بيار روباري
مدينة الهسكه – ساحة الكنيسة
في هذه الدراسة الموجزة التي سنتناول فيها تاريخ وهوية مدينة “الهسكه” القومية، التي تقع في #غرب كردستان#، وتحديدآ في منطقة الجزيره، وذلك لأسباب عديدة منها، سعي المستعربين العرب وتحديدآ الكتاب والسياسيين منهم، إعطاء المدينة تاريخآ مزيفآ وغير حقيقي، للقول أن مدينة الهسكه مدينة عربية. وذلك من خلال إختراع الأكاذيب والقصص المفبركة، وإعطاء المدينة معنآ أخر غير المعنى الحقيقي ليتوأم مع غايتهم السياسية الخبيثة. ثانيآ إدعاء المستوطنين والمحتلين العرب القاطنين في المدينة ومعهم المستوطنيين الأشوريين، أنهم من سكان المدينة الأصليين، ومطالبتهم الشعب الكردي وقواته العسكرية بالرحيل عنها، ولا إعلانهم عدم جواز حكم الكرد للمدينة والسيطرة، وفي هذه الدراسة سنتناول النقاط والمحاور الرئيسية التالية:
1- مقدمة.
2- جغرافية مدينة الهسكه.
3- أثار مدينة الهسكه.
4- تاريخ مدينة الهسكه.
5- أصل تسمية الهسكه ومعناها.
6- الوجود الكردي في الهسكه والمنطقة المحيطة بها.
7- الحياة الإقتصادية في مدينة الهسكه.
8- الخلاصة.
9- المصادر والمراجع.
أولآ، مقدمة:
إن مدينة “الهسكه” هي واحدة من كبريات مدن غرب كردستان، إن لم تكن أكبرهن، وهي المحافظة الأولى على صعيد الثروة المائية، الزراعية، النفطية، الغازية، الحيوانية، والمواقع الأثرية المختلفة التي يذخر بها هذه المحافظة الجميلة. إضافة إلى كونها حلقة الوصل بين غرب وجنوب وشرق كردستان. ورغم ثرائها الهائل بهذه الثروات الطبيعية إلا أنها على الدوام، كانت تعاني من حالة الضنك بسبب سياسة الإهمال المقصودة والممنهجة، التي إتبتعها سلطات البعث العنصرية والأسدية الطائفية، وظل سكانها الكرد يعانون حالة من الفقر والتخلف، وظلوا يفتقرون للحد الأدنى من الخدمات الأساسية وخاصة في عهد المجرم والطائفي البغيض “حافظ الوحش” وإبنه “القاتل بشار”.
رغم هذه الأهمية التي تتمتع بها هذه المدينة من الناحية الديمغرافية، الإقتصادية، السياسية والجغرافية، والتاريخية، إلا أنها لم تحظى بأي إهتمام من قبل السياسيين الكرد في (100) المئة العام المنصرمة، ولا من قبل الباحثين والمؤرخين الكرد. وخلال بحثي عن مراجع ودراسات تاريخية خاصة عن هذه المدينة الكردية، لم أجد أي بحث أو دراسة قام بكتابتها باحثين وكتاب كرد. وهذا تقصير كبير للغاية وغير مبرر ونقطة ضعف هائلة، يعاني منها الكرد، يستغلها أعدائهم الذين يمتهنون سرقة حضارة وتاريخ الأخرين، وعلى رأسهم تاريخ الشعب الكردي وأسلافه. وذلك من خلال تزوير الحقائق التاريخية وإختلاق القصص الكاذبة وتسويقها على أنها حقائق، وخلق تاريخ مزيف لهم من جهد وعرق الأخرين أصحاب الحضارات والتاريخ، ومنهم الشعب الخوري ومن خلفهم أبنائهم وأحفادهم.
بتقديري، إن أسباب عدم إهتمام الكرد بتدوين جل تاريخهم، عائد إلى غياب الوعي لدى الطبقة الحاكمة من ملوك وأمراء وبكوات (ألهة)، ورجال الدين، وفي المرحلة الأخيرة زعماء العشائر والقبائل والقادة السياسيين. إضافة إلى ذلك هو إنشغال الكرد بالصراعات الداخلية فيما بينهم، وثانيآ الحفاظ عن أنفسهم جسديآ أمام هجمات الغازين لكردستان، ومحاولتهم إقتلاع الشعب الكردي من جذوره.
