غاندي إسكندر
مع تعيين ممثل جديد للولايات المتحدة الأمريكية في شمال وشرق سوريا، ولقاؤه بممثلي أحزاب #المجلس الوطني الكردي#، وأحزاب #الوحدة الوطنية الكردية#، طفى على السطح الحديث مجدداً عن إمكانية عودة الحوار الكردي الكردي، واحتمالية تفعيل اللقاءات المتوقفة منذ برهة من الزمن، ولاسيما أن التحديات العسكرية والسياسية، التي تواجهها مناطق (شمال وشرق سوريا، وروج آفاي كردستان) وفي مقدمتها التصعيد العسكري لدولة الاحتلال التركي براً وجواً ضد مكونات وشعوب المنطقة عموماً، والشعب الكردي خصوصاً.
وفي ظل النمو المتسارع للخلايا الإرهابية المندحرة، التي ما زالت تشكل تهديداً للسلم الأهلي على امتداد الجغرافية السورية، إضافة إلى استمرار حياكة المؤامرات من قبل أطراف الصراع في سوريا، فإن مطالب الشعب الكردي في (روج آفا) اليوم والأمس، كانت ولاتزال تتطلب التكاتف، ورص الصفوف بغية تعزيز الأمن، والاستقرار في شمال وشرق سوريا، وآمالهم الملحة أن تكون اللقاءات والتوافقات الكردية، أنموذجا يحتذى بها، ومنطلقاً لحل سياسي شامل للأزمة السورية، التي طالت، ويفرض نفسه هذا الحوار كخطوة سديدة نحو بلورة حوار سوري سوري بعيداً عن الأجندات الإقليمية والدولية، تأخذ بيد السوريين إلى مرافئ الديمقراطية، والحرية المنشودة، لكن أحياناً كثيرة ترتطم الرغبة الجماهيرية في التوحيد، والسمو بمنبر الأخوة، على صخرة أصحاب المصالح، وسيناريوهات الانحناء لرغبات الأعداء.
مبادرات عديدة باءت بالفشل
لاشك أن وحدة الخطاب السياسي الكردي في عموم أجزاء كردستان المقسمة، حلم يراود جميع أبناء الشعب الكردي، ويرافقهم منذ رسم الخرائط السياسية في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، وكلما أتيحت الظروف والمتغيرات ينتشي الشارع الكردي، ويتحدث عن أهمية الوحدة، والتغني بضرورة التلاحم، وتأتي أهمية وحدة الصف الكردي في سوريا خاصة بعد الحروب والتطورات الدراماتيكية، التي شهدتها الجغرافية السورية من أقصاها إلى أقصاها، ومن ضمنها (روج آفاي كردستان) لاسيما بعد انطلاقة الثورة السورية عام 2011، وثورة التاسع عشر من تموز عام 2012،(ثورة روج آفا)، وضرورة الاستفادة من الفرصة التاريخية المصاحبة للتغير الحاصل في المنطقة، وقد أطلقت مبادرات عدة من قبل أطراف وقوى كردستانية وطنية، وفعاليات سياسية ومجتمعية، ونخب ثقافية وحزبية من أجل تحقيق التقارب، وتوحيد الرؤية السياسية الكردية، في ظل تشابك وتعقد الوضع السياسي والعسكري السوري، إلا أنه للأسف المبادرات كلها، التي سعت إلى توحيد الموقف الكردي، وإنشاء مظلة سياسية جامعة للكرد في سوريا، قد باءت بالفشل.
حبر على ورق
إن أولى مساعي توحيد الخطاب الكردي، والتي تكللت بالتوقيع على اتفاقية هولير(1) بين مجلس شعب غرب كردستان آنذاك، والمجلس الوطني الكردي، والتي تشكلت على إثرها (الهيئة الكردية العليا) عام 2012،إلا أن الاتفاقية التي أشرفت عليها قوى كردستانية، لم تأخذ طريقها لحيز التنفيذ، وكانت حبراً على ورق؛ بسبب خمول، وتكاسل المجلس الوطني الكردي، وعدم مقدرته على تطبيق مخرجات الاتفاقية على أرض الواقع، وبسبب التصارع بين أطرافها وتنسيقياتها، وارتباط البعض سياسياً مع محاور كردستانية وإقليمية.
