د.خليل جندي
أثناء مراجعتي وترجمتي للنص الديني الايزيدي (قەولێ ئێزی و مەدەهێ) المتعلق بالملك البابلي نبوخذنصر، حسب رواية رجل الدين (فقير خدر بركات كسو)، جلب إنتباهي ما ورد في (السبقات4، 15، 16، 17) عن رمزية: نجمة الصبح (ستێرا سبەهێ)، والمِصْعَدُ (السُّلُّمُ)/ (سێلم) المسند على جدار القصر، ذلك القصر الساكن فيها (عزير/أو عزيز)!… السؤال الذي قفز للذهن: عن أية نجمة صباح، وعن أي قصر، وعن أي (عزير) يتحدث النص الديني؟!
فهل يمكن التوفيق بين بعض النصوص الدينية والحوادث التاريخية؟
تقول (سبقات) النص:
4- بستێرا سبەهێ ئەز خەلاتكرم /بنجمة الصباح أكرمني
بسێ حەرفا خەبیركرم /وجعلني خبيراً بثلاثة أحرف (معاني)
هاتیمەو ڕابوهرم /قادم أنا لأكمل المشوار
15- پەدشایێ منی دەلیل عێلم (1) /إلهي العليم العارف
ئەز بەر بوێ ڕم (2) /أنا ذاهب (مَعَرجُ) إلى هناك
بقەسرێ ڤەنا سێلم /أُسند (السُّلُّمُ) على جدار القصر
16- سێلم بقەسرێ ڤەنیا /تم إسناد المِصْعَدُ (السُّلُّمُ) بجدار القصر
كولاڤە وە لێ شدیا / هكذا شدّ الأوتاد
ئیلاهیۆ! تویی مشوری لهەموو جیا/إلهي أنت مشهور في جميع الأماكن!
17- ئەو بوو قەسرا عزێری تێ (3) /كان ذلك القصر الساكن فيه (عزير)
دەستخەت و بێری تێ /وفيه المخطوطات والكتب القديمة
خولام و جێری تێ (4) /وفيه الخدم والجواري
بعد البحث بين العديد من المصادر، توقفت عند كتاب البروفيسور ارثر جفري، الفصل المخصص ل “الإسراء والمعراج” (5) . يرى ارثر جفري ان ميثة الإسراء لا علاقة لها مع سورة النجم، كما يقول معظم المسلمين، والتي تقول “*وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى*وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى..” إلى آخر السورة، كون سورة النجم تسبق سورة الإسراء بخمس سنوات على الأقل، في حين يجمع المسلمون عموماً على أن الإسراء والمعراج حدثا في وقت واحد (6) .
ويعتقد البروفيسور جفري ان المسلمون نقلوا سورة الإسراء والمعراج من الأدب الديني اليهودي- المسيحي، وتبنوا ميثة سلّم يعقوب الواردة في سفر التكوين:
“تك:28-10: وخرج يعقوب من بئر سَبْعَ ومضى إلى حاران. تك:28-11: واتفق أنه وجد مكاناً بات فيه، لأن الشمس قد غابت. فأخذ بَعضَ حجارة المكان. فوضعه تحت رأسه ونام في ذلك المكان. تك:28-12: وحَلَمَ حُلْماً، فإذا سُلَّمٌّ منتصب على الأرض ورأسه يلامس السماء، وإذا ملائكة الله صاعدون نازلون عليه، تك:28-13: وإذا الرَّبُّ واقف بالقرب من يعقوب، فقال: “أنا الرَّبّ إله إبراهيم أبيك وإله إسحق. إن الأرض التي أنت نائم عليها، لك أُعطيها” إلى أن يصل ما جاء في: تك:28-16:”فاستيقظ يعقوب من نومه وقال: “حَقَّاً إِنَّ الرَّبَّ في هذا المكان، وأَنا لم أَعلَمْ”. تك28-17: فخاف وقال: “ما أَرهَبَ هذا المكان! ما هذا إلاَّ بَيتُ الله! هذا باب السماء!”
