رامان آزاد
تحتفظ منطقة #عفرين# باللون الأخضر على مدار السنة، فحقولها تضمُ أكثر من 18 مليون شجرة زيتون، وهي شجرة دائمة الخضرة، وبسبب تعدد الدورات الزراعيّة، وكذلك المساحات الكبيرة للغابات والأحراج التي تتوزع في مواقع عديدة من المنطقة، حيث كان عددُ الأشجار في استزادةٍ عاماً بعد عامٍ، وبعد احتلال التركيّ للمنطقة أضحى مجمل الغطاء النباتيّ والغابات الحراجيّة يتهددها الخطر بسبب أعمال التحطيب والحرائق المفتعلة وكذلك الرعي الجائر.
المساحة الحراجيّة في منطقة عفرين
تبلغ مساحة عفرين 3850 كم2 معظمها مناطق جبليّة، وتشكل المناطق الحراجيّة منها أكثر من 11% من مساحتها، وتتوزع المناطق الحراجية الطبيعيّة والمزروعة على كلِّ قرى عفرين، وتتفاوت مساحات الأحراش فتبدأ من بضع مئات من الأمتار المربعة إلى عشرات الكيلو مترات المربعة لبعضها.
تُقدّر مساحة الغابات الطبيعيّة المؤلفة في معظمها من الغابة الحراجيّة المتوسطيّة بالمنطقة بنحو 22 ألفاً، وأهم الأنواع السنديانات حوالي 85% من المساحة وأهم الأنواع المرافقة لها: الزرود، البطم، الزيتون البريّ، السويد، الأصطرك، الزعرور السدر، الكرز البريّ، العناب، القطلب، الشربين (من فصيلة الصنوبريات).
وتشكل الصنوبريات الطبيعيّة ما يقارب 15% من المساحة الحراجيّة والأبرز هو الصنوبر البروتيّ والصنوبر الحلبيّ مع وهذه تتركز في جبال خاستيا ناحية معبطلي وناحية جنديرس جبل قازقلي وأحراش الحمام.
إلى جانب الحراج الطبيعيّ المذكور أعلاه، تم في عفرين التشجير الحراجيّ وتمّت فيه زراعة أحراج لمساحات كبيرة تبلغ ما يقرب 15 ألف هكتار. وأهم المواقع المشجرة: جبل الزيدية، باسوطة، الكفير، كفرجنة، قطمه، مشعلة، ميدانكي، علي بازانلي، حلوبية، كورتك، قورت قولاق، جبل ليلون، ديكمداش.
يوفر الغطاء الحراجيّ البيئة الطبيعيّة للعديد من الحيوانات البريّة والطيور والحشرات التي تضمن التوازن البيئيّ للمنطقة وكذلك نمو أنواعٍ من الأعشاب والفطور الصالحة للطعام أبرزها فطر الصنوبر.
تدمير مروّع للبيئة الحراجيّة
توضح الصور المختلفة والمقاطع المصوّرة وشهادات الأهالي أنّ جميع مواقع الغابات والأشجار الحراجيّة منذ عام 2018 وحتى اليوم تعرضت للقطعِ والحرق وتشير دلائل عديدة أنّ ذلك يتم بشكلٍ متعمد وممنهج لتحويل آلاف الهكتارات إلى مناطق بور وجرداء.
تشير تقديرات مهندسي الأحراج الذين كانوا يعملون في شعبة الأحراج في عفرين عن الأضرار التي لحقت بالثروةِ الحراجيّة خلال السنوات الأربعة الماضية تتجاوز 50% حتى نهاية شهر آذار عام 2022، فيما لا تتوفر إحصائيات دقيقة للأضرار.
بعد تداول الصور المروّعة لاختفاءِ غابات كاملة نتيجة عمليات التحطيب الجائر والحرائق المتعمدة، عمد المرتزقة إلى مسرحية حملة تشجير في موقع ميدانكي، وقالوا إنّه تمّ زرع نحو خمسة آلاف شتلة، وهي حملة لمجردِ الدعاية، فعمليات زراعة الأشجار محددةٌ في فصلي الخريف والربيع، ولا تُنفذ في فصلِ الصيف مع ارتفاع درجة الحرارة، ومن جهة ثانية أصدرت ما تسمّى الإدارة الأمنية تعميماً تضمن عقوباتٍ وغرامات مالية ومصادرة الآليات التي تُضبط في عمليات قطع الأشجار وتنقل الحطب، وهو تعميمٌ دعائيّ شكليّ، لأنَّ الجهة التي تقوم بقطع الأشجار هم المرتزقة ومتزعموهم ولا يمكن لأيّ جهةٍ مساءلتهم ومحاسبتهم.
