بيار روباري
أحد المواقع الأثرية بمنطقة الهسكه
ثالثآ، أثار مدينة الهسكه:
بداية مدينة “هسكه”، التي نتحدث عنها ليست المدينة الحالية التي بُنيت في مطلع القرن العشرين، والتي لا يزيد عمرها عن 130 عامآ. وإنما نتحدث عن المدينة الأثرية التي دفنت تحت الكنائس للأسف وثكنات الجيش العثماني الشيطاني، وأطلق بعض المؤرخين العرب تسمية “النهرين أو النهارين” على المدينة القديمة أي نهري (هرماس وخابور). أنا أخالف أراء هؤلاء الكتاب والمؤرخين، وأعتبر تلك التسمية من إختراعهم هم، وإسم المدينة الأثرية التي كانت في الموقع كانت تحمل نفس الإسم “الهسكه”، وهي تسمية كردية أصيلة، و(ال) التعريف هي إضافة عربية للإسم الحقيقي، مع تبديل حرف (الهاء) بحرف (الحاء) وإضافة حرف (التاء) لنهاية التسمية، وهي غير موجودة في اللغة الكردية. وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل في المحور الخاص بتسمية المدينة ومعناها وأصلها اللغوي.
خلال الفترة بين الأعوام (2007 – 2008) إكتشف علماء الآثار في وسط مدينة الهسكه قلعة مطمورة تبلغ مساحتها حوالي (2.5) هكتار يعود تاريخها حسب الباحثين المختصين، إلى الفترة الواقعة ما بين الألف الثالث والرابع قبل الميلاد، أي الفترة الخورية وتضم عدة طبقات وتحتوي على مستوطنات عدة
تعود للعهد الميتاني والهيتي والسوبارتي. وهذا يؤكد بشكل لا يدعوا للشك بأن المدينة الحالية بُنيت عل
أنقاض مدينة “هسكه” القديمة، وإسمها الحالي مستمد من المدينة القديمة، ولا شك أن الذين قاموا ببنائها هم الخوريين أسلاف الشعب الكردي.
لا شك أن هذه القلعة بحاجة إلى عمليات تنقيب دقيقة وشاملة لإلقاء الضوء على مكامنها، وإكتشاف جميع
أثارها، إضافة التلال التي أقميت عليها الكنيسة #السريانية# و#الكلدانية# الشيطانيتين، وتلة الثكنسة العثمانية ودراستهم وفحصهم بإسهاب من قبل المختصين الأثاريين، كي نتعرف على تاريخها عن قرب وماضيها البعيد، وما عاشته المدينة من أحداث وحروب وكوارث طبيعية، ونمط حياة سكانها الأصليين ومعتقداتهم وطقوسهم الدينية، وفنونهم والمستوى الحضاري الذي وصلوا إليه، وعلاقتهم بالمدن المجاورة. إن منطقة “الهسكه”، تحتوي على العديد من المدن الأثرية المهمة وهي بالعشرات، والبعض منها تندرج ضمن أقدم الحواضر البشرية مثل:
گوزانه:
تقع جنوبي مدينة “سريه كانيه”، وأظهرت التنقيبات فيها طبقات حضارية ومنحوتات بازلتية كانت تزين جدران مبانى المعبد والقصر، كما عثر على لقى فخارية ومجموعات من الخزف الملون، التي تعود إلى الالفين الرابع والخامس قبل الميلاد.
گريه هموكار:
تقع المدينة على الحدود السياسية المصطنعة مع جنوب كردستان، وهي قريبة جدآ من مدينة “شنگال” معقل الكرد اليزدانيين. أقدم مدينة أثرية تاريخية مكتشفة حتى الآن في العالم، عمرها يزيد على (7) آلاف سنة، أي (5) خمسة ألاف سنة قبل الميلاد، وهي واحدة من بين أقدم المدن الخورية المكتشفة ليومنا هذا.
شادي كانى:
تقع جنوب مدينة الهسكه، وكانت تعد واحدة من أهم مدن حوض الخابور.
شاغر بازار:
تقع شمال مدينة الهسكه، وقد أظهرت الإكتشافات خمس عشرة طبقة حضارية متعاقبة، ومن أهم ما عثر عليه فيها، هو رقم طينية هامة في تاريخ الشرق القديم وحضاراته.
