حاجي علو
فاجأني وكيل الوزير كريم سليمان العبيدي في كتابه الشيخان وعين سفني في سطور حين ذكر أن دير ربن هرمزد قد تأسّس عام 640م, فجأة قفز إلى ذهني الهجوم العربي الإسلامي على بلاد الساسان الداسنيين الئيزديين في ذات الوقت, وفرض الإسلام على كل أرضٍ وصلت إليه فتوحاتهم بدءاً من معركة القادسية 637م حتى إكتسحوا كل العراق بلاد الداسنيين فأبادوهم عن بكرة أبيهم إما قتلاً أو هرباً أو إشهار إسلامهم, فتركت معابدهم نهباً للغزاة أو غيرهم ممن لم يشملهم التكفير والذبح كأهل الذمة من المسيحيين المتجاورين الأحرار الذين ضمّن لهم عمر بن الخطاب سلامتهم وحريتهم بموجب العهدة العمرية, فكان ولابد في هذه الحالة أن يُسلّم الداسنيون معابدهم وممتلكاتهم غير المنقولة لجيرانهم المسيحيين طوعاً أو غصباً أو أن يشهروا مسيحيّتهم ويحتفظون بمعبدهم وممتلكاتهم, قبل أن يُطالهم سيف الإسلام العربي فيهلكوا أو يعتنقو دين العدو وهكذا قد فعل مجيور المعبد الداسني الذي سمي بالرهبان هرمزد فيما بعد, علماً أن إسم هرمزد ليس إسم شخص إنما هو إسم الإله الزردشتي الداسني صاحب المعبد (هورمزدا) ومعابده تسمى هورمزدكًاه جمعها هورمزدكًان , حوَّرها الكورد بعد الإسلام إلى مزكًةفت وهو المسجد حتى اليوم .
المعروف الشائع أنّ هورَمزدا إسم فارسي لكن, ذلك خطأٌ فظيع أيضاً, كل شيء كوردي إعتبروه فارسياً بل هو إسم كوردي صرف لا يعرف الفرس معناه إلا كإسم علم للإله الأكبر (هور مز دا) ثلاث كلمات كوردية لا يفهمها الفرس وهي: هور/ الشمس, مز /الخير أوالحق, دا/ وهب أعطى, وهي بالفارسية (خورشيد راست داد), أما أصحابها الداسنيون الناجون فلم ينسو معبدهم ولا يزالون يدعون ملكيّته بإسم دير ملك فخردين الذي على يده ومعاصريه تأسّس الدين الئيزدي الحالي فكانت نهضة دينية جبارة لتاريخهم نصيب فيها, ومعظم الأديرة لها أسماء ئيزدية من ذلك الزمن مثل دير مارعوديشو شيخ بابك في النصيرية وشاسوار مار كوركيس في بيبان, وقد لا تكون كلها لنفس الأسباب أو بنفس الطريقة, بل للتعايش السلمي الأخوي في القرى المختلطة لقرون عديدة بعد ذلك, فالمؤكّد أن التحالف العربي الحربي مع المسيحيين وتأثير العهدة العمرية قد إنهار بعد إستتباب الأمر لهم وسيطرة الإسلام على الكفار الساسانيين وإبادتهم والقبض بقوة على مصر وسوريا المسيحيّتين, في النصف الثاني من العهد الأموي أي أثناء خلافة عبدالملك بن مروان وتولي الحجاج ولاية العراق فأعاد الجزية وطبقت سورة التوبة على المسيحيين بقوة (اهل العراق أهل الكفر والنفاق) الكفر هم الداسنيون الزرادشتيون والنفاق هم المسيحيون واليهود , حتى أن أعدل خلفائهم عمر بن عبالعزيز فرض جزية الأموات على الأحياء من المسيحيين .
