بيار روباري
مدينة هموكاران الأثرية
في هذه الدراسة التاريخية الموجزة، سوف نتناول تاريخ وهوية، واحدة من أقدم المدن الأثرية في تاريخ البشرية، ألا وهي مدينة “هموكاران” العريقة، التي تقع في #غرب كردستان#، إلى الشمال من مدينة #شنگال# بجنوب كردستان، وذلك لعدة أسباب منها: أهميتها التاريخية، كونها أقدم مدينة أثرية مكتشفة في العالم لليوم. وثانيآ، كونها شهدت أول معركة نظامية في تاريخ البشرية. وثالثآ، تبيان حقيقة هوية المدينة القومية وفضح مزوري التاريخ ومسوقي الأكاذيب من المستعربين العرب، الذين يسعون بشتى الوسائل إعطائها صبغة عربية زائفة، عبر ترويج مجموعة من الأكاذيب المختلقة، ولوي عنق الحقائق التاريخية الثابتة. وسوف نتناول في هذه الدراسة المحاور الرئيسية التالية:
1- مقدمة.
2- جغرافية مدينة هموكاران.
3- أثار مدينة هموكاران.
4- تاريخ مدينة هموكاران.
5- معتقدات سكان مدينة هموكاران الأصليين.
6- أصل تسمية هموكاران ومعناها.
7- علاقة مدينة هموكاران بالسومريين والإيلاميين.
8- الوجود الكردي في هموكاران والمنطقة المحيطة بها.
9- الحياة الإقتصادية في مدينة هموكاران.
10- الخلاصة.
11- المصادر والمراجع.
أولآ، مقدمة:
Pêşgotin
رغم الأهمية التاريخية والأثرية الإستثنائية، التي تتمتع بها مدينة “هموكاران” التي يطلق البعض عليها تسمية “هموكار”، إلا أن المدينة لم تحظى بأي إهتمام بحثي من قبل الكرد أصحاب الشأن. وخلال بحثي عن المراجع التاريخية والبحوث والدراسات، التي تناولت هذه المدينة، يؤسفني أن أقول أنني لم أجد أي بحث من الجانب الكردي عنها، وهذا أمر محزنٌ ومخزٍ للغاية. كم نحن الكرد مقصرين بحق أنفسنا، لا بل مجرمين وخاصة على الأصعدة التالية:
أولآ، الصعيد اللغوي:
حيث الأكثرية الساحقة من الكرد لا يتقنون لغتهم، وكم يسعد بعض الكرد عندما يتقنون لغة أعدائهم، ولا يخجلون من أنفسهم أنهم لا يتقنون لغتهم!!!
ثانيآ، الصعيد التاريخي:
مَن لا يتقن لغته، ولا تاريخه فهو ضائع وبسهولة يمكن صهره في أي بوتقة قومية أخرى. وإذا أرادت إحدى شاباتنا الكرديات أو أحد الشباب الكرد دراسة فرع إنساني في الجامعة مثل التاريخ، الجميع يهزؤون منها ومنه ويقللون من قدرهم وشأنهم!!!
كيف لإمة أن تتحرر من العبودية وثقافة محتليه، وهو لا يتقن لغته ولا يعرف تاريخه؟؟ ما الذي يدفع بباحث مثلي للكتابة بغير لغته، وأنا الذي عملت ثلاثين عامآ متواصلآ على لغتي الكردية، وأدرسها في الجامعة، ولدي عشرات المؤلفات في اللغة الكردية؟ الجواب يا أبنائي وإخوتي الكرد هو جهلكم بلغتكم، ولا يوجد سببآ أخر.
ثالثآ، الصعيد الديني:
عندما تتخلى عن ديانتك وتتمسك بديانة أعدائك، فلا تستغرب أنك لليوم مجرد عبدٍ وتابعٍ وذليل، وستبقى كذلك ما لم تتحرر من الدين الإسلامي الشرير، وغيره من الأديان وتعود لدينك اليزداني – الخوري. بالمختصر: “مَن لا يتقن لغته، لا يعرف ثقافته، ومَن لا يعرف ثقافته، لا يعرف تاريخه، ومن لا يعرف الثلاثة لا يعرف نفسه وليس له هوية”.
لهذا الذين كتبوا عن مدينة “هموكاران” الفريدة في التاريخ، أبحاثآ ودراسات وكتب، هم من الأمريكيين والأوروبيين، والبعض من أعداء شعبنا الكردي من العربان، سراق التاريخ ومسوقي الأكاذيب. وأكثر ما كتب عن هذه المدينة، هو الباحث والإستاذ الجامعي: “جيسون أور”، وكتب عنها عدة دراسات قيمة، وتستحق الدراسة والترجمة برأي. والسيد “جيسون أور”، هو أستاذ علم الآثار وعلم الأعراق في قسم الأنثروبولوجيا – بجامعة هارفارد الأمريكية. إنه متخصص في العمران المبكر، وعلم آثار الطبيعية، والاستشعار عن بعد. أدار مسوحات ميدانية في سوريا والعراق وتركيا وإيران، ومؤلف كتاب: (العمران والمناظرالطبيعية الثقافية في شمال شرق سوريا: مسح تل هموكار، 1999-2001). ومنذ عام 2012، أدار مسح سهل أربيل الأثري، مسح أثري بإقليم جنوب كردستان.