وقد تجاوزت نسبة التدهور في الغابات 50%، وتُقدّر مساحاتها الإجماليّة للغابات الطبيعيّة (18500) هكتار، والاصطناعيّة 21 ألف هكتار، وبذلك يُعرف حجم الخسائر الكبير في الثروة الحراجيّة، ويضاف إلى كلِّ ذلك عددٌ كبيرٌ من أشجارِ الزيتون وأنواع أخرى من الأشجار المثمرة التي تم قطعها.
تصاعدت وتيرة عمليات قطع الأشجار في الغابات الصنوبريّة والحراجية في آب الماضي، ما يهدد بزوال الغطاء النباتيّ، مع عدم وجود أيّ آليات مراقبة أو محاسبة، كون أنّ المرتزقة هم الذين ينفذون عمليات القطع أو يحمون المستوطنين الذين يقومون أيضاً بالقطع.
بعد مشاهد التلال المطية ببحيرة ميدانكي الجرداء، تم تداول مقطع مصور لمرتزقة “الحمزات” يقطعون أشجار الصنوبر في الغابة المطلة على بلدة باسوطة.
نقل “موقع الآن” عن ناشط إعلاميّ يتابع توثيق الانتهاكات التي تُمارس بحق السكان وأملاكهم والاعتداءات المستمرة على الغابات الحراجيّة في عفرين قوله “تثبت الصور والمقاطع المصوّرة لاجتثاث الغابات الحراجيّة المحيطة ببحيرة ميدانكي إبادة بيئيّة في إحدى المناطق السوريّة الغنية بالغطاء النباتيّ الطبيعيّ، ولا يعد هذا المشهد شيئاً أمام هول ما تشهده ناحية جندريس ومحيطها، فهي من أغنى مناطق عفرين بالغطاء النباتيّ وتمَّ القضاء عليها تقريباً، ولا أحد يعلم ولا صورة تثبت الجرائم”.
ويضيف: “الفصائل المسلحة ورغم وضع حواجز عسكريّة ومنع وصول المواطنين إلى بحيرة ميدانكي ومحيطها، لم تستطع إخفاء انتهاكاتها وتجريد المنطقة من الغطاء النباتيّ، ولكن لا أحد يستطيع الوصول إلى غابات جندريس، فالفظائع بحق النظم البيئيّة بحسب قوله تحصل هناك بصمتٍ تامٍ. لاحظت وجود قوة عسكريّة قرب البحيرة وضعت حواجز تمنع الاقتراب منها، ولم أعرف لماذا، ولكني أدركت أسباب تلك الحواجز بعدما رأيت صور إزالة الأشجار على الفيسبوك. وأكّد أنَّ الذين يقطعون الأشجار يتوزعون بين عناصر الفصائل العسكريّة وبين النازحين الذين جاءوا من مناطق سوريّة مختلفة، ولا يتم أي شيء كما يقول دون علم تلك المجموعات المسلحة”.
بيع الحطب بالمناقصة
ويقوم متزعمو المرتزقة بقطع منظم للأشجار ضمن مناطق سيطرتهم المطلقة، وتتسم العملية بالتنظيم، ويكلف قسم من المسلحين بعمليات قطع الأشجار وفق مهمات رسمية صادرة من متزعميهم، لتنقل الأشجار المقطوعة بعدها إلى مستودعات خاصة، وتُباع لاحقاً لعدة جهات وفق مناقصاتٍ سريّة تجري بين متزعمي المرتزقة الراغبين بعمليات الشراء، لتشكل عوائد بيع هذه الأشجار مصدر دخل هام لهذه الفصائل، تنشط عمليات قطع الأشجار خلال شهر تموز وآب وأيلول، وذلك للتحضير لبيعها خلال موسم الشتاء القادم، وتتعدد الجهات التي تقوم بشراء الأشجار المقطوعة.