هذا ما تأكّد لنا بعد مطالعتنا لصفحات من كتاب ألقوش عبر التاريخ للمطران يوسف بابانا الطبعة الثانية دهوك 2012 بالحرف الواحد أكد لنا أن الربان هورمزد هو فارسي وهذا أيضاً خطأ كبير نتج من تسمية الساسانيين كلهم بالعجم والعجم ترجم إلى فارسي فقط وهكذا ضاع الكورد من التاريخ وغالبية العراقيين الساسانيين هم كورد وليسوا فرساً لكن تشابههم اللغوي ودينهم الزرادشتي المشترك جعلهم بتسمية واحدة, عجم ثم فرس وغاب إسم الكورد عن التاريخ كما نرى, ولما إعتُبر فارسياً فقد نسب إلى بلاد فارس الأحواز وهذا خطأٌ أكبر نشأ جرّاء الروايات القصصية.
يذكر الكتاب في ص 133 تعاون المسيحيين الوثيق مع العرب الغزاة والي الموصل عتبة بن فرقد الذي عينه عمر بن الخطاب, فيوعزون ذلك إلى أن مار هورمزد قد أحيا إبنه الميت وليس إلى تحالفهم معهم بموجب العهدة العمرية بحيث أن المسيحيين هم الذين سمّوا عمر بالفاروق والعادل والمخلص بحسب الكاتب المسيحي سهيل قاشا (ربما هو أيضاً من ألقوش) ثم يتطرّق الكتاب إلى وصف الدير فيقول أنّ فيه 14كوّة غير نافذة أي محفورات في الحائط وهي مشاعل نيران زرادشتية توجد منها في جميع المعابد الئيزدية حتى اليوم تشعل فيها الفتائل عشيات الأيام المقدّسة, بعد تنصير الدير قد نقش صليباً لكل كوة وهذا أمر طبيعي, هذا بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المجيوريين تحولوا إلى المسيحية مع معابدهم كي لا يستولي عليها المسلمون, حتى أنّ بعضهم أصبحوا قديسين مميزين مثل القديس نسطوريوس صاحب المذهب النسطوري الأشبه بالكاثوليكي وهذا هو أقرب المذاهب المسيحية مقبوليّةً لدى من يُؤمن بالتناسخ كالئيزديين الزرادشتيين, بل هو المذهب المانوي الزرادشتي بحذافيره صبغه نسطوريوس (الفارسي أيضاً) بالصبغة المسيحية, فكان ماني الفارسي الأشكاني يدعي أنه هو المسيح المخلص وقد قتله الملك بهرام الأول الساساني في 271م, ومن بين هؤلاء أيضاً يذكر في ص 134 يوحنا الفارسي الفارسي أيضاً و إيشوع صبران أسسا كنيسة في المكان الذي فيه معبد الشيخ عدي دون أن يذكر لالش وفي نفس الفترة, النصف الأول من القرن السابع الميلادي و لكننا لا نرى أثراً لصليب, يبدو أن الداسنيان في ذلك الوادي الوعر لم يضطرّا إلى نقش صلبان أو علامات دالة على المسيحية بسبب عجز العرب المسلمين عن التوغل في مثل تلك المناطق لكن الروايات تنقل الأخبار بعشوائية ومن هنا نشأ الإدعاء بأنه كان ديراً قبل الشيخ عدي وهذا خطأ أيضاً, الشيخ عدي الأول لم ير لالش والثاني دخله وهو عامر تسكنه أسرة ئيزدينةمير .
