بيار روباري
في هذه الدراسة التاريخية الموجزة، سوف نتناول فيها تاريخ وهوية مدينة “ميرا” القومية، التي تقع في غرب كردستان وتحديدآ في منطقة الجزيره، وذلك لأسباب عديدة، منها لأهميتها التاريخية، وثانيآ للدور السياسي والثقافي الذي لعبته، وثالثآ سعي المستعربين العرب وتحديدآ الكتاب منهم والسياسيين، إعطاء المدينة صبغة عربية مزيفة وغير حقيقة بهدف نسب المدينة وتاريخها لأنفسهم. وذلك من خلال إختراع تاريخ كاذب عبر تأليف قصص مفبركة، وإعطاء المدينة إسمآ أخر غير الإسم الحقيقي ليتوائم مع غايتهم السياسية الخبيثة. رابعآ إدعاء المستوطنين والمحتلين العرب القاطنين في المدينة ومعهم المستوطنيين الأشوريين، أنهم من سكان المدينة الأصليين، ومطالبتهم الشعب الكردي وقواته العسكرية بالرحيل عنها، وعن المنطقة المحيطة بها، وفي هذه الدراسة سنتناول المحاور الرئيسية التالية:
1- مقدمة.
2- جغرافية مدينة ميرا.
3- أثار مدينة ميرا.
4- تاريخ مدينة ميرا.
5- معتقدات سكان مدينة ميرا الأصليين.
6- أصل تسمية مدينة ميرا ومعناها.
7- الوجود الكردي في مدينة ميرا والمنطقة المحيطة بها.
8- علاقات مدينة ميرا ببقية الممالك.
9- حضارة مدينة ميرا.
10- الحياة الإقتصادية في مدينة ميرا.
11- كيفية تعامل مدينة ميرا مع الأوبئة.
12- الخلاصة.
13- المصادر والمراجع.
أولآ، مقدمة:
Pêşgotin
تاريخيآ جاء إستقرار الإنسان في الأرض، وإرتباطه بها كنتيجة مباشرة لإكتشاف الزراعة قبل حوالي (10.000) عشرة ألاف عام قبل الميلاد، والبداية كانت في مدينة “نوزي” الخورية بجنوب كردستان، وليس بعيدآ عن مدينة “كركوك” الكردية.
من هنا يمكن القول أن المدن هي نتيجة طبيعية لإكتشاف الزراعة، وإستقرار المجتمعات البشرية حول الأنهر والينابيع، حيث الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة مثل نهري الفرات وتگريس والأراضي التي تقع ما بينهما. ومدينة “ماري” هي الأخرى كانت نتاج هذا التطور التاريخي التدريجي، وواحدة من المدن الوسيطة، أي تنتمي إلى الجيل الثاني من المدن الخورية التاريخية، وقد سبقها العديد من المدن الخورية من حيث النشأة ومنها مدينة: “هموكاران، أوركيش، أوروك، واشوكاني، أرپاد، …” وغير ذلك من المدن في عموم كردستان.
والزراعة بدورها دفعت الإنسان، لأن يحسب أعداد الأشياء وأنواعها ومعها ظهر علم الحساب وفي نفس ظهرت فكرة الملكية الخاصة، وبناء القرى وأنظمة الري والتبادل التجاري والأسواق، ومع مرور الوقت ظهرت الكتابة، والعملة والأختام والحرف. كل ذلك نسميه باللغة الكردية “چاند”، أي الثقافة والثقافة هي ما تميز الإنسان عن الحيوان. لأن الجزء السفلي في الإنسان يتماثل مع الحيوان ويشمل ذلك: “الطعام، الشراب، النوم، التزواح، الخوف، …”.
ومع هذا الإكتشاف الهام جدآ، تغير مجرى حياة الإنسان وساعد في زيادة معدلات الولادات وفي إطالة عمر الإنسان، وبفضل ذلك تمكن الخوريين من بناء أول مدينة حضرية في تاريخ البشرية وكانت مدينة “هموكاران” الواقع إلى الشمال من جبل شنگال، داخل حدود غرب كردستان حاليآ، في منطقة الجزيره الفراتية الخورية – الكردية. من هنا فإن الزراعة كانت ولا زالت وستبقى ما بقي الكون منبعآ للثقافة الإنسانية، ومصدر عيشه حيثما حل وتواجد. فإن أهمية هذا الإكتشاف العظيم والجوهري، تكمن في الأفاق التي فتحتها أمام الإنسان في جميع مجالات الحياة، التي يمكن تلخيصها في عدد من الأفق منها:
الأفق الأول:
فتح المجال واسعآ لإستقرار المجتمعات البشرية وزيادة أعدادها، وهذا ما منح الأمان للناس والراحة.
الأفق الثاني:
تشكيل مجتمعات بالمعنى المعروف الحديث وإن بشكلها الأولي، وولادة الطبقات الإجتماعية المتعددة.
