الشعب الكوردي شعب حي و محب للفن والغناء والطرب وهو خالق ومبدع لها لأن الموسيقى بالمعنى العام اداة للتعبير عن ما يشعر به الانسان من احاسيس فياضة وما يحويه الانسان في وجدانه، فما بالك بالانسان الكوردي الذي عانى من الاضطهاد والنفي فعبر تلك الاغاني يتم سرد قصص وحكايات شقاء الانسان الكوردي وعذابه، حيث يغلب طابع الحزن على الاغاني الكوردي بالاضافة الى وجود اغاني تحمل طابع السعادة والفرح حيث تحكي قصة حياة عاشقين او ثائر في معركة او واقعة حدثت في زمن ما.
والمغني والموسيقي والمطرب معروف باللغة الكوردية بإسم ( #دنك بيج#) وهي كلمة مركبة بمعنى ( الصوت والقول) اي الذي يقال ويحفظ عن ظهر قلب أغاني وكلمات تحكي عن أمر ما حدث يخلد تلك الذكرى او الحادثة عبر تلك الاغنية التي يتناقلها الاجيال سواء عن واقعة ومعركة وبطولة بعض الشخصيات او عن قصة عشق وحب بين عاشقين كانت نهايتها مأساوية وتبقى تلك الحادثة التاريخية ولا تنسى بهذا الشكل، فقد تم نقل الكثير من المآسي والويلات التي حلت بالشعب الكوردي وحفظت في القلوب لا على الاوراق والكتب عن طريق اولائك المغنيين والمطربين.
فقد صدرت عن دائرة الثقافة والفنون التابع لبلدية دياربكر الكبير الجلد الاول من كتاب ( مشاهير الموسيقا الكوردية) باللغة الكوردية والتي قامت بإعداده وتجميعه الباحثة والكاتبة #زينب ياش#، يتضمن الجلد الاول من الكتاب حياة وصور مؤرشفة واغاني مسجلة لفنانين كورد غادروا هذه الحياة وتركوا بصمات جليلة عن الموسيقا والفن الكوردي على صعيد كوردستان أمثال عبدالي زينكي- خسروف ملول-علي خندان-كاويس آغا-نسرين شيروان-غربيت خاجو-محمد عارف جزيري- عيشه شان ....الخ بإختصار انه انجاز وكتاب عن تاريخ الموسيقا والغناء الكوردي حيث يتناول الجلد الاول من الكتاب حياة 110 فنان كوردي من مختلف الاماكن.
وعن مضمون الكتاب وما يحتويه التقينا بالكاتبة زينب ياش التي اضافت الى المكتبة الكوردية كتاباً جديراً بالتقدير لأنه سيصبح مرجعاً مهماً من المراجع التي تتناول الموسيقا والفن الكوردي منذ تاريخ مضى الى اليوم حيث قالت انني قسمت الكاتب الى قسمين حيث يبدأ تاريخ الفن الكوردي والمحفوظ من الفنان عبدالي زينكي اي منذ عام 1803 الى اليوم يتناول القسم الاول من الكتاب من ذلك التاريخ ولغاية عام 1930 يبلغ صفحات الكتاب قرابة 500 صفحة يحفظ بين طياته حياة فنانين كورد خدموا الفن الكوردي وابدعوا واصبحوا مشاعل يقتدي بها الفنانون لغاية هذا اليوم وحفظوا فولكلورنا وتراثنا من الضياع والاندثار حيث قمت ايضاً بأرشفة ما تركوه وجمعت ما استطعت اليه عبر علاقاتي وبحثي عنهم، تناولت حياتهم وبيئتهم وجذور عائلاتهم وترحالهم وكل ما يتعلق بهم مع صورهم وكلمات اغانيهم ووضع النوتة الموسيقية لبعض اغانيهم المشهورة وترتيبها وتنسيقها بشكل منمق في الكتاب الذي سيصدر الجلد الثاني منه والذي سيحتوي على حياة فنانين معاصرين أيضاً من تاريخ (1931- 2015) في الفترة القريبة القادمة.