هذه المدينة بأثارها التاريخية الموغلة في القدم، أربك العلماء والباحثين والمهتمين بالتاريخ البشري، لأن أثارها الفريدة، أكدت بأن حضارة جنوب بلاد الرافدين، أي الحضارة الإيلامية والسومرية، هي التي أخذت من ثقافة وحضارة مدينة “هموكاران”، وليس العكس. بمعنى أخر هي بنت الثقافة الشمالية، ومدينة “هموكاران” أقدم من كل المدن الأثرية في العالم، بما في ذلك مدينة “أوروك” السومرية والحضارة المصرية القديمة.
وأدهشت هذه المدينة الرائعة العلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم بمدى تطورها، وخاصة في مجال التنظيم العمراني ونظام التبريد أي التكييف قبل (7000) سبعة ألاف عام قبل الميلاد.
ومن قرأ تلك الدراسات التي كتبها الباحثين والكتاب العربان، وما يسمون أنفسهم سريان وأشوريين، يخرج بنتيجة واحدة مفادها: لا وجود لشعب إسمه “الكرد” ولا وطن إسمه كردستان في التاريخ نهائيآ. وكعادتهم حاولوا هذه المرة أيضآ، فعل المستحيل لخلق تاريخ مزيف لهذه لمدينة الخورية الإستثنائية،
وذلك من خلال التلاعب بمعاني الأسماء، وخاصة تسمية المدينة نفسها، ومن ثم الإدعاء كذبآ بأن المدينة والمنطقة المحيطة بها أي منطقة الجزيره العليا، كانت مناطق أشورية وبالتالي هي عربية!! مع العلم أن كل هذه المنطقة التي يطلق عليها تسمية “الشرق الأوسط” التي تضم الكيانات اللقيطة الحالية التالية: (تركيا، ايران، العراق، سوريا ولبنان، الكويت، ..) هو وطن الخوريين أسلاف الشعب الكردي الحالي وعندما كان يعيش الخوريين في هذه البلاد قبل أكثر من (20.000) عشرين الف عام قبل الميلاد، لم يكن في هذه المنطقة لا عرب، لا أتراك، لا فرس، لا أرمن، ولا كنعانيين ولا غيرهم.
ثانيآ، جغرافية مدينة هموكاران:
تقع مدينة “هموكاران” على الشريط الحدوي الفاصل بين منطقة شنگال بجنوب كردستان ومدينة “گريه كوجران”، ولا تبعد سوى عدة كيلومترات عن مدينتي “گرگيه لگه وچل أغا”. إكتشفها بعثة سورية أميركية مشتركة أثناء بحثها في المنطقة عن الآثار، وتفاجئوا بهذه المدينة الأثرية القديمة الفريدة للغاية، وبحسب أراء العلماء، يعود تاريخها إلى أكثر من (5000) خمسة ألاف عام قبل الميلاد، وتعتبر أقدم مدينة في العالم، إذ يقدر عمرها الآن أكثر من (7000) سبعة آلاف سنة، وبذلك تعتبر أقدم من أي مدينة أثرية مكتشفة حتى الآن في العالم، بما لا يقل عن (2500) سنة.
يحدها من الجنوب جبل “شنگال” العالي والوعر، ومن الشمال سلسلة جبال “زاگروس وطوروس” في الشمال والشمال الشرقي من منطقة الهسكه، وتبعد المدينة عن نهر “دجلة” باتجاه الجنوب الغربي ما يقارب (50) خمسين كيلو متر، بينما تبعد عن نهر “جقجق” الذي يخترق مدينة قامشلو، نحو (60) ستين كيلو متر، وتبعد حوالي (160) كم شمال شرق مدينة الهسكه.
ان أراضي مدينة “هموكاران” تعتبر من أخصب الأراضي الزراعية، وفي الماضي كانت تروى من عدة أنهر تنبع من الشمال وتتجه نحو الجنوب، وأخرى من تنبع من جبل شنكال باتجاه الشمال وتلتقي جميعها
لتشكل معآ بحيرة، وكانت مياهها تخضع لعملية تنظيم معينة، لري السهول الزراعية الواسعة والخصبة في المنطقة.
ومن خلال عملية مسح سطح الموقع، تبين أن مساحة مدينة “هموكاران” بلغت (13) ثلاثة عشر هكتارآ تقريبآ، لكن في حدود (3000) الألف الثالث، توسعت مساحة المدينة حتى بلغت نحو (120) مئتي هكتار وشكلها يميل لشكل المربع، ويتوسط السهول المحصورة بين جبل “شنكال و زاغروس”، ومن خلال فحص الفخار المكتشف في الموقع، تبين انه يعود إلى فترة مدينة “أوروك” السومرية في جنوب بلاد ما بين النهرين، فهو يشبه طاسات وأشكالًا كانت معروفة في جنوب بلاد الرافدين، لذا يعتقد أنها مأخوذة عن حضارة “هموكاران”، وهذا يؤكد وجود علاقات مع وثيقة ما بين الحضارتين حضارة مدينة “أورك” في جنوب بلاد الخوريين، وحضارة مدينة أو مملكة “هموكاران” في الشمال. وقلب المدينة وحده كان يمتد على مساحة نحو (40) فدان، وكان محاطاً بجدران تبلغ سماكتها (10) عشرة أقدام، أي ما يعاد (3) ثلاثة أمتار، وهي سماكة كبيرة، والهدف منها حماية سكان المدينة وتتحمل أي هجوم أو عدوان خارجي، وتنتشر آثار المدينة على مساحة 260 فدان.