الأفق الثالث:
فتح المجال أم ظهور عملية البناء والتخطيط والتنظيم، ومعها ولادة السلطة والإدارة.
الأفق الرابع:
ظهور مفهوم ملكية الأرض، وومفهوم الإنتاج وتبادل السلع ونشوء البازار أي (السوق).
الأفق الخامس:
ظهور المهن والحرف، نتيجة إحتياج الفلاحين للأدوات الزراعية، وتدجين الحيونات وتربيتها والإستفادة منها في الزراعة ومن جلودها وحليب البعض منها.
الأفق السادس:
ظهور مفهوم الدفاع عن النفس والممتلكات الخاصة والعامة، وتشيكل قوة للدفاع عن المدينة.
الأفق السابع:
مفهوم التطوير وإستغلال الطبيعة وإخضاعها لمشيئة الإنسان.
الأفق الثامن:
إبتداع أنظمة الري، والزراعات المروية وشق قنوات المياه، سواءً أكان للشرب أو سقاية المحاصيل الزراعية.
الأفق التاسع:
ظهور المعتقدات الروحية والمعابد، وممارسة الطقوس الدينية في المجتمعات المدينية.
الأفق العاشر:
ظهور مفهوم الضريبة على المحاصيل الزراعية، ورؤوس الماشية والأراضي.
الأفق الحادي عشر:
ظهور القيم والمبادئ التي حكمت المجتماعات المدينية، ومفهوم الحساب بمنى العقاب.
الأفق الأثنى عشر:
إستخراج المعادن وصهرها وإستخدامها في مجالات عدة، كالزراعة وصنع الأدوات المنزلية والسلاح.
الأفق الأثنى عشر:
ظهور فكرة التوسع في إمتلاك الأرض بمعنى السيطرة.
لم يدر بخلد أوائل المكتشفين للزراعة من الخوريين أسلاف الكرد، بأن إكتشافهم هذا سيفتح كل هذه الأفق الرحبة والواسعة أمام البشرية، وأن المجتمع الإنساني وضع على سكة جديدة، ستقوده إلى تغيرات هائلة في حياته على مدى أجيال كثيرة وعبر ألاف السنين، ولولا إكتشاف الزراعة لما وصل الإنسان إلى ما وصل إليه الأن من علم ومعرفة وحضارة وإكتشافات مذهلة. من هنا إشتق أسلاف الشعب الكردي كلمة “چاند” أي الثقافة من كلمة (چاندن) أي الزراعة. وللمعلومات فإن كلمة الثقافة العربية لا تعطي معنى المصطلح “چاند” الكردي، ولا المصطلح الإنكليزي “كالجر”. لأن كلمة التثقيف تعني شذب الشيئ أي تسنينه كي يصبح حادآ ومدببآ مثل قلم الرصاص، وتسمية “المثقف” تعني أصبح الشخص حاذقآ أو فطنآ، ولا علاقة له بالعلم والمعرفة.
Çandin —– Çand: culture – ثقافة
للأسف لم يتصدى الكرد كأفراد أو مؤساسات لتاريخ هذه المدينة، حالها حال بقية الخورية – السومرية – الإيلامية – الميتانية – الهيتية – الميدية – الكردية. الكرد بعموم مثقفيهم وكتابهم وسياسيهم وحكوماتهم، وأحزابهم ملتهين بالنزاعات والمصالح الفردية والحزبية، والشعارات الكاذبة، والقسم الأعظم منهم تجارة قضية وتجار شنطة. والتاريخ الكردي ومدنه أخر هم يمكن أن يفكرون به، ولولا بعض الإخوة وعددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين في كل كردستان الذين كرسوا جل حياتهم لخدمة هذا التاريخ، لضاع ما بقيا من تاريخ هذا الشعب العظيم. وفي الحقيقة أمر إستهجان وإهمال السياسيين الكرد لتاريخ شعبهم أمر غير مفهوم لا بل معيب ومحزن في نفس الوقت، ولكن هذه الحقيقة المرة، والتي يجب الإشارة إليها في كل مرة.
أما في المقلب الأخر، حاول الكتاب العرب المستعربة، الذين تناولوا تاريخ مدينة “ميرا” بشتى الوسائل ومن ضمنها ترويج الأكاذيب وإختلاق القصص والرويات الكاذبة، وإدعوا أن مدينة “ماري” الأثرية، أكدية، وتارةً قالوا أنها أمورية. وسوف نناقش كل هذه الأقاويل وكل ما طرحوه من أراء كاذبة، لا تمت
للحقيقة بشيئ، وسنبرهن ذلك من خلال هذه الدراسة. وأقول عن علم ومعرفة بالتاريخ أن المحتلين الهمج لا بل المتوحشين من الأموريين، الأكديين، البابليين، الأشوريين، الفرس، لم يبنوا أية مدينة في غرب كردستان، وعلى وجه الخصوص في منطقي الجزيره وألالاخ على الإطلاق. وهنا أتحدث من الألف العاشر قبل الميلاد وحتى الألف الثاني والأول قبل الميلاد. نعم هم إحتلوا بعض المدن الخورية في كل مرة ومكثوا فيها، ولكنهم لم يبنوا مدينة واحدة قط، ولهذا أي إدعاء من هذا القبيل فهو كاذب وصاحبه دجال ومهنته الكذب وسرقة التاريخ.
