الاستاذ بيار
أهلاًوسهلاً بك في اللقاء الحواري الأول لي معك، لا أخفيك أنني الأن بصدد إجراء حوارات مماثلة مع عدد من أدبائنا وشعرائنا ومثقفينا، لإلقاء الضوء على تجربتهم الأدبية، بهدف تعريف جمهور القراء الكرد بهم أكثر، وأيضاً كعرفان بجميلهم وشكرهم على ماقدموه ويقدمونه لشعبهم من أدبٍ وثقافة وعلمٍ ومعرفة، ودفاعهم المستميت عن إمتهم الكردية وقضيتها العادلة، والتصدي للحملة الشرسة التي يتعرض لها من قبل الإعلام المعادي، من خلال كتاباتهم السياسية والفكرية والتاريخية، وطبعا أنت تأتي على رأس هؤلاء الأدباء والشعراء الكرد المعاصرين
أخي العزيز مصطفى قبل أن أجيب على تساؤلاتك، دعني في البداية أن أحييك على هذه المبادرة الطيبة والمقدرة، وأشكرك لأنك أخترتني كأول الشعراء والأدباء الكرد المعاصرين، لإجراء هذا الحوار معه، وإلقاء الضوء على تجربتي الأدبية، من خلال طرح بعض الأسئلة والإجابة عليها. وأتمنى ما سأقوله رداً على أسئلتك، ينال إستحسان القراء الكرام، ويجدون فيها الفائدة والمتعة. وأتمنى لك التوفيق والنجاح في هذه الخطوى الجيدة والتي نحن بحاجة إليها. وأتمنى أن تتحلى بالجرأة، وتطرح كل الأسئلة التي تجول في ذهنك وفي أذهان القراء وعقولهم، وتركز أسئلتك على الجانب الفكري أكثر منه على الجانب الشخصي
كاكا بيار شكراً على قبولك الدعوة، وإذا سمحت لي دعنا نبدأ بطفولتك. ماذا بامكانك أن تخبرنا عن هذه المرحلة المهمة بحياتك، وماذا تتذكر منها وبشكل مختصر إذا أمكن ذلك؟
طفولتي لا تختلف عن طفولة بقية أطفال الكرد في قرى منطقة عفرين وخاصة “جبل ليلون” الذي يحيط بمدينة عفرين من الجهة الشرقية والجنوبية. حيث جميع السكان هم من أبناء الشعب الكردي. الحياة كانت بسيطة، ولكنها كانت قاسية بعض الشئ، كون الناس كانوا يعتمدون في حياتهم على الزراعة وتربية المواشي، ولم يكن هناك مجال أو إمكانية للترفيه للأطفال ولا للكبار. قرانا الروبارية كانت شبه معزولة إلى بدايات السبعينات. ولم يكن هناك أجهزة تلفازة ولا جرائد ولا راديوهات في القرية. كل ما تعلمناه من قصص وحكايات، كان الأهل يقصونها علينا. الشئ الذي كان يميز قريتنا، هو وجود مدرسة إبتدائية نموذجية فيها. وهذا ما مكننا من التعليم ومن ثم التدرج في الدراسة بمدينة حلب نظراٍ لقربها من قريتنا
الذي ترسخ في ذاكرتي ولا أنساه من مرحلة الطفولة، عدة أشياء: منها الدفئ الإنساني، البساطة في الحياة، التعلق بالأرض وعشقها، حب الحيوانات والطبيعة، روح التعاون والحياة الجماعية، وطقوس الأعراس الكردية الجميلة
والشئ الأخر الذي لم أنساه، هو اليوم الأول في المدرسة الإبتدائية، بحيث كان صدمة حقيقة لي ولجميع الأطفال الذين كانوا معي بالصف. حيث لأول مرة نرى شخص يتحدث بلغة غريبة لا نفهمها نحن أطفال القرية، ولا ندري ماذا يقول. وإستغربت أنه غريب وليس من قريتنا، فكرهت المدرسة وهذا الرجل، وبكيت كثيرآ بعد عودتي من المدرسة إلى البيت وأخبرت أمي بذلك. وقلت لها لا أريد الذهاب للمدرسة ثانية. وعندما سألتني الوالدة: لماذا يا إبني وهي تحتضنني وتحاول تهدأتي وتطيب خاطري قلت لها: رأس وجعني من هذا الرجل الغريب، أنه يتحدث بلسان أخر غير لساننا، ولم نفهم عليه شئ. وطلبت منها بتغيره لأنني كنت أعتقد كطفل بأن الأهل قادرين على فعل كل شئ. وأضفت من يكون هذا الرجل يا أمي؟ ومن أين أتى؟ ولماذا لا يدرسنا أحدآ من القرية وبلغتنا كي نفهم عليه؟ أسئلة لم تجد لها الوالدة أجوبة ، وتمتمت ولا أدري ماذا قالت بالضبط حينها … ولكنها ترجتني بالعودة عن قراري والذهاب ثانية للمدرسة. وكانت تشجعني على التعليم وتحببني بالعلم أكثر من الوالد، وكانت تعشق العلم مع أنها لم تدخل المدرسة، وهذا الحرمان لربما كان يدفعها لتعليمنا بأي شكل وبأي ثمن كان. ولا أخفيك كانت شديدة كل الشدة معنا في موضوع التعليم، وربطتني بها علاقة خاصة ومميزة كوني كنت الطفل البكر لها
المشكلة أن أبي وأمي كليهما لم يكونا يتحدثان العربية، ولم يكونا بإمكانهما الحديث مع المدرس، ليكون طويل البال معنا، ولا يقصى علينا، كوننا لا نلم بالعربية نهائيآ. ولا أخفيك كرهت اللغة العربية كرهاً ما بعده كره نتيجة هذه التجربة المريرة، والمفروضة فرضاً على أطفال الكرد الذين حرموا من التعلم بلغتهم الأم كبقية أطفال شعوب العالم
وولدت هذه التجربة ردت فعل سلبية في داخلي تجاه تعلم اللغة العربية، وبقيت ضعيفاً في اللغة العربية بحيث رسبت في الصف التاسع (الكفاء)، بسبب رسوبي في مادة اللغة العربية. ولكن مع الوقت تحسنت لغتي في مدينة حلب بعد بناء علاقات إنسانية وإجتماعية مع الزملاء العرب وخاصة اليساريين منهم
وأبناء القرية من الذين كانوا يتقنون العربية بعض الشئ وكانوا قلة قليلة في تلك الأيام، كانوا يخجلون التحدث بها مع بعضهم البعض، وكان يعتبر ذلك أمراً معيباً للغاية، فالحديث كان فقط باللغة الكردية بين أهل القرية، عكس هذه الأيام تماماً، حيث بعض الكرد يتحدثون بالعربية مع بعضهم البعض في الشارع، وفي بيوتهم بدون حياءٍ ولاخجل، إنه أمر مقزز للنفس ومعيب للغاية من وجهة نظري الشخصية. وكتبت قصة باللغة الكردية حول اليوم الأول بالمدرسة ونشرتها أكثر مرة. هذا بإختصار كاك مصطفى عن طفولتي، وإذا كان لديك أي إستفسار بإمكانك أن تسألني عنه
شكراً ماموستا بيار، على هذا العرض الموجز عن طفولتك، والذي يمكن للمرء أن يستخلص العديد من العبر منها. والأن دعنا نمر إلى السؤال الثاني ويتلخص في التالي: متى ظهرت ملكة الكتابة عندك؟ وهل حلمت يوماً في شبابك أن تكون شاعراً أو كاتباً يوماً ما؟
منذ صغري كنت أحب الحديث والكلام، وكل مَن كان حولي ينصوتون لي وكنت أستمتع بذلك، وهم أيضاً. وأسمع من الأهل والأقرباء دومأً ملاحظة أنني كثير الحديث والكلام، وكانوا يسألون والدي ووالدتي ويقولون: من أين يأتي هذا الطفل بكل هذا الكلام؟ كانوا يضحون ويقولون لا ندري من عند الله
وكنت ميال لسماع القصص والملاحم الكردية من الأهل وكل من كان يحسن رواية ذلك من المعارف من حولنا بالقرية. ولم يشدني الأعمال اليدوية قط. ولذلك لم أتعلم أي شئ من الأعمال الزراعية، رغم كان لدينا أراضي زراعية كافية، وكنا نزرع العديد من الأشياء. كنت أحب مجالس الكبار والإستماع اليهم، ولحسن حظي كان والدي رحمه الله، يصطحبني معه إلى كل مكان، ومن هنا كان إختلاطي بالناس كثيراً وحتى مع أهالي القرى الأخرى المجاورة لنا، وزرت مدينة حلب وأنا طفل صغير في العمر بفضله.