ناجار (براك):
تقع غربي نهر (هرماس) أحد روافد الخابور، وعلى بعد 42 كم من مدينة الهسكه، وأظهرت الحفريات ست طبقات حضارية متعاقبة وأبنية مثل معبد العيون قصر الملك “نارام سين” كما أظهرت لقى فخارية وتماثيل وأختاما أسطوانية ذات دلالات أسطورية.
ليلان:
تقع جنوب مدينة قامشلو على مسافة 25 كم، في منطقة مثلث الخابور، وقد أظهرت التنقيبات الاثرية طبقات حضارية تعود إلى الالف السادس قبل الميلاد، وسور المدينة والمعبد والقصر، ورقماً طينية وأختام أسطوانية وأثارا فخارية مختلفة.
گريه موزان:
يقع بين مدينتى عامودا وقامشلو، وقد أظهرت التنقيابات أسوار مدينة، من أهم مدن حوض الخابور في بداية الالف الثانى قبل الميلاد. كما أظهر أطلال مبنى حجري وطبعات أختام واثاراً متنوعة هامة.
گريه الخويرة:
تقع بين مدينتي سريه كانية وگريه سپي، وأظهرت التنقيبات الأثرية فيها عن مبنى معبد حجري ومنشآت معمارية، ومكتشفات فخارية وعظمية ومعدنية، ومن بين أهم المكتشفات الفأس الاكادية.
گريه اوبيض:
تقع على مسافة 12كم جنوب مدينة الهسكه، على الضفة اليمنى لنهر الخابور، وقد أبرزت التنقيبات بقايا قصر ملكي يعود إلى العصر الآشورى الحديث 800 قبل الميلاد، ويتالف من 45 غرفة ومعبدين وثلاثة أجنحة، عثر فيها على تنانير ومخازن للحبوب وأحواض وحمامات.
موقع مدينة “هموكار”
گريه بيدره:
مدينة أثرية تبلغ مساحتها أكثر من 25 هكتار، وتقع على بعد 35 كم من مدينة الهسكه، على الطريق بين مدينة الهسكه والدرباسية.
گريه أحمدى:
تقع شرق طريق قامشلو الهسكه، ويبعد عن قامشلوا باتجاه الجنوب نحو 20 كم، وقد أظهرت التنقيبات دورآ، تعود إلى العهد الميتاني الكردي، وفخاريات متنوعة تعود إلى العهد البيزنطي.
رابعآ، تاريخ مدينة الهسكه:
بداية، المدينة التي نتحدث كما ذكرنا سابقآ مطمورة تحت كنائس المهاجرين السريان والكلدان وهم ليسوا من أهل المدينة، وشرحنا كيف قدموا إلى هذه الديار ولماذا. إضافة إلى ذلك تلك الثكنات العسكرية التي بناها المحتلين العثمانيين المجرمين، وكلهم بنوا أبنيتهم على التلال القديمة للمدينة الأثرية. وذلك لسببين: الأول، عدم الوعي بأهمية تلك الأثار، والثاني، عمدآ حيث أن المسيحيين بنوا كنائسهم على أنقاض المعبد اليزداني الخاص بالمدينة القديمة، حيث اليوم الكنيسة السريانية المقيتة، وكان يسمى بمعبد “شمش” أي معبد إله الشمس. وحتى مفردة الشمس أخذها اليهود والعرب عن الكردية السومرية، ولهذا تجد لليوم كل أسماء الأيام بالكردية مأخوذة عن هذا الإله (شمش ). وهو أهم إله لدى الشعب الخوري -الكردي، ومن هنا كان للشمس مكانة مرموقة ومركزية في معتقدات الكرد الخوريين، ومن أتى من بعدهم من الكرد، ولليوم الشمس تعني الكثير للكرد وبدليل وجود رمز الشمس على العلم الكردي وعلى أبواب كافة المعابد اليزدانية الكردية القديمة بما فيهم معبد “لالش” بجنوب كردستان. وهذا ليس أول معبد يزداني – خوري حوله المسيحيين الأشرار إلى كنائس، والمجرمين المسلمين أخذوا هذا العادة الشنيعة والفعل الإجرامي عن المسيحيين واليهود، ومارسوه بأبشع صور.