لكن هذا الوضع بدأ بالتغير مع بروز جيل كردي جديد، متعلم تعليمآ جيدآ والكثيرين منهم هم خريجي أفضل الجامعات العالمية، ومن تلقاء ذاتهم وبدافع الحس الوطني الكردي بادروا وأخذوا على عاتقهم التصدي لهذه المهمة النبيلة أي تدوين التاريخ الكردي، وهي مسؤولية كبيرة للغاية، وأنا واثق أعدادهم سيكثر مع الوقت بسبب زيادة الوعي بين الكرد وإداراكم بمدى أهمية التاريخ، وخاصة في حالة الشعب الكردي، الذي يصارع من أجل البقاء والحفاظ على هويته القومية، والتمسك بأرضه. ومعرفة التاريخ الكردي وتدوينه خطوة وركيزة أساسية في خضم هذا الصراع الحامي بين الشعب الكردي ومحتلي بلده من عربٍ وأتراك وفرس.
ما ينقصهم أي هؤلاء الباحثين هو: الدعم المعنوي، المادي، الإعلامي، الطباعة، وتسهيل تنقلاتهم وتأمين كل ما يحتاجونه إليه في عملهم، ووجود مركز خاصة بتدوين التاريخ الكردي، وتحديدآ المتعلق بتاريخ المدن: الخورية، السومرية، الإيلامية، الكاشية، الميتانية السوبارية، الهيتية، الميدية، الساسانية. شريطة عدم التدخل في عملهم وتسييسه، والمطلوب من هؤلاء الباحثين الكرد العمل كفريق، بقدر عملهم كأفراد.
يمكني القول أنني قرأت تقريبآ كل ما نشر عن مدينة “الهسكه” وتاريخها والمنطقة التي تتبعها من مدن وبلدات كثيرة، أو لنقل ما إستطعت الوصول إليه من دراسات وبحوث وكتب. وخلال قرأتي لها لاحظت
مدى سعي أصحابها أي تلك الدراسات والبحوث، وبذل جهد مضاعف لإعطاء المدينة صبغة عربية من خلال تلفيق معنآ أخر لإسم المدينة وتركيزهم على بشكل خاص، ولكنهم فشلوا فشلآ ذريعآ، وسنتحدث عن ذلك في المحور الخاص بتسمية المدينة ومعناها وأصلها، وبشكل مفصل وباللغتين الكردية والعربية.
وحاولوا جاهدين صنع تاريخ مزيف للمدينة والمنطقة المحيطة بها، من خلال مدخلين: الأول هو الوجود الإستعماري العربي الإستيطاني في منطقة “جزيره”. وللمعلومات أصل التسمية هي (جي – زيره) وقد شرحنا ذلك بشكل مستفيض في دراستنا عن مدينة “رقه” التاريخية الخورية – الميتانية.
المدخل الثاني، هو الإستيطان العربي السرطاني في المدينة الحالية نفسها. سوف نناقش كل ذلك في المحور الخاص بتاريخ المدينة والمنطقة التابعة لها، وخاصة المواقع الأثرية. إضافة إلى محور الوجود الكردي في المنطقة ومدينة “الهسكه”.
لأنه لا يمكن فصل تاريخ هذه المدينة عن تاريخ محيطها الجغرافي التي تنتمي إليه، ولا عن تاريخ المدن الأثرية الخورية – الميتانية الهيتية – الميدية والسوبارتية، وبالتالي عن تاريخ وجود الخوريين، الميتانيين، السوبارتيين، الگوتيين، الهيتيين والميديين في هذه المنطقة. علينا نحن الكرد أن لا نقع في فخ اولئك المزورين العرب المستعربة، الذين يسعون فصلهم المدينة عن محيطها. وهذا ينطبق أيضآ على بقية المدن التاريخية والأثرية الخورية، وهناك فارق كبير بين المصطلحين “مصطلح المدينة التاريخية”، و”مصطلح المدينة الأثرية”.