في المرحلة الثانوية، بدأت أحس أن لدي ميول للكتابة، وأقصد بذلك الكتابة الصحفية لأنني كنت أطلع على الصحف والمجلات وخاصة مجلة المدار السوفيتية ومجلة ألمانية شرقية نسيت إسمها، وكنت من رواد مكتبة “دارالفجر” بحلب. ومع الوقت باتت لدي مكتبة خاصة في البيت، وكان إهتمامي الأكبر بالقضايا السياسية والفكرية حينها. وكان لدي إحساس وحلم في ممارسة الكتابة الصحفية ذات يوم، ولكن لم أحاول تجربة ذلك وأنا في البلد ولا أدري السبب
وأول تجربة كتابية لي كانت في منتصف ثمانينات القرن الماضي بمدينة حلب، وهو أني كتبت نص يمكن إعتباره نثراً وكان يدور حول “راتب الموظف”. ولم أطلع أحداً عليه، ولكنني إحتفظت به لسنوات طويلة، حتى أن تفجرت موهبة الشعر عندي في عام 1996، فحولت هذا النص إلى قصيدة شعرية وأظن إسمها “لماذا جعلتني موظفاً” وفي الجامعة وأثناء دراستي كتبت أول موضوع كان إقتصادياً بحكم دراستي، وهذا النص أدهشني شخصياً وأدهش كل مَن حولي لجهة قوة وعمق المقال، وعلماً لم يكن مطلوباً مني ذلك كواجب مدرسي، وإنما جاءت فكرة كتابة ذاك الموضوع فجأة وكتبته بغرفتي في السكن الجامعي. وأتذكر قول أحد الزملاء حينما قال لي بعد إطلاعه على الموضوع: “ستكون يوماً كاتباً ياعزيزي”. لم أخذ كلامه على محمل الجد وإعتبرته نوع من المجاملة لا أكثر، ولم أشغل بالي يوماُ بذلك على الإطلاق. لكن عندما كنت أقرأ مواضيع ومقالات، كنت أحس أنني قادر على كتابة مثلها، ولم يخطر على بالي فكرة الكتابة على سبيل التجربة وإمتحان الذات
هكذا حتى عام 1995 حيث بدأت بكتابة المقالات السياسية والإجتماعية والفكرية بشكل محترف، وكتبت على مدى سنتين حوالي خمسين مقالاً، منه ما هو طويل ومنه ما هو قصير، ولم ينشروا منها سوى ثمانية مقالات كما أتذكر، والجهة الوحيدة التي قبلت نشر بعض هذه المواد كانت جريدة “المنبر”، التي كان يصدرها الإتحاد الوطني الكردستاني من لندن، وكان رئيس تحريرها الأخ “سامي شورش”، وزير الثقافة الأسبق في إقليم جنوب كردستان رحمه الله. بعدها توقفت عن كتابة المقالات الصحفية بسبب رفض الأحزاب الكردية فتح المجال أمامي، وذلك بسبب أرائي ومواقفي الناقدة لهم، ولم يكن حينذاك الإنترنيت وشبكة الإتصالات قد ظهرت وإنتشرت مثل اليوم
وفي مطلع شهر أيار من عام 1996 كنت ذات ليلة جالساً إلى طاولة لوحدي في الصالون وأقرأ في كتاب يناقش وضع المجتمع الكردي وأمراضه، و كان جهاز التلفزيون مفتوحاً، ولكن صوته كان منخفضاً. وكان أمامي مجموعة من الأوارق الخالية من الكتابة وقلم رصاص وقلم ناشف أزرق (بيك)، وهما المفضلان لدي حتى الأن أثناء الكتابة. الأن لم أعد أكتب على الورق إلا نادراً، حيث الكومبيوتر الذي أراحنا كثيراً من الكتابة على الورق، وبالتالي وفر ورقاً كثير وهذا أمر إيجابي بالنسبة للبيئ
في لحظة ما أذاعوا بعض الأغاني وإحداها كانت عن الليل وليلى شئٌ من هذا القبيل، وأخذت لا شعورياً أدندن بكلام على وقع موسيقى الأغنية، وعندما لاحظت أن ما أدنده طال وأخذ شكل معيناً، أخذت على الفور أدون ما أدندنه على الورق الذي كان أمامي حيث قلت : ليلى عاليةٌ علوى السماء ليلى