ثانيآ، لا يمكن فصل تاريخ مدينة الهسكه عن تاريخ المنطقة التي تقع فيها، ولا تاريخ منطقة الجزيره عن مدينة الهسكه وبقيت المدن الخورية، السوبارية، الميتانية، الهيتية والميدية في هذه المنطقة. فإذا نظرنا في تاريخ تلك المدن التاريخية والأثرية التي تعج محافظة الهسكه بها، سيتضح لنا على الفور وبشكل جلي هوية سكانها الأصليين القومية، وبالتالي هوية المنطقة معها، وفي مقدمة هذه المدن تأتي المدن الأثرية التالية:
1- مدينة أوركيش: عاصمة الدولة الخورية والتي يعود تاريخها إلى أكثر من (4000) أربعة ألاف قبل الميلاد.
2- واشوكاني: عاصمة الدولة الميتانية، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من (3000) ثلاثة ألاف عام قبل الميلاد.
3- گريه هموكار: وهي أقدم مدينة إكتشفت لليوم، ويعود تاريخها إلى (5000) خمسة ألاف سنة قبل الميلاد.
ومما تقدم، يتضح لنا وبشل جلي هوية مدينة الهسكه وكل منطقة الجزيره الفراتية، والتي شرحنا معنى تسميتها بالتفصيل في الدراسة السابقة، التي تناولن فيها هوية وتاريخ مدينة “رقه”، وأثبتنا بالدلائل التاريخية واللغوية أنها كردية، والتي تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الهسكه على نهر الفرات.
إن المنطقة بكاملها ومعها كل سوريا الحالية المفيدة بما فيه شمالي لبنان، والعراق ضمنآ وتركيا الحالية كانت وطن الخوريين أسلاف الميتانيين والسومريين والإيلاميين والهيتيين والسوباريين والكاشيين والميديين والكرد الحاليين. وبدليل تلك المدن التاريخية والأثرية التي خلفها أسلاف الكرد في هذه المنطقة والتي جئنا على ذكرها قبل قليل، وتصل إلى مئة المدن.
والوجود السامي بمختلف مسمياته حديث العهد مقارنة بالوجود الكردي، ثم أن الكرد وأسلافهم هم من أبناء هذه الأرض، بينما (الأموريين، الأشوريين، البابليين، الكنعانيين والأرمن، والعرب والعثمانيين) وافدين ومحتلين وليسوا من أبناء المنطقة، حالهم الرومان والبيزنطيين والتتار والمغول وحتى الفرس.
ولهذا، أي حديث أو إشارة إلى عروبة المدينة أو غيرها من الهويات، محض كذبٍ، وتزوير للحقائق التاريخية، وعملية تدليس لا تنطلي على أحد، وخاصة على أبناء الشعب الكردي صاحب الأرض والتاريخ.
ثم إن الغزو العربي الإسلامي البربري لوطن الخوريين معروف تاريخه، وأسماء قادته العسكريين الهمج ولا يزيد وجودهم في بلاد الكرد على 1400 عام، بينما الكرد يعيشون في هذه المنطقة ووفق كل أكثرية الدراسات منذ (6000) عام على أقل تقدير، وهذا بشهادة الأثار واللقى والرقم والكتابات المختلفة، التي إكتشفت في المدن الأثرية المختلفة، التي جئنا على ذكر أسماء بعضها أنفآ.
ولهذا كل ما ذكره المزور والمدلس “الشيخ نصرالدين زيفه”: في كتابه (اللؤلؤ المنثور في شرح غامض الدستور)، أكاذيب ورويات إختلقها من عنده عندما قال: “الجزيرة ديار بني ربيعة. وأن الجزيرة تُعرف بجزيرة (أثور) لمدينة كانت بها تسمى بهذا الاسم. أثارها باقية قريباً من الموصل، وإليها يُنسب الملوك الأثوريون من الجرمقه، ملوك الجزيرة والموصل”.