وللمعلومات حتى كلمة “برهان” التي وردت في القرأن ويستخدمها العرب يوميآ، هو مصطلح كردي معرب، والعرب بكل وقاحة ينكرون أنها مفردة كردية، ويرجعونها للغة الفارسية. وهذا ليست الكلمة الوحيدة في القرأن بل هناك العشرات من الكلمات، وإليكم شرح مفردة “برهان”. هذا الكلمة مركبة من مفردتين: الأولى (بر) وتعني لهذا، والثانية (هانه)، هكذا. وبالتالي التسمية كلها تعني (لأجل ذلك) أو لهذا السبب.
Ber + hane —— Berhane —— Berhan: برهان
لا شك أن الذي جعل أرض الخوريين وتحديدآ منطقة الجزيرة الفراتية، مهدآ ومنطلقآ للحضارة الإنسانية وتطورها، عدة عوامل رئيسية من أهمها:
أولآ، المناخ المعتدل للمنطقة في ذاك الوقت.
ثانيآ، كم الأنهر والروافد والجداول والبحيرات التي تنبع من جبال كردستان، وبشكل أساسي نهر الفرات وتگريس وخابور.
ثالثآ، التربة الخصبة والصالحة للزراعة.
رابعآ، الغطاء النباتي الذي كان يغطى جبال كردستان القريبة، الذي لولاه لما أمكن للحيونات التواجد في المنطقة والعيش فيها، بهذه الكثرة والتنوع.
خامسآ، وجود شعب حي ومنتج يعشق العمل، ومبدع وخلاق بكل ما للكلمة من معنى، ألا وهو الشعب الخوري سلف الشعب الكردي الحالي.
ولولا توفر كل تلك العوامل، لما إستطاع الشعب الخوري من تحقيق كل تلك الإنجازات الحضارية وبناء عشرات المدن العظيمة، والوصول لعشرات الإكتشافات التي كانت سببآ في تطور الحياة البشرية. يمكننا القول أنها ثقافة الفرات وأفرعه في منطقة الجزيرة، هذ إلى جانب نهر تگريس لاحقآ، بعد إنتشار الثقافة الخورية منطلقة من مدينة “هموكاران” نحو الجنوب، وقيام دولة أو حضارة سومر وإيلام والكاشيين.
موقع مدينة ماري الأثرية بغرب كردستان
ثانيآ، جغرافية مدينة ميرا:
Erdnîgeriya bajarê Mîra
مدينة “ميرا” الخورية – السومرية الأثرية، تقع على الضفة الجنوبية لنهر الفرات الكردي، وتبعد حوالي (7) كم عن مدينة “باخاز” الخورية والأقدم منها بقليل، وحوالي (10) كم تقريباً إلى الشمال من بلدة البوكمال الحديثة العهد، والتي تحدثنا عنها في دراستنا التاريخية عن مدينة “باخاز” الأثرية الخورية.
وتبعد مسافة (12) اثني عشر كيلومتر عن حدود جنوب كردستان، وعن مدينة “درزور” مسافة (125) مئة وخمسة وعشرين كيلومتراً، وهي ضمن نطاق أراضي زراعية مروية، حيث يجري إلى الشرق منها نهر الفرات، الذي يبعد عنها مسافة ثلاثة كيلومترات فقط.
ومدينة “ميرا” هي واحدة من سلسلة المدن الخورية الفراتية، وتم إكتشفها صدفة في عام (1933) بعد مدينة “باخاز”، التي إنتقل منها الباحثون وعلماء الأثار الفرنسيين والأمريكان إلى مدينة “ميرا” موضعة دراستنا هذه.
تتوسط مدينة “ميرا” العديد من المدن الخورية – السومرية – الميتانية الكردية، سواء نهرية أكانت أم جزيريه أي هضبة الجزيرة بقسميها العلوي والسفلي. ويشكل الجسم الرئيسي للموقع تلاً دائري الشكل يصل قطره إلى نحو (1900) متر، وإرتفاعه يصل إلى حوالي (15) متر. والمحتلين العرب الهمج عربوا إسم المدينة إلى (تل حرير). ظنوا أنهم بتعريب الإسم ستصبح المدينة ملكهم مع كل تاريخها وينسبونها إلى أنفسهم، وإعتقدوا مع الوقت سينسى العالم تاريخ المدينة وإسمها الحقيقي وتنتهي القصة. لكن هؤلاء اللصوص وسراق التاريخ أخطأوا في حساباتهم، لأن الإمة الكردية إمة حية ولن تموت وستدافع عن تاريخها وتاريخ أسلافها وتفضح هؤلاء المحتلين الأوغاد. وهذه الدراسة جزء من هذه حملة الرد على هؤلاء مزوري التاريخ ومسوقي الأكاذيب من العربان.