إن (سلماً) في اللغة الاثيوبية تعني المعراج، كما قال الباحث هوروفيتس (كتاب حكايات الصعود)، ويقول إن اللغة الإثيوبية كانت طاغية، بعد السريانية طبعاً، في كتاب المسلمين المقدّس. ورد في لسان العرب:
مِعراج: (اسم)
الجمع: مَعَارِجُ ومَعارِيجُ
المِعْرَاجُ: المِصْعَدُ والسُّلَّمُ
المِعْرَاجُ: ما عرجَ عليه الرسول ليلة الإسراء
ليلة المعراج:
ليلة السابع والعشرين من رجب، ليلة صعود الرسول إلى السماء. وهذا يعني أن النبي صعد على سلّم وليس على البراق الأسطوري. ويضيف البروفيسور بأنه ليس من الضروري أن يكون المسلمون أخذوا ميثة المعراج عن النص الإثيوبي لسفر التكوين؛ فثمة عمل مدراشي معروف للغاية يهودياً-مسيحياً اسمه “سلّم يعقوب” بغض النظر عن العمل المسمى “سفر أخنوخ-إدريس) الإثيوبي، الذي يتقاطع في كثير من نصوصه مع ميثة المعراج الإسلامية (7) .
ما يهمني من هذه الإشارات، هو تضمين النص الديني الايزيدي (ئێزیدو مەدەهێ) على ثلاثة عناصر(رموز) مرتبطة مع قصة واسطورة (الإسراء والمعراج) وهم:
أ- نجمة الصبح (بستێرا سبەهێ ئەز خەلاتكرم = أكرمني بنجمة الصبح).
ب- المِصْعَدُ (السُّلُّمُ) (سێلم بقەسرێ ڤەنیا /تم إسناد المِصْعَدُ (السُّلُّمُ) بجدار القصر).
ج- عزير/أو عزيز (ئەو بوو قەسرا عزێری تێ= كان ذلك القصر الساكن فيه عزير).
إستناداً إلى رواية وقناعة رجل الدين (فقير خدر بركات كسو) إن النص الديني الايزيدي المشار إليه أعلاه له علاقة بفتح مدينة القدس من قبل الملك نبوخذنصر، في حين إن هذا النص يتضمن عناصر من اسطورة (الإسراء والمعراج)، وهنا تقفز العديد من الأسئلة المحيرة للذهن، أولها:
هل ان بناء هذا النص متأثر بالميث اليهودي-المسيحي، أم بالميث الإسلامي، أم انه بناء خاص بموضوع آخر لا علاقة بالإثنين؟
هل ان (السُّلُّم) المذكور في النص الديني، هو (سلُّم يعقوب) الصاعد من الأرض إلى السماء، أم هو السلُّم المسنود إلى (سور القدس) أو (جدار قصر القدس) كما ذكرها الراوي في قصة نبوخذنصر؟
السؤال الآخر: مَنْ هي شخصية (عزير/أو عزيز) في النص الديني؛ هل هي إشارة إلى (اوزيرا- اوزوريس- ايزيس) المَلِك المصري الذي اكتشف الزراعة والصناعة والأبجدية، أو هو مَلك الموت (عوزرائيل-عزرائيل)، أم هو (عزيز) مصر، ملك الهكسوس (آسيس Assis) أو (كرتوس-ساليتس- شيشي)؟
السؤال الأكثر حيرة هو، لو افترضنا ان الرموز الواردة في النص الديني الايزيدي هي إشارات إلى (سلُّم يعقوب) أو (الإسراء والمعراج) الإسلامي، فلماذا يأتينا النص مكتوباً باللغة الكرمانجية- الكردية؟ علماً (سبقات) أخرى من النص تتحدث عن قضايا قبل ظهور الدعوة الإسلامية. هذا ما يتضمنه كتابي الجديد ( البحث عن الدين الايزيدي التاريخي) تحت عنوان: (نبو خذ نصرو “قەولێ ئێزیدو مەدەهێ”).
الهوامش والمصادر:
(1)پەدشایێ منۆ لدنێ عێلم
(2)ئەز گەلەكی بەرب وێرم
(3)قەسرا عه زيزی تێ
(4) ينظر كتابي: پەرن ژ ئەدەبێ دینێ ئێزدیان= صفحات من الأدب الديني الايزيدي، المجلد الثاني، الطبعة الأولى، سبيريز 2004، ص908-918، أو نفس الكتاب الطبعة الثانية، سبيريز 2013، ص 940-953.
(5) ارثر جفري، البحث عن محمد التاريخي، ترجمة وتعليق نبيل فياض، دار أبكالو، الطبعة الأولى 2020، ص 101 وما بعدها.
(6) ارثر جفري، ص 105.
(7) نفس المصدر ، ص 106-107.[1]