بيار روباري
المنطقة الثامنة من مدينة هموكاران
رابعآ، تاريخ مدينة هموكاران:
أود أن أبدأ هذا المحور بما قاله عالم الأثار الأمريكي “ماجواير جيبسون” من معهد الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو، المختص بأثار منطقة “#ميزوبوتاميا#”، موطن الخوريين حيث قال ما يلي:
“علينا أن نعيد النظر في الأفكار التي كوناها عن بدايات الحضارة الانسانية التي يبدو أنها بدأت قبل ما كنا نعتقد سابقآ”.
وأضاف قائلآ: هذا يعني أن تطور الممالك القديمة، حدث قبل اختراع الكتابة، وقبل ظهور العديد من المعايير الأخرى، التي كنا نقارن الحضارة بها. وقد كتشفت هذه المستوطنة القديمة في منطقة قرية “هموكاران” الحالية، الواقعة شمال شرقي سوريا. حيث إستوطنت المدينة الأثرية التي يدعوها الباحثون (تل هموكار)، لأول مرة ما بين (4000 – 3700) قبل الميلاد، وكانت تغطي مساحة (2كم²) كيلومترين مربعين. وكانت بلدة منظمة بشكل جيد ومحاطة بسور كبير. وتمثل تلك التواريخ تحديا للآراء العلمية التقليدية، التي كانت تقول أن الحضارة المدنية نشأت في الدويلات السومرية: مثل دولة أوروك الواقعة جنوبي العراق الحالي، ثم إنتشرت إلى الشرق الأدنى القديم خلال فترة “أوروك” التالية، الممتدة من (3500) وحتى (3100) قبل الميلاد. لكن هذا الإكتشاف كما يقول الباحثون يشير إلى أن الحضارة بدأت تتبرعم قبل ذلك، في شمال سوريا الحالية.
هنا أود أن أسجل عدة ملاحظات منها:
الملاحظة الأولى:
لو قال هذا الكلام الذي صرح به العالم “ماجواير جيبسون”، باحثٌ كرديٌ مثلي لكفره العرب المستعربة والدواعش #الأشوريين#، والأتراك المستتركين، ونعته بألف صفة سلبية إن لم أقل جارحة، وأقلها لإتهموني بعدم الحيادية، وتغليب مشاعري الشخصية، على المقاييس البحثية.
الملاحظة الثانية:
هذه المدينة الخورية المميزة، ليست التي الوحيدة التي يمتد تاريخها إلى (7000) سبعة ألاف عام قبل الميلاد، ولهذا أنا أختلف مع زملائي الغربيين وحتى المستعربين، لأن هناك مدن خورية قديمة قدم مدينة “هموكاران”، مثل مدينة “أرپاد” (تل رفعت)، الواقعة إلى الشمال من مدينة هلچ (حلب) الكردية غربي نهر الفرات بمنطقة “شاد- با” والتي حرف العرب إسمها إلى شهباء.
الملاحظة الثالثة:
إن مدينة أو مملكة “هموكاران” الأثرية العريقة، قطعت الشك باليقين، أن الخوريين أسلاف الشعب الكردي، هم أصحاب الحضارة الحقيقة مع أبنائهم من السومريين والإيلاميين، وليس إولئك المحتلين الأشوريين والبابليين القتلة والوحوش البشرية.
إن سبب إختيار الخوريين لهذا الموقع لبناء مدينتهم هذه، لم يكن إعتباطيآ مثل بقية مدنهم، فقد تم إختيار الموقع بعناية فائقة وعن وعي كامل بالمنطقة، ومدى خصوبتها وتوفر المياه فيها. ولمن لا يعرف تلك المنطقة التي تقع المدينة فيها، فهي منطقة زراعية بإمتياز، وتتوسط جبال شنگال في جنوب كردستان، ومدينة “گرگيه لگه” في غرب كردستان. ويعود إستيطان الخوريين في هذه المدينة الأثرية الفريدة، إلى الألف الخامس (5000) قبل الميلاد، وإستمر الإستيطان البشري فيها حتى العصر الإسلامي العربي المبكر، وأدركت البعثة الأثرية التي نقبت في الموقع، أهمية هذه المدينة من خلال المسح الطوبوغرافي واللقى السطحية، التي تم العثور عليها في هذا الموقع. وقدر العلماء عدد سكان المدينة حينذاك بحوالي (25.000) خمسة وعشرين ألف نسمة، وهذا العدد من الناس يعتبر رقم كبير بمقاييس ذاك الزمان.