المدن التاريخية، نقصد بها المدن القديمة ولكنها مازالت حية بمعنى مسكونة، ولم تتحول إلى أثر مثل:
مدينة آمد، دمشق، هلچ (حلب). أما المدن الأثرية، هي تلك المدن القديمة، والتي تحولت إلى أثر ولم تعد مسكونة من قبل الناس، وكثيرآ ما تكون طمرت تحت التراب، ولا بد من إكتشافها أولآ أي إيجادها، ومن ثم التنقيب فيها وإخراج أثارها المطمورة ودراساتها، لمعرفة المزيد عن تاريخها وتقديم ذلك للجمهور.
إضافة لذلك يجب النظر في أسماء الأنهر والبحيرات والجبال المحيطة بالمدن الأثرية والبلدات وتدقيقها وعدم الإكتفاء بفترة زمنية محددة وقريبة، أثناء دراستنا لتاريخ مدينة ما من مدننا الكردية، لأن ذلك خطأ وعلينا تجنب ذلك.
مدينة الهسكه
ثانيآ، جغرافية مدينة هسكه:
تقع مدينة “الهسكه” التاريخية في غرب كردستان بمنطقة الجزيره الفراتية كما ذكرنا سابقآ، ولا تبعد كثيرآ عن مدينتي “نصبين” في شمال كردستان، ومنطقة “شنگال” بجنوب كردستان. ويبلغ مساحتها حوالي (32.334) كيلومتر مربع، ووصل عدد سكانها وفقا إحصاء عام 2020 إلى (1.300.000) مليون نسمة، جلهم من الكرد إضافة إلى وجود مهاجرين سرياني وحجهم صغير ومثلهم من المستوطنيين العرب، ووجود عدد صغير من الأرمن.
تمثل مدينة الهسكه مركز المحافظة، التي تحمل نفس الإسم وتنقسم إلى أربعة مناطق إدارية رئيسية، إضافة إلى (14) ناحية، ومن أهم مدنها: ديريك، قامشلو، الدرباسية، أمودا، سريه كانيه. وإلى الشمال الشرقي منها تقع مدينة “همو- گار” الأثرية المصنفة ضمن أقدم مدن العالم.
“گريه هموكار” أقدم مدينة أثرية تاريخية مكتشفة حتى الآن في العالم وعمرها يزيد على (7) آلاف سنة، أي (5) خمسة ألاف سنة قبل الميلاد، وهي واحدة من بين أقدم المدن الخورية المكتشفة ليومنا هذا. وتقع المدينة على الحدود السياسية المصطنعة مع جنوب كردستان، وهي قريبة جدآ من مدينة “شنگال” معقل الكرد اليزدانيين.
يخترق نهر الخابور مدينة الهسكه من الغرب بإتجاه الشرق بعد قطعه مسافة لا بأس بها تصل إلى حوالي (400) كيلومتر، وهو قادمٌ من شمال كردستان كالعديد من الأنهار لا بل مثل جميع الأنهار في كردستان.
بينما نهر “جقجق”، يقطع المدينة من الشمال نحو الجنوب، ويلتقي النهرين جنوب شرق المدينة، ويصبحان نهرآ واحدآ ويكملان طريقهما إلى أن يصبا في نهر “الفرات” عند مدينة أو بلدة “البصيرة” في الجنوب وذلك قبل مدينة “الميادين” الواقعة على نهر الفرات أي قبل الحدود السورية – العراقية بسمافة كبيرة. وترتفع المدينة نحو (300) ثلاثمائة متر عن سطح البحر، وتبعد عن مدينة دمشق حوالي (600) كليومتر، وعن مدينة هلچ أي (حلب) بنحو (400) كلم، وعن مدينة دير الزور (179) كلم.
تضاريس مدينة “الهسكه” (سرأرد) باللغة الكردية، هي بركانية مهلية بمعنى صهارية، وتتألف من فتات صخري بازلتي ومن بعض المخاريط البركانية الصغيرة، مثل جبل “كوكب” قرب الهسكه. ولولا ذلك لما كان ممكنآ بناء المدينة في الموقع أصلآ، لأن محافظة الهسكه معروفة بأراضيها الزراعية الخصبة. أما مناخها ذو طابع قاري متوسطي، صيفه طويلٌ وجاف، وهواؤها شبه مداري ساخن شحيح الرطوبة. أما شتاؤها بارد وقاري الطبع، وتفد على المحافظة الكتل الهوائية الباردة منطلقة من العروض المتوسطة بشكل أساسي، وأحياناً من القطبية بأنواعها الرطبة والجافة القارصة.
