“من كتاب قصص الأمثال ل#عبد الرحمن أومري#”
“قصة يا سلام سلم الحائط يتكلم” تعد هذه المقولة إحدى المقولات الشهيرة، التي تم تداولها منذ عصور طويلة، وقد وردت عن قصة حقيقية حدثت في عهد السلطان الظاهر سيف الدين برقوق، حيث وصل إلى مسامع السلطان، أن أحد الجدران بمنزل ابن الفيشي تتحدث مع العامة، وتجاريهم بلباقة عجيبة، فلما شاع الأمر بين الناس، ظهرت تلك المقولة.
وقد جاءت تلك القصة، في كتاب “ألف قصة وقصة من قصص الصالحين، ونوادر الزاهدين”، وكتاب المقريزي “النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة” بأنه في عام 781 هجرية، وقعت حادثة غريبة في ديار مصر، وهي أن رجلًا يعرف بالعدل، شهاب الدين أحمد الفيشي، الذي كان يسكن بالقرب من جامع الأزهر، وحينما دخل منزله ذات يوم، سمع صوت من جدار منزله، يقول له: اتق الله يا أحمد، وعاشر زوجتك بالمعروف، فتخيل أن هذا من الجان، وذهب إلى أصدقائه وأخبرهم بما حدث، فذهبوا معه إلى بيته، حتى يتأكدوا من صدق قوله، وبالفعل سمعوا أيضًا كلام الجدار، وهم كل منهم يسأله سؤالاً فأجاب الحائط على الأسئلة كلها، فظنوا أن به أحداً من الجان.
وانتشرت تلك الشائعة في أرجاء القاهرة، حتى انتقلت إلى الديار المصرية كلها، وأقبل الجميع لبيت ابن الفيشي؛ كي يتحدثوا مع الحائط المسحور، ومن هنا انتشرت مقولة يا سلام سلم، الحائط يتكلم، وأفتتن الكثير بهذا الحائط المسحور، حتى جلب بعضهم العطايا، والأموال، وكانوا يضعونها بجوار هذا الجدار.
وقد وصل هذا الخبر للمحتسب، حاكم مصر، فذهب المحتسب إلى منزل الفيشي، وكان رجلًا شجاعًا، وأمر أحد أعوانه بأن يحادث الجدار، وبالفعل حدثه، فتعجب من الأمر، لكنه أمر بهدم الجدار، ثم مضى، وبعد فترة سأل عن أمر الجدار، وهل مازال يتحدث، فأخبروه بأنه ما زال يتحدث.
فذهب في إحدى الأيام مصطحبًا معه مجموعة من أصحابه، وجلسوا بجوار الجدار، وقرؤوا شيئًا من القرآن، وبعد ذلك طلب صاحب البيت، وأمره أن يكلم الجدار، ويقول له: إن القاضي العجمي يسلم عليك، فقال الجدار وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، فقال المحتسب للجدار، إلى متى هذا الفساد؟ فأجاب الحائط إلى أن يريد الله تعالى، فقال المحتسب: هذا الذي تفعله هو فتنة للناس، وليس بخير لهم، ولكنه شر، فأجاب الحائط قائلًا: ما بقي بعد هذا كلام، ثم سكت، ولم يتحدث الجدار معهم بعد ذلك قط، وبعد فترة قبض المحتسب علي الفيشي وزوجته، وتم التحقيق معهم إلى أن اعترفت زوجة الفيشي، بأنها هي التي كانت تتكلم من خلف الجدار.
وأن السبب في ذلك هو معاملة زوجها السيئة معها، فقامت بتلك الحيلة؛ لتوهمه بأن الجن يوصيه بمعاملتها بشكل أفضل، وبالفعل نجحت خطتها، وعاملها زوجها بشكل أفضل بكثير من الأول، ولما انصلح الحال بينهما بعد فترة أخبرته زوجته بتلك الحيلة، فطلب منها أن تستمر في هذا؛ لكي يحققوا من وراء ذلك المال والجاه، فوافقت زوجته على ذلك، واستمرت في محادثة الناس، والرد عليهم من خلف الجدار بفصيح الكلام. ولما انكشفت الخدعة تمت معاقبة ابن الفيشي بالضرب بالمقارع، وأيضًا ضربت زوجته بالعصي 600 ضربة، وبعد ذلك تم ربطهما على جملين، وشُهّر بهما في شوارع القاهرة الفاطمية، فكانت تلك حادثة لا تنسى في تاريخ القاهرة القديمة كلها، ومازالت الديار المصرية تذكرها.
وقد كانت تلك المقولة، ومضة الإلهام، التي أضاءت في عقل المخرج المسرحي سعد الدين وهبه، فكتب مسرحية بالاسم نفسه عام 1974م، لكنه غيّر في مجرى الأحداث، وجعل البطلة هي التي تتحدث خلف الحائط، كي تحض الناس على الثورة ضد السلطان، ولكنها في نهاية تقع في حب السلطان فتفشل الثورة.[1]