وبحسب الباحثين، أن المدينة كانت موطناً لحوالي (25.000) خمسة وعشرين ألف نسمة، وقد عثر فيها على لقى أثرية مهمة مما يعطيها ميزة في تطور الفن التشكيلي والنحت والزخرفة، كما ذكر مدير متحف الرقة ورئيس الجانب السوري في بعثة التنقيب السورية الاميركية الدكتور “عمر العظم”.
جبل شنكال:
هو جبل يقع على الحدود بين جنوب وغرب كردستان، وتقع قربه مدينة شنكال، ويبلغ إرتفاعه حوالي 1400 متر، ويعتبر مقدس لدى الكرد اليزدانيين.
جبال زاگروس:
سلسلة جبلية تقع غرب في شرق وجنوب. تعتبر أعلى سلسلة جبلية في كردستان، تبدأ سلسلة الجبال هذه من شواطئ بحيرة وان بشمال كردستان، وتستمر بعد مرورها عبر مقاطعات أذربيجان الغربية وشرق كردستان وكرمانشاه، أصفهان، كوهجيلويه، بوير أحمد، شهارمهال، بختياري، خوزستان، لوريستان إلى وكرمان، هرمزجان. وتضم سلسلة جبال سورين، سلسلة جبال هاورامان، سلسلة جبال مرمانگان، جبل شنروي، جبل بالامبو، جبال قنديل. وأعلى قممها هو جبل هزاران ويصل إرتفاعه إلى (4.500) متر.
جبال طوروس:
هي سلسلة جبلية في شمال كردستان، تفصل القسم الشرقي من شمال عن غربها (هضبة الأناضول) وتمتد المنظومة الجبلية على طول المنحى الذي يبدأ من بحير إگيردير في الغرب إلى إلى أعالي نهري الفرات ودجلة في الشرق. وهي جزء من حزام ألپيد في أوراسيا. وتنقسم جبال طوروس إلى ثلاث سلاسل جبلية، وهي من الغرب إلى الشرق: طوروس الغربية، طوروس الوسطى، طوروس الجنوبية الشرقية. وأعلى قممها هو جبل جيلو ويصل إرتفاعه إلى (4.168) متر.
نهر جقجق:
أو نهر الهرماس، ينبع من منبعين اثنين في هضبة طور عابدين في شمال كردستان ويسير داخل منطقة الجزيره حيث يندمج مع نهر الخابور ويصب في نهر الخابور وسط مدينة الهسكه، ويبلغ طوله من منبعه حتى مصبه في نهر الخابور (124) كيلومتراً، منها مائة كيلومتر في أراضي غرب كردستان.
ثالثآ، أثار مدينة هموكاران:
قبل الحديث عن أثار مدينة “هموكاران” وتفاصيلها وأهميتها وموقعها الهام في تاريخ البشرية، دعونا نتوقف عند بعض المفاهيم المهمة، والتي لا علاقة مباشرة بمحورنا هذا، وذلك بسبب ضعف ثقافة الأثار لدى شعبنا ومن هذه المفاهيم:
1- اللقى الأثرية:
اللقى تشمل المخلفات أو البقايا مثل: المباني، العمائر، القطع الفنية، الأدوات، الفخار، والعظام. وقد تكون بعض الاكتشافات مثيرة، مثل قبر فيه حُلي ذهبية، أو بقايا معبد فخم.
2- أهمية اللقى الأثرية:
إن البحث الآثاري هو السبيل الوحيد لكشف حياة المجتمعات القديمة، التي وجدت قبل إختراع الكتابة منذ خمسة آلاف عام تقريبآ. كما أن البحث الآثاري نفسه، يشكل رافدآ مهمآ في إغناء معلوماتنا عن تلك المجتمعات القديمة التي تركت سجلات مكتوبة.
3- أنواع اللقى الأثرية:
أولآ، اللقى المصنوعة المنقولة: هي تلك المعثورات المصنوعة، من المواد التي صنعها الإنسان، ويمكن أن تنقل من مكان إلى آخر دون إحداث تغيير على مظهرها. وهي تشتمل على مواد مثل المشغولات الحجرية كالنصال والآواني، ومشغولات الزينة كالخرز. كما يمكن أن تشتمل على الألواح الطينية وعلى سجلات أخرى مكتوبة.
ثانيآ، اللقى المصنوعة الثابتة: تتلخص في البيوت، الحُفر، المقابر، قنوات الري، ومنشآت عديدة أخرى، قامت ببنائها الشعوب القديمة. وخلافآ للأدوات، فإنه لا يمكن فصل اللقى الثابتة (الظواهر) عن محيطها، دون أن يحدث تغيير في شكلها.
ثالثآ، اللقى الطبيعية: هي المواد الطبيعية التي توجد جنبآ إلى جنب، مع الأدوات والمصنوعات الثابتة. وتكشف هذه المعثورات طريقة تفاعل الناس في العصور القديمة مع محيطها. وتشتمل اللقى الطبيعية على البذور وعظام الحيوانات على سبيل المثال.