وحسب الباحثين الذين نقبوا في الموقع ودرسوا أثارها، أن تاريخ الهجرات إلى هذه المنطقة وإنشاء هذه المدينة المتطورة بكل مقايس ذاك العصر وحتى عصرنا هذا أيضآ، يعود إلى منتصف الألف الرابع قبل الميلاد تقريباً، محيث قدمت جموعات بشرية من جنوب ميزوبوتاميا العليا أي شمال كردستان حاليآ إلى ميزوبوتاميا الجنوبية الغربية، أي غرب كردستان بتسمية اليوم وتحديدآ منطقة الجزيره. وأسسوا فيها مستعمرات سكنية، ومع الوقت تمكنوا من تطوير النظام العمراني، هذا إلى جانب تطوير نظام الحكم الملكي ونظام الدولة، ولكن التنقيبات الأثرية في مملكة “همو كاران”، وفي بعض المواقع الأخرى من غرب كردستان، أظهرت مدى تطور النظام الإجتماعي المحلي قبل ذلك بزمن كبير، أي قبل قدوم الأريين وإندماجهم بالخوريين – الزاغروسيين أسلاف الشعب الكردي، وتكوين شعب واحد، وإستوطنوا في هذه المنطقة وأقاموا مستعمرة بشرية حضارية متطورة، قبل قدوم أي محتلين إليها، ومن المكتشفات الأثرية التي وجدت في مدينة “هموكاران” إتضح أن نشوء الحضارة وتطورها بدأت في غرب كردستان وفي هذه المدينة بالذات، ومعها منطقة الجزيره الفراتية الغنية بالمدن الأثرية والحضارات القديمة، ومن ثم إنتقلت الحضارة جنوباً إلى بلاد الرافدين وغيرها من البلاد، منطلقة من كردستان وطن الكرد.
إن إكتشاف عشرات المدن الأثرية في موطن الخوريين، وأبنائهم من السومريين، الإيلاميين، الكاشيين، السوباريين، الميتانيين، الهيتيين والميديين، دون سواها من البلدان حول العالم، له دليل قاطع على أصالة الشعب الكردي وأسلافهم، ومدى العمق الزمني لوجودهم في هذه الأرض، والتي تشمل الكيانات التالية:
(سوريا المفيدة، لبنان، العراق، ايران، تركيا، أذربيجان)، ومن هنا كان ثراء وعراقة حضارتهم، ولقد شهد تاريخهم الكثير من الإنجازات العظيمة، وشاركوا لا بل أسسوا الحضارة الأولى البشرية مثل: هندسة بناء المدن، إختراع الزراعة، تدجين الحيونات، بناء الأقنية، صنع الأسلحة، إكتشاف المعادن وتعدينها، بناء الأفران، هذا إلى جانب بناء نظام التهوية والتبريد، بناء القلاع والحصون، وضع أول أبجدية في تاريخ الإنسانية، وضع أول نوتة موسيقية ذات سلم سباعي، توحيد الله، إبتداع فكرة الصيام، الحج، الصلاة، الزكاة، الجنة، الجنهم، حماية البيئة، بناء المعابد، وغيرها الكثير.
صورة لأحد المواقع في مدينة هموكاران من الأعلى
كما إكتشفت البعثة الأثرية السورية – الأمريكية المشتركة في مدينة “هموكاران” أثناء تنقيبهم في الموقع، أول أبنية في التاريخ الإنساني في العالم، إعتمدت نظام تكييف هوائي يتمثل في وجود مقرات في جدران ثنائية متوازية تفصل بينهما مسافة من الفراغ لا تتجاوز (15 سم)، وتسمح بمرور هواء مكيف نقي حيث يساعد على مقاومة حر الصيف. وهذا النظام التبريدي والفريد من نوعه، الذي إستفرد به أسلاف الشعب
الكردي، ولن تجد له مثيل إلا في كردستان وعند أبناء الشعب الكردي. وهذا النظام ساعد في الحقيقة على حل معضلتين، وليس فقط معضلة الحر الصيفي، إلى جانب ذلك حل معضلة البرد في الشتاء، حيث هذه السماكة لجدران المنازل والقصور وذاك الفراغ (15سم) بينهما، منع تسرب البرد إلى داخل المنازل في فصل الشتاء أيضآ، ولهذا كان نظامآ ذو وظيفتين وليس وظيفة واحدة.
أحفاد الخوريين من الكرد، طوروا نظام يشبه هذا النظام قليلآ، ولكن بجدران سميكة فعلآ وبنيت البيوت بها وتراوح عرضها ما بين (50 – 100) سنتميتر، ولكن دون وجود فراغ في الجدار، وسموا هذا الجداران باللغة الكردية القديمة “كلين”، ولليوم يستخدم هذا المصطلح، وذلك لحل ثلاثة قضايا هي: أولآ، حل مشكلة التدفئة في الشتاء.
ثانيآ، حل مشكلة الحر في الصيف.
ثالثآ، تمتين الجدران ليصمدوا في وجه العواصف، وحماية أهلها من الغزاة المهاجمين واللصوص.