وفي فصل الصيف تهب رياح شمالية وشمالية شرقية شديدة الجفاف، قادمة من جبال كردستان ويطلق على تلك الرياح (رياح الفوهن) فتزداد مناطق الجزيره العليا حرارة وجفافاً، إلا أن لهذه الجبال دوراً محموداً شتاءً، فوجودها يسمح بدفع كتل الهواء الرطبة جنوباً باتجاه المحافظة، مما يزيد من نسبة هطول الأمطار شتاءً، وتساعد في الربيع على إرتفاع الكتل الهوائية الرطبة عالياً، فتهطل أمطار ربيعية تصاعدية، وهذا ما يساعد المحاصيل الزراعية البعلية في النمو بشكل جيد، إضافة لنمو الأعشاب في المراعي، التي يعتاش عليها المواشي.
مدينة الهسكه والمنطقة المحيطة بها، تخضع للتبدلات درجات الحرارة في كل فصل، ففي أشهر الشتاء، تكون معدل درجات الحرارة المتوسطة ما بين (6-8) درجات مئوية فوق الصفر، بينما في أشهر فصل الصيف معدلات درجات الحرارة ما بين (33-34) درجة مئوية وسطياً، والمتوسط الحراري السنوي يبلغ (17-18) درجة مئوية. وتعتبر محافظة الهسكه ورقه، من المدن الكردية الحارة في الصيف، مثلها مثل مدينة السليمانية.
أما نسبة الأمطار التي تهطل في المدينة والمنطقة المحيطة بها،، تتناقص كلما إتجهنا من الشمال نحو الجنوب، إذ يفوق نسبة الأمطار (600مم) في منطقة “أنديوار”، بينما في منقطة قامشلو تنخفض النسبة إلى حدود (450مم،) وفي مدينة الهسكه نفسها تصل إلى (280مم). وإلى الجنوب من جبل “كوجاكه” الذي عرب المحتلين العرب إسمه ولقبوه بجبل (عبد العزيز)، تهبط النسبة إلى (250مم).
المطلوب من الكرد عدم إستخدام تلك الأسماء الإستعمارية البغيضة، التي أطلقها المحتلين العرب، الفرس والأتراك على مدننا، وقرانا وجبالنا وبحيراتنا ووديننا وسهولنا. وعلى الإدارة الذاتية في غرب كردستان إعادة إطلاق الأسماء الكردية الأصيلة على مدننا وقرانا.
ومن الناحية الإدارية المحافظة تنقسم إلى أربعة منطاق إدارية و14 ناحية وهي:
1- منطقة الهسكه: ويتبعها النواحي التالية (تل تمر، الشدادي، مركدة، بئر الحلو).
2- منطقة القامشلو: ويتبعها النواحي التالية (گرهاميش، أمودا، تربيسية/ تربه سبي).
3- منطقة سريه كانيه: ويتبعها ناحية واحدة وهي (الدرباسية).
4- منطقة ديريك: ويتبعها ناحيتان هما (الجوادية، اليعربية) وهي أسماء عربية، ولم يتثنى الوقت للبحث عن أسمائها الأصلية الكردية.
مدخل مدينة الهسكه
وقبل الإنتقال إلى المحور الثالث من هذه الدراسة، وهو محور أثار مدينة الهسكه الأثرية القديمة والمواقع الأثرية، التي تضمها منطقة الهسكه، لا بد لنا من التوقف عند أسماء نهرين مهمين ومعانيهما، وهما سر وجود هذه المدينة الخورية التاريخية والحالية، هما نهري: “جقجق وخابور”. وسوف نتحدث بشيئ من التفصيل عن نهر خابور وجقجق ودورهما في حياة هذه المدينة وأهلها.