تمتاز مدينة “ميرا” بموقع جغرافي جيد على نهر الفرات وشكلت مع مدينة “باخاز”، ثنائية مهمة كونهما صلة الوصل بين الجزيره الفراتية الكردية في الشمال، ومنطقة الأنبار الكردية في جنوب كردستان، وكاناتا محطة رئيسية على الخط النهري والخط البري للقوافل التجارية، والمنطق المحيطة بها منطقة زراعية خصبة، وكان لهذا أثره الواضح على تقدمهما في مجال الزراعة، حيث تتمتع الأرض بالخصوبة كونها تربتها هي ما جلبتها النهر من خلال عملية الطمي والفيضانات المتكررة، إضافة لتوفر مياه وفيرة في موسم الفيضان، والمنطقة صالحة لرعي الماشية من الجهة الأخرى، بسبب توفر الغطاء النباتي فيها في ذاك الوقت.
ومدينة “ميرا” من المدن التي تم التخطيط لها مسبقآ، ولم تكن هي المدينة الأولى في هذا المضمار، وقد سبقها مدينة هموكاران بألاف السنين، وكذلك مدينة بگدا وگرگاميش وألالاخ وشمأل، وهذا يدحض كذب ودجل الكتاب العرب المستعربة، الذين حالوا النفخ في المدينة كثيرآ مع العلم لم تكن المدينة الأهم لا من الناحية التاريخية ولا السياسية ولا العسكرية ولا من الناحية الصناعية والإبداعية، حيث كان هناك مدن أكثر أهمية منها وأكثر تأثيرآ من بين المدن الخورية – السومرية. لا شك أنها مدينة مهمة ولعبت دورآ كبير آفي تلك الحقبة الزمنية كمدينة نهرية. وشكل تنظيمها كان دائريآ بقطر حوالي (19) كيلومتر، وتم إحاطتها بسور ضخم من ثلاثة جهات وبقيت جهة النهر من دون سور، لتسهيل مرور المراكب النهرية التي كانت تنقل البضائع شمالآ تارة، وتارة أخرى نحو الجنوب. أي أنها كانت ميناء نهري مهم ومن هنا جاءت أهميتها الإقتصادية والسياسة لا بل حتى العسكرية.
بني سور مدينة “ميرا” الأثرية أولآ وهو سورضخم لحمايتها من الأعداء، ومن ثم شيدت الأبنية داخله، وكان التوسع العمراني يتجه من المركز إلى السور. مع ملاحظة أن السور يحيط بكافة جهات المدينة عدا الجهة المطلة على نهر الفرات. وتشرف على عدة وديان من الحجم الصغير التي في الجهة الجنوبية الغربية منها، وطول الجانب الشمالي منه يصل إلى واحد كيلومتر، وتتوزع فيه تلال عديدة صغيرة الحجم، وتضم منشآت هذه المدينة، عدا الأكروبول فإنه يقع في التل المركزي والذي يُعد أعلى من غيره،
حيث يرتفع (15) خمسة عشر متراً. هذا إضافة لوجود نهر الفرات في جهتها الشمالية الشرقية، والذي
لعب دوراً مهمآ في حياة سكانها الأصليين من الخوريين – السومريين وإقتصاد المدينة، وفي نفس لعب دوراً دفاعيآ أيضآ.
مخطط مدينة “ميرا” دائرئي الشكل وبقطر نحو 19 كم كما ذكرنا أنفآ، رسم وخطط شكل المدينة أولآ، ومن ثم جرى بنائها، وكان للمدينة ميناء يتصل بقناة مائية مجهزة مع نهر الفرات، تؤمن الماء وتسهل وصول السفن التي كانت تبحر من ميرا وإليها.
ثالثآ، أثار مدينة ميرا:
Kevneşopên bajarê Mîra
تم إكتشاف مدينة “ميرا” الأثرية عن طريق الصدفة، حالها حال العديد من المدن الأثرية، التي طمرتها الأتربة، مثل مدينة “أوگاريت” الخورية – الهيتية على ساحل البحر المتوسط. حيث حدث أن مجموعة من البدو كانوا يستعدون لدفن أحد موتاهم فوق تلة “ميرا” وأثناء البحث عن شاهد لقبر المتوفي في شهر اّب عام (1933)، صادفهم قلع إحدى الحجارة وكانت المفاجأة أن الحجرة التي كانوا يحاولون نزعها من الأرض هي تمثال مفقود الرأس. كان البلد حينها تحت الإنتداب الفرنسي، فتوجه أحد الأشخاص إلى مكتب الضابط الفرنسي (كابان) المقيم في مدينة البوكمال، ليسأله عما سيفعل بالتمثال، الذي عثروا عليه وقد كان.