وأكد الباحثين، أن هندسة المدن بدأت في غرب كردستان وتحديدآ في منطقة الجزيره العليا، ومنها إنتقلت إلى جنوب بلاد الخوريين أي عند مصب النهرين “الفرات وتگريس” عند خليج “إيلام”. ودليلهم على ذلك هو نظام التكييف التي تمتع بها مدينة “هموكاران”، وشبكة الطرق المرصوفة فيها، والسلاح وساحة الحرب، وبناء الأفران الكبيرة التي أبدعوها في ذاك الزمان الغابر. هذا إضافة إلى المدن الأثرية الأخرى التي أنشأها الخوريين في هذه المنطقة مثل:
” گريه هباب” التي تقع في حوض الفرات الأوسط، وتحديدآ إلى الشمال من بحيرة الطبقة، ومباشرة على ضفاف النهر، ويعود تاريخها إلى فجر التاريخ، وهي المدينة الوحيدة التي ترجع إلى هذا العهد في غرب كردستان من وادي الفرات، وشيد فيها أقدم نموذج للعمارة المنظمة والتحصين في العالم. وتصنف كأفضل مدينة أثرية في العالم حفظآ. وقد شيدت ونظمت وفقآ لتخطيط مسبق على مساحة تقدر بحوالي (18) هكتار، في منتصف الألف الرابع أي (3500) قبل الميلاد، حيث أنشأت الأبنية والمساكن المتعددة المخططات والمساحات على محور واحد، يمتد من الشمال إلى الجنوب، ويتألف من شارعين رئيسيين وأقيمت البيوت حولهما.
وتتصل بهما شوارع فرعية، وبنيت المنازل وفقآ للطراز المعماري الخوري المؤلف من صالة رئيسية في الوسط، وعدة غرف صغيرة، وكما شيدت على جوانب هذه الشوارع المنازل ذات الطراز الخوري، فضلآ عن المشاغل والمستودعات. وإلى جانب ذلك زودت المدينة ببوابات وبشبكة من الأقنية المائية المغلقة والمفتوحة، وإكتشف في الموقع أيضآ نظام لسحب وتصريف المياه التي كانت تصب في الأودية المجاورة للمدينة بواسطة أنابيب من الفخار تعد الأقدم في العالم.
وأحيط الموقع من الجهات الثلاث جهة الشمال، الجنوب والغرب، بسور دفاعي مزدوج مبني من اللبن المجفف على شكل مستطيل، يبلغ عرضه ثلاثة أمتار وطوله (600) متر، ويضم بوابتين رئيسيتين وهو مدعم بأبراج دفاعية مستطيلة الشكل وأعمدة بارزة، وهذه الاكتشافات تؤكد بشكل قاطع أن نشوء المدن في العالم وتطورها، بدأ من غرب كردستان، ومنها إنتقل فيما بعد إلى جنوب بلاد الخوريين (الرافدين).
المنطقة (أ) في مدينة هموكاران
شهدت مدينة “هموكاران”، العديد من الغزوات والإحتلالات، وعلى رأسها الإحتلال الأكدي لها، وهذا ما تبين من سويات المدينة التي تم إكتشافها في الموقع من قبل البعثة المنقبة أثناء عمليات التنقيب. والدولة الأكدية، حلت محل الدولة السومرية كما هو معروف، وقد وحدت هذه الإمبراطورية متحدثي اللغتين (الآشورية والبابلية) والسومرية، تحت ظل حكم واحد. ومدينة أكد تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات بين مدينة (زمبير وكيش) أي حوالي 50 كم جنوب غرب بغداد. من الأبحاث التي تناولت تاريخ الدولة الأكدية، تبين الحضارة الأكدية ووصلت إلى ذروتها، خلال الفترة 2200- 2400 قبل الميلاد، وذلك في عهد سرجون الأكدي.
بعد ذلك إحُتلت الدولة الأكدية من قبل الدولة الآشورية الحديثة، والتي يعود تاريخها إلى (911-612) قبل الميلاد، وأصبحت هذه الدولة تحتل مركز الصدارة بين دول وممالك الشرق القديم، سواء من حيث الازدهار الحضاري، الاقتصادي أو القوة العسكرية، مما مكنها في السيطرة على كامل المنطقة، ومن ضمنها غرب كردستان ودولة “هموكاران” من ضمنها، وكان للإحتلال الأشوري هذا تأثيرآ سلبيآ كبيرآ عليها، وتضررت منه بشكل كبير، وليست هي وحدها، وإنما بقيت المدن الخورية والميتاني أيضآ، لما تميز به الأشوريين من بربرية ووحشية قل نظيرها عبر التاريخ. وبنتيجة ذلك برز تأثير الدولة الأشورية السياسيبشكل واضح ومؤثر على المنطقة برمتها وأخضعتها لنفوذها المباشر.
أما الإحتلال الثالث والغاشم الذي تعرضت له مدينة “هموكاران”، كان هو الإحتلال العربي الإسلامي وتحديدآ الفترة الإموية منه، وذلك حوالي العام (700) ميلادية. وكما هو معلوم تاريخيآ إن المحتلين الأمويين، بنوا إمبراطورية واسعة وشملت العديد من الدول ومن ضمنها كردستان.
گريه هَباب
الإحتلال الرابع والأكثر وحشية وإجرامآ وتدميرآ ونهبآ، كان الإحتلال التتري (التركماني) والمغولي القذر، الذي تعرضت له كل كردستان، وعلى رأسها منطقة الجزيره الفراتية الكردية ومدينة هموكاران.
