دجوار أحمد آغا
عندما نبدأ بدراسة كيفية تكوين العقل #الكردي#، سيتبادر إلى ذهن القارئ سؤال من قبيل: هل هناك خاصية للعقل الكردي أم أنها مسألة التمييز؟ فالعقل واحد وهو ما يميز الإنسان عن الحيوان. ولربما يتساءل لماذا لم نستخدم كلمة فكر بدل كلمة عقل؟ لأن الفكر يُعبّر عن جملة الآراء والأفكار التي من خلالها يُبدي الشعب عن اهتماماته ومشاغله وكذلك مُثله الأخلاقية ومعتقداته السياسية والدينية والاجتماعية. بعبارة أخرى؛ الأيديولوجيا وهو ما نريد تجنبه هنا؛ فنحن بصدد دراسة الأداة التي تنتج هذه الآراء والأفكار.
ترى ماذا نعني بالعقل الكردي وما علاقته بالثقافة الكردية وما طبيعية الحركة في هذه الثقافة وكيف يتحدد زمنها ثم بداية تشكيل العقل الكردي والثقافة التي ينتمي إليها وما هي مرجعتيه؟ كل هذه الأسئلة يكمن جوابها في معرفتنا ومن ثم نقدنا للعقل الكردي الذي يجب بادئ ذي بدء أن نميز أي العقل هو المقصود! فهناك العقل المكّون أو الفاعل وهناك العقل المكَّون أو المتشكل والسائد.
الأول هو مشترك لدى جميع البشر وهو القدرة على إدراك العلاقات بين الأشياء المختلفة، أما الثاني فهو الأساس الذي يحتاج معرفته ونقده وهو يعني مجموع القواعد والاستدلالات التي نعتمدها في منهجنا وقياسنا وهو ما يجعل منه سبباً رئيساً لمحاولة فهمه وإدراكه ومن ثم نقده.
نعود الآن لبداية تشكيل العقل الكردي والثقافة التي ينتمي إليها، ثقافة معينة لها خصوصيتها هي الثقافة الكردية تحديداً، الثقافة التي تحمل معها تاريخ الكرد الحضاري وقيادتهم لكونفدرالية الشعوب في زمن الميديين وتعكس واقعهم الحالي الذي يعيشونه بكل تجلياته وتناقضاته.
إن أكثر الأحداث والأشياء تواتراً في حياة الإنسان هي الأمور التافهة أما الخير الأعظم فينحصر في ثلاثة أمور (الثراء، المجد، اللذة الملموسة) هذا ما يذهب إليه الفيلسوف الهولندي يهودي الأصل باروخ سبينوزا 1632 – 1677 وهو ما يعني أن مسألة الذكاء والغباء، الخير والشر، تعتبر نسبية، ومن الزاوية التي ننظر منها نقول بإن هذا الشيء حسن أو قبيح، أما الخير الأعظم، فهو يكمن في الحقيقة والتلاحم مع الطبيعة.
من العبث أن يتنازل المرء عن الثابت في سبيل ما لم يتم ثباته بعد، وهكذا هو العقل الكردي، هذا العقل الذي تأثر إلى حدٍ كبير بالطبيعة القاسية التي وجد فيها حيث الجبال الوعرة والوديان السحيقة والحيوانات المفترسة، فطبيعة وطنه كردستان جبلية صعبة والأصعب من ذلك موقعها الجيوسياسي الذي لفت أنظار الغزاة والمستعمرين والمحتلين مما دفع بالكردي إلى التمسك بأرضه والدفاع عنها بشتى السبل وأصر على عدم ترك وطنه للغزاة مستمداً قوته وعناده من وديانه وجباله الشامخة، حتى أصبح مثالاً في مسألة عدم التراجع عن كلامه ورفضه لأمر ما مهما حصل. هذا العقل الترس والعنيد جلب الويلات والكوارث لهذا الشعب ومنذ سقوط الإمبراطورية الميدية وهو يعيش مرحلة الانكسار والبحث عن الذات وهو يخوض معركة إثبات وجوده مرة أخرى، في بعض من الأحيان يسقط في فخ السلبية المفرطة والتشاؤم، وفي أحيان أخرى يفتخر بنفسه ويقوم بثورات تُعيد له ما فقده من مجد وكبرياء.