4- تفسير اللقى:
يتبع الآثاريون ثلاث خطوات أساسية في تفسير الدليل الذي يعثرون عليه وهي:
أولآ، التصنيف:
يمكن للآثارين تفسير اللقى الأثرية، إذا ما استطاعوا معرفة أنماط إنتشار هذه الأدوات زمانيآ ومكانيآ. وللوصول إلى هذه الأنماط، يجب عليهم أولاً تصنيف الأدوات في مجموعات، تحتوي كل مجموعة معثورات متشابهة. والنظامان الأساسيان للتصنيف هما: النوعي والتتابعي.
التصنيف النوعي:
تصنف المواد ضمن مجموعات حسب مواد صناعتها، وطرق صنعها، ووظائفها. وتدعى كل مجموعة من هذه اللقى نوعآ. فمثلاً تُمثل جميع الأواني الفخارية المتشابهة التي يعثر عليها في موقع واحد نوعآ واحدآ، في حين تُمثل أواني أخرى متشابهة من موقع آخر نوعآ آخر.
التصنيف التتابعي:
ترتب المواد ذات النوع الواحد كلها في سلسلة تعكس التغيرات في النمط (الطراز). وهذه التغيرات إما أن تكون قد حصلت تدريجيآ مع مرور الزمن، أو نتيجة إنتشار ثقافة منطقة في مناطق أخرى. وفي حالات كثيرة يجب معرفة عمر المواد لتحديد المادة الأولى والأخيرة في السلسلة.
5- الموقع الأثري:
هو المكان الذي يضم الدليل الأثري. ولفهم سلوك الناس الذين شغلوا موقعآ أثريآ، لابد لنا من دراسة العلاقات بين الأدوات المصنوعة والعمائر واللقى الطبيعية، التي إكتشفت في الموقع الأثري المعين. فمثلاً إكتشاف رؤوس رماح حجرية، قرب عظام نوع من الجواميس المنقرضة في موقع ما يبين أن تلك الجماعات البشرية المبكرة، كانت تصطاد الجواميس في تلك المنطقة.
6- المعلومات الأثرية:
يستخدم علماء الآثار تقنيات ووسائل خاصة لجمع الدليل الآثاري جمعآ دقيقآ ومنهجيآ، ويحتفظون بسجلات تفصيلية عن المعثورات الأثرية، لأن التنقيب الآثاري المفصل يتلف البقايا الأثرية موضع البحث.
7- تحديد الموقع:
تحديد الموقع الأثري هو الخطوة الأولى، التي يجب على عالم الآثار القيام بها. وربما تكون المواقع الأثرية موجودة فوق سطح الأرض، كما قد تكون تحت سطح الأرض، أو تحت الماء. وتشتمل المواقع الموجودة تحت الماء على سفن غارقة، أو مدن بأكملها غمرتها المياه نتيجة تغيرات طرأت على سطح الأرض أو على مستوى الماء. وقد يتم تحديد بعض المواقع الأثرية بسهولة، لأنها تُشاهد بالعين المجردة، أو يمكن تعقب أثرها من خلال الأوصاف التي وردت عنها في المرويات القديمة، أو السجلات التاريخية الأخرى، وهناك مواقع أثرية، أقل وضوحآ قد تكتشف بالصدفة.
8- مسح المناطق:
يستخدم علماء الآثار مناهج علمية للعثور على المواقع الأثرية. والطريقة التقليدية لاكتشاف جميع المواقع الأثرية في منطقة ما، تتم من خلال المسح سيرآ على الأقدام. بحيث يتباعد الآثاريون بعضهم عن بعض بمسافات معينة، ويسيرون في إتجاهات مرسومة. وكل فرد يبحث عن الدليل الآثري، وهو سائر إلى الأمام.
ويستخدم الآثاريون هذه الطريقة عندما يرغبون في تمييز المنطقة، التي تضم مواقع أثرية عن تلك التي لا يوجد فيها مثل هذه المواقع. فمثلاً يمكنهم إستخدام هذه الطريقة، للتأكد من أن المواقع الأثرية بمنطقة معينة موجودة في قمم التلال وليس في الوديان. ويتبع علماء الآثار طُرقآ علمية للمساعدة على كشف المواقع الأثرية الموجودة تحت السطح. فالتصوير الجوي مثلاً، يُظهر اختلافات في نمو النباتات التي تشير بدورها إلى وجود دليل آثاري. فالنباتات الأطول في بقعة من الحقل قد تكون مزروعة فوق قبر قديم، أو فوق قناة للري. أما النباتات الأقصر الموجودة في بقعة أخرى من الحقل، فقد تكون مزروعة في أرض ضحلة، فوق عمارة قديمة أو طريق. وبالإضافة إلى ذلك تستخدم كواشف معدنية، لمعرفة ما إذا كانت هناك أدوات معدنية، سبق أن دُفنت في الأرض على عمق لا يزيد على 180سم.