وعن آليه بحثها في الكتاب وعملها في أرشفة مايتضمنه الكتاب والفترة الزمنية التي اقتضتها هذا الجهد الادبي الكبير الذي يثمن جداً ويوصف بإنه من أفضل الكتب والمراجع التي سيتم انتهاجها في العديد من المراكز والمعاهد الفنية نظراً لشموليتها والدقة في نقل المعلومة تقول الباحثة زينب ياش عن آلية ذلك وفتراتها الزمنية قائلتاً بدأت فكرة جمع وتوثيق حياة الفنانين الكورد لدي اثناء عملي في معهد التراث الكوردي في السليمانية وتحديداً اثناء اصداري كتاباً عن حياة الفنانة الكوردية المشهورة عيشه شان مع 12 DVDيتضمن أغلب أغانيها، ومن ثم تبلورت الفكرة لدي وتوسعت رويداً رويداً ليشمل حياة فنانين آخرين خاصة بعد انتقالي الى دهوك وتأسيسي لقسم البحث والأرشفة في منطقة دهوك كفرع لمعهد التراث الكوردي منذ عام 2007 لغاية 2011 في تلك الفترة عملت بجد ودون ملل لاجل توثيق وارشفة حياة فنانين كبار جداً كانت الافكار والمعلومات عنهم مبعثرة
أول أغنية كوردية مسجلة
تستمر زينب وتقول عن تلك الفترة انها واثناء بحثها وتنقيبها عن الفنانين الكورد استطاعت عبر صديق لها الوصول الى أرشيف في ولاية نيو جرسي بأمريكا حيث يتضمن تسجيل صوتي والذي يعتبر اول تسجيل صوتي للاغنية الكوردية عام 1912 قام الفنان السرياني في دياربكر خسروف ملول بتسجيل اغانيه على اسطوانة من قبل شركة ( اوديون بلاك) في مدينة الموصل ومن ثم حصلت على اغاني الفنان علي اصغر كوردستاني عام 1924 والفنانة ألماس خان 1926 ومن بعدهم مريم خان وطاهر سعيد عبو ...الخ)
أصالة الغناء
يرفق الكتاب قرصي DVDيحتوي على ثلاث أغاني لكل مطرب تم نقلها بعناية من الاسطوانات والكاسيتات المؤرشفة مع تنظيفها وتنقيتها من الشوائب مع مراعات الحفاظ على اصالتها حيث تقول الباحثة زينب ياش عن تلك النقطة جلبنا بعض الاغاني القديمة جداً الى مستوى الاستماع اليها بعد ان اهترئت حيث قمنا يتنظيفها عبر اجهزة صوتية تكنولوجية حديثة وهذا العمل الذي اعتبره شاقاً بالنسبة لي والاصعب في هذا النتاج حيث كان كل همي الحفاظ على أصالة تلك الاغاني وكانت توجد أغاني مقسمة ومسجلة على اجزاء فإن عملية دمجها وايصالها مع بعض عملية شاقة ويتطلب دقة للغاية ويعود الفضل في ذلك الى موسيقيين واكاديميين ماهرين ساهموا في انجاز هذا المشروع الفني والادبي الكبير عبر تنظيف وتنقية تلك الاغاني ووضع النوتة الموسيقة لها
الموسيقا الكوردية
يحتوي الكتاب على فنانين كورد من اجزاء كوردستان الاربعة بالاضافة الى اكراد قفقاسيا والاتحاد السوفييتي السابق ومن مختلف اللهجات الكوردية الكورمانجية والصورانية والزازاكية ويشمل الكتاب على فنانين من قوميات أخرى ولكنهم خدموا الفن الكوردي وغنوا باللغة الكوردية أمثال خسروف ملول وغربيت خاجو وآرام ديكران كما ان الكتاب تناول حياة موسيقيين ايضاً مثل عازف الناي الشهير من أكراد اناضول حسن مرجان وعازف الطنبور الشهير آديك من عفرين في غرب كوردستان
مصادر الكتاب
تقول زينب ياش التي تعتبر هذا الكتاب عصارة جهدها وتعبها وسهرها لمدة عشرة أعوام قضتها في البحث والتوثيق والنبش في المصادر الكوردية وكذلك ما خبأ من قبل اناس غيورين على الفن الكوردي وتقول في البداية جمعت ما تيسر وتوفر في الاسواق ومن الانترنيت ومن ثم بدأت بتوسيع دائرة البحث عبر الاتصال مع ذوي ذلك الفنان واصدقائه ومحبيه حيث دفعنا البحث بالوصول حتى الى امريكا والعديد من البلدان لاجل اتمام معلومة او الحصول على قطعة موسيقية مثلما ذكرت عن الفنان السرياني خسروف ملول، وكذلك كانت توجد مصادر غنية في كوردستان العراق سواء عبر جمعها وحفظها بشكل شخصي من قبل اناس غيورين ومحبين للفن الكوردي او عبر مؤسسات فنية واعلامية تابعة لوزارة الثقافة في اقليم كوردستان العراق والذي انتهز هذه المناسبة في شكرهم ودعمهم لي لانجاز هذا المشروع الذي رعته المديرية العامة للثقافة والفنون في دهوك والذي من المؤمل ان يطبع ايضاً في كوردستان العراق في المستقبل.
يبقى ان نذكر الباحثة زينب ياش من مواليد مدينة #سيرت# عام 1974 درست الابتدائية والاعدادية في سيرت ثم انتقلت الى اسطنبول لدراسة اللغة الفرنسية في جامعة مرمرة، كانت شغوفة بتسجيل وتدوين الاغاني والقصص والملاحم الكوردية من على لسان والدها وعجائز القرى والمناطق الكوردية قامت لاجل ذلك بزيارة العديد من المناطق في شمال وجنوب وغرب كوردستان، وفي عام 2003 عملت في بحث عن دور المرأة الكوردية في حفظ الفولكلور والتراث الكوردي مع الجامعة النرويجية، اسست عام 2007 قسم التجميع والارشفة في فرع معهد التراث الكوردي في دهوك تعمل في قسم التراث والمتاحف التابع لبلدية دياربكر الكبير حيث اشرفت على انجاز متحف المدينة في قصر جميل باشا الدياربكري التاريخي وتديره منذ عام 2012 قامت بترجمة العديد من الكتب والابحاث من التركية الى الكوردية وبالعكس ونشرت العديد من الابحاث الهامة عن التراث الكوردي.[1]
اعداد: هوزان أمين- التآخي تاريخ النشر: الاثنين 25-04-2016