حاجي علو
لنكبات ليست فقط في النوائب والمذابح فقط, فنكبة الجهل وضياع الهوية ليست أقل منها دماراً في القضاء على الشعوب وبتر القوم الذي تمسّك بأهداب الحياة والهوية طيلة مئات القرون من الإبادات, من فقد ثقافته فقد وجوده, وأنت يا مصرية أين الفراعنة وأين حضارتهم؟ لقد فقدوا ثقافتهم فأنقرضوا, أحفادهم الآن يُكفرونهم بدلاً من الإعتزاز بهم ومثلهم يفعل بعض الكُرد .
في مقدمة كتابي بطبعاته الثلاثة قدمنا شكراً لكل من كتب حرفاً عن الئيزديين, سواءٌ أكانت كتابةً سلبية أم إيجابية فالسلبي دفعنا بعنف والإيجابي بلطف, وكانت النتيجة أن كلاهما قد حثّانا على البحث عن الحقيقة, حقيقة التاريخ الئيزدي ودينهم , هذه الحقيقة التي يتخبط فيها الئيزديون بإضطرابٍ عنيف ولديهم كل الأسباب التي توضّح لهم كل الحقائق عن دينهم وتاريخهم . النكبة المميته هي في نفسية الئيزديين فلا ثقة لهم في نفوسهم ولا إيمان لهم بعلومهم فهم يرون أن الحقيقة فقط هي في ما كتبه الآخرون عنهم وهم يعلمون عداءَهم وتحريفهم للحقائق ضدهم, القدماء منهم أعداء أشرار لا خلاف على ذلك حتى بعض المعاصرين لا يختلفون عنهم في شيء, رغم أن بعض المعاصرين نزيهون لكنهم يجهلون حقيقة الئيزديين ومنهم مخلصون يستميتون دفاعاً عن الئيزديين والغبن الذي أصابهم على مدى القرون وهؤلاء شكرهم مضاعف, لكن كيف يحصلون على الحقيقة التي لم يكتب الئيزديون شيئاً منها والأعداء لم يكتبو إلاّ العكس, وعلم الصدر الئيزدي مُغلق ومحصورٌ فيهم فقط .
النظرة الثابتة لدى جميع الأجانب إلى الئيزديين منذ عهد المستشرقين, وحتى لدى بعض الكتبة الئيزديين وإلى اليوم, أن الئيزديين هم طائفة منغلقة على نفسها تشكلت على يد الشيخ عدي بن مسافر من عشرات المجموعات العرقية الكوردية والآشورية والكلدانية والعربية والسومرية, التي قاومت الإسلام حتى اليوم, وأفضل الكتبة يرونهم عشيرة كوردية وقليل من العرب والآشوريين تجمعوا تحت مظلة الشيخ عدي ونجحوا في مقاومة الإسلام, وهذا عين الخطأ الفظيع ونسف التأريخ, في الحقيقة هم من شتات مختلف العشائر الكوردية, أفراد نجوا بصورةٍ عشوائية من جميع العشائر الكوردية أفلتت بأعجوبة من سيف الإسلام الذي لم يُحارب أهل الذمة (اليهود والمسيحيين) بقصد الإبادة أو القتل, هو حارب قومية الساسان العجم (كورد وفرس) وأباد دينهم المجوسي (المزداسني), أفرادٌ هربوا بدينهم وهويتهم إلى الجبال العاصية للإحتماء بها حتى تهيّأت لهم الظروف بظهور صلاح الدين وسنحت لهم الفرصة في زعامة الشيخ عدي الثاني فنظموا أنفسهم وظهروا بدينهم الحقيقي بتسمية منسوبة ليزيد بن معاوية (يزيدي) رغم أن الإسم الداسني لم يختفِ يوماً فإنتعش الدين الذي كان على وشك الإنقراض وأصبح معبد لالش و مركًه الشيخان في شمال العراق الجبلي مركز إستقطاب لكل من ينجو من الإسلام من العشائر الكوردية من أقاصي بلاد الكورد, فلو أنت اليوم أحصيت عدد عشائر بلدة عين سفني وحدها لوجدت عددها يربو على العشرين بنفوس لا تزيد على الخمسة أو ستة آلاف نسمة للجميع بينما عدد الأنفس في العشيرة الأجنبية الواحدة لا يقل عن المليون وحتى العشيرة الكوردية المسلمة لا يقل نفوسها عن عشرات الألوف .