لكن الحقيقة تكمن في المرض الذي تغلغل داخل تلافيف هذا العقل اليابس من خلال التراكمات والأوساخ والأوهام التي تم زرعها فيه من جانب الغزاة والمحتلين بالإضافة إلى وجع الانكسارات والهزائم التي عانى منها. العقل الكردي لازال يعيش مرحلة الانقسام وفقدان الثقة بالذات، يعيش الواقع المأساوي الذي عانى منه منذ مئات السنين، يعيش التجزئة والتفرقة التي نجح المستعمرون والمحتلون في ترسيخها داخله، لم يكتفوا بتقسيم الوطن إلى إجزاء؛ بل زرعوا نزعة حب الجزء داخل العقل الكردي نفسه، فالكردي اللاجئ لأية دولة ما عندما يتقدم بطلب اللجوء يسألونه ما هي جنسيتك؟ ولدى الإجابة بأنه كردي يسألونه مجدداً أي كردي (تركي، إيراني، عراقي، سوري) هذه حقيقة لازالت موجودة، لكن الأصعب منها عندما يتحدث الكردي من #باشور# عن كرد #روج آفا# بحيث يقول عنهم (خلكي سوري) يعني أهل سوريا وعن كرد باكور (خلكي تركي) وعن كرد روجهلات (خلكي إيران) وكذلك الأمر بالنسبة لكرد باكور وكرد روجهلات في تسميتهم للكرد في الأجزاء الأخرى من الوطن المقسم المجزأ، أما بالنسبة لكرد روج آفا فالخطر أكبر فهم يعيشون مرحلة مهمة وحساسة وخطرة، عقلهم لم يستوعب بعد بأن روج آفا هي جزء من كردستان والدليل عند ذهاب أي شخص من روج آفا إلى إقليم كردستان– العراق (باشور) يقول بإنه ذاهب إلى كردستان وكأنه لا يعترف بأن روج آفا هي أيضاً كردستان!
هذا العقل مريض فعلاً وبحاجة إلى تشخيص المرض ليتم من ثم معالجته، وبرأينا المتواضع نعتقد بأن المرض الخطير المسيطر على العقل الكردي هو الأنانية والجزئية، ومتى ما استطعنا الوصول إلى الحقيقة الكردية المجردة بعيداً عن التجزئة والتفرقة والتي هي بالأساس السياسة التي يعتمد عليها الاحتلال (فرّق تسّد) لدى وصولنا إلى حقيقة كردستان واحدة وهي الآن مستعمرة دولية ولا بد لنا من توحيد جهودنا وتوجيهها نحو غاية واحدة ألا وهي حقيقة وجود الشعب الكردي وعدالة قضيته الوجودية وحقوقه الطبيعية كسائر شعوب العالم.
وللبدء بمعالجة العقل الكردي علينا في البداية أن نتقبّل النقد برحابة صدر وأن نقدم نقداً ذاتياً لكي نستطيع أن نعمل على إزالة هذا العناد والتشبث بالأنانية المفرطة التي أصابت العقل الكردي وشلّت قدرته على التفكير بشكل سليم. إن بقاءنا على النمط والسلوك الحالي في العقل الكردي القائم على التخوين والتكفير ورفض الآخر سيسبب لنا المزيد من المآسي والولايات التي نحن بغنى عنها. كفانا تشبثاً وتمسكاً برؤيتنا وكأننا وحدنا الصائبون والآخرون جميعاً على خطأ. الأولى بنا أن نتقدم وبجرأة نحو الآخر ونعمل على وحدة العقل الكردي وتنقيته من الشوائب التي شوشت عليه تفكيره وحولته إلى أداة في يد العدو.[1]