أولآ، نهر جقجق:
عندما لم يجد العرب المستعربة، فقاعة يستندون إليها لينسبوا التسمية لأنفسهم، فإحتار ماذا يفعلون، فأخذوا يلفون ويدورون حول أصل التسمية، وفي النهاية حرفوا التسمية وكتبوها على الشكل التالي
(جغجغ)، ومع ذلك لم يجدوا منفذآ للهروب منه، فإضطروا في النهاية القول: لا يُعرف من أين أتت التسمية، وربما جاءت من كلمة (جاغ-جاغ) التركية ومعناها الشبك!!! هؤلاء الكذابين ومزوري التاريخ لا يخجلون من أنفسهم نهائيآ، فيزرون كل شيئ. وممنوع عليهم النظر في اللغة الكردية القديمة والحديثة، والقول لربما كانت هذه التسمية كردية، فعلينا أن نأخذ برأي اللغويين الكرد وباحثيهم. لأن هذا محرم عند العربان والأتراك والفرس ويغتبر ومن أكبر الكبائر.
علمآ أن النهر ينبع من شمال كردستان، وكل سكانه من المنبع وحتى مصبه في نهر الفرات كلهم كرد.
ثانيآ، كلمة (چاغ) التركية، تعني الوقت ونحن الكرد أحيانآ نستخدمها إلى جانب المصطلح الكردي “دَم”، بحكم السيطرة العثمانية وإحتلالهم لكردستان. حتى في هذه النقطة، أي معنى كلمة (جاغ) التركية ساقوا الأكاذيب، مع العلم من السهل أخذ القامومس، والبحث عن معنى الكلمة والتأكد منها. ولكنهم لم يفعلوا ذلك.
هذا النهر له إسمان إسم تاريخي هو: “هرماس”، وتسمية حديثة هي “جقجق” وكلا التسميتين كرديتين، وفي الحال سوف نشرح لكم، لماذا وكيف ذلك وباللغتين الكردية والعربية؟؟ ويبلغ طول طول نهر “هرماس” من منبعه في شمال كردستان، وحتى مصبه في نهر الخابور (124) كيلومتراً، منها مائة كيلومتر داخل أراضي غرب كردستان، حيث كانت تسقي مياهه أكثر من (50) خمسين ألفاً دونم من الأراضي الزراعية،، وقد عرف النهر في العهد الروماني باسم “ميكدونيوس”، أما الكرد كانوا قبل ذلك يسمونه “هرماس”، ولمن لا يعرف يقسم هذا النهر مدينة “قامشلو” إلى شطرين غربي وشرقي. وقبل شرح التسميتين (هرماس وجقجق) لا بد من ملاحظة هنا وهي:
“لا يمكن الوصول لأصل المصطلحات والأسماء من دون الإعتماد على “علِم إصول الكلمات”، وهو علم يبحث عن العلاقات التي تربط كلمة بوحدة قديمة جدآ تعد هي الأصل. بكلام أخر، هو البحث عن المعنى الأصلي والأولي للكلمة، وهي عملية لسانية تعتمد المقارنة بين الصيغ والدلالات لتمييز الأصول والفروع. ومن ناحية أخرى هي عملية تاريخية حضارية، لأنها تستعين بدراسة المجتمعات والمؤسسات وسائر العلوم والفنون للبت في القضايا اللسانية، بالإضافة إلى مقارنة الألسن لمعرفة أنسابها وأنماطها. لأن اللسان الذي يكون فرعآ تكون ألفاظه فروعآ أيضآ. يكون التأثيل بدراسة الأصل التاريخي للكلمات، ويعتمد في ذلك على تتبع تطور الكلمة من خلال الوثائق والمخطوطات، وأحيانآ تاريخ المجموعات البشرية الناطقة بهذه الكلمات، وبالكردية نسمي هذا العلم (پيڤسازي) وبالإنكليزية (إيتيمولوجي)”.
تسمية “هرماس”، مصطلح كردي مركب من كلمتين، الأولى (هري) تعني كل في حالتنا هذه، والثانية (ماسي) وتعني السمك. وبالتالي التسمية كلها تعني نهر الأسماك. أي بمعنى كله سمك أو مليئ بالأسماك.
وهنا الحديث يدور عن ألاف السنيين قبل الميلاد، لأنه قد يقول أحدكم ولكن لا توجد فيه أسماك كثيرة الأن، ولهذا وجب التوضيح.