9- مسح الموقع الأثري:
أول مرحلة من مراحل الدراسة لموقع أثري ما، يقوم علماء الأثار بوصف هذا الموقع. فيسجل هؤلاء ملاحظات تفصيلية حول مكان الموقع، ونوع الدليل الآثاري الشاخص على سطحه. كما يلتقطون صورآ للموقع المذكور. ويقوم الآثاريون برسم خرائط لمعظم المواقع الأثرية التي يتم اكتشافها. ويعتمد نوع الخريطة المرسومة على أهمية الموقع وأهداف الدراسة، ومقدار الوقت والمال المتوافرين. ويَعمد هؤلاء في بعض الأحيان إلى رسم خرائط مبسطة، بعد أن تتم عملية قياس الأبعاد، سواء بالخطوات أو باستخدام شريط القياس. وتستخدم في حالات أخرى، أدوات خاصة لمسح الموقع الأثري بعناية، ولرسم خرائط تفصيلية له. وبعد رسم الخريطة يجمع العلماء بعض الملتقطات الموجودة على سطح الموقع الأثري.
ثم يقومون بتقسيم السطح إلى مربعات صغيرة، ودراسة كل مربع على حدة. وبعد ذلك يسجلون على الخريطة المواضع التي وجدت فيها الأدوات. ويمكن أن تقدم لنا أماكن الملتقطات السطحية معلومات عن زمان وكيفية استخدام الموقع. هناك مجموعة من الطرق المستخدمة في المسح الاثري منها: طريقة المسح “السيزمي” وتعني (المسح بالموجات الزلزالية).
10- تنقيب الموقع:
ينقب الآثاريون بحذر بحثآ عن المواد المدفونة في عملية تدعى بالتنقيب الآثاري، وتعتمد طريقة التنقيب الآثاري جزئيآ على نوع الموقع. فمثلاً يمكن للآثاريين الذين يعملون في كهف، أن يُقسموا أرضية الكهف والبقعة الموجودة أمامه إلى وحدات على شكل مربعات صغيرة. ومن ثم ينقبون في كل وحدة على حدى. وقد يحفر الآثاريون، الذين يعملون في رصيف معبد، خندقآ أمام الرصيف، ومن ثم يمدون الخندق نحو الأرض المجاورة للرصيف. وفي المواقع الكبيرة يمكن حصر التنقيب في أجزاء معينة من الموقع، كما أن هناك إعتبارات أخرى تقرر في الأغلب منهج التنقيب الآثاري، مثل المناخ وتربة الموقع. وتتباين الأدوات التي تستخدم في الحفريات بين الجرارات والآليات الثقيلة الأخرى والمحافير الصغيرة والفُرش. وفي بعض الحالات يقوم الآثاري بغربلة التربة للحصول على اللقى الصغيرة. وفي حالات أخرى يقوم بتحليل التربة في المختبر، لإكتشاف البذور وحبوب اللقاح أو أية تحولات كيميائية، نتجت عن المخلفات البشرية.
11- تنقيب تحت الماء:
يستخدم الآثاريون الذين يعملون تحت الماء طرقآ عديدة، تم اقتباسها من علم الآثار الأرضي. وقد يكشف التصوير الجوي، فوق مياه صافية المعالم الرئيسية لموانئ أو مدن مغمورة. إستخدام المسح “السوناري” الذي يعتمد على الموجات الصوتية يساعد على كشف المواد المغمورة تحت الماء. ويستخدم الغواصون، أيضآ أجهزة كشف معدنية خاصة بكشف المواد المعدنية. ويمكن رسم الخرائط التصويرية للمواقع من الغواصات، أو من قِبل الغواصين الذين يحملون آلات للتصوير تحت الماء. ويعمل الآثاريون في مواقع تحت الماء، وهم داخل حجرات عازلة للضغط، وصالحة للعمل تحت الماء. وتُستخدم البالونات لرفع المعثورات الكبيرة إلى سطح الأرض بغية دراستها بصورة أوسع ودقة أكثر.
مدينة هموكاران الأثرية
12- التوثيق:
يعني تسجيل الدليل الآثاري والإحتفاظ به من أهم مراحل العمل، حيث يقوم الآثارين بوصف وتصوير
وإحصاء اللقى. ثم يقوم الأثاريون بتصنيفها إلى مجموعات وفقآ لأنواعها ومواقعها. فمثلاً يُحتفظ بالقطع الفخارية، التي تسمى أحيانآ الفِلَق أو الكِسَر الخزفية، من كل وحدة من وحدات التنقيب، ومن كل طبقة فيها، في مجموعات منفصلة، ثم تنقل إلى المختبر الميداني، لتنظف وتدون عليها المعلومات الخاصة بالوحدة والطبقة التي جاءت منها. ويجب أن تبذل عناية فائقة في المختبر الميداني، للمحافظة على الأشياء المصنوعة من مواد كالمعدن والخشب. فمثلاً المواد الخشبية المشبعة بالماء، قد تتشقق أو تفقد شكلها عندما تتعرض للهواء، ولذلك يجب الاحتفاظ بها رطبة إلى حين يتمكن الاختصاصيون من صيانتها.
والأن لنعود إلى أثار مدينة “هموكاران”، التي قال عنها عالم الأثار الأمريكي “جايسون أور” في كتابه:
” لعمران والمناظر الثقافية في شمال شرق سوريا مسح تل حموكار 1999-2001، المجلد الأول” ما يلي: “تل هموكار، هو أحد أكبر مواقع العصر البرونزي في شمال بلاد ما بين النهرين“.