ليلي ليلى وهوايا ليلى
عيونٌ سُرقت من الغزلان عيون ليلى
ووجنتيها بلون الورد ليلى
وشفتيها من رونق الرمان ليلى
وقامة من الريحان ليلى
***
ليلى أحلى من حلمُ الحالمين
وأبدع من خيال الفنانين
محبتي مودتي ليلى
ليلٌ ضوى فيها ليلى
بسمة ليلى فجر الصباح كلما لاح
فراشة تفرفش قلوب الناس ليلى
تاجٌ يوضع فوق الرأس ليلى
صوتها كالندى كلما نادت
كالدمع يترقرق وكالبلابل يشدو وكالنسائم يغدو
***
في الحقيقة القصيدة طويلة تقريباً ثلاثة صفحات على الكومبيوتر، ولا مجال هنا لسردها كلها، وعلى كل حالة هي منشورة. وعندما إنتهيت من كتابة النص، لم أدري إنها ميلاد ولادتي الشعرية، ولم أكن لأجزم أنها قصيدة شعر أو نثر أو شئ أخر. ولم يكن هناك شخص بقربي لكي أستشيره وأخذ رأيه بهذا النص وبماذا ينصحني. ولم أكتب إسمي تحت النص، لأني أردت معرفة رأي الناس به، دون أن يعرفوا لمن النص، لتجنب المجاملة والنفاق. إلى أن إلتقيت ذات يوم بصديق وعرضت عليه النص كونه يتقن اللغة العربية وله إلمام بالأدب. إطلع على النص وقال التالي: النص لا بأس به، وإذا تعب صاحبه على نفسه وإجتهد، سيكون له شأن في المستقبل
شكرته على تفضله بالقراء وإبداء رأيه بالنص، وأنكرت علمي بمعرفة صاحب النص، ومن هنا كانت البداية دون تخطيط أو تمهيد أو حلم. وفي ذات العام إنفجرت القريحة الشعرية باللغة الكردية وكنت حينها أتقن اللغة الكردية كتابة وقراءة
حقيقة ماموستا بيار، على ما يبدو أن صراعك مع القوى السياسية الكردية تمتد لسنوات طويلة، ولاحظت المرارة والألم الذي بداخلك، لكن المهم لم تيأس وإستمريت في مسيرة العطاء، وشكراً للإنترنيت الذي عرفنا عليك وأوصلنا ببعضنا البعض، ونجري هذا الحوار الشيق والمفيد
وسؤالي التالي هو: بمن من الشعراء والأدباء تأثرت، إن كانوا كرداً أوعرباً أو أوروبيين؟
كاكا مصطفى، دعني أبدأ إجابتي بالبوست، الذي قد نشرته على صفحتى في الفيسبوك من فترة ولربما قرأته شخصياً، لفائدته وربما أختصر علي الجواب وكان كالتالي : ليس هناك من كاتب وشاعر أو مبدع نتاج ذاته، وإنما هو نتاج الثقافة الإنسانية ومضيفاً إليها”. ولا شك أنني تأثرت ببعض شعرئنا الكرد وخاصة الراحل جيكرخون، الذي أعتبره مدرسة متفردة بالشعر الكردي المعاصر. وهناك أسماء أخرى مثل اوصمان صبري، دلبرين، تيرز، خاني، دلدار، صبري بوتاني وأخرين كثر
ومن الشعراء والأدباء العرب: نزار قباني، السياب، نازك الملائكة، عبدالرزاق عبد الواحد، البياتي، بلند الحيدري، معروف الرصافي، الجواهري، إمرؤ القيس، البيروني، غازي القصيبي، سميح القاسم، فاروق جودة، أحمد شوقي، ابراهيم الحافظ، أبو القاسم الشابي، عمر أبو ريشة، سليمان العيسى، كريم العراقي
ومن الكتاب حسنين هيكل، أنيس منصور، إحسان عبد القدوس، نجيب محفوظ، حنا مينا، عبدالرحمن منيف، طه حسين، عزمي بشارة، يوسف زيدان، مصطفى أمين، جبرا ابراهيم جبرا، خليل جبران، محمود عباس العقاد، محمد عابد الجابري، إبن خلدون، نوال السعداوي، الكواكبي، فراس سواح، وماجد خزعلي، سليم بركات، وأخرين كثر