وهذا ليس المدلس والمزور الوحيد للتاريخ، هناك مزورين عربان كثر ومنهم “محمد جمال باروت”، الذي يعمل لدي “عزمي بشارة” وكيل دويلة قطر، أصدر كتابآ بعنوان: (التكّون التاريخي الحديث للجزيرة السورية)، والكتاب أصدره مركز بشارة عام 2016. لا أدري متى كان في التاريخ بلد إسمه (سوريا) كي يكون له جزيره، والكتاب مليئ بالأكاذيب والخزعبلات. الهدف الوحيد لتدوين هذا الكتاب هو القول أن منطقة الجزيره الفراتية (عربية)، والكرد مهاجرين إليها، وبالتالي لا يحق لهم المطالبة بحقوق قومية في سوريا. أي تشويه القضية الكردية، كقضية كشعب يعيش على أرضه، ووضعها في قالب إنساني، ويطلق على الكرد صفة اللاجئين. هذه العنصرية المقيتة برزت بشكل فاقع عند النظام
الأسدي الإجرامي، والمعارضة القومجية والإسلامية واليسارية على حدٍ سواء، مع بروز القضية الكردية
إلى سطح الأحداث في سوريا، وتحولها إلى قضية وطنية سورية وإقليمية، وبناء الكرد إدارة خاصة بهم في مناطقهم. لهذا وجدناهم على الفور توحدوا ضد الكرد معارضة ونظام، حالهم في ذلك حال الأتراك، يختلفون على كل شيئ وعندما يأتي الحديث عن الكرد، على الفور يتوحدون وينكرون بصوت واحد وجود الشعب الكردي.
وتأكيدآ لم قلناه أنفآ حول كذب هؤلاء المدلسين، إنظروا فيما ما جاء في المجلد الثالث، الصفحة (429) من كتاب “تاريخ الطبري” حيث كتب ما يلي: “يذكر المؤرخون أن الخليفة “عثمان بن عفان” أمر معاوية بن أبي سفيان بإسكان بني ربيعة في الجزيرة فعُرفتْ باسم ديار ربيعة، وهكذا بالنسبة لديار بكر، وفي العهد الأموي كان التغالبة يعيشون حياة البداوة بين الحيرة جنوباً ومنبج في الشمال الغربي وبين جزيرة ابن عمر وفي عام 689م. انحسرت إقامتهم كما يقول: ابن الأثير الجزري بين الخابور ودجلة والفرات. ويقول ابن الفقيه في القرن التاسع الميلادي تخص الجزيرة التغالبة، وجاء في كتاب (تكريت) لمؤلفه “سهيل قاشا” أنهم كانوا في منطقة سنجار ونصيبين، وقد جاء في كتاب الخراج لقدامة بن جعفر. أن العراق في العصر البويهي كان ينقسم إلى إقليمين كبيرين هما: العراق، الجزيرة.
إضافة لما ذكره الطبري، وما قاله الكاتب العراقي “حسن العلوي” في لقاء تلفزيوني عن وجود الكرد في العراق، إستمعوا للمؤرخ التركي المعروف ذو الأصول العربية وإسمه البرفسور:”أحمد أغُير أجقه” وهو مؤسس ومستشار التعليمي “لأكاديمية اسطنبول” لتعليم اللغات، وينتمي للتيار الإسلامي الإخواني. حيث قال في لقاء تلفزيوني ضمن برنامج يحمل إسم “ذاكرة إسطنبول” ما يلي:
“العرب في تركيا الحالية، هاجر قسم منهم قبل الإسلام وهم بني هلال، والهجرة الثانية كانت في عهد عمر بن الخطاب، والموجة الثالثة كانت في عهد عثمان بن عفان، والموجة الرابعة قدمت للمنطقة في عهد معاوية أي الدولة الإموية. وسميت مدن المنطقة بأسماء القبائل العربية التي نزلت فيها، فمثلآ “آمد”
سميت بديار بكر لأن قبيلة بكر نزلت فيها، الذي دخلها أبو موسى الأشعاري وخالد بن الوليد وفتحوها.
بينما الموجة الخامسة قدمت في عهد الدولة العباسية وسكنوا في مدينة “تلو”، بينما الموجة السادسة قدمت عهد السلطان “مراد الرابع” وجلب معه عشرة عشائر من بغداد وزرعهم في الطريق بعدد من المناطق (الكردية) منها منطقة الموصل، ماردين، وديار بكر، وذلك في عام 1640 ميلادية، بعد إسترداده مدينة بغداد من يد الصفويين الإيرانيين”.