لكن أسوأ ما تعرضت له منطقة الجزيره الكردية الفراتية بجزئيها العلوي والسفلي، الى جانب التدهور البيئي، كانت غزوات القبائل القادمة من أواسط آسيا، بدءً من مطلع الأف الثاني للميلاد، مما أثر كثيرآ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والزراعية للمنطقة، وبشكل خاص في المناطق الريفية منها، حيث قام اولئك المجرمين التركمان بتخريب وتدمير مئات القرى الكردية المستقرة في السهول الفراتية. فقد تعرضت هذه المناطق السهلية المكشوفة بشكل مباشر لأولى غزوات التركمان الإجرامية والوحشية المدمرة، منذ بدايات عام (1185) ميلادية، والتي إستمرت لحوالي (8) ثماني سنوات، وهم يعيثون الخراب والدمار والقتل والتهجير في هذه المناطق.
وقتل المحتلين التركمان نحو (200) مئتي شخص كردي من الشباب والشيوخ والكهول، في المنطقة المتاخمة لمدينة “ماردين”، ليس لسبب سوى أنهم كأنباء للمنطقة إعترضوا على وجودهم في أملاكهم وأراضيهم وطالبوهم بالرحيل عن المنطقة. ونتيجة لذلك إجتمع الكرد وقرروا الرد على إجرام اولئك الوحوش البشرية من التركمان الأوغاد. وتمكن أهالي كل من نصيبين وطور عبدين من حشد عدد من الرجال، ولكنهم لم يكونوا مسلحين تسليحآ جيدآ ولا مدربين على القاتل، ومن جهتهم التركمان تجمعوا في منطقة الخابور وكانوا مسلحين تسليحآ جيدآ ومدربين على القتال، وعند التقاء الطرفين جرى قتال عنيف بينهما وخسر الكرد المواجهة، وعلى ضوئها تم تهجير ألاف الكرد من ديارهم على أيادي أولئك المحتلين الأوغاد، الذين يسمون أنفسهم تركمان، وهم في الحقيقة أفاعي وضباع.
ثم تتالت الهجمات والغزوات على كردستان ومن ضمنها منطقة الجزيره، وخاصة السهول والبراري التي كان يقطنها الفلاحون ومربي الأغنام من الكرد بهدف نهبها وتخريب ممتلكات الأهالي، حتى جاءت غزوات المجرم “تيمورلنك” بين أعوام (1398- 1405) ميلادية، وكان بداية الخراب الكبير للمجتمع الكردي القاطن في منطقة الجزيره الوسطى والدنيا والعليا. وحكم الجماعات الغازية التركمانية المنطقة طوال قرن من الزمان بين أعوام (1411-1515) ميلادية، وسيطروا على أجزاء واسعة من الجزيره الفراتية، وكان لهم دور سلبي وتخريبي كبير، وقد تسببوا في عدم إستقرار المنطقة الريفية والحضرية،
وفي خراب حياة الألاف من الفلاحين الكرد، وزوال العشرات إن لم يكن المئات من القرى والبلدات الكردية العامرة بالحياة.
لقد كان الغزو المغولي وبالاً على الجزيره الفراتية وكل كردستان والكرد معآ، بل مرحلة فاصلة لعهدين. حيث شكل الغزو المغولي الأول عام (224م)، بداية الخراب العمراني في الجزيره الفراتية، حيث تم قتل مئات الألوف من أبنائها وعموم كردستان، وخاصة في عام (1253) ميلادية، حيث تم تخريب العديد من القرى والبلدات الكردية في محافظة الهسكه. وقبل أن ينتعش الوضع الاقتصادي سنة (1380) ميلادية، إجتاح القاتل والموتور “تيمورلنك” أواسط آسيا، ووصل في عام (1393) إلى إيران والجزيره الفراتية ومنها إلى بغداد. وقد أصاب الجزيره الفراتية الكردية البلاء الأعظم على يد هذا الغازي السفاح، فقد شرد سكانها وأنزل الخراب بديارها، فأصبحت منذ ذلك الحين برية قفراء.
إضافة الى نتائج الحرب المغولية الجد سلبية على سكان الجزيره من الكرد، والتدهور البيئي التدريجي الذي أصاب سهول الجزيره، فبعد ذلك أصبحت منطقة الجزيره الفراتية الكردية، موضوع تنافس شرس بين الدولتين (الصفوية والعثمانية)، ولم تستقر الأوضاع في المنطقة، إلا بعد أن إستولى عليها العثمانيون في عام (1516) ميلادية، ودخلت ضمن نطاق حكمهم. كما تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن موجة من الجفاف الشديد قد ضربت الجزيره الفراتية في القرن الثالث عشر، لتساهم مع غزوات المغول في نسف البنية الحضرية، التي تأسست وتطورت طوال قرون عديدة. إستمر الوضع هكذا، إلى أن استقرت حال المنطقة تدريجيآ بسبب غياب الحروب في ظل الحكم العثماني (1515 – 1920) ميلادي.
نهاية مدينة هموكاران:
إن إكتشافات آثار مدينة “هموكاران”، غيرت العديد من المفاهيم التي كانت إلى وقتٍ قريب، تعتبر من المسلمات مثل: “أن الحضارة المدنية بدأت ونشأت في مدينة “أوروك” السومرية، في جنوب موطن الخوريين الكرد، ومن ثم إنتقلت إلى غرب كردستان وتحديدآ منطقة الجزيره بقسميها العوي والسفلي”.