يتراوح سعر الطن من الحطب في الأسواق بين 180 إلى 220 دولار ويتعمد متزعمو المرتزقة بيع الحطب الوطني ببيعه بسعر يتراوح 75 140 دولار للطن الواحد، بحسب الجودة ودرجة الجفاف ومكان التسليم، ويتم البيعُ لجهاتٍ متعددة، فبعضها يباع في السوق المحليّ وفي مناطق ريف حلب، وقسم آخر يقوم متنفذين في هيئة تحرير الشام بشرائه ونقله إلى إدلب لطرحه في السوق المحليّ.
وفي مطلع تموز الماضي طرحت ما تسمّى “إدارة الحراج” مناقصة سريّة على متنفذين تتعامل معهم لبيع ما مقداره 2100 طن من الحطب، وكانت فصائل المرتزقة قد قامت بتجميع الأشجار المقطوعة وقصها وتعبئتها في أكياس، في مقر إدارة الحراج، وتُنقل الأشجار المقطوعة من وإلى المركز على مرأى من السلطات الأمنيّة التابعة للاحتلال التركيّ (إدارة الشرطة العسكرية ورئاسة الحكومة المؤقتة) التي تقع مراكزها قرب مركز إدارة الحراج المذكور.
وطرحت المناقصة بسعر 150 دولار للطن، لترسو على عدة جهات بأسعار مختلفة، ووزِّعت الكمية على ثلاثِ جهاتٍ، وحصلت “هيئة تحرير الشام” على ثلث الكمية، عبر اتفاق بين أحد مسؤولي القطاع الاقتصاديّ في هيئة تحرير الشام.
الحرائق المُفتعلة في الغابات
تشكل الحرائق خطراً كبيراً يهدد الغابات في عفرين، وقد اندلعت عشرات الحرائق في عفرين، وقضت على مساحات كبيرة من غابات عفرين، وقد اندلعت السبت الماضي حرائق واسعة في الأحراش قرب جبل قازقلي في قرية كفرصفرة بناحية جنديرس والتهم حريق كفرصفرة مساحة 4 هكتارات، وقضى حريقٌ بحرش قرية حج حسنلي على مساحة هكتارٍ واحد، وقال فريق الإطفاء: “إنّ الحرائق مُفتعلة، وإنّهم أخمدوا بالبداية الحريق الأول، لكنّهم فوجئوا بحريق ثانٍ، وشاهدوا رجلاً يتحرك قرب موقع الحريق، وتابعوا عملهم بإخماد بعض نقاط انتشار الحرائق في الوادي، لكنّهم لم يتمكنوا من الوصول إلى بعضها الآخر بسبب وعورةِ الأرض وانحدارها، واعتمدوا طريقةِ العزلِ لمنع انتشارِ الحريقِ”.
وأشار فريق الإطفاء إلى أنّ صوتَ منشار قطع الأشجار كان يُسمع بوضوح، ولا يبعد سوى أمتار عن التجمع السكنيّ الاستيطانيّ الذي أقامته منظمة الإحسان للإغاثة والتنمية بموقع جبلي يُعرف باسم “جايي شاوتي” القريب من جبل قازقلي قبل عامين.
وكان لافتاً في الموقع نفسه وجود حرش لأشجار الصنوبر الضخمة مقطوعة بشكلٍ كامل، وبعض الأشجار مقطوعة منذ زمن قصير، وبعد عودة فريق الإطفاء من موقع الحرائق شاهدوا عمالاً يقطعون الأشجار، وبالقرب منهم سيارة شاحنة صغيرة، وقد توقفوا عن القطع بمجرد وصولهم قربهم، ما دلّ على أنّ مصدر صوت المنشار كان من عندهم، واللافت أنّ نقطة حرس تابعة لمرتزقة “سمرقند” كانت قريبة من مكانِ قطع الأشجار وموقع التجمع السكني، وهو دليل تورط المرتزقة المسلحين سواء بإضرام الحريق أو التحطيب.
البيئة في القانونِ الدوليّ
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قرارها 456/4 المؤرخ 5/11/2001، يوم 6 من تشرين الثاني من كلِّ عام “اليوم الدوليّ لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكريّة. لمراجعة الإجراءات المتخذة للحد من معاناة هذه الضحية الصامتة (البيئة) أو كما وصفتها منظمة الأمم المتحدة في تقاريرها المعنية بحماية البيئة، والعقبات التي اعترضت سبيل المجتمع الدوليّ في تحقيق الكثير منها.