وبرأي الشخصي، هو أفضل ما كتب وأرخ لمدينة هموكاران، وتستحق كتاباته القراءة والترجمة للغة الكردية الفصحى، وأنصح لمن يتقن الإنكليزية بالإطلاع على تلك البحوث والدراسات ولكن بعين ناقدة.
حيث يستعرض في هذا المجلد الأول، نتائج ثلاثة مواسم من المسح الميداني وتحليل الاستشعار عن بعد في الموقع والمنطقة المحيطة به. وتناولت هذه الدراسات معالجة مسائل الأصول الحضرية، وإستخدام الأراضي والاتجاهات الديموغرافية عبر الزمن. وتم تقديم وصف جيد للمواقع وتاريخ الاستيطان لمدينة “هموكاران”، إلى جانب (59) موقعآ آخر في المناطق النائية المباشرة على مدار (8.000) الثمانية آلاف عام الماضية. أولى المشروع إهتمامآ وثيقآ للمناظر الطبيعية “خارج الموقع”.
كما ويتضمن المجلد أيضآ وصفآ للمناظر الطبيعية التي لا مثيل لها للمسارات في حوض الخابور الأعلى في محافظة الهسكه في غرب كردستان. من خلال تحليل صور القمر الصناعي وتم تحديد ورسم خرائط لأكثر من (6000) كيلومتر من مسارات ما قبل العصر الحديث، ويعود تاريخ معظمها إلى أواخر الألفية الثالثة وأوائل الفترات الإسلامية. وبحسب “جايسون أور”، تعد هذه المنطقة الواقعة في شمال بلاد ما بين النهرين، واحدة من أفضل المناظر الطبيعية القديمة المحفوظة للحركة في العالم. وملاحق هذا المجلد تصف المواقع (60) الستين وتجمعاتها السطحية وتصنيف الخزف الخاص بها بالمسح.
بدأ التنقيب في موقع مدينة “هموكاران” العام (1999)، من قبل بعثة أثرية سورية – أمريكية مشتركة. وبحسب المختصين إن الكسر الفخارية المنتشرة في الموقع، تشير بشكل واضح إلى أنه إستوطن لأول مرة في عصر “گوزانه” في (5000) الألف الخامس قبل الميلاد. ومن أعمال التنقيب المنهجي التي تمت في ثلاثة مواسم، تبين أن العصور التاريخية التي مرت على الموقع هي:
1- العصر الخوري، الذي يعود إلى عشرة (10.000) عام قبل الميلاد.
2- العصر الأوروكي، الذي يعود إلى (4000-3100) عام قبل الميلاد.
3- العصر الأكدي – الأشوري ونينوى (2340 – 2284) عام قبل الميلاد.
لقد إكتشف العلماء في موقع مدينة “هموكاران” عددآ من الأبنية المصنوعة من اللبن ومليئة بالفخار والرماد يعود تاريخها الى منتصف الألف الرابعة (3500) قبل الميلاد أي العصر الحجري النحاسي ووجدت أيضاً أربعة أو خمسة أفران مقببة، يبلغ قطر بعضها حوالي المترين تقريباً، كانت تستخدم للطهو، الخبز، وطبخ اللحوم، إضافة إلى ذلك وجدوا كمية كبيرة من العظام الحيوانية، هذا إلى جانب بعض المواد النباتية المفحمة كالحبوب وغيرها.
كما تم إكتشاف، العديد من الحفر الكبيرة في هذه المنطقة، ومملوءة بالنفايات والرماد، وهي مخلفات أفران كبيرة بيضوية الشكل. وهذه الأفران ذات الأشكال البيضوية، كانت ذات أبعاد (3×2) متر. وعثر على أحد الأفران سالماً مبني على شكل قبة، وكان يتستخدم للطبخ، وخاصة طبخ اللحوم نظراً لاحتوائه على كمية كبيرة من عظام الحيوانات، وبعض النباتات المتفحمة، بالإضافة إلى “تنور” مخروطي الشكل لصناعة الخبز، واكتشفت أيضآ كسر فخارية، وبحسب إستنتاج الباحثين أن معظمها يعود إلى أوان كبيرة الحجم كانت تستخدم في الطهو وتحضير الطعام، ويدل حجم هذه الأواني المكتشفة في الموقع على أنها كانت تستعمل لتحضير طعام جماعي، أو لخدمة تتجاوز أفراد أسرة معينة، وهذا يدل على وجود إدارة حكومية من شكل ما، كذلك إكتشف الباحثين عن وجود إمتداد للبناء خارج السور، وهذا يدل على أن التطور العمراني، إنطلق من هذه المنطقة ولم يأت إليها من الخارج.
ومن خلال عمليات التنقيب في المواقع الثلاثة التي أطلق عليها الأثاريون أحرف (أ – ب – ج)، التي أجروا عملياتهم فيها، إكتشفوا عدة سويات تعود إلى عصر مدينة “أوروك” المتوسط الشمالي، أي نحو 3700 قبل الميلاد.
