#قامشلو#/ عبد الرحمن محمد –
مرة أخرى تفاجئنا الأديبة اللبنانية، إخلاص فرنسيس بكم الحس الإنساني، والوجع والهم المتكدس في دواخلنا، في مجموعتها القصصية الجديدة “#ظل النعناع#” التي تقدمها مع حفنة من مشاعر جياشة، وحس مرهف، وبلغة شعرية متفردة، وقالب قصصي متميز؛ لتضيف لأعمالها المنشورة، والمكتبة العربية عملا متميزا بحق.
“ظل النعناع” القادم من عوالم امرأة عاركت الغربة، وعانت الوحدة رغم احتضان العالم لها، لأنها غادرت دفء، وجمال، وطيبة لبنان، بلدها، فجاءت كما كتب الشاعر حبيب يونس في كلمته على الغلاف: “ظلُّ النَّعناع سِفْرٌ من أسفارِ إِخلاص، تقرأُه؛ فتعرف كم هي وحيدة، وكم هي ظلٌّ لوَحدتها، ولو ترامتْ من حولها مساكبُ النَّعناعِ والوجوه”
المراجعة اللغوية للكتاب، قام بها الشاعر المعروف جميل داري، وتصميم الغلاف وبحلته القشيبة والتنسيق الداخلي قصي خميس، ولوحة الغلاف للفنان المعروف فاتح المدرس، وجاءت المجموعة في 156 صفحة، وتضم بين دفتيها 41 قصة قصيرة، متنوعة، تتناول مضامينها موضوع الإنسان وهمومه في الوطن العربي عامة، وتعالج قضية الوطن والاغتراب، في قص بلغة شعرية يجمع بين الرومانسية والاجتماعية، والوجدانية الرهيفة، ويصدر عن دار سائر المشرق، ليشارك في معرض الرياض القادم للكتاب.
مقطع من قصة قصيرة بعنوان “رزق البحر”
“علت الأمواج، وراحت تضرب الريح بغضب وجوه المسافرين على القارب المطاطيّ. أين السواري، وأين السفر؟ راحت تتأمّل وجه وحيدها إلى بحر الوجود يا صغيري، علّنا نصل إلى مركبة الحياة الأخرى بعيدًا عن نار الأحقاد، وجور الزعماء”.
الوطن يا أمّي، الوطن يا ولدي أغنية الأقوياء، ونشيد الفقراء، الوطن كرسي الله على الأرض، إذا كان كذلك فلماذا نهرب من أوطاننا؟ نحن حصاة في بحر هذا الوطن، وحبّة رمل في صحرائه، ولكن الله رحيم يا أمّي، تدحرج الدمع على خدّيها، لقد أجلسوا الله على الكراسي، وجلسوا هم حكامًا، وأمسكوا المراسي.
البحر جائع يا أمّي، لقد انعقد قران الليل على سفح الموج، وراحت الأرواح تتخبّط تحت عويل الظلام، ها البحر يريد استرداد الدين، أرهفي السمع يا أمّي، ألا تسمعين؟ راحت يداها تصرخان في وجع كما المخاض والوليد، الذي في حضنها ينزلق نحو البحر، تشدّه الأيادي المالحة، يرتفع الزورق ويهبط، يضرب بقوة جلمود البحر، يصرخ البحارة، تنهض الريح من جديد من كبوتها، ويفتح اليمّ على غفلة من الأمّ فمه، ويخطف وليدها من حضنها، تصرخ لا يسمعها إلّا عويل الريح، لقد استردّ البحر دينه، وكنت أنت الثمن والخروف، الذي علق على صليب من ملح، ناح الليل، ورقدت الروح في الأعماق المظلمة، سكنت الريح، شبع البحر من اللحم الطري، هذه هي ضحية الحرّية وضريبتها.
أشرقت الشمس على الرمل البارد، زرعت هناك قميصه الملون، ونثرت بذور القمح البلديّ، جلست تنتظر فلذة كبدها. سنلتقي، ولكن من يحدّد الزمان والمكان؟ ومن يقول للشمس: أشرقي أو اغربي؟ ومن يقول للبحر: سلم ما أخذت منّي، تنتظر رحمة الإنسان، ولا تجد.
أيها البحر أرخِ جدائل النسيان على وطني، وخبّئ على شواطئك مأساتي، واكتم، فها أنا هائمة بين الأزل والأبد، جسد بلا روح، وأمّ بلا ولد.
هنا أقيم في مدن الرحيل، على فراش الزبد الأزرق، دفنت في قبر مالح أحلامي، ما بين عويل الماضي، وألم الحاضر، ازدرت الحياة بي….”[1]