كانت عمليات الحطيب وقطع الأشجار وحرق المحاصيل الزراعيّة جزءاً مهماً من أعمال الاعتداء على البيئة الطبيعيّة في تاريخ الحروب والصراعات المسلحة إلى أن البيئة الطبيعية تعرضت للعديد من الانتهاكات على مر التاريخ فكثيراً ما كان تلويث الآبار، وإحراق المحاصيل، وخلال حرب فيتنام (1961 – 1973) تم تدمير الغابات والمساحات الخضراء وتحويلها إلى مناطق جرداء نتيجة استخدام (العامل البرتقالي) لإسقاط أوراق الأشجار وكشف المقاتلين».
انعكست المخاوف البيئية التي أثيرت عقب حرب فيتنام واللاحقة لإعلان استكهولم إلى تضافر جهود المجتمع الدولي في عام 1977، حيث نتج عنها إقرار اتفاقية بشأن حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأي أغراض عدائية أخرى، وغالباً ما يشار إلى هذه الاتفاقية بمعاهدة «التغيير البيئي»، وتشمل التقنيات المنصوص عليها في الاتفاقية كل أسلوب يُستخدَم لإحداث تغيير «عن طريق التحكم عن قصد بالعمليات الطبيعية أو ديناميكيات الأرض أو تركيبها أو بنيتها» بما في ذلك نباتاتها وحيواناتها وجزء اليابسة منها وغلافها المائي أو الجوي.
ورد في القانون الدوليّ الإنسانيّ العرفيّ القاعدة 43. تنطبق المبادئ العامة لإدارة الأعمال العدائيّة على البيئة الطبيعيّة:
أ- لا يجوز الهجوم على أي جزء من البيئة الطبيعيّة ما لم يكن هدفاً عسكريّاً.
ب- يُحظر تدمير أيّ جزء من البيئة الطبيعية إلا في الحالات التي تستلزمها الضرورة العسكريّة القهريّة.
ج- يحظر الهجوم على هدفٍ عسكريّ قد يتوقع منه التسبب بأضرار عارضة للبيئة ويكون مفرطاً في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.
كذلك، تطبق عدد من البيانات الرسميّة هذه القاعدة على البيئة الطبيعيّة، وفي قرار بشأن حماية البيئة في زمن النزاعات المسلحة، أكّدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في العام 1992، على أنَّ “تدمير البيئة على نحو لا تبرره الضرورة العسكريّة، وبشكلٍ متعمد، مخالفة واضحة للقانون الدوليّ القائم”، وحثَّ الإعلان الختاميّ الذي أقره المؤتمر الدوليّ لحماية ضحايا الحرب، في العام 1993، الدول على إعادة التأكيد على احترام القانون الدولي الإنسانيّ الذي يحمي البيئة الطبيعية ضد “التدمير المتعمد المسبب لأضرار بيئيّة جسيمة وتأمين احترامه..
وأكدت القاعدة 44 على حماية البيئة الطبيعيّة والحفاظ عليها، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب الإضرار العارض للبيئة، فيما حظرت القاعدة 45 استخدام أساليب أو وسائل قتال بقصد بها أو يُتوقع منها أن تسبب أضراراً بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعيّة، ولا يُستخدم تدمير البيئة كسلاحٍ.
وحظر التدمير غير الضروريّ للممتلكات المنطبق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية (القاعدة 50)، ينطبق أيضاً على ما يخصُّ البيئة، وقد تقدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ببيان مبادئ بشأن حماية البيئة زمن النزاع المسلح في تقرير رفعته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993، ولم يلقَ التأكيد على هذا الأمر أيّة معارضة.
ورد في البرتوكول الإضافيّ لاتفاقية جنيف لعام 1977 المادة 55: حماية البيئة الطبيعيّة:
1 تراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد، وتتضمن هذه الحماية حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يُقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر بصحة أو بقاء السكان.
2- تحظر هجمات الردع التي تُشن ضد البيئة الطبيعية.
لا مؤشراتٍ حالياً على إجراءاتٍ جدية لوضعِ حدٍّ لعمليات التحطيبِ الجائر للغابات في عفرين المحتلة، التي باتت أحد الموارد الماليّة، فيما تضرم الحرائق المفتعلة للقضاء على أكبر عدد ممكن من الأشجار لبناء التجمعاتِ الاستيطانيّةِ مكانها، ويقدّر عدد الأشجارِ المقطوعة نحو مليوني شجرة.[1]