لكن هذه المسلمة لم تكن حقيقة، بعد أن علم العالم بأسره وليس فقط علماء الأثار، بإكتشافات مدينة “هموكاران” الفريدة في نوعها ورقيها وتطورها المذهل.
إن التنافس بين الممالك والدول المختلفة للإستحواذ على مملكة “هموكاران” بسبب تقدمها الحضاري، الإداري، الزراعي، والصناعي، إضافة لتوفر المعادن في المنطقة، كانت وراء رغبة تلك الممالك في الاستيلاء عليها، وهو ما أدى في النهاية الى تدميرها، هذا ما توصلت إليه البعثة السورية – الأمريكية المشتركة، من خلال إكتشافهم لبقايا “جثة” بشرية في الموقع، ويعتقدون أنها تعود لإحدى ضحايا مما إعتبروه أضخم معركة شهدها ذلك العصر.
هذا إضافة إلى أن البعثة كشفت دليلاً أخر رفع النقاب عن الكيفية التي واجهت فيها أول مدن العالم عنفاً كالذي شهدته هذه المدينة، حيث أدى ذاك العنف إلى حريق هائل، وإنهيار للجدران والأسقف، نتيجة إنهمار الطلقات التي صنعت من الفخار، أثناء تلك المعركة، التي خلفت ورائها بعضاً من أقدم الآثار المعروفة لحرب منظمة عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل. وفي هذا المجال كتب الباحث د. ريتشل قائلآ: “أن التنقيبات في موقع “هموكاران” كشفت لنا “كيف كانت المدينة تبدو في اليوم الذي دمرت فيه”. وأضاف قائلآ: ” أنه خلال الهجومال سريع والمكثف من قبل المهاجمين إنهارت الأبنية، وإندلعت النيران الخارجة عن السيطرة، وإندفن كل شيء تحت ركام من الحجارة. وأنهم كبعثة أثرية عثروا بين ركام الآثار على أكثر من (1000) طلقة فخارية مدروة أو بيضوية الشكل، التي ربما إستعملت في المقالع، وإستخدمت كسلاح حرب أساسي في المعركة.
الطلقات التي إستخدمت أثناء الحملة على مدينة هموكاران
إن كمية الطلقات التي عثر عليها الباحثين، وشكل الدمار والخراب الهائل، الذي شهده العلماء دفعهم إلى إستبعاد فكرة حدوث زلزال مدمر فيها، ودفعتهم إلى إستنتاج حدوث معركة مروعة في هذه المدينة نتيجة غزو خارجي، ولكن لم يستطيعوا التعرف على الغازي، ولكن الباحثين يعتقدون أنه كانت إحدى المدن الجنوبية. وهذا ما أكده العالم والخبير الأمريكي “د. ألغيز” من جامعة كاليفورنيا بسان دياغو، والذي يعتبر مرجعاً في تاريخ بلاد ما بين النهرين، حيث قال: “إن طلقات المقالع تلك التي إخترقت جدران مدينة هموكاران، نشرت الدمار، وهذا دليل على نشوب نزاع حول المدينة بهدف السيطرة عليها”.
كما أكد الباحثين الذين نقبوا في الموقع، ودرسوا أثار المدينة، على أن الهجوم الذي إستهدف مدينة “هموكاران” بهدف الإستيلاء عليها، كان هجومآ عنيفآ مما إستدعى ردآ من قبل الأهالي لتجنب الموت ولهذا دارات حولها وضمنها معركة شرسة لم ترحم أحدآ، وإستخدمت فيها قنابل بيضاوية الشكل وإطلقت الصغيرة منها بالمقلاع وقد وجدت (1200) قنبلة من هذا النوع في أرض الموقع، أما القنابل الكبيرة، التي وجد في الموقع كانت حوالى (120) قذيفة مصنوعة من الصلصال الصلب.
وبخصوص تدمير مدينة “هموكاران وگربراك” في نفس التاريخ، قال عالم الأثار الاميركي المعروف “غويلرمو ألغيز”، بفضل إكتشافات موقع “هموكاران” وغيرها في المنطقة، تمكنا من سد الفراغ الذي كنا نفتش عنه عن حضارة تلك البلاد الممتدة، من شواطىء الخليج جنوباً حتى جبال طوروس شمالاً، وأضاف هذا العالم أي الشمال والجنوب، كانا جاهزان للانطلاق قدماً حضارياً وعسكرياً، الا أن الجنوب تمكن بعد (500) خمسمئة عام، من أن يجتاح الشمال ويلغي دور هذا القسم الفعال، حيث أظهرت الحفريات التي أجرتها بعثة التنقيب البريطانية في “گربراك” في الجزء الشمالي الواقع حالياً في غرب كردستان، أن هذا التلة إنهارت هي الاخرى في نفس زمن إنهيار مدينة “هموكاران”.