وقد إكتشف الباحثين في المنطقة الأولى (أ)، عند الدرج الأعلى بعض المنازل التي تتكون جدرانها من اللبن، وفي جوارها جدار ضخم عرضه لا يقل عن أربعة أمتار، وارتفاعه أربعة أمتار أيضاً، ويعتقد انه كان سوراً للمدينة، أما الفخار الذي وجد مع هذا الجدار، فيعود تاريخه الى العصر الحجري النحاسي أي منتصف الألف (4000) الرابع قبل الميلاد. إلى جانب ذلك اكتشفوا فخار في مستوى أعلى من الجدار يعود تاريخه الى فترة مدينة أو حضارة “”أوروك”، التي يعود تاريخها (3200) قبل الميلاد، ومنازل تتألف من عدة طبقات تحتوي على العديد من المباني، ورصيف مرصوف باللبن المستوى. وأما الطبقة الأخيرة منه فهي مغطاة بالجبص، وكلها تعود الى الألف (3000) الثالث قبل الميلاد، وفوقها وجد فريق العلماء، بناء يعود الى الفترة الاسلامية الأموية أي حولي القرن (700) السابع بعد الميلاد.
وفي المنطقة الثانية (ب)، عثر الباحثين على مجموعة من المنازل والحفر، التي يعود تاريخها إلى عصر “أوروك” الوسيط، وعُثروا في أحد المنازل أيضآ، على (18) ثماني عشرة طبعة ختم من الطين، التي إستخدمت كأغطية لأوان فخارية، ونقشت عليها أشكال إنسانية وحيوانية ونباتية، وإكتشف العلماء ما يشبهها في جنوب كردستان وشمالها، وهذا دليل على وجود علاقات قومية وثقافية وإقتصادية وتجارية بين تلك المدن التي تعود لنفش الشعب أي الشعب الخوري.
كما وجدوا العلماء فيها أربع سويات أثرية، ضمت منشأة معمارية سكنية تعرضت إلى حريق يعتقد كان كبيرآ، وتعود إلى فترة مدينة “أوروك” الوسيط، وإحتوت على المبنى الثلاثي من طراز أوروك الجنوبي.
وكما عثر الباحثين في أرضيات أحد هذه المباني على قبر (لطفل) معه تماثيل صغيرة من العظم، عرفت بتماثيل العيون بسبب وجود عيون كبيرة فيها، وإكتشفت نماذج من هذه التماثيل في “گربراك”، وتشير
هذه التماثيل إلى آلهة أو أشخاص، لكن تفسيرها ما زال غير واضح لعلماء الآثار. ومن أهم المكتشفات التي وجدت في هذه المنطقة، التي تعطي فكرة عن طابع المجتمع، وجود أكثر من ثمانين ختماً وخمس عشرة لوحة، وكثير من الخرز إكتشف في قبر ذاك الطفل، وعلى الأرجح كان مشكوكاً في قماش ثياب الطفل. المبنى “الأوروكي” الذي تم الإشارة إليه، عادةً كان يُبنى من فناء خارجي، ويوضع في الجهة الجنوبية من المبنى، وأربع غرف صغيرة تطل عليه من الجهة الشرقية.
أما الاختام فهي مصنوعة من العظم ومنحوتة على شكل حيوانات، وكانت قاعدة الأختام محفورة بخطوط أو بصور تشكيلية، وأحد الاختام الكبرى صنع على شكل (نمر منقط) نقطه مصنوعة من أسافين صغيرة محفورة ومنزله على جسده، أما الوجه الأسفل من الختم، يضم صفاً من الحيوانات ذات القرون. ووجد العلماء أيضاً ختم آخر كبير على شكل حيوان (ذي قرون)، وأسفله أيضاً صور يضم بعض الحيوانات ذوات القرون، أما الاختام الصغرى فهي على أشكال حيوانات مختلفة مثل:
الأسود، الدببة، الوعول، الكلاب، الأرانب، الماعز، الأسماك والطيور، وقد إكتشف في الموقع أيضآ تعاويذ شبيهة كالتي موجودة في “گريه براك”، لكن تعاويذ “هموكاران”، إعتبرت في عداد الأختام لوجود صورة الختم عليها.
وقد لاحظ العلماء، أن الاختام الكبيرة كانت للشخصيات المهمة مثل المدراء والمسؤولين في المدينة، أما الاختام الصغيرة، فكانت أعدادها أكبر لأنها كانت أكثر إستعمالآ باعتبارها تخص عامة الشعب وطبقاته،
وهذا يدل على وجود تنظيم إداري دقيق ومدهش في فترة الألف الرابع (4000) قبل الميلاد. وهذه الأختام لا تعني وجود بيروقراطية مثل الوقت الراهن، بقدر ما تشير الى العلاقات التجارية بين التجار، حيث كان يضع كل تاجر يضع ختمه (العلامة)، على المواد أو السلع أو قطع القماش الخاصة به، وهذه الظاهرة بدأت مع بداية العمران وبداية تأسيس دولة “هموكاران” الخورية.
