمن بما تقوم به ولا يمكن ان تحقق الحلم وحدك لا بد لك ان تعثر على بعض الحلفاء لكنني اجبرت نفسي على الايمان بقدراتي وعلى استخدام خيالي في الرسم في ساحة الاحداث وركزت على التفاعلات بين الشخصيات وبرهنت التجربة انني كنت على حق ولا يمكن ان اصبح عبداً للمادة ولا ان ارضي الآخرين وبالتالي انني ارسم للشخص الوحيد الذي اعرفه تماماً وبالمطلق الا وهو نفسي، لا اسعى الى نيل الجوائز ابداً بل اسعى الى اشياء مختلفة في اعمالي الفنية واسمح لي بأن اقول بأن الجوائز هي الجديرة بأن تسعى اليَ فأنا انسان من كوكب مجهول.
زافي الذي التقيته في دياربكر على هامش كونفرانس مثقفي غرب كوردستان لم يخفي تحسره على بلده وما آلت اليه من قتل وتدمير وتهجير أدت الى هجرة العقول والفنانين من سورياً عموماً والمثقفين الكورد خصوصاً حيث يقول فهناك مأساة حقيقية اليوم تعاش في سوريا، فالهرب ايضاً من ذلك الواقع مأساة أخرى يضاف على جملة مأسينا، عسى ان نخفف عنهم بمساعدتهم لكل الصامدين في ارض الوطن، يجب التمييز بين السياسة الكوردية وثقافتها انا ضد كل هذا لأن الدين والسياسة شيء والعمل الثقافي والفني شيء آخر وهنا يجب التعامل مع الأشخاص والتمييز بين عقيدتهم من ثقافتهم.
لدي زافي سيرة جيدة ويفتخر بها حيث عمل 11 عشراً معرضاً ما بين فردي وجماعي بين اعوام 2001 - 2011 في الحسكة وعامودا واللاذقية والرقة ومعرض فني في صالة اليونسكو ببيروت تحت عنوان ( الملك سلطة وتاجاً) ونال اعجاب كل من زار معرضه، وكذلك كان له مشاركة في فعاليات مهرجان دمشق الحادي عشر للثقافة والتراث 2004، وكذلك مشارك في معرض التصوير الضوئي هولندا، 2004-2005 و نال عدة جوائز تقديرية.[1]
المصدر: جريدة التآخي- العدد والتاريخ: 6888 ، 2014-07-08