مدينة أوروك:
مدينة سومرية تاريخية، تقع شرق ضفة نهر الفرات، وتبعد عن مدينة “أور” بحوالي 35 ميلآ، وحوالي (30) كم شرق السماوة، المثنى في جنوب كردستان. وهي المدينة التي عاش فيها گلگامش وكتب ملحمته الشهيرة، وأوروك حسب سفر التكوين هي ثاني مدينة بناها الملك نمرود في أرض شنعار. ويعود تاريخ إلى (4000- 3200) عام قبل الميلاد على أبعد حد.
گربراك:
موقع أثري قديم يعود إلى (6.000) عام قبل الميلاد، يقع غربي نهر “جقجق” أحد روافد نهر الخابور وعلى بعد (42 كم) من مدينة الهسكه في شمال نهر الفرات بغرب كردستان. ومن هذه التلة أخذ “نارام سين” مقرآ وحصنآ منيعاً له. ولقد شهد هذه التلة أحداثاً هامة، إمتدت من الألف السادس إلى الألف الثاني قبل الميلاد. و عُثر فيها على بناء مدرج، معبد، إلى جانب ذلك وجد في الموقع قطع أثرية هامة للغاية، وفي المعبد عُثر على تماثيل حيوانات كثيرة، أقنعة بشرية، أصنام، عيون كثيرة، حتى سماه الباحثين (معبد العيون)، وتعود إلى الفترة ما بين (3500 – 3300) قبل الميلاد.
گربراك
وفي هذا الإطار التاريخي، أرى من الضرورة التوقف عند نقطتين مهمتين، اللتان كانتا السبب في مطمع القوى الأخرى، في غزو وإحتلال وطن الخوريين “كردستان” والقاء الضوء عليهما وهما:
1- الموقع الجيوسياسي لكردستان:
بسبب الموقع الجغرافي لموطن الشعب الخوري (كردستان) المهم والفريد، والذي كان ومازال يشكل قلب العالم، وإطلالته على أربعة بحار (خليج إيلام، بحر قزوين، البحر الأسود، البحر الأبيض)، وكونه ممر جغرافي لا غنى عنه في العالم القديم وحتى يومنا هذا، كونه صلة الوصل بين ثلاثة قارات: أسيا، أفريقيا وأوروبا.
هذا الموقع الجيوسياسي المهم للغاية ولا يزال حتى يومنا هذا وسيبقى ما بقيا كوكب الأرض، جعل من وطن الخوريين أسلاف الشعب الكردي، مطمعآ لجميع الدول القديمة الكبرى في المنطقة أو خارجها مثل: المصريين، الأموريين، الكنعانيين، البابليين، الأشوريين، شعوب البحر، الفرس، العرب، التتر، المغول، الرومان، البيزنطيين، العثمانيين، الروس، الأرمن، الفرنسيين والبريطانيين. ومن هنا شهدت أرض كردستان غزوات لا تعد ولا تحصى، بعض الغزاة نجحوا في غزوهم وإحتلوا أراضي كردستان وخاصة في المناطق السهلية منها وتحديدآ المناطق المطلة على البحار، وهي أكثر ما تعرضت للحروب والدمار والخراب وعمليات القتل والتهجير القصري، ولهذا تراجع الشعب الكردي تدريجيآ إلى المناطق العليا من وطنه لحماية نفسه. والذين بقوا في المناطق الساحلية من الكرد تم صهرهم مع الزمن في بوتقات قومية مختلفة (عربية، فارسية وتركية) تحديدآ، لأن إحتلالهم لكردستان كان إحتلال إستيطانيآ سرطانيآ، بعكس بقية المحتلين. ومن هنا كان خسارة الشعب الكردي لشواطئه الطويلة وبحاره الأربعة، وخسارة ما يقارب (1.500.000) مليون ونصف كيلومتر مربع من مساحة وطنه.
2- الثراء الذي يتمتع به وطن الخوريين “كردستان”:
لا يخفى على أحد مدى ثراء كردستان بالمياه العذبة، والأراضي الزراعية الخصبة، والغابات والمعادن المختلفة مثل الحديد والذهب والبرونز والفضة والقصدير، إضافة إلى الثروة الحيوانية المدجنة، بسبب توفر المراعي والمياه، إضافة إلى التطور العمراني والثقافي، كل ذلك جعل من وطن الخورين الكرد حينذاك وحتى، مطمعآ للقوى الإستعمارية الشريرة، وشنوا حملات عسكرية متكررة لإحتلالها، وفي النهاية هذا ما حدث فعلآ، أي تمكنوا من إحتلالها وبدليل إنها محتلة لليوم من قِبل خمسة شعوب وعلى رأسهم الفرس والعرب والأتراك.
أحد المواقع التنقيب بمدينة هموكاران الأثرية
خامسآ، معتقدات سكان مدينة هموكاران الأصليين:
قبل الحديث عن المعتقدات الدينية لأهل مدينة “هموكاران”، أرى من المفيد التوقف عند بعض المفاهيم بشكل مختصر، والتي لها علاقة مباشرة بموضوع محورنا هذا، منها:
مفهوم الإيمان:
الإيمان قديم قدم الإنسان، وهو أعم وأشمل من المعتدات والأديان. وكل الناس مؤمنين قديمآ والأن وفي المستقل سيبقون كذلك، ولكن ليس كل مؤمن متدين، أي منتسب لدين معين. يمكن أن تؤمن ببعض القيم الإنسانية أو النظريات الفلسفية وتصبح بذلك مؤمنآ.