بعد معرفته بالخبر توجه الضابط “كابان” إلى الموقع ليجد أمامه تمثال شخص دون رأس عاري الجذع، مضموم اليدين فوق الصدر والجزء السفلي تغطيه الحراشف وفوقه كتابة مسمارية، وبعد نقلهم التمثال إلى مدينة البوكمال، ومن ثم أعلم قادته بالإكتشاف الذين أعلموا بدورهم مديرية الاّثار التابعة للمفوضية السامية في بيروت.
وبعد عدة أسابيع توجه مفتش اّثار سورية الشمالية إلى الموقع ووضع تقريره وتم نقل التمثال. وعلى أثر ذلك تم تشكيل بعثة أثرية بموافقة “هنري سيريغ” مدير مصلحة الاّثار التي بدأت أعمالها في 14 كانون
الثاني من العام نفسه وإستمرت في العمل حتى 16 اّذار 1934.
وقد كانت نتائج أعمال التنقيب الكشف عن مجموعة من التماثيل تحتوي على كتابات، وأحد هذه التماثيل حمل إسم (لامجي- ماري)، أما الإكتشاف الأهم فكان معبد (أشتار)، الذي أرخ عصر “همورابي”، وقد إستمر العمل في هذا الموقع حتى عام 1937م، وبلغت مساحة القطاع الذي تم التنقيب ضمنه 400 متر مربع. وبعد عامين من إكتشاف المعبد تم الكشف أيضآ عن القصر الملكي، الذي يعود تاريخه إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وإستمر العمل فيه حتى عام (1938)، وقد شكل هذا القصر نموذجاً رائعاً عن فن العمارة الخورية، سواء من حيث تقنية البناء والتخطيط ومادة البناء التي كانت تتكون بشكل رئيسي من
(اللبن) الطين، فضلاً عن التنظيم الداخلي وتوزيع الفراغات.
بدأ البعثة التنقيب في موقع مدينة “ميرا” بدءً من شتاء عام (1933) وبإشراف العالم الفرنسي “أندريه بارو”، وهي نفس البعثة التي كانت تنقب في مدينة “باخاز”، حيث أوقفت العمل في “باخاز” وإنتقلت إلى “ميرا”، فور علمها بإكتشاف هذه المدينة وموقعها، لأن علماء الأثار الفرنسيين ومعهم الأمريكيين رأيهم كان بأن مدينة “ميرا” هي أهم من من “باخاز”، من الناحية التاريخية والبحثية نظرآ لدورها التجاري والمراسلات التجارية، وكانت أكبر حجمآ.
ونتيجة (47) موسمآ من التنقيب وعقود من الدراسة، تمكن الخبراء التعرف على حضارة هذه المدينة، التي تعتبر واحدة من أهم المدن الخورية من الجيل الثاني، اللواتي يعود تاريخهن إلى (4000-3000) الألف الرابع والثالث قبل الميلاد.
تمكنت بعثة التنقيب الفرنسية – الأمريكية المشتركة، التي نقبت في موقع مدينة “ميرا” الأثرية، إكتشاف العديد من الأثار مثل: التماثيل، القصور، الوثائق، والتي في معظمها تحتوي كتابات مسمارية، لا تقدر بثمن نظرآ لأهميتها التاريخية، وما تحتويها تلك الأثار والوثائق من نصوص ومعلومات مهمة. وبعد حوالي (3) ثلاثة أعوام من التنقيب تم إكتشاف القصر الملكي، الذي يعود تاريخه للألف الثاني (2000) قبل الميلاد، والذي يُعتبر من أهم الأبنية الشرقية. وتم العثور أيضآ على رسوم جدارية، التي ساعدت علماء الأثار لفهم أفضل لحياة مدينة “ميرا”، والنشاطات التي مارسها أهلها، إضافة إلى الطقوس الدينية ومعتقداتهم، كما عُثر في هذه المدينة على التمثال الشهير لي “ربة الينبوع” حيث وجد مقطعاً، لهذا تمت إعادة تجميعه من جديد لتظهر (ربة الينبوع) واقفة، وتحمل بيديها إناء، وعلى ثوبها خطوط ترمز للمياه إضافة إلى أسماء ويُعتبر هذا التمثال رمز لنهر الفرات. وإلى جانب ذلك تم إكتشاف العديد من المعابد في المدينة مثل معبد “نيني زازا، معبد شمش”، إضافة إلى العديد من الأرقام المكتوبة باللغة المسمارية، التي تجاوز عددها (25) خمسة وعشرين ألف رقيم، والتي تتضمن حياة هذه المملكة الأثرية المهمة.