وتسمية “جقجق” مفردة كردية مكررة وأصلها (جقا-جق)، وهذه القاعدة اللغوية قديمة في اللغة الكردية وتعود لأيام الخوريين والسومريين أسلاف الكرد، والهدف منها هو تعظيم الشيئ أو التأكيد عليه. وهناك كلمات عديدة تكتب مرتين وراء بعضهم ولكن يفصلهما شحطة، وتستخدم هذه الكلمات بشكل كبير جدآ بين الكرد، كونها جزء من اللغة الكردية لليوم وإليكم بعض الأمثلة على ذلك:
“گر-گر، پتا-بپ، خم-خم، هيلا-هيل، ڤيقا-فيق، چقا-چق، تبا-تب، كوت-كوت، چلق-چلق، رقا-رق، ….. إلخ”.
وتسمية “چقا-چق” تعني صوت الماء عند الإصدام بالشاطى أو الأجسام الصلبة، كالأحجار الملاصقة للمياة على طول الشاطئ.
نهر هرماس (جقجق)
ثانيآ، نهر خابور ومعنى إسمه:
يبلغ طول نهر الخابور حوالي (320) كيلومتر، وينبع من شمال كردستان ثم يتجه جنوبآ وهو يتعرج يمنة ويسارآ، نحو نهر الفرات الكردي ويمر بسريه كانية، ويندمج جنوب شرق مدينة “الهسكه” مع نهر “هرماس”، ثم يصبا في نهر الفرات قرب الميادين التابعة لمدينة “دير الزور” وبني عليه سد تجميعي في منطقة الشدادي جنوب الهسكه.
تبلغ مساحة وادي نهر “الخابور” ما يقارب (4) أربعة ملايين فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، ويعتبر سلة الحنطة الحقيقة لكل غرب كردستان أي (سوريا المفيدة)، ولم يتأثر نهر الخابور مباشرة بالمشاريع التي أقام الأتراك في شمال كردستان، تأثيرآ مباشرآ بعكس نهر الفرات. ويعد من أهم روافد الفرات، وهو أحد الرافدين اليساريين للفرات (الخابور والبليخ). ويكاد يشكل منطقة إتصال بين الجزيره العليا والجزيره السفلى. ويمكن تقسيم نهر الخابور إلى ثلاثة قطاعات:
القطاع الأعلى:
يمتد هذا القطاع من منابعه وحتى إلى دخوله مدينة الهسكه، بطول (110) كيلو متر تقريباً، وفيه يأخذ النهر في مجراه وجهة شمالية غربية – جنوبية شرقية، ويتلقى في هذا القطاع مع مياه رافدين يساريين، أولهما نهر “جرجب” الذي ينبع من شمال كردستان، ويصب في الخابور عند قرية السفح، وثانيهما نهر “الزركان” الذي ينبع أيضاً من شمال كردستان، ويصب في الخابور عند الطرف الجنوبي من بلدة “تل تمر”.
القطاع الأوسط:
يمتد بين مدينة الهسكه وبلدة “الصور” بطول يصل نحو (230 كم)، بوجهة شمالية – جنوبية، وبتعرجات كثيرة، بعضها كبيرة كالمنعطف بين مرقدة والشدادة، وبعضها صغير تعتبر أكواع نهرية، ويقطع هذا القطاع من جانبيه الشرقي والغربي بعض الأودية السيلية.
القطاع الأسفل:
يمتد من بلدة “الصور” وحتى مصب النهر عند مدينة “الميادين” في نهر الفرات، وتحديدآ عند بلدة “البصيرة” بعد أن يقطع مسافة (100 كم) تقريباً.
الكتاب العرب المستعربة، عندما لم يجدوا شيئآ يستندوا إليه، لي نسب إسم النهر والمنطقة لأنفسهم، لجأوا إلى تسويق أكاذيب لا أساس لها منها:
أولآ: “أصل تسمية الخابور هو صيغة اسم فاعل (علم النحو) مشتقة من الجذر اللغوي خبر، وهو يعني باللغة السريانية حفر – ثقب -عمق وبالتالي يكون اسم الخابور، الحافر المعمق في الأرض، وذلك لقوة جريانه في الأزمنة السابقة قبل جفافه”.