هل يثبت الإيمان على حال واحد؟ الجواب لا. الإيمان قابل للتغير والزيادة والنقصان، وهذا خاضع لوعي الإنسان، مداركه، محيطه، بيئته وعلاقاته الإنسانية.
مفهوم الإعتقاد:
الاعتقاد هو موقف الانسان من شيء ما، بغض النظر إن كان ذلك الشيئ صحيحآ أو حقيقيآ أم لا. في نظرية المعرفة، يستخدم الفلاسفة مصطلح “الاعتقاد” للإشارة إلى المواقف الشخصية المرتبطة بالأفكار والمفاهيم الصحيحة أو الخاطئة، مع ذلك لا يتطلب «الاعتقاد» الاستبطان والحيطة.
الإعتقاد أو المعتقد أو العقيدة، بالمختصر هي: مجموعة أفكار ومبادئ وقيم، يؤمن بها معتدقها ويجزم بصحتها وصائبيتها، وفي نظره لا تقبل الشك. والعقيدة تعني ما عقد الإنسان عليه قلبه جازمآ به فهي عقيدة، سواءً أكانت صحيحة أو غير صحيحة.
مفهوم الدين:
الدين كمصطلح مأخوذ عن المفردة الكردية السومرية “دينا” وليس مصطلح عربيآ ولا أراميآ. والدين لغويا يعني الدنو أي الخضوع والذل، والمتدين يعني وكل أمره للدين وبالتالي وجب عليه طاعته والإنقياد خلفه. والدين عبارة عن مجموعة من المعتقدات والأفكار يؤمن بها شخص ما، وهو الإيمان بمجموعة من السلوكيات والفرائض والقبول بها في الحياة الشخصية والعامة، وإتباع دين معين والإخلاص له يعتبر تديناً. ويؤمن الإنسان أن الله هو صاحب الأديان وخالق الكون السماوات، وأن الهدف من الدين هو التقرب من الإله.
إن الباحث المتتبع لتاريخ الشعب الخوري، وخلفه الشعب الكردي، يعلم أن إنطلاقة هذا الشعب الروحية والحضارية كانت من مدينة “گوزانه” التي غير العرب إسمها إلى (تل حلف)، والتي تقع جنوب مدينة “سريه كانية” بنحو (2) كيلومتر. ومدينة “هموكاران” التي نتحدث عنها لا تبعد عنها كثيرآ، ولا مدينة واشوكاني، ومدينة أوركيش، ولا الهسكه، وشنكال وگرمريبط، وگربراك. وفي كل هذه المدن الخورية، إكتشف العلماء، المعابد التي يتعبد فيها الناس، ويؤدون طقوسهم الدينية والصلوات تقربآ من ألهتهم.
وسكان مدينة “هموكاران”، بدليل إكتشاف معبد يزداني كبير في المدينة، خلال عمليات التنقيل، ولم يكونوا إستثناءً في ذلك.
وكيفما نظرت ستجد لليوم بقايا الكرد اليزدانيين في غرب وجنوب وشمال كردستان وشرقها. ولكن منطقة شنكال، التي لا تبتعد عن “هموكاران” سوى عدة كيلومترات، وتحتضن معبد “لالش” المقدس، الذي يحمل بوابته الرئيسية الشمس الخورية، رمز الديانة اليزدانية. وكونها مركزآ نورانيآ تعرض عشرات المرات للغزو والتنكيل على يد المحتلين العرب والعثمانيين وأخيرآ على تنظيم داعش الإجرامي، ورأينا ماذا فعلوا بأهلنا في شنكال وكم الجرائم التي إرتكبوها بحكم وعلى مرمى كل العالم، وفي منطقة أفرين تعرضت القرى اليزدانية والهلوية إلى جرائم تندى لها الجبين على يد الأتراك والعرب.
ومثلما هو معلوم تاريخيآ، أن الشعب الخوري وكل أبنائه وأحفاده لم يعتنقوا يومآ دينآ أخر، سوى هذا الدين لألاف السنين، ولم يعبدوا الأصنام بخلاف كل شعوب الأرض. وبقيوا على دينهم اليزداني رغم كل ما تعرضوا له من غزوات وإحتلالات، وحتى النبي الكردي “زاردشت” الذي جاء بدين جديد رفضه الشعب الكردي، ولم يلقى إنتشارآ بين أبنائه إلا في حدود ضيقة، وذلك بسبب تعلق الشعب الكردي بدينه اليزداني السمح والمسالم.