ولحقت اتفاقية هولير من قبل المجلس الوطني الكردي في التغافل عن تطبيقها، بالاتفاقيات التي لحقتها عام 2014 (دهوك 1) و(دهوك2 )، التي تم التوقيع عليهما من قبل حركة المجتمع الديمقراطي، والتي انبثق عنها تشكيل مرجعية كردية من الطرفين، إضافة إلى مشاركة مستقلين من فعاليات اجتماعية خارج الإطارين، في الوقت ذاته كانت المقاومة التاريخية، التي رسخها أبطال وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة في معركة التصدي لمرتزقة داعش، الممولين من قبل تركيا في كوباني، قد وحدت معظم أبناء الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة، وجميع دول تواجد الكرد، لكنها لم تستطع للأسف من توحيد، وتوافق السياسيين على أرضية مشتركة، تكون قادرة على استثمار صدى النجاح العسكري المحرز على الصعيد الإقليمي والعالمي، فقد تبين أن المصالح الحزبية والشخصية، والتجاذبات، والخلافات بين أعضاء المجلس أنفسهم، وعدم قدرتهم على تحديد الآلية، التي سيتخذون القرارات، وبطؤهم في تحديد لجانهم وممثليها، ومن ثم تهربهم، ومراهنتهم على المعارضة السورية، والحكومة التركية، قد أفقدهم تغافلهم ذلك عن المجريات كلها، مبادرة الوحدة والمشاركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية، تلك الإدارة التي وضعت نصب عينها دفع الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على المكتسبات، التي تحققت بدماء آلاف الشباب، من أبناء شعوب شمال وشرق سوريا، ومن جانب آخر على الرغم من التصريحات السلبية، التي كان يتفوه بها قادة المجلس حول تطبيق الاتفاقيات السابقة هولير، ودهوك، واحد، واثنان، واتهامهم لحركة المجتمع الديمقراطي بعرقلتها، كانت قيادات حركة المجتمع الديمقراطي كلها تنظر إلى الاتفاقيات المبرمة على أنها منجز، يجب أن يرى النور؛ لأنها كانت وفق رؤيتهم تعبر عن رغبة الشعب الكردي ومصلحته، وعلى أساس هذه الرؤية، كانوا يتريثون، ويمهلون الجانب الآخر الالتزام بتعهداتهم.
التغريد خارج السرب الكردي
رغم حالة الحرب الضروس، التي كان يخوضها الشعب الكردي مع مرتزقة داعش، وأيتام أردوغان، وزبانيته، ما يسمى (الجيش الحر) من أقصى شمال شرق سوريا في (عين ديوار) إلى أقصى الشمال الغربي في تخوم (عفرين)، والتهديدات الأمنية من كل حدب وصوب، إضافة إلى الحصار الاقتصادي المفروض على المنطقة، لم يفقد أعضاء حركة المجتمع الديمقراطي الأمل في توحيد الصف الكردي، فبعد شد وجذب، وحوارات، ولقاءات بين (تف دم)، والمجلس الوطني الكردي، وفسح المجال من قبل الإدارة الذاتية، وحركة المجتمع الديمقراطي للمجلس الوطني الكردي بالانضمام إلى مرحلة البناء والتحرير والمشاركة الديمقراطية، في تثبيت أركان الإدارة الذاتية، والمشاركة الفعلية في قيادة الجماهير الكردية بالمشاركة مع باقي شعوب المنطقة، كانت الطامة الكبرى بانضمام المجلس الوطني الكردي إلى ما يسمى بالإتلاف المعارض المُدار من قبل أجهزة الاستخبارات التركية (الميت)، فسرعان ما تماهى المجلس الوطني الكردي وقياداته مع الحملة الإعلانية، والدعائية، التي تصاغ وتتشكل في غرف ودوائر الحرب الخاصة التركية الرامية إلى معاداة الإدارة الذاتية، وتشويه صورة قوات حماية الشعب، وقوات حماية المرأة، وقوى الأمن الداخلي، والحراك الشعبي أمام الرأي العام العربي والعالمي، ومنظمات حقوق الإنسان المهتمة بالشأن السوري عامة.