وهذه الصيغة مستمرة ليومنا هذا، الذي تغير فقط هو أن التاجر الفرد حل محله الشركة أو المؤسسة أو المعمل، ولكن كلهم يضعون علامتهم التجارية على منتوجاتهم، وهذه الصغية التجارية أخذتها البشرية عن المملكة الخورية – الكردية التي عرفت بإسم “هموكاران”. كما كان الختم يستخدم مكان التوقيع، التوقيع حديث العهد وظهر بعد وإبتداع الحروف. وهذا يعطينا فكرة عن المجتمع الخوري ومدى تطوره ورقيه في ذاك، ولولا الغزوات والإحتلالات التي تعرض الشعب الخوري سلف الشعب الكردي وكردستان، لتمكن هذا الشعب من بناء حضارة أعظم بعشرات المرات، إلا أن المتخلفين والبرابرة عرقلوا ذلك وقضوا على ما وصل إليه أسلاف الكرد، ومنذ ذلك الحين والمنطقة تعيش في حالة تخلف دائم ولم تعرف الإستقرار.
وفي المنطقة (ج)، إكتشفت البعثة الأثرية المشتركة سويتين أساسيتين:
الأولى: تعود إلى العصر الآشوري الحديث، وهذا يؤكد تعرض هذه المدينة للإحتلال الأشوري البربري مثل بقية المدن الخورية، وإحتوت على أجزاء من منازل وأقنية لتصريف المياه، إضافة إلى قبور عُثر في داخلها على هياكل عظمية ولقى أثرية، تلتها سوية أخرى تعود إلى (2100) قبل الميلاد، وعُثروا في داخلها على مجموعة من كسر فخارية، تثبت أن الموقع لم يُهجر بعد سقوط الامبراطورية الأكادية.
الثانية: تعود للعصر الأكدي، وهذآ يؤكد تعرض المدينة للإحتلال الأكدي أيضآ، وإكتشف العلماء فيها على أجزاء من غرف مبنية من مادة اللبن، وتشير طريقة بناء الجدران، إلى أنه كان قصرآ أو مبنآ حكوميآ مهمآ.
ووجد علماء المنقبين في الموقع، زاوية لبناء يعود تاريخه الى الألف الثالث (3000) أي الفترة الأكادية، وقد وجد منه في “گربراك”، وتحتوي زاوية هذا البناء على باب شكله يدل أنه باب عام، ولربما كان بابآ لمعبد وهو الأرجح، ووجدت البعثة فيه أيضاً كسر فخارية تعود الى الفترة الأكادية وهذه القطع الفخارية مشابهة للقطع التي إكتشفت في “گربراك”، وسمح هذا بتأريخ القطع في الفترة الأكادية لتلازمها مع قطع أكادية أخرى.
هذا ودلت أخيراً نتائج الحفريات المبدئية على أنه أسست وتطورت في هذه المنطقة ممالك سحيقة في القدم سبقت بروز حضارة مملكة “أوروك”، في جنوب بلاد الخوريين (الرافدين)، لأنه في الماضي وقبل إكتشاف دولة “هموكاران”، كان الإعتقاد السائد أن فجر الحضارات الأولى والعمران، ولدت في جنوب بلاد الرافدين، أي حوالي (3500) قبل الميلاد، ثم انتقلت شمالاً الى المناطق الخورية الشمالية، لكن الباحثين الكرد كانوا الوحيدين الذين يرفضون هذا المنطق، وعلى الدوام كان المؤرخين والباحثين الكرد، يؤكدون بأن السومريين والإيلاميين هم كرد، وقد نزحوا من الشمال الجبلي إلى الجنوب السهلي، وحملوا معهم ثقافتهم الخورية، الديانة اليزدانية، وحتى نمط البناء والعيش، وليس العكس كما سوقها البعض جهلآ أو عن عمد، وجاء إكتشاف دولة “هموكاران”، ليؤكد للجميع صحة ما كان الباحثين الكرد يؤكدون عليه دومآ في كتاباتهم، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. والأن الجميع يعلم بأن الحضارة الإنسانية بدأت من أرض كردستان وتحديدآ من هذه المنطقة، قبل أكثر من (5000) خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، ولا شك أن حضارة دولة “هموكاران” تعتبر برأي كل العلماء أقدم الحضارات البشرية على الإطلاق.
كما عثر الباحثين المنقبين في الموقع داخل إحدى المنشأت من عصر “أوروك” الوسيط على مجموعة من طبعات الأختام المصنوعة من العظم منحوتة على أشكال حيوانات، وكانت قاعدة الختم محفورة بخطوط أو بصور تشكيلية، والأختام الصغيرة على أشكال حيوانات مختلفة مثل الأسود والماعز والدببة والأرانب والأسماك والطيور، أما الأختام الكبيرة كانت للشخصيات المهمة مثل المديرين والمسؤولين، غير أن الأولى أعدادها أكبر لأنها أكثر استعمالاً باعتبارها تخص عامة الشعب وطبقاته، وهذا يدل على وجود تنظيم إداري دقيق ومدهش في فترة الألف الرابع قبل الميلاد بسبب قدمها في التاريخ، كما تشير الأختام إلى وجود علاقات تجارية كان يضع التاجر فيها ختمه أي توقيعه على المواد أو السلع أو قطع القماش. هذه المكتشفات المعمارية واللقى الأثرية، الأختام، الأفران الكبيرة ونظام التهوية، على أهمية هذا الموقع، الذي كان يشكل مجتمعاً متقدماً ومزدهرآ إقتصادياً وإجتماعياً، وأدى دوراً مهمآ في الزراعة والعلاقات التجارية.[1]