خيري فرمان
قصة بناء أول مدرسة للديانة الايزيدية في #عفرين# سوريا : خيري فرمان
هو خدر بن حمو بن درويش ألختاري والملقب خدر خماري وعَرِفَه أيزيدي قضاء عفرين بأسم خضر أفندي أبو عالية .
رأى خدر النور عام 1887 م في قرية بحزاني التابعة لناحية بعشيقة والتي تبعد عن مدينة الموصل بحوالي 12 كم ،
يعد خدر حمو من الرَعيل الاول من المتنورين الايزيدين أذ دخل المدرسة وتعلم القراءة والكتابة في مدينة الموصل عندما كان والده حمو مزارعا عند أحد الوجهاء الاثرياء المعروفين (البگاوات ) وكما تتلمذ أيضا على يَد علماء الدين الايزيدي أبرزهم قوال كوي شقيق قوال باسي والشيخ نذير والد البيشمام علي ، لا يخفى بانه كان مفكرا مخضرما وداهية مبدعاً يحفظ على ظهر قلبه الدعاء والفرائض والنصوص الدينية والتاريخية الزاخرة ،وبلاشك كان يؤرشف ويدوٌن كل ماتقع عليه عينيهِ وما يسمعه من قصة أو كلمة مفيدة ليحتفظ بها في عصر الأمية والجهل السائد بين ابناء المجتمع الايزيدي خصوصا نتيجة الاِنزواء والتقوقع على نفسهم وخوفهم من المحيط الذي يعيشون فيه .
وتستحق الاشارة الى ان خدر تزوج من سيفكو وخَلفَ منها وَلَدان رشيد وفرمان وأربع بنات خُماري وكَژي وبَسي ونَدو رحمهم الله جميعا .
وخلال منعطفٍ زمني لعبَ القدر به وتقرب من الأمير سعيد بك أمير الديانة الايزيدية في العراق والعالم ولوالدته ميان خاتون وبشخصيته الموزونة وعقله الواسع المستنير وشجاعته وأخلاصه برز من بين المرافقين والمقربين لهم وأضحى رجلا مهما بل من المستشارين المعتمدين للأمير وميان خاتون حيث يستشيرون به في الشاردة والوارده ويستحق الذكر أن الانتداب الفرنسي فرض في سوريا عام 1922 وانتهى الحكم العثماني الجائر وخلال هذه المرحلة الجديدة منحت الحرية والثقة للاقليات الدينية والقومية ،، وبرزت مستجدات وتغييرات جديدة على الساحة السورية وخصوصا ضمن.محافظة حلب وعفرين والتي حضي خلالها الايزيديين على اِهتمام واِعتبار من قبل السلطات السورية والمؤسسات الحكوميةكما أبدوا بدعمهم المعنوي والعسكري ، ودرويش آغا أضحى ممثلاً ومنسقاً عن جميع أيزيدية المنطقة في شتى المجالات الدينية والاجتماعية ، وبهذا حَظي دَرويش باعتراف والدعم المميز من قبل الفرنسيين وغَدت جسور العلاقات الايزيدية الفرنسية متينة وموسعة وكما تم تفعيل مقترح بناء المدرسة وتنفيذه باشراف درويش أغا وكذلك تَم جَمع التَبرعات من الوِجهاء والاهالي والتلاميذ وبعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات المرتقبة بين جميع الاطراف اكدوا على سمو الأمير سعيد بك الذي كان مقره في قصبة باعذرة ضمن قضاء الشيخان القريبة من معبد لالش النوراني و التابعة للواء الموصل آنذاك ووالدتهِ ميان خاتون ودرويش مجيور الشخص المقرب لهما الاتفاق لاِيفاد معلم متنور يكون عند حسن ظن الجميع وبعد المشاورة شاء القدر ان يكون خدر حمو درويش أكثر المقربين لسعيد بك وأول مَن وقعت عينا الامير عليه كونهِ صاحب ثقة وايمان ويمتلك باع في الدين والتاريخ ويجيد القراءة والكتابة ،
فقد تم تبليغه بالايفاد الى سوريا والسكن في منطقة عفرين ليسد الفراغ الديني وليفتح مدرسة توجيهية لأبناء الديانة الايزيدية القاطنين حول جبل كورداخ قرب مدينة عفرين من أجل النهوض بالوضع والواقع الديني والاجتماعي هناك ، فقَبِل خدر بالأمر وشدَ الرِحال وَحدهُ تاركاً وراءه زوجته سيفكو مع أولادها في بحزاني متخذاً وَجهتهُ صوب قضاء عفرين قرية عرش قيبارة وعند وصولهِ الى المنطقة اُستقبل بِحَفاوة من قبل وِجهاء المنطقة وأبرز المستقبلين كان درويش شمو أغا ألمتكفل ببناء المدرسة في قريتهِ قيبارة لتحتضن أبناء المنطقة من الايزيدين وبمختلف الفئات العمرية ،
فبادر بالبناء بدعم مادي ومعنوي من قبل أبناء المنطقة وبرخصةٍ رسمية من السلطات الفرنسية ووالي حلب بعد أخذ رأي كل الجهات الحكومية ووِجهاء المنطقة .