ومن الكتاب والشعراء الأوروبيين، كارل ماركس، ماكس مولر مؤسس علم الأديان، فورباخ، إسبينوزا، ريكاد، تولستوي، جيخوف، كافكا، ياروسلاف سيفرت، جوزيف براك، فاتسلاف بابولا، نيرودا، هيغل، ماركيز، سارتر، نيتشه، هيرمن خروتر، يان بورستول، مولير، يان أرينتس، برنارد شو، وأخرين كثر في الواقع. بكل هؤلاء المبدعين وأخرين مثلهم تأثرت دون شك. ولكن ستستغرب إن قلت لك لم أتأثر بشكسبير على الإطلاق ولم يشدني يوماً
في الحقيقة ماموستا، كم هائل من المبدعين ومن دول مختلفة، وما لفتني أكثر في الحقيقة هو عدم إنجذابك لشكسبير، ما سبب ذلك يا ترى؟
أظن أن السبب النفخ الكثير فيه، وجعله فوق التصور، وهو لم يكن كذلك حسب قناعتي. هذا ما خلق في نفسي نفوراً منه. وأنا بطبعي ميال للثقافة الفرنسية والألمانية. ولا أنكر دور المثقفين الإنكليز. وأجزم بأن ملحمة “مم و زين” لأحمد خاني، تفوق جمالاً وإبداعاً من كل أعمال شكسبير على الأقل من وجهة نظري الشخصية، ولكن خاني كان ينتمي لأمة مازال تحت نير العبودية، واللغة الكردية لم تكن يوماً لغة عالمية، لهذا لم يأخذ حقه من المكانة والشهرة العالمية التي يستحقها
سؤالي القادم ماموستا بيار، هو مزيج من الأدب والسياسة. السؤال هو كالأتي: لماذا ليس لدينا إتحاد كتاب وأدباء كردي مستقل عن الاحزاب السياسية والسلطات الكردية؟
عزيزي مصطفى، هذا الأمر ذو شجون ومتشعب وله أسباب عديدة، ولكن سأختصر عليك الجواب وعلى الإخوة القراء الكرام. بالمختصر المفيد الكثيرين ممن يسمون أنفسهم كتاباً وشعراء، يمارسون مهنة الإرتزاق بكل صدق وأمانة. ولا يختلفون في ذلك بشئ عن السياسيين الكرد. بالطبع هناك القلة يمارسون عملهم بأمانة وضمير ويخدمون شعبهم الكردي على أكمل وجه. ويوجد بين السياسيين الكرد أيضاً ما هو مخلص وصادق مع نفسه وشعبه، كي لا نعمم الأمر
إن أردت تشكيل إتحاد على صعيد كل كردستان، ستصطدم بعدة عقبات منها: من سيتصدر قيادته؟ هذه العقبة الأولى؟ ثانياً، بأي لغة سنتحدث ونكتب المراسلات والتقارير؟ وأين سيكون المقر؟ وكم فرد سيمثل كل جزء من كردستان؟ وكيف سنحل تمثيل كرد المهجر؟ ومن سيمثل كل جزء؟ ماذا عن مكانة المرأة الكاتبة؟ أي علم سنرفع فوق مقر الإتحاد والمكاتب وخلال الإجتماعات؟ كيف سيتعامل الإتحاد مع القوى السياسية الكردية المختلفة؟ كيف سنمول الإتحاد ومن أين؟
ثم من هو الكاتب الكردي؟ هل هو الذي يكتب باللغة الكردية الفصحة؟ أما باللهجة السورانية الفقيرة؟ أم باللهجة الكردكية (الظاظئية)؟ وماذا عن الكرد الذين يكتبون بالعربي والتركي والفارسي وغيرهم من اللغات؟ ولا تنسى هناك المناطقية تلعب دوراً سلبياً داخل كل جزء من كردستان، إلى أخره من أسئلة وعقبات. كل هذه الأسباب حالت دون قيام إتحاد يمثل جميع كتاب وشعراء وأدباء الكرد وكردستان ويكون إتحاداً حقاً مستقلاً
من مما سمعت، يبدو لي لن يكون هناك إتحاداً مستقلاً يشمل جميع كتاب والشعراء الكرد في المستقبل القريب. هل هذا الفهم صحيح؟
نعم إنه صحيح.
