فؤاد عثمان / كاتب و صحفي
يمر على شعبنا الذكرى السنوية 53 لضحايا مجزرة قرية صوريا، ففي 16/9/1969 اقدم النظام #البعثي# على ارتكاب جريمة قل نظيرها في التاريخ، وتعد المجزرة الثانية بعد مجزرة كهف دكان اقترفها النظام البعثي بعد توليه الحكم في العراق عن طريق انقلاب تموز، حيث ارتكبت مفرزة من ازلام النظام البعثي جريمة ضد الانسانية و ابادة اهالي قرية صوريا وقتلت 39 مواطنا من النساء والاطفال و الشيوخ، 25 منهم المسحيين و 14 اخرين من المسلمين.
تقع قرية صوريا في محافظة دهوك وتابعة لقضاء سميل في سهل سليفاني في ناحية باتيل وتبعد 5 كيلومتران عن المثلث الحدودي العراقي التركي و السوري و 10 كيلومترات عن معبر #خابور# الحدودي .
في صبيحة يوم 16/9/1969 دخلت هذه القرية الامنة التي يعيش فيها المسلمين والمسحيين بسلام، مفرزة تابعة لازلام النظام المباد المكونة من 3 عجلات عسكرية هذه القرية، وكما هو متعارف في القرية لاكرام الضيف قدم اهالي القرية ما يتوفر لديهم من الخبز و اللبن والشاي و استقبلواهم بحفاوة و احترام دون ان يعلموا ان هذه المفرزة ستصبح قابض لارواحهم و تسفك دمائهم.
بعد خروج المفرزة من القرية و ابتعادهم عنها وعلى بعد اقل من 10 كيلومترات، ينفجر لغم ارضي تحت احد عجلات سيارات المفرزة و يسقط جراء ذلك عدد من الجرحى في صفوف المفرزة دون ان يكون لاهالي القرية اية ضلع في ذلك.
وعادت المفرزة ادراجها صوب القرية غاضبين و افرغوا غضبهم على اهالي القرية و ارتبكوا جريمة بشعة وقتلوا 39 مواطنا مسيحيا و مسلما و اسقطوا الصليب في يد القس و دفنوا المصحف الشريف في احشاء مسلم متدين قتل غدرا.
تحمل مجزرة صوريا قصصا مأساوية تقشعر بسماعها الابدان ولا تقف الدموع في الجفون.
خمي ناجية مسيحية نجت من المجزرة و شاهدت المشهد و تذكر ما حدث في هذه القرية، تقول خمي: دخلوا القرية فجرا و ضيفناهم و قدمنا ما توفرت لدينا من الخبز والشاي و اكرمناهم اكرام الضيف دون ان نعلم ما سوف يحدث، وبعد فترة وجيزة من خروجهم من القرية عادوا غاضبين و جمعوا الاهالي في حضيرة الحيوانات و رشقوهم بوابل من الطلقات لم نكن نعلم ماذا يجري لنا وقامت القيامة.
تضيف خمي قائلة: في الليلة التي سبقت الحادث كان يزور القرية قس مسيحي بهدف اداء قداس ديني بارز كان من بين اهالي القرية حيث اقتادوهم الى الحضيرة وبهدف منع قتل الابرياء رفع القس الصليب و الكتاب المقدس ودعاهم الى عدم ارتكاب الجريمة و سفك الدماء لان اهالي القرية لا ذنب لهم وهم مسالمين، لكن قلبهم كان كالحجر او اشد قسوة واطلقوا النار على القس و اردوه قتيلا امام الملأ واسقطوه و الصليب في يده، كان هذا المشهد مبكيا و حزينا بانسبة لنا نحن المسحيين لاننا لم نرى قساوة قلوب بهذا الشكل من قبل، ثم قتلوا المختار و ابناءه و بناته بعد ذلك و من ثم اهالي القرية جماعيا، قتل من قتل و جرح عدد كبير منا و نجى بعض منا بارادة الله تعالى كي نشهد على هذه المجزرة، بعد الحادث وبعد عودتنا قمنا بدفن الشهداء في مقبرتين جماعييت، المسلمين من جهة و المسحيين من جهة اخرى حيث بنينا نحن المسحيين في مقبرة المسحيين غرفة ووضعنا الصليب عليها كاشارة ان ضحايا من المسحيين.
ادم يونان ناجي مسحي، نجى من المجزرة يقول : ازلام النظام دخول القرية بثلاث عجلات عسكرية يلبسون زي المغاوير يقودهم المجرم (ع جح)، جمعوا اهالي القرية داخل حضيرة للحيوانات و اطلقوا النار علينا بشكل عشوائي دون رحمة و بدم بارد ثم اضرموا النار في الحضيرة، استشهد من استشهد و جرح اخرون و نجى بعض منا.