وبخصوص التركمان القاطنيين شمال سوريا والعراق أي غرب وجنوب كردستان وتحديدآ حوالي حلب وكركوك يقول المؤرخ “أحمد أغُير أجقه” ما يلي:
“هؤلاء هاجروا من أسيا الوسطى أمام الزحف المغولي، وسكنوا هذه البلاد ومازالوا يعيشون فيها للأن ويحافظون على لغتهم التركية. مثلما العرب هاجروا من ديارهم إلى الأناضول وسكنوا فيها وحافظوا على لغتهم العربية. ثم يطرح السؤال التالي هو على نفسه: من أين أتى الأتراك السوريين؟؟ وهذه حقيقة تاريخية يجب أن يعلمها الجميع ويتعلموا منها، ويجيب على سؤاله قائلآ: قدم هؤلاء الأتراك في العام (1040) ميلادي من الشرق إلى أمام الزحف المغولي- التتري، وسكنوا شرق الأناضول وشمال سوريا والعراق. هؤلاء مهاجرين وليسوا فاتحين ولا شيئ”.
وللحقيقة أنه الشخص العربي والإسلامي الأول، الذي يصدق وينطق بالحق، ويميز صراحة بين الغزو العربي الإسلامي الإستيطاني والعثماني من جه، وبين الهروب التركماني أمام البطش المغولي والتتري وفرارهم إلى كردستان كمهاجرين باحثين عن الأمان.
ولكن مأخذي على البرفسور هو في نقطتين هما:
النقطة الأولى: أنه لم يخبرنا من كان يسكن هذه الأرض قبل الغزو العربي الإسلامي والعثماني لها!!!!
أي بمعنى من هم أصحاب الأرض الأصليين، إنصافآ للحقيقة والتاريخ؟؟ لربما لم يتحدث عن ذلك كون المحاورة لم تسأله عن ذلك، ولهذا لا يمكنني تحميله مسؤولية عدم الحديث عن هذه النقطة.
النقطة الثانية: أنه لم يدين الإستيطان العربي والتركي لأراضي الكرد، وكأنه يبارك هذا العمل الإحتلالي الإجرامي.
لكن أحييه على جرأته وإنصافه وقول الحقيقة فيما يتعلق بالوجود العربي والتركي في هذه المنطقة، وهي موطن الشعب الكردي أي كردستان. ومقابلاته تستحق المشاهدة والرابط موجود ضمن قائمة المراجع والمصادر.
نحن الكرد من دون شهادة الطبري، والبرفسور أحمد أغُير أجقه، والكاتب حسن العلوي، نعلم بتواريخ الإستيطاني العربي والعثماني السرطاني في بلادنا، ولدينا الوثائق والدلائل الملموسة، سواءً تعلق الأمر بمدن غرب كردستان أو جنوبها أو شمالها، ولا يمكن أن يخدعنا العرب والعثمانيين القتلة واللصوص بأكاذيبهم.
ومما تقدم ندرك مدى قدم هذه المدينة الخورية، والتي يعود تاريخها إلى (3000) الألف الثالث قبل الميلاد، أي قبل بزوغ فجر الدولة الميتانية الكردية بحوالي الف عام وأكثر. وبالطبع العربان المحتلين لأرض كردستان، لن يتحدثوا عن ذاك التاريخ، لأنهم يعلمون حق العلم، أن ذلك ليس في صالحهم بالمطلق، ولهذا تجدهم يركزون على المدينة الحديث، ويتهربون من الكتابة عن المدينة الأثرية نهائيآ. ويجاريهم في ذلك بعض الذين يسمون أنفسهم أشوريين الدواعش.
نهر الخابور
والمدينة الحديثة الحالية بُنيت على أنقاض المدينة الأثرية، التي كانت تحمل نفس التسمية، وخير دليل على ذلك، كما ذكرنا سابقآ، بأن التلة التي بنى عليها المحتلين العثمانيين ثكنتهم العسكرية عام 1907، هي في الأصل قصر الملك أو الحاكم الخوري، الذي كان يحكم المدينة وما حولها. والتلة الثانية التي بنى عليها السريان كنيستهم القذرة، والتي تسمى بكنيسة العذراء للسريان الكاثوليك التي تقع إلى الشمال الغربي قليلاً من كراج الانطلاق القديم (كراج بيت آدمو). وهذه التلة في الأصل هي معبد يزداني وكان يسمى معبد “شمش”. بينما الكلدان بنوا كنيستهم المشؤومة على تلة كانت في الأساس عن بيوت لعامة الناس من أهل المدينة من الخوريين، أسلاف الشعب الكردي وبعض الباحثين يقولون العكس هو الصحيح.