ماموستا، دعنا نخرج بسرعة من هذه الصورة السوداوية، التي رسمتها وذكرتني بحكاية “المؤتمر الوطني الكردستاني العتيد”، الذي لم يرى النور، وأظنه لن يراه في المستقبل المنظور، ونتحدث عن موضوع أخر أتمنى أن يكون أقل سوداوياً
:من تشكيل الإتحاد، وسؤالي التالي هو
ماهي أهم المصاعب التى تقف في طريق الادباء الكرد من أمثالكم في الوقت الحاضر؟
هناك عدة مصاعب يعاني منها الكتاب الكرد من هذه المصاعب
معضلة اللغة
عندما تكتب بالكردية الفصحة (الأحرف اللاتينية)، الكرد في جنوب وشرق كردستان لا يتقنونها ويستخدمون اللهجة السورانية التي لا مستقبل لها. وهناك أمر أخر أن غالبية الكرد في غرب كردستان
لا يتقنون القراء والكتابة باللغة الكردية لأسباب معروفة. وفي شمال كردستان، لا يتعدى نسبة الذين يتقنون اللغة الكردية 5%. وهناك كتاب كرد يكتبوب بلغات غير اللغة الكردية، وتشاهد كيف أننا نعاني من معضلة حقيقية حيثما برمت. والسؤال الأخر لِمَن ستكتب وبأي لغة؟ وهذا بالضبط ما يحد من إنتشار الكاتب بين صفوف شعبنا الكردي
الوصول للقراء
“الإعلام” الكردي مغلق أمام المبدعين الكرد وخاصة المستقلين وأصحابي الأقلام الحرة. وبل أكثر من ذلك، هذا الإعلام الحزبي المدجن يحارب تلك الأقلام الحرة، ويعطي المجال للأبواق الرخيصة للتهجم عليهم وتشويه سمعتهم
عدم إحتضان الكتاب
المطابع ودور النشر الكردية، لا تحتضن الكتاب والشعراء، ولا تقوم بطباعة نتاجهم الأدبي وتوزيعه في كل كردستان والمهجر، وخاصة الكتاب المستقلين منهم، الذين يرفضون أن يتحولوا إلى أبواق لهذا الحزب أو ذاك، وأنا واحد من هؤلاء الشعراء والكتاب المغضوبين عليهم
ممارسة الضغط والإرهاب
الكثيرين من المثقفين والكتاب الكرد، يتعرضون إلى ضغوط وإرهاب حقيقي من قبل بعض الجهات الكردية ومحتلي كردستان على حدٍ سواء. ويهددون حياتهم بشكل مباشر وغير مباشر، وبأشكال وأساليب متعدد
غياب ثقافة القراء
هناك ضعف مخيف في نسبة القراء بين صفوف الشعب الكردي، وليس لدينا ثقافة القراءة، وإقتناء الكتب للأسف الشديد. ولهذه الظاهرة السلبية المعيبة أسبابها المختلفة ويطول شرحها
حالة الضنك
الأكثرية الساحقة من الكتاب والشعراء والأدباء الكرد، يعانون من حالة الضنك، ومعروف أن الأدب ومهنة الكتابة في مجتماعتنا ودولنا لا تطعم الخبز إلا نادراً
في هذه الحالة، كان الله في عون مثقفينا ومبدعينا الكرد من الشعراء والكتاب والأدباء، وحقيقة لم أتوقع أن تكون حالتهم بهذه السوء والرداءة
هذا هو واقع مثقفينا يا عزيزي مصطفى، وهو واقعٌ مرٌ وبائس
دعنا نأمل بأن يتحسن الوضع في المستقبل، ويصبح هذا الواقع جزءً من الماضي. وإذا سمحت لي ماموستا سأنتقل إلى السؤال التالي وهو الأخير في حوارنا هذا، ويدور حول أعمالك والسؤال هو
ماهي أهم نتاجتك الادبية حتى الأن؟ –
وتكملة للسؤال، أنا أعلم أنك متعدد المواهب، وتستحق لقب الأديب عن جدارة وأمثالك قلة في مجتمعنا الكردي، وعلى حد علمي أيضآ تكتب باللغتين الكردية والعربية بشكل رشيق وجميل