وواحد من أهم الأثار التي عثر عليها البعثة في موقع مدينة “ميرا” كان كنز ملك ميرا (گانو أو آنود)، الذي إكتشفته البعثة خلال التنقيبات في الموسم الخامس عشر وذلك في عام 1965، وهو عبارة عن جرة فخارية متوسطة الحجم، وكانت مخبأة في إحدى غرف القصر الملكي العائد للسلالة الأولى المؤسسة لمدينة “ميرا”، والتي كانت موجودة في الطبقة الثانية، تحت قصر “زيمريليم” المشهور. وهذا الكنز هو عبارة عن هدية مرسلة من قبل “ميذانيبادا” إلى صديقه أو سيده (كانو أو آنود) ملك ميرا، ولهذه الهدية دلالتها لم كانت تتمتع به مملكة “ميرا” من أهمية كبيرة في منتصف (2500) الألف الثالث قبل الميلاد. وقد وجد مع الكنز حجرة من اللازورد ثمانية الوجوه، كتب عليها بالخط المسماري السومري (تقدمة من الرب گال، وميذانيبادا) ملك مدينة أور إلى (گانو ملك ميرا) أي ماري. وهذه الخرزة المكتوبة توضح لنا أهمية ذلك العصر وتبين لنا العلاقات التاريخية بين “ميذانيبادا” ملك ومؤسس السلالة الأولى في “أور” و گانو (آنود) ملك ومؤسس سلالة “ميرا” قبل عصر “سرجون” حسب القائمة العاشرة للسلالات ما بعد الطوفان.
ومن أهم إكتشفات عام 1965 كان العثور على جرة تحتوي على عدة لقى أطلق عليها إسم (كنز أور) وفيها خرزة مغزلية كبيرة من اللازورد عليها كتابات مسمارية تقول: ” أهدي هذه الخرزة المغزلية الى الربة “گال”، وهذا يشير الى العصر الذهبي لمدينة “ميرا” الخورية.
ضم الكنز إلى جانب ذلك زوجين من الأساور الاول من النحاس والثاني من الفضة، وعلى ثمانية مشابك من الفضة والبرونز والذهب ورأس المشبك من العاج، وسوار من الخرز صنع من الذهب واللازورد، وعقد مصنوع من الذهب واللازورد والفضة، وثلاث نجوم من الفضة، وست تمائم لازوردية، وخرزة كبيرة مغزلية من اللازورد متعددة الوجوه منقوش عليها بالمسمارية.
شهدت مدينة “ميرا” منذ تأسيسها معالم عمرانية وإنشائية تتناسب مع ذهنية التخطيط المسبق. حيث إننا أمام أنظمة متطورة للري كالأقنية والسدود، وأنظمة ملاحية مبتكرة، بالإضافة إلى سعي أهالي المدينة لتأمين مياه الشرب عبر الأقنية والسدود التي تجمع مياه الأمطار.
ويبدو أن الإزدهار الذي وصلت إليه “ميرا” مع تأسيسها وإنطلاقتها في القرون الثلاثة الأولى من الألف الثالث تجلى واضحآ في القصور الفخمة والمعابد، ومنحوتات تدل على وجود مدرسة فنية في “ميرا” تعد من أقوى مدارس الفن وأكثرها أصالة في بلاد الخوريين، حيث أن البيئة المعمارية المكتشفة في “ميرا” أحدثت إنقلاباً في المفاهيم المتعارف عليها حول عمارة بلاد الخوريين.
إكتشفات قصر “زيمريليم” من الطبقة الثانية، أكدت مكانة هذه السلالة وعظمة ملوكها ومعماريها نظرآ لضخامة أثارها وجمالها، ورقي فن العمارة فيها، وهذه الأثار لخير شاهدآ على ذلك العهد وإنجازات سكان مدنة “ميرا” الخورية. وقد ترك هؤلاء المعمارين المهرة من أبناء “ميرا” آثاراً صدفية وعاجية فائقة الجودة وتنم عن ذوق رفيع، حث كانوا يجلبون الصدف من شواطئ خليج إيلام ومن ضفاف نهر تگريس والفرات.
ومع الصدف كان يستعمل حجر الشيت واللازورد في تشكيلات هندسية مختلفة رائعة الجمال، كما أن الفنانون المبدعون من مدينة “ميرا”، كانوا يطعمون لوحاتهم بطريقة التنزيل مع الأحجار الكريمة مثل: العيون والحواجب وفراغات ما بين اليدين، الجذع وما بين الساقين وبين قوائم الحيوانات. كما أن صناعة الصدف والعاج لم تكن وقفاً على مدينة “ميرا” فقط، بل إن هذا الفن إنتشر في منطقة بين النهرين على نطاق واسع. خلاصة القول، إن صناعة الصدف والعاج كانت من الصناعات الفنية المتقدمة والمزدهرة خلال الألف الثالث قبل الميلاد. وخلال التنقيبات في موقع مدينة “ميرا” عثر العلماء على قطع صدفية وعاجية كبيرة، تماثل ما تم إستخراجه من مدينتي (أورولاكش، أوروك) السومريتين، وهناك آلاف القطع الأثرية من مدينة “ميرا” وهي معروضة في متاحف مختلفة مثل متحف: حلب، دمشق، اللوفر، شيكاغو، وكلها تبين عراقة حضارة مدينة “ميرا” وأهميتها في العالم القديم.