والمقبرة الخاصة بأهل المدينة الأثرية من الخوريين، تقع تحت بناية البلدية الحديثة، وسوق الصاغة الذي يمتد جنوباً إلى ما قبل سينما “دمشق”. وهكذا أضاعوا هؤلاء المحتلين والمستوطنيين الأشرار، تاريخ مدينة الهسكه وأثارها القديمة، وطمروها تحت أبنيتهم. وعلى الكرد هدم هذه الكنائس المشؤومة والثكنة العثماني والتنقيب في هذه التلال، ومنح قطعتين من الأرض للسريان والكلدان، الذين يقطنون المدينة كي يبنون كنائس جديدة لهم في مكان أخر. ويجب أن يكون الطاقم الأثري واللغوي الذي سينقب في الموقع من الكرد فقط، حتى نتأكد بأنفسنا من تاريخ مدينتنا وندرسها بإمعان، وندون تاريخنا بأيدينا، ولا نعطي المجال للأخرين التلاعب بتاريخنا كما يشاؤون.
والأمر الأخر الذي دفع الكرد في بناء المدينة في ذات الموقع، هو موقعها الجغرافي وخاصة يقع بين نقطة إلتقاء نهري (هرماس والخابور)، وذلك يعني توفر المياهء بوفرة والماء هي الحياة، هذا إلى جانب خصوبة الأراضي في المنطقة. وإسم المدينة له علاقة مباسرة مع الموقع الجغرافي لها، وسنفصل ذلك في محور خاص بتسمية المدينة.
أما القول أن “الهسكه” مدينة أشوريه وإسمها التاريخي كان (مكريزي) وكانت منتجعاً للملك الآشوري تيكولتي نينورتا الأول، وثم قولهم أنهم لا يعرفون معنى تسمية (مكريزي)، هذا وحده يفضح كذب هؤلاء البشر، ويوضح مدى تدليسهم وعهرهم. إذآ كنتم لا تعرفون معنى تسمية (مكريزي)، فعلى أي أساس حددتم أنها مدينة أشورية في هذه الحالة أيها المزورون والنصابون؟؟
الوجود المسيحي في وطن الخوريين الكرد، جاء نتيجة للإحتلال الروماني والبيزنطي، وهذا لا يعني أن الكرد الذين إعتنقوا المسيحية لم يبقوا كردآ هذا مجرد هراء، فأبناء الشعب الكردي يعتنقون أديان عديدة مثل: “اليزدانية، الزاردشتية، اليهودية، المسيحية والإسلام”، ولكن في النهاية كلهم كرد بغض النظر عن دينهم ومذهبهم. فمن قال مسيحي المنطقة كانوا من غير الكرد؟؟؟ هل أتى الرومان والبيزنطيين بشعب أخر ونصروه؟؟
أما تاريخ مدينة “الهسكه” الحالية يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر (1890م)، ومن ثم توسعت البلدة بشكل تدريجي، بعدما هجر إليها بعض المهاجرين السريان وسكنوا فيها، وعند تأسيسها لم يكن للعرب أي وجود فيها على الإطلاق. وشهدت البلدة هجرة أخرى بعد الحرب العالمية الأولى، وخاصة من الأرمن والسريان وبعض الكلدان، جراء حرب “سفر برلك” عام 1915 ميلادية التي خاضتها الدولة العثمانية مع المانيا ضد دول الحلفاء. ولقد شهدت جميع المدن الكردية في منطقة الجزيره، هجرات مشابهة بسبب الحرب والمجاعة، وعمليات القتل والتهجير، وليس فقط مدينة الهسكه، التي كانت حديثة العهد.
في البداية جعلت السلطات العثمانية من البلدة ما يشبه ثكنة عسكرية، لاهمية موقعها الاستراتيجي، ولهذا بنت مركزآ لفرقة عسكرية وذلك عام 1907 ميلادية، وكانت تُعرف بفرقة “البغالة” بدلآ من الخيالة، لأنهم كانوا يستخدمون البغال في التنقل بدلآ من الخيول، وكان ذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
وبسبب الهجرات المتلاحقة التي إستمرت لعدة سنوات وأكثريتهم لا بل كلهم كانوا من (السريان، الأرمن، والكلدان)، كلهم من أتباع الديانة المسيحية، فقد جرى تغير في الديمغرافية المدينة الكردية في بداية عشرينيات القرن الماضي، وأصبحت الكفة تميل للمهاجرين على حساب الكرد أصحاب المدينة. وفي وقت لاحق متأخر، وفد العرب البدو إلى أطراف المدينة مع مواشيهم، ومع تطور المدينة والخدمات فيها وفد إليها بعض الكرد المقيمن في الريف القريب التابع لها. ومع الوقت وفد إليها العرب البدوا وسكنوها أيضآ، وتحديدآ من البادية ومناطق دير الزور للعيش فيها.