ثانيآ: الذين تبنوا هذا الرأي، في المقام الأول، هم جوقة من المزورين الذين يسمون أنفسهم (أشوريين) وقالوا ما يلي: “الخابور باللغة الآرامية معناه رفيق الأرض. (خا تعني رفيق. وبور، تعني الأرض التي لم تفلح). والخابور فاعول من أرض خبرة وخبراء، وهو القاع الذي ينبت السدر أو من الخبار. وهو الأرض الرخوة ذات الحجارة. وقيل فاعول من خبرات الأرض إذا حرثتها”.
هنا لا بد لي من تدوين ملاحظتين أساسيتين، قبل أن أتحدث عن معنى تسمية “الخابور” وأصلها:
الملاحظة الأولى:
عادة كل تسميات الأنهر في كل مناطق العالم، يطلقها عليها سكان منبع النهر وليس العكس، كما يحاول هؤلاء المدلسين أن يعكسوا الأية. فنهر الخابور موجود في هذه المنطقة قبل قدوم المحتلين الأشوريين والبابليين والأموريين والكنعانيين واليهود والرومان والعرب المسلمين، بألاف السنين قبل الميلاد، عندما كان يعيش في هذه المنطقة الشعب الخوري وحده فقط ولألاف السنين، وبنى العشرات المدن التاريخية فيها مثل مدينة: (هموكار، أوركيش، گوزانه، واشوكاني، رقه، شاديكاني، …. إلخ).
فلا يعقل أن الخوريين أطلقوا تسميات على جميع الأنهر التي تنبع من أراضيهم، وتركوا هذا النهر بلا إسم!! حتى يأتي محتلين إستيطانيين ليطلقوا تسمية ما على النهر الذي كانوا يعيشون على ضفافه لألاف السنين.
الملاحظة الثانية:
هو قول هؤلاء المزورين، أن كلمة “بور”، كلمة أرامية وهذا غير صحيح على الإطلاق، وذلك لسببين
هما: السبب الأول، وهي الزراعة إكتشفت من قبل الشعب الخوري سلف الشعب الكردي، في مدينة نوزي، التي تقع إلى القرب من مدينة “كركوك” الكردية بجنوب كردستان. السبب الثاني، أن كلمة بور موجودة في كل اللغات الهندو- إيرانية، ولغة الشعب الكردي ضمنآ، كةنها تنتمي لنفس المجموعة.
موقع نهر الخابور
إن تسمية “خابور” لا علاقة لها برفقة التربة أو الأرض، لأنه في النهاية كل الأنهر على وجه الأرض رفيقة التراب والأرض بحكم جريانها عليها وفيها بأعماق وأطوال مختلفة. ومن هنا هذا التفسير الساذج لا معنى له، ولا يعتمد على “علم إصول الكلمات”، ولا على أي منطق علمي، ولا مقارنة بين الألفاظ، حاله حال التفسير الأخر، الذي فسر معنى التسمية على أنها تعني العمق!! كيف يمكن لشخص يطلق على نفسه صفة (الباحث أو الكاتب أو المؤرخ)، ويتفوه بمثل هذه السخافات والكلام السطحي؟؟؟ أين الشرح اللغوي والعلمي والمقارنات بين المصطلحات؟؟
في الحقيقة كل ذلك لا علاقة له بمعنى تسمية “خابور” ولا أصلها اللغوي، وإليكم تفسيرنا كباحث كردي نعتمد منهج متفق عليه عالميآ ويطلق عليه تسمية “علم إصول الكلمات”، ولا سبيل لنا سوى ذلك، لمعرفة حقيقة هذه التسمية أو غيرها من التسميات والكلمات ومعانيها الأصلية الأولى.
إن تسمية “خابور” تسمية كردية مركبة من لفظتين، الأولى (أخا) وتعني الأرض. والثانية (بور) وتعني الأرض البكر، بمعنى أرض غير مزروعة. أعلم أن بعض الإخوة الكرد يطلقون عليه نهر الشمس أي نهر الإله، ولكن هذا التحليل غير صحيح ولا يعتمد على علم ومنطق. وكي يتلائم اللفظ مع النطق العربي، قام العرب بإحلال الحرف العربي (و) محل حرف الكردي (أو) الغير موجود باللغة العربية، وهذا أمر طبيعي كون المفردة غير عربية، وبالتالي التسمية كلها تعني (الأرض البور)، كون النهر كان يجري في أراضي غير مزروعة حينذاك، وحرف (أ) سقط مع الزمن وأصبحت التسمية خابور.[1]