حسن محمد يروي احداث المجزرة ويقول: كنا نحن المسلمون والمسحيين نعيش امنين بهذه القرية متناسقين ونشارك بعضنا الحلو والمر وفي المجزرة قتل اطفال و شيوخ و نساء واختلطت دمائنا و تعانق منارة المسجد مع ناقوس الكنيسة، انا رأيت بام عيني مشاهد تقشعر الابدان بسماعها طفل رضيع و شيخ كاهل من بين الضحايا،
يضيف: رايت مهد يحمل طفل رضيع بكائه و صوته و صيحاته تهز القلوب ووالدته تضع جسدها على مهده لحمايته من الحرق لكن ومع الاسف احترقا معا.
ويقول الكسان وهو مختار القرية ومسيحي الديانة شاهد الحادث و هو شاهدعيان على المجزرة : في ذلك اليوم كان القس في ضيافة اهالي القرية لاداء قداس ، وبعد جمع اهالي القرية رفع القس الكتاب المقدس و الصليب بوجه القتلة وطلب منهم الرحمة والشفقة و تجنب القتل و سفك الدماء وعدم ارتكاب الجريمة لكن لا حياة لمن تنادي لم يرحموا المرتبة الدينية للقس و اطلقوا النار عليه و اردوه قتيلا قبل الاخرين، ومن ثم اطقلوا النار على المجتمعين بدون رحمة.
ويضيف كنا نعيش في القرية مسالمين لكن المجرمين سفكوا دماءنا معا و اختلطت دمائنا و نسج الصلوات بالناقوس.
هيبتة شاكر ناجية مسلمة تروي لحظة حرق الحضيرة بعد قتل اهالي القرية من قبل ازلام النظام اي المفرزة، كنت طفلة صغيرة ارافق والدتي وبعد اضرام النار بالحضيرة شعرت بان النار تحيطني من كل الجهات و بكيت و صرخت مناديه والدتي و احترق ساقي، من شدة الالم هربت خارجا و نجيت باعجوبة بارادة الله كي اشهد على هذه الجزيمة البشعة.
وتضيف : كانت مجزرة لا توصف ولايمكن لاحد وصف مجرياتها، جحيم حل على اهالي القرية.
عمر منير كان طفلا صغيرا كان مع والدته حينها لكن يتذكر احداث الجريمة ويقول: قتل في المجزرة اخواني اثنين و جنت والدتي بعد فقد اخواني وفقدت عقلها منذ ذلك الوقت.
ويضيف: بعد اضرام النار في الحضيرة نقلت والدتي اخواني التوئمين الى خارج القرية، لكن وبقدوم الظلام هاجمهم الذئاب و اكل احد اخواني و وبتر ذراع اخي الاخر و ماتا معا ووالدتي فقدت عقلها و جنت ولازالت تذهب يوميا الى موقع الحادث و تبقي طوال اليوم، تتحدث و تبكي.
كيف تم الكشف عن المقبرة.؟
بعد مرور اكثر من 41 عاما حيث انغمرت المنطقة نتيجة بناء سد موصل ومياه السد غمر المنطقة لمدة طويلة، بعد انتفاضة شعبنا و تشكيل حكومة اقليم كردستان زار فريق المقابر الجماعية المنطقة التابعة لوزارة شؤون الشهداء والمؤنفلين و تم الكشف عن المقبرة وذلك عن طريق جوني( موقع مصنوع من الحجر لطحن الحنطة) التي تملكها السيدة خمي حيث حددت هي موقع و اتجاهات المقبرة بعد دفنهم ووضع هذه الحجر( جوني )على بعد امتار من الموقع وبعد ايجاد الحجر( جوني) تم تحديد موقع المقبرة و بدأ العمل لفتح المقبر من قبل فريق المقابر الجماعية و الطب العدلي بدعم من الوحدات الادارية في المنطقة.
دكتور ياسين كريم مدير الطب العدلي في اقليم كردستان الذي اشرف على عملية فتح المقبرة و اعادة هياكل جثامين الضحايا: بعد نقل الرفاة الى الطب العدلي قام فريق من معهد الطب العدلي بتصنيف و تفريق عظام الضحايا وتم تحديد جنس و اعمار الضحايا، وكون مقبرة المسحيين و المسلمين واضحة المعالم لم يكن تصنيف ضحايا المسحيين والمسلمين صعبا و تم تحديد 25 شهيدا مسحيا و 14 مسلما.
كما و تم ايجاد بعض المقتنيات تعود للضحايا في المقبرة ، منها تراجي ذهبية و قلادات وصليب ابرزها صليب يعود للقس الذي قتل قبل الجميع كما روى الشهود ..[1]