شكراً على إطرائك اللطيف وهذا من كرم أخلاقك وأدبك. لدي حتى الأن 26 ديوان شعر. عشرة (10) منها باللغة الكردية وواحد من هذه الدواوين للأطفال. وستة عشر (16) ديواناً بالعربي وواحد منهم أيضاً للأطفال. ولدي مجموعتين قصصتين واحدة باللغة الكردية والأخرى باللغة العربية. وأربعة (4) قواميس، منهم قاموس بالصور، ومازال أمامي ثلاثة قواميس لكي أغلق ملف القواميس بشكل تام. ولدي ثلاثة (3) كتب في اللغة الكردية وأدرس من كتبي طلبتي بالجامعة. ولدي بحث باللغة الكردية عن عيد “نوروز” القومي. ولدي أيضآ بحث إنتهيت منه قبل شهرين بعنوان: “المصطلحات الكردية في القرأن واللغة العربية”. ولدي أيضآ رواية واحدة بالعربي، وقصتين طويلتين بالعربي. وعدة مجلدات تضم مئات المقالات والمواضيع الفكرية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية وباللغتين أيضاً. كما أحضر لكتابة ثلاثة كتب واحد عن الديانة الزادشتية وعلاقتها بالديانات الإبراهيمية الثلاثة، والثاني فكري يدور حول مفهوم القومية والأمة وموقع الكرد منهما. والثالث فلسفي أو فكري وهو عبارة عن نظرية الدوائر وأتناول من خلال الإنسان بدوائره المختلفة، هذا ما إستطعت إنجازه إلى الأن وجزء منه في طريقه إلى الإنجاز
ما شاء عليك ماموستا، أنت فعلآ غزير العطاء ومتنوع في حقول الإبداع، وهذا من حسن حظنا نحن القراء وتحديداً الكرد منهم
تسلم يا عزيزي مصطفى كلك ذوق
وقبل أن ننهي هذا الحوار الشيق، والذي أتعبتك معي، بماذا تنصح الادباء الشباب الكرد ماموستا؟
من الصعب أن تنصح شخص في هذا المجال لأن ممارسة الأدب بأنواعه موهبة في المقام الأول والأخير. وفي مجالنا هذا كل شخص يشق طريقه بنفسه، ويجرب ويخطئ ويصيب. إلا أنني من باب التجربة الشخصية، يمكن أن أبدي ثلاثة ملاحظات عامة وإن أردت فإعتبرها نصائح إن شئت هي
الملاحظة الأولى
أن لا يقلدوا أحدآ، ويبنون شخصيتهم المستقلة، ولغة خاصة بهم
الملاحظة الثانية
أن لا يستعجلوا الشهرة، وأن يتعبوا على أنفسهم من خلال القرأة المستمرة وفي كافة مجالات الحياة
الملاحظة الثالثة
أن لا ينغروا، فالغرور قاتل والمبدع الحقيقي لا يعرف الغرور نهائياً. ومن سمات المبدع الحقيقي والجاد هو التواضع
في ختام هذا اللقاء المباشر والعفوي، أشكرك جزيلاً إستاذ بيار على قبولك لدعوتي المتواضعة، وثانيآ على وقتك وإجابتك على كل أسئلتي، التي طرحتها عليك، وسخاءك في الإجابات وصراحتك المعتادة. فلك مني كل الشكر والتقدير، وأترك الكلمة الأخيرة لك إستاذنا العزيز ننهي بها هذا اللقاء
أشكر كاكا مصطفى على هذه الفرصة للحديث، وأنت أخ عزيز علي. وأتمنى أنني أجبت على كل أسئلتك، وأملي أن يجد القراء الأعزاء فائدة في الذي قلته من خلال هذه المقابلة. وفي الختام أتمنى لك التوفيق والعمر المديد
في الختام، أعزائي القراء باسمي وإسمكم جميعاً أتمنى لأديبنا الإستاذ بيار روباري، دوام الصحة والعطاء لم فيه خير إمتنا الكردية والإنسانية جمعاء، وإلى اللقاء في مقابلات أخرى قادمة بإذن الله
أخوكم: مصطفى باكو.[1]