ما قصة هؤلاء؟ كلهم فرس وأثناء الغزو الإسلامي الأول؟ حتى أن الكتاب يتجاهل الداسنيين المحيطين بهم ولا يُسميهم بأي إسم, إما سكان المناطق المجاورة أو السكان الأصليين, لا بد أن هناك تحيُّز من نوع ما, إنهم حتى الآن يُسموننا بالداسنيين فلماذا لم يسميهم بأيّ إسم؟ إنهم ينكرون وجودهم بالمرة وإلا لكانوا قد سموهم بالميديين أو الزرادشتيين أو الكورد أو الداسنيين كما هو الآن (دسناي) وقد أَورد إسم يوسف بوسنايا أي البوزاني كأحد الرهبان، هذا التحيُّز والإنكار الذي لا يُمكن ترقيعهما في هامش ص 64, فيقول في كلامه عن الحضر أنها كانت مسكونة من قبل العرب والآراميين وهذا خطأٌ كبير, جميع المصادر النزيهة تؤكد أنها كانت مسكونة من قبل الفرس والآراميين بينما العرب يجعلون من الآراميين عرباً فيقولون من العرب والفرس, لكن الحقيقة هم الآراميون قوم زنوبيا الآرامية ملكة تدمر التي يجعلها العرب عربية أيضاً, أما الفرس فهم الكورد الداسنيون الذين هم الآن عشيرة الختاري التي ينتمي إليها العائلة الشمسانية, هربوا منها في العهد العباسي ولجأوا إلى الجبال ونجوا .
سؤالٌ لابد أن يُطرح : كيف أنّ سكان ألقوش هم كلدان بل معظم مسيحيي شمال العراق أيضاً ؟ المعروف تاريخياً أن الآشوريون هم الذين قدموا شمال العراق وسكنوه والكلدان هم سكان جنوب العراق فقط ولم يأت عصرٌ بعد سقوطهم في 539 ق م. أنهم سادوا وفتحوا البلدان نهائيّاً وحتى سقوط الساسانيين وفجأةً أصبحوا سكان ألقوش ومعابدها ؟ لابد أنهم قد رافقوا العرب المسلمين في غزواتهم فسكنوا المناطق التي هرب منها سكانها , والمعروف تاريخياً أيضاً أن جنوب العراق كان مملوءاً بالكلدان وطنهم الأصلي خاصة الحيرة ذات الأديرة العديدة التي كان عرب المناذرة يلجأون إليها وحتى المدائن مقر البطريركية الجاثليق, فأين هم الآن؟ لابد أنهم قد تجحفلوا مع جيوش المسلمين العرب الغزاة أثناء تقدمهم شمالاً, أو هرباً منهم في أوقات لاحقة بعد أن إستتب الحكم للمسلمين , وفي إعتقادي أن الأمرين قد حدثا بعد تغيير المعادلات بمرور الزمن, تحالفاً معهم أولاً وبعد ذلك هرباً منهم, فخلا منهم جنوب العراق ومن بقي منم فَقَدَ خصوصيته والجدير بالذكر أن المسيحيين الذين يعيشون في كوردستان لم يفقدو أيّاً من خصائصهم القومية المميزة وهذا لا يمكن تفسيره إلاّ بالتسامح الأخوي الذي يتمتع به الكورد.
الكتاب يُشير بوضح إلى تعاون المسلمين العرب والمسيحيين في بداية الفتوحات منذ عهد عمر بن خطاب صاحب العهدة العمرية التي أصدرها بعد زيارة له إلى فلسطين وإجتمع بالمسيحيين, ثم تعاون عتبة بن فرقد والي الموصل معهم ومساعدتهم في زمن عمر.
نكتة الكتاب, ذكّرني بها فصل هجرة الألقوشيين إلى أدنة التركية, حينها تذكرت روايةً من عمتي المرحومة نيسان عرب بنت سينم أنّ خالها أو عم أمها كان قد رحل إلى أدنة في ذلك الوقت ولما عاد سمي ب سلو أدني ليحكي قصصاً طريفة أنهم أكلوا في غداء أحد أيام العمل في بستان للكروم, أنهم أكلوا المعلاك (الكبد) نيّئاً مع الخبز وسلو هذا كان من بوزان المجاورة لألقوش وهو خال والد ميرزا كورو إبن أخته غزال, أخيراً أعتقد أنّ تاريخ الهجرة قديكون في 1912, لكن تاريخ الغلاء (سي زير) كان في 1917 سنة سفر بلّك إثر إندحار الجيش العثماني ونهب كل شيء وقعت عليه يدهم فلم يبق للناس ما يأكلونه.[1]