ففي قصر الملك “زميري ليم” المكون من قرابة 300 غرفة، تضمنت أهم المكاتب الإدارية التي وجدت في تلك الحقبة الزمنية من التاريخ، كما وجد علماء الآثار عددآ كبيرآ من الجداريات ومئات من القطع الأثرية الصغيرة، لكن كل ذلك لا يعني شيئآ مقارنة مع آلاف السجلات المحفوظة في تلك الغرف، التي
ضمت مراسلات وتقارير دبلوماسية متبادلة بين مختلف مناطق المملكة، إضافة لسجلات ورسائل بين
حاكم آشور “شمشي أدد الأول” وبين ولديه عام (1800) قبل الميلاد، كما وُجد كثيرآ من النصوص الاقتصادية والقانونية، التي ساهمت في التعرف على حضارة مملكة “ميرا” من جوانبها المختلفة.
إلى جانب الأثار إكتشف المنقبين في موقع “ميرا” الكثير من المخطوطات والوثائق، التي تدل على مدى تطور هذه المملكة، ومن الوثائق اللافتة رسالة من حاكم المدينة إلى إبنه وورد في الوثيقة أنها تعود إلى أكثر من (4000) أربعة آلاف عام. كما قدمت وثائق مملكة ميرا معلومات عن وجود طبقات إجتماعية مختلفة ضمن مجتمعها، وأشارت إلى طبقة الفقراء والمساكين، التي كان يُطلق عليها اسم “الموشكينوم”. أما في مجال الحرف الصناعية أظهرت وثائق “ميرا” وجود (11) نوعآ من الزيوت، إلى جانب وجود مستودعات للثلج وهذا أمر في غاية التطور والرقي. كما كان في مدينة “ميرا” (10) أنواع من العطور. وأشار المؤرخ الفرنسي “جان بوتيرو”، إلى أنه في ورشات مدينة “ميرا” كان يصنع حوالي (600) لتر من العطور شهريآ وهي كمية كبيرة في ذاك الوقت، وكان القسم الأعظم من هذه العطورتصدر إلى المدن الأخرى. كما وأشارت الوثائق على وجود (26) نوعآ من الحلي والمجوهرات، و(31) نوعآ من أواني الشرب، و(21) نوعآ من الألبسة الداخلية، كما إستخدم سكانها الستائر والبطانيات وأغطية الأسرّة.
ومن خلال التنقيبات الأثرية تمكن العلماء والباحثين، من إكتشاف ثلاثة قصور فوق بعضها البعض هي:
1- قصر المعبد:
أرجع العلمار تاريخه إلى (3000) الألف الثالث قبل الميلاد، وهندسته يشبه هندسة المعبد، ولهذا أطلق العلماء هذه التسمية عليه، وكان يستخدم للوظائف العقائدية والمدنية في أن واحد. ويوجد ضمن القصر بيت للعبادة. وفي وسط القصر يوجد باحة مربعة الشكل، طول ضلعها (10) أمتار، وجدرانها مزوقة
بالمحاريب، وإحتوت على منضدة إضافة إلى نذور، حوض للماء المقدس ومذبح. ويحيط بالباحة عدة غرف صغيرة الحجم وأخرى كبيرة. كما وعثر العلماء في الطرف الجنوبي للباحة على قلعة كبيرة، ولوحظ وجود ممر يحيط ببيت العبادة. يبدو أنه كان يشكل عقدة مواصلات تتفرع عنها الدروب إلى جميع جهات القصر، وعثر أيضآ في القصر على بقايا عمود خشبي من خشب الأرز.
2- قصر زميري ليم:
تم تدشينه حوالي (1800) قبل الميلاد، ولكن تاريخ إنشائه يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وإستمر قرون حتى دشنه الملك زميري ليم.
3- قصر ملكي:
عثر عليه أثناء التنقيب عن الأثار في الموقع، وهو قصر كبير ومجهز بجميع أجهزة الدولة والدواوين، ويشمل القصر الأقسام التالية: المدخل الرئيسي، الحي الشرقي من الباحة الرئيسة، الحي الغربي، جناح الاحتفالات والاستقبالات الملكية، جناح للملك والملكة وقاعة العرش، جناح للمدارس، جناح الموظفين، حي الأفران والمخازن، وهناك تشابه بينه وبين عمارة بلاد الرافدين.
يمكننا إستنتاج ما يلي من وثائق مدينة “ميرا”:
مدى التطور الذي وصل إليه المدينة في ذاك الوقت، في المجال الثقافي، المدني، الإقتصادي، وهذا ما جعلها واحدة من المدن الأكثر تطورآ خلال تلك الحقبة الزمنية.