وبعد إحتلال فرنسا لما إصطلح عليه إسم (سوريا)، توجه الجيش الفرنسي في شهر أيار سنة 1922 إلى منطقة الجزيره، ونشر الكولونيل “بيغو غراندوت” قواته في المنطقة، وكانت مدينة الهسكه حينها بلدة
صغيرة.
بعد فترة قصيرة قام الفرنسيون ببناء الثكنة الحالية على أنقاض الثكنة العثمانية. وبعد إحتلالهم للمنطقة الهسكه والجزيره، سمحوا للبدو بالتدفق من كل صوب وحدب ونزلوا في الهسكه وسكنوا فيها.
وخاصة وفدوا من مناطق دير الزور والبوكمال والبصيرة، فمنهم من سكن حي غويران والبعض الأخر بنى لهُ مساكن غرب السرايا وشمالها، التي بنيت في عهد تاج الدين الحسيني. وفي عام 1933 تم تسكين عدد كبير من الأشوريين في المدينة، وتحديدآ على ضفاف نهر الخابور رغمآ على الكرد بموجب وثيقة للأمم المتحدة. وهكذا إختل ديمغرافية مرة ثانية للمستوطنيين الوافدين من خارج أراضي كردستان.
وعندما رحل الفرنسيين عن الجزيرة في منتصف عام 1945 وبعدها عن كل سوريا، كانت بلدة الهسكه كبرت وأصبحت مدينة، وبات لها سراي وذلك بعد عام (1930)، عندما إنفصلت الهسكه عن متصرفية دير الزور. وأول متصرف عين لمدينة الهسكه كان السيد “نسيب بن محمد صادق الأيوبي” الذي عُين في عام 1930. وفي عام 1937 عين بدلآ عنه السيد “بهجة الشهابي”، الذي لم يطيل إقامته في المدينة، أثر اضطرابات في منطقة الجزيره، مما إضطر للعودة إلى دمشق. وتم تعين “السيد حيدر مردم بك” محافظاً للحسكة بدلآ عنه، وذلك في شهر أذار سنة 1938، ولكن حظه لم يكن أفضل من سابقه. وشهدت مدينة “الهسكه” أول مخطط تنظيمي في عام (1963م)، والمخطط الثاني جرى تنظيمه في عام 1992 ميلادي.
كيف كانت نهاية مدينة “الهسكه” الأثرية ومتى بالضبط، للأسف لا نعلم بسبب بناء المدينة الحديثة على أنقاض المدينة الأثرية القديمة، وعدم القيام بإجراء أي تنقيبات في تلالها لإخراج أثارها ومن ثم دراستها، لمعرفة المزيد عنها وعن نهايتها وحياة أهلها. لكن الإعتقاد السائد بين العلماء أنها تعرضت لهزة أرضية قوية أدت إلى دمارها، وبقيت فترة زمنية طويلة غير مأهولة، حتى بدأ الكرد العودة إليها من جديد بشكل تدريجي من القرى المحيطة بسبب موقعها النادر
نصب عفريت تابير النخل – شاديكاني – متحف دير الزور
خامسآ، معتقدات أهل مدينة الهسكه الأصليين:
كما بينا أن تاريخ مدينة السهكة يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، وبدليل وجود المعبد اليزداني والي يحمل إسم “شمش”، وهذا يتماشى مع الحقيقة التاريخية وهي أن كل هذه المنطقة كانت جزءً أساسيآ من الدولة الخورية والميتانية والهيتية الكردية. وأكبر دليل على ذلك وجود عاصمة الدولة الخورية أوركيش (گريه موزان) والتي لا تبعد سوى عدة كيلومترات عن الهسكه، وذات الشي ينطبق على عاصمة الدولة الميتانية “واشوكاني”، وحتى عاصمة الدولة الهيتية “گرگاميش”، لا تبعد كثيرآ عن مدينة الهسكه. ونعلم جيدآ بأن الشعب الخوري وكل أبنائه وأحفاده كانوا يعتنقون الديانة اليزدانية، والتي تتمحور حول عبادة إله الشمس بشكل أساسي، ولهذا سمي بتسمية (الخوريين)، كونهم كانوا يطلقون على الشمس “خور” باللغة الكوردية القديمة. وكلمة الشمس العربية هي الأخرى مأخوذة عن اللغة الكردية القديمة عبر اللغة العبرية، حيث كان الكرد السومريين يسمونها “شمش”، وأخذ عنهم اليهود التسمية، أثناء وجودهم في وطن الكرد بعد سبيهم من قبل البابليين والأشوريين، والعرب أخذوا التسمية عن العبرية وبدلوا حرف (الشين) الثانية بحرف (السين).