ويتمحور الديانة اليزدانية حول عبادة “إله الشمس” بشكل أساسي، ولهذا سميوا (بالخوريين) كونهم كانوا يعبدون الإله “خور”، وهذه التسمية كانت تطلق على الشمس باللغة الكوردية القديمة. وكلمة الشمس ذاتها هي الأخرى مأخوذة عن اللغة الكردية القديمة، حيث كان الكرد السومريين يسمونها “شمش”، وأخذ عنهم اليهود التسمية أثناء وجودهم في كردستان بعد سبيهم من قبل البابليين والأشوريين، والعرب بدورهم أخذوا التسمية عن العبرية، وبدلوا حرف (الشين) الثانية بحرف (السين).
ولألاف السنيين كان الشعب الخوري هو الشعب الوحيد، الذي يقيم في المنطقة والتي كانت تضم البلدان الحالية التالية: (تركيا، سوريا، لبنان، العراق، ايران، أذربيجان) وكلها كيانات مصطنعة ولقيطة. فكل الشعب الخوري وحيث ما وجد، كان يعبد نفس الألهة ويمارس نفس الطقوس الدينية، وكلمة “دين” ذاتها مأخوذة عن اللغة الكردية، كي لا يزاود أحدٌ علينا نحن الكرد.
الوضع تغير عندما، فرض المحتلين البيزنطيين الأوباش الديانة المسيحية على جزء من الشعب الكردي بالقوة، وعندما غزا الغزاة العرب كردستان، فرضوا لغتهم على الإمة الكردية برمتها، ودينهم الإجرامي الشرير بحد السيف. هنا جرى التحول العميق والكبير في حياة وتاريخ الشعب الكردي وديانته اليزدانية ولكن للأسوأ، ومنذ ذلك الحين تحول الكرد إلى عبيد عند اولئك الهمج والبرابرة وحتى يومنا هذا، وتغربوا عن دينهم اليزدانية، إلا القلة القليلة التي أبت أن تترك دينها اليزداني، ولهذا تعرضت لظلمٍ شديد وعلمليات ذبح لا مثيل لها.
تعاويذ من مدينة هموكاران
وسكان مدينة “هموكاران” الأثرية، كانوا يتمتعون بنفس الثقافة والدين، ويتحدثون بذات اللغة الخورية أم اللغة الكردية الحاليى، وكانوا يعبدون نفس الألهة، مثل سكان بقية مدن منطقة الجزيره، ولقد ذكرنا أسماء العديد منها أنفآ، وغيرها من المدن الخورية – الميتانية – الهيتية.
والمؤرخ “انطون مورتكات”، هو شخص غير كردي، قال كلامآ مشابهآ لم قلته أنفآ، وإن بصيغة أخرى حيث قال:
“نستنتج من الفن المصور لمنطقة ما بين النهرين في جزئه العلوي، وغرب كردستان (شمال سورية)، عموماً أن الحياة الدينية للشعب الخوري إحتلت مكانة هامة في هذه المناطق، وخلال النصف الأخير من القرن الرابع عشر قبل الميلاد كانت الطقوس الدينية الخورية- الميتانية منتشرةً من الحدود الإيرانية شرقاً وحتى شاطىء البحر الأبيض المتوسط غرباً، وإن أبرز إله خوري – ميتاني كان يعبد، هو الإله (تيشوب – إله الجبال)، حيث إن تماثيل هذا الإله يكون نصفه السفلي (جبل) ونصفه العلوي (بشر) ويحمل بكل من يديه غصناً، وأحياناً أخرى يظهر على هيئة الرجل بالتنورة الحرشفية يحمل غصني نبتة”. حيث عثر على تماثيل هذا الإله الخوري – الميتاني في كل من معبدي “أندارا، وآلالاخ” القريبين من مدينة آگرو أي (جنديرس).
ومن ضمن الألهة التي كان يعبدها سكان مدينة “هموكاران” إله العاصفة (تيشوب)، الذي كان يعتبر ملك الآلهة هذا إضافة إلى إلهة الأم (هيبات)، التي كانت إلهة الشمس عند الهيتيين (الحثيين)، وكانت زوجة لإله العاصفة (تيشوب). وإلى جواهما، كان يوجد الإله (شاروما)، وهو إبن كل من إله العاصفة وإلهة الأم، الإله (كوماربي) وهو بدوره سلف إله العاصفة، وكانت مدينة “أوركيش” التي يطلق البعض عليها تسمية (گريه موزان)، المركز الرئيس لعبادة هذا الإله. وكان هناك إلهآ أخر، هو إلهة الخصوبة والحرب والشفاء ويسمة بي (شاوشكا)، التي كان مركزها في نينوى. وإلى جانب كل هذه الألهة، كان هناك إله الشمس (شيميگي)، وإله القمر (كوشوه).
ولليوم الكرد اليزدانيين، يقومون بنفس العبادات ويمارسون ذات الطقوس الدينية اليزدانية، وأي زائر للقرى والبلدات اليزدانية سيجد ذلك بإم عينه، وخاصة إذا زار منطقة “شنكال”. ولليوم هناك العشرات من القرى الكردية في منطقة الهسكه، التي يدين سكانها بهذه الديانة الخورية، والإيزيدية فقط فرقة منها وهناك فرق عديدة إنشقت عنها بسبب الإحتلالات لكردستان كالإحتلال الداعشي الأخير.[1]