حكمة حكامها ونصائحهم لأبنائهم بأن لا يتعجلوا الأمور، كي لا تكون النتائج سلبية وغير مقبولة.
أبناء مدينة “ميرا” كانوا يبنون منازلهم من اللّبن (البلوك).
حرص سكان المدينة على حياة مرفهة، وتحسين مستوى معيشتهم.
وجود نقابات للعمال والحرفيين، إلى جانب وجود فرق موسيقية ترفيهية.
إهتمام المدينة بسكانها، حيث أنه كان يتم عمل تقارير بصورة دورية عن الفقراء والمحتاجين.
تتميزت الحياة الاقتصادية للمدينة، بالإنتاج الوفير وتلبية إحتياجات السكان من الزيوت والعطور، فكان لديها ما يقارب من (12) أثني عشر نوع للزيوت وعدة أنواع من العطور، وتصدير ما يزيد عن حاجة المدينة.
إنتاج الزينة والحلي والزخارف لأهل المدينة.
إشتهرت المدينة بصناعة الملابس، لسد حاجات ورغبات الناس.
ومما تقدم يتضح لنا، مدى المستوى الحضاري الذي وصلت إليه هذه المدينة الخورية – السومرية وعظمة الشعب الخوري سلف الشعب الكردي الحالي.
لقد توقفت أعمال التنقيب في هذه موقع المدينة بسبب الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) وحتى عام (1951)، وفي هذه المرحلة تركزت الأعمال داخل المعبد، حيث تم الكشف عن معبد اّخر وهو معبد (نيني زازا)، ومن ثم معبد (شمش). وخلال الأعوام (1961 – 1962) حتى (1972) ميلادي، تركزت الأعمال البحثية على القصر الملكي والكشف عن كامل بقاياه. إلى جانب الحرم المقدس، وبهذا يكون السيد “بارو” قد أنشأ القاعدة الأساسية فيما يخص الخطوط العريضة للموقع، ليأتي من بعده عالم الاّثار
“جان مارغرون”، ويتابع أعمال الكشف ضمن منشاّت المملكة لمدة (30) عاماً تقريبآ. وخلال مواسم التنقيب تم الكشف عن ما يزيد (25) ألف رقيم مكتوب باللغة المسمارية والأكادية، التي قدمت معلومات هامة عن مختلف نواحي الحياة التي تتعلق بمدينة “ميرا” والممالك المجاورة في تلك الفترة. كما وعرفت مدينة “ميرا” المعابد التي أخذت شكل الزقورات، ذات الطوابق السبعة العالية والمدرجات.
إن مدينة “ميرا” الخورية – السومرية الأثرية، مرت عبر تاريخها الطويل بمراحل عديدة، منذ نشأتها نحو (4000) الألف الرابع قبل الميلاد، وحتى منتصف القرن (1800) الثامن عشر قبل الميلاد، ويمكن تقسيم ذلك إلى عدة مراحل:
مرحلة المدينة الأولى:
أُنشئت مدينة “ميرا” الخورية الأولى، نحو الألف الرابع (4000) قبل الميلاد، في هذا الموقع الجغرافي نظرآ لأهميته بسبب وقوعه على طريق التجارة العالمية في ذاك الوقت، والأراضي الزراعية الخصبة المحيطة بالموقع، وكان لذلك الدور الحاسم في إختيار هذه البقعة الجغرافية لبناء المدينة الأولى، وتمكن أهلها من إستقدام مياه نهر الفرات عبر شق قناة مياه ربطت المدينة بالنهر، وإستُخدمت هذه القناة كميناء للسفن، ومد أهل المدينة بمياه الشرب وفي الري والنقل النهري معآ.
وبسبب وقوع هذه المدينة التاريخية تحت أنقاض المدن اللاحقة، التي بنيت فوقها، لقد تعذر على علماء الأثار كشف معظم أجزائها، وأظهرت التنقيبات مدى قوة وتحصين هذه المدينة وقد أحاط بها خندق دائري، لحمايتها من فيضانات النهر، يليه سور داخلي بسماكة (6) ستة أمتار لحمايتها من الأعداء
الغازين. وعثر الباحثين على إحدى بوابات هذه المدينة وعن شارع يصل بين هذه البوابة والقسم الأعلى من المدينة أثناء عملية التنقيب فيها، وعن بعض المنشآت المخصصة للأعمال الحرفية مثل: “مشاغل السباكة، النسيج، الفخار، الصدف، إضافة إلى بعض المنازل السكنية”. لم يُعثر في هذه المدينة على أي معابد أو قصور، وكانت القطع الفنية الأخرى نادرة فيها. ويبدو أن المدينة قد هجرت لفترة من الزمن قدرت بحوالي قرن من الزمن ولأسباب غير معروفة حتى الأن.
نهاية الحلقة الأولى من هذه الدراسة وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.[1]