إلى جانب ذلك ولألاف السنيين كان الشعب الخوري هو الشعب الوحيد، الذي يقيم في هذه المنطقة التي كانت تضم البلدان الحالية التالية: (تركيا، سوريا، لبنان، العراق، ايران، أذربيجان) وكلها كيانات مصطنعة ولقيطة. وكل الشعب الخوري، كان يعبد نفس الألهة ويمارس نفس الطقوس الدينية، وكلمة “دين” ذاتها مأخوذة عن المفردة الكردية (دينا)، كي لا يزاود أحدٌ علينا نحن الكرد.
ومدينة هسكه الأثرية، لم تكن إستثناءً من ذلك، وبدليل كل المدن والممالك المحيطة بها من جميع الجهات كانت لها نفس الثقافة، وتتحدث نفس اللغة الخورية أم (اللغة الكردية)، وكانوا يعبدون نفس الألهة، مثل سكان ” گريه موزان، گوزانه، گريه هموكاران، شادي كانى، شاغر بازار، گريه براك، ليلان، گريه خويرة، گريه اوبيض، … إلخ”.
ومن ضمن الألهة التي كان يعبدها سكان مدينة ” الهسكه”، إله العاصفة (تيشوب)، الذي كان يعتبر ملك الآلهة. ثانيآ، إلهة الأم (هيبات)، التي كانت إلهة الشمس عند الهيتيين (الحثيين)، وكانت زوجة لإله العاصفة (تيشوب). ثالثآ، الإله (شاروما)، وهو إبن كل من إله العاصفة وإلهة الأم، الإله (كوماربي) وهو بدوره سلف إله العاصفة، وكانت مدينة “أوركيش” المركز الرئيس لعبادة هذا الإله. رابعآ، إلهة الخصوبة والحرب والشفاء (شاوشكا)، التي كان مركزها في نينوى. خامسآ، إله الشمس (شيميگي). سادسآ، إله القمر (كوشوه). هذا إضافة إلى ألهة محلية مثل إله الأرض (أدو) وغيرهم من الألهة، وكانوا يملكون معبدآ واحدآ في المدينة.
هذا الوضع بدأ يتغير بعد الإحتلال الروماني – البيزنطي لوطن الخوريين، ومن ضمنها منطقة هسكه الحالية وإقليم الجزيره، وخاصة بعد تبني كلا الدولتين الديانة المسيحية رسميآ. حيث بدأ هؤلاء المحتلين ببناء كنائسهم المقيتة على أنقاض معابد الكرد اليزدانية، وتحويل بعضها الأخر إلى كنائسة، وفرض الديانة المسيحية على أبناء الشعب الخوري.
تل بيدر الأثري – بمنطقة الهسكه
ومع إحتلال المنطقة وضمنآ مدينة “هسكه” الأثرية من قبل المحتلين العرب المسلمين الأشرار، حوالي العام (640) ميلادية، عندما غزها “عياض بن غنم” مدينة الهسكه بجيش كبير، وفرض هؤلاء الهمج لغتهم ودينهم الشرير، على الكرد من سكان المنطقة، وأجبروا المسيحيين الكرد واليزدانيين على حدٍ سواء، على إعتناق الإسلام بحد السيف، ونهبوا أهل المنطقة وسرقوا أرزاقهم، وإستوطنوا فيها واليوم يدعون أن مدينة الهسكه والرقة ودير الزور وكل المنطقة لهم، ويقولون عن الكرد أنهم مهاجرين.[1]