في مقال نشره الباحث داود مراد الختاري قبل أسابيع بيَّن فيه أن 75% من عشيرة السيبكي أجبروا على إعتناق الإسلام قبل نحو القرن على يد العثمانيين, وظلوا في قراهم وذبح أكثر من 20% من أفرادها وأقل من 5% نجوا بجلدهم و دينهم فقط هاربين مع الأرمن إلى روسيا وغيرها وهم الآن ئيزديون بينما عشيرتهم مسلمة وهم أقرب إليهم من بقية الئيزديين ومثلهم عشائر الخالتان والدنة …… , في عين سفني عشيرة الماموسي الأربيلية, جدهم الثالث كان يتكلم اللهجة السورانية لكنهم الآن يتكلمون لهجة بلاد الهكار/لالش, حتى الذين أسلموا غيروا إسمهم تبعاُ لعشيرة المُضري العربية ( مزوري) وهم هكاريون بهدينان, هكذا هم جميع الئيزديين لغتهم كوردية نقية مليئة بالكلمات العربية الدخيلة بالسيف, بينما أساسها فارسية بالأصل ولن ترى فيها كلمة واحدة من اللغة الآشورية أو الكلدانية وغيرها من الآرامية وهم يعيشون جنباً إلى جنب في سلام وتعاون لثلاثة آلاف عام ! ولا كلمة مقتبسة من لغتهم, أليست هذه أعجوبة ؟ ربما إسم جبل كًارة الذي يعني السطح, وهو إسم علم ليس من اللغة, ولا حتى إسم إيزيد الذي يعنى إله بالفارسية وليس الآشورية أو الكلدانية, فأتحدى أي مدعٍ أن الئيزديين يضمون فرداً من العراق القديم غير الكورد
ومع ذلك ففي مقال الدكتورة عايدة بدر ملاحظات عن حقائق قد ترسبت في القاع وتراكمت ولم تُثر قبل الآن, فيبدو أنها أرادت خلط الراسب المستقر بالسائل الصافي الراكد لتترسّب الشوائب الفظيعة بشكل آخر فتتفقد محتوياته فتكشف جوانب أخرى من الحقائق المطمورة, لعل ذلك يًساعد بعض الئيزديين على إعادة النظر في مغالطاتٍ سابقة كان يتشبث بها بعناد, فقد نوّهت بنجاح إلى حقيقة نشوء الدولة الميدية منشأ التاريخ الئيزدي الأول بمكونات عشائر ميدية وهذا ليس صحيحاً , البداية كانت بتوافق شعوب إيران القديمة الثلاثة ( ماد +فارث + فارس) هؤلاء معاً هم شعبٌ واحد إتحدوا لصد الغزوات الآشورية فكوّنوا بنية الدولة الميدية الأولى في التاريخ المذكور وذكرت الزعيم دياكو, وهؤلاء الثلاثة حكموا حتى الغزو الإسلامي , الئيزديون هم من تبقى من شذرات الشعب الساساني الكوردي لا يزال متمسكاً بدينه الساساني بكل خصائصه المزداسنية وإن تغيرت التسميات, لقد ذكرت من دقائق الدين الئيزدي ما لم يعلمه أجنبي ولا ذكره ئيزدي قبل الآن , خاصة عن الأبيار وأسر الشيوخ, مع أخطاء كثيرة في التفاصيل مثل طبقات الئيزديين, وتراتيب رجال دينهم وزعاماتهم, وهي اول من نوّهت كتابةً (من الئيزديين والأجانب) عن بوزا وسكن الشيخ عدي فيها وأهمية المهدر التي نسميها كجك لالش ……. لقد أبلت الدكتورة بلاءً حسناً عندما ذكرت عشيرة الميهركان السنجارية كأثر بارز باقٍ للدين الداسني الميهترائي القديم لكنها أخفقت في التسمية(أن اليزدية قد سبقت الزرادشتية) المزداسنية هي التي كانت دين الكُرد قبل زرادشت وبعده وليست اليزيدية, وكثيرةٌ هي الملاحظات الجديرة بالإهتمام تنقصها الدقة وقد صدق الأخ صباح كنجي عندما قال مكانها مكتبة بحزاني فهو أفضل كتاب أجنبي عن الئيزديين على الإطلاق, لكن هيهات للدكتورة أن تدرك الحقيقة فهي ليست ئيزدية ولم تعش بينهم ولا يُمكن لها أن تعرف أسرارهم, ولم تُثبّت شيئاً من الحقيقة غير الخلط, لكن جهودها مشكورة فهي نزيهة ولم تتعمّد الخلط كما فعل القُدماء ويفعل كثيرٌ من المعاصرين المتحجرين بمن فيهم بعض الئيزديين لجهلهم .
فئة البسمير (الأُمراء) لم يتطرق إليها أحد وإن ذكروها, ذكرها كطبقة إجتماعية وهذا خطأٌ فظيع, هي تسمية نشأت في وقتٍ متأخر جداً بعد 1800 م أحفاد المير حسن جول بك تميّزوا عن بقية شيوخ شيخوبكر الفقراء لأسبابِ مجهولة (نظنها من تدخلات الحكام الجليليين) تماماً كما تميّز الشمسانيون الأميار عن باقي الأبيار سابقاً قبل الشيخ عدي بحكم السلطة, بنفس الوقت إدعى أحفاد عمه تةمو بك الهارب إلى سنجار بأنهم بسمير على ذلك الأساس, ترجمتها الحرفية أولاد الملك/ الأُمراء, بنفس الوقت جعلت من ئيزدين الملك أميراً بمجرّد ترجمة فتحة الإطلاق الكوردية إلى همزة الوصل في العربية ( ئيزدين ة مير) إلى (ئيزدين أمير) بينما هو ملك الئيزديين و ليس أميراً فالقوم له ملك واحد و قد يكون هناك مئات الأمراء والأميرات, نحن نسميهم بسمير أو ميرزا. وثمة أخطاءٍ أخرى كثيرة, فقد إنساقت هي الأخرى مع ميول المعاصرين من السياسيين الئيزدين أو غيرهم من الكورد لإبعاد شبهة تسمية اليزيديين عن يزيد بن معاوية, فأخترعوا أسماء شتى مثل أزداهي أو يزداني أو أيزيدي, هذه التسميات لم ترد في الكتب القديمة مثل كتاب أمين زةكي أو توفيق وهبي ولا في إيران ولا ذكرها علماء الئيزديين (القوالين وغيرهم من العلماء الأميين) وكل شيءٍ لا يرد في تراثنا السابق مرفوض وبدعة هدفها إبعاد شبهة إشتقاق التسمية من يزيد بن معاوية وفي وقتٍ مُتأخرٍ جداً وبعد الشيخ عدي .[1]