ولم يكتفِ المجلس الوطني الكردي بتشويه صورة الإدارة الذاتية فقط، بل لعب دوراً تحريضياً ضد أبناء جلدته، عندما غزت تركيا ومرتزقتها، ما يسمى (الجيش الوطني السوري)، (عفرين، وسري كانيه، وكري سبي) وارتكبوا الموبقات بحق البشر، والشجر، والحجر، والتزموا الصمت حيال جميع الانتهاكات اليومية من قتل، وتشريد، واغتصاب، بل يسمون المناطق التي احتلت من (روج آفاي كردستان) بالمناطق المحررة، ويصافحون، ويهللون لمن عاث في الأرض الكردية فساداً.
مبادرة القائد مظلوم عبدي
إن كل ممارسات، وتصرفات قيادات المجلس الوطني الكردي، ووقوفهم مع المحتل التركي، ومشاركتهم جوقة الائتلاف المنبوذ سورياً، في مواقفه العنصرية ضد الشعب الكردي، والإدارة الذاتية، لم تحل دون ترحيب الإدارة الذاتية، ومجلس سوريا الديمقراطية، وأحزاب الوحدة الوطنية، بأي مبادرة من أجل توحيد الصف الكردي، ومنها مبادرة قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التي أطلقها في عام 2020، تلك المبادرة، التي لاقت استحسانا وترحيبا من قبل معظم شرائح المجتمع الكردي، وقواه السياسية، وعلى إثر المبادرة، تشكلت لجنة تحقيق للنظر في وضع ثمانية مفقودين، اختفوا في فترة الفوضى الأمنية، ويطالب بكشف مصيرهم المجلس الوطني الكردي، ورغم الاستجابة لمطالب المجلس كلها، من قبيل فتح مكاتبهم دون موافقة أمنية، وحرية الحراك السياسي، وتنظيم الفعاليات الجماهيرية، إلا أن المجلس للأسف الشديد خيب آمال الجمهور الكردي في الوقوف في خندق الأخوة، ضد مآرب الأعداء، بل في الفترة، التي كانت فيها اللقاءات مستمرة، وقذائف المدفعية، والطائرات التركية تدك القرى، والبلدات على كامل الشريط الحدودي مع باكور كردستان، وتجري أكبر عملية تغير ديمغرافي في عفرين، التقت قيادات المجلس الوطني الكردي، في مقر وزارة الخارجية التركية بوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، وبذلك نسفوا، وتهربوا من كل ما سبق، من لقاءات، وتفاهمات، بل حاول البعض ممن يُحسبون على أنقرة، الاستفادة من تلك المبادرة للمساومة مع الاستخبارات التركية، والمعارضة السورية؛ لكسب بعض النقاط لمصالحهم الشخصية، والحزبية الضيقة، على حساب إرادة الشعب الكردي، ودماء أحد عشر ألف شهيد.
المجلس في واد والشعب الكردي في وادٍ آخر
خلاصة القول: يبدو جلياً، أن المجلس الوطني الكردي، ومعظم قادته، هم في واد، والشعب الكردي في واد آخر، فمن يرتهن ويقدم أوراق الطاعة العمياء لحكام أنقرة، ودولة الاحتلال التركي، ويشارك الولائم مع قتلة المناضلة الشهيدة هفرين خلف، ويسمي المناطق المحتلة (كعفرين، وسري كانيه، وكري سبي) بالمناطق المحررة، ويروج عبر وسائله الإعلامية لسياسات المحتل، ويعمل ليل نهار، لهدم المكاسب، التي حققتها الشعوب في شمال وشرق سوريا، ويحبذ البقاء تحت عباءة هولير وأنقرة من أجل مصالحه الشخصية والحزبية، لاشك، أن صاحب تلك الروح الانهزامية، يرى أن المصلحة الكردية العليا، هي ما ترسم له، ويتم التوافق عليها بين أعداء الكرد، والمرتبطين بهم.[1]