وبالمناسبة صممت واجهة بارزة للمدرسة وكتب عليها حفراً عليها عنوان وتاريخ المدرسة كالاتي (تأسست هذه المكتبة بفضل كرم الله لأبناء الديانة الأيزيدية في قضاء كورداغ بهمة درويش أغا بن شمو سنة 1927 غربي / 1344 هجرية ) وبعد مدة قصيرة وبجهود جماعية أكمل بناؤها بأجمل صورة وبمساحة واسعة تكتفي لاحتضان 200 تلميذاً وجهزت بمستلزماتها وأثاثها وممتلكاتها المتحضرة ، وكما نظمت لها اِفتتاحية رسمية منتظمة حضرَها جميع الوجهاء ومختاري القرى الاِيزيدية التي تتبع قضاء عفرين وولاية حلَب وكما حضر أكثر من مئة تلميذ أيزيدي من كلا الجنسين .حيث أكمل بناء المدرسة على مايرام وجهز الصفوف والمقاعد والمستلزمات وأخذ دور المعلم خدر بأهميةٍ وخُصِص له منزلاً متواضعاً وأستمرت المحاضرات الدينية يومياً وبطريقة علمية ودوام رسمي متواصل بأدارة درويش ودعم الأمير اسماعيل چول بك الذي لم يقصر هو الاخر بعلاقته الواسعة وتَنسيقهِ مع الشخصيات الاِجتماعية والسِياسية والحكومية ،
وبدأت الناس تتوافد على المدرسة من كل المناطق القريبة والبعيدة لتلقي علم الايزدياتي والتربية السليمة و الادعية والفرائض وتفسير الاعياد والمراسيم الدينية ،
وبالرغم من هذا التفاؤل كان التلاميذ يعانون من عَناء الطريق الوعر وعلى ظهر الدواب قاصدين المدرسة (المكتبة) من كل القرى المحيطة (قيبارة وبرج عبدالو وغزوية وقسطل جندو وباصوفان وفقيران وقطمي وكفرزيت ) هذا من أجل التنوير والتعلم والتَحضر الذي كانوا محرومين منه طيلة القرون الأربعة الماضية أبان حكم العثمانيين الحاقدين المتطرفين لسوريا والمنطقة قاطبة .
ونظم خدر سجلات للادارة و الاستقبال وتدوين الزيارات وتتواصل العناية والمتابعة من قبل المسؤؤلين والمثقفين باِستمرار دون أنقطاع . بالاضافة الى تخصيص منزل خاص للمعلم خدر حمو خُصص له راتب شهري مع مستحقات معيشية أخرى ،
وهنا برز دور المعلم خدر في ظل هذه المرحلةوبعد مدة من التواصل في التعليم وتالقه في مجال التربية الدينية أخذ المقربين منه يشعرون بعبئهِ الثقيل وحياتهِ المعيشية والاِجتماعية وضرورة تزويجهِ من اِحدى فتات القرية لتملأحياته وتعمل في منزله وتنسيه معاناته فأقترحوا عليه كثيراً وباِلحاح حتى تم اقناعة فتزوج خدر من فتاة متواضعة من حسب ونسب وتبرع درويش أغا بتكاليف الزواج ومصاريفه واثاث منزلهتزوجَ من اِحدى فَتيات القرية أسمها گولي من عائلة معروفة ومتواضعة ، وتكفل درويش بمصاريفه وترتيب أثاث لمنزله وبعد عامين أبدى خدر نجاحا باهرا وأرتقى تلاميذه وذاع صيت المدرسة وادارتها بين الاوساط الحكومية والفرنسية والايزيدية وخلفت زوجته گولي له بنتاً أسموها عالية ولكن مع الحسرة والألم فارقت الحياة بعد الولادة وانتشلها القدر منه ورحلت عن اِبنتها دون تراها وتفرح بها . وهنا عُدَ منعطفاً قاسياً وصعباً بالنسبة للمعلم خضر أفندي وطفلته وعثٌرَ مسيرته التربوية وغيٌرَ مجرى حياته ومع هذا بصبره وتجلده ووقوف الجميع بجانبه أخذ يجتاز المرحلة بقوة وصلابة ومن جانب آخر تَربَت طفلته على حليب النساء الراضعات ، وتعاملوا معها جميعا كطفلتهم المدللة كما أقترح المقربين وبضمنهم درويش أغا على تزويجه ثانية ولكن قوبلوا بالرفض القاطع من خدر معبراً عن تفاؤله واِرتياحه بالحالة هذه دون زواج ومن جانبه تواصل خدر في اِلقاء محاضراته وتوجيهاته الدينية والاِجتماعية وتسير قافلتهم على مايرام ، والزوار والمسؤؤلين يتوافدون على مدرسته معبرين عن دعمهم ومساندتهم وتعاونهم مدونين كلماتهم وآراءهم في صفحات سجلات الادارة والاستقبال .
وأستمر عمله التربوي وتواصل في خدمة أبناء جلدته حتى عام 1931 بعد ماقدرَ الله على درويش آغا وترجله عن صهوةِ جواده بفعل خيانة أحد مرافقيه له .
وهذا الأمر المرير فتح شرخاً كبيراً في حياته ونفسه وغير مسيرة مشروع المدرسة ونفسية معاونيه ومؤيديه ورحل عن الجميع تاركاً وَراءه مشروعا تربويا راقيا وحلما تاريخيا لم يعد يتحقق بعده . وتستحق الاشارة الى أن ولديه المرحومين رشيد وفرمان كانوا يذكرون لنا أثناء سرد قصته التاريخية وسيرة حياته بانه واصل البقاء هناك ومكث عرش قيبارة مدة 12 سنة أي باِصرار الوجهاء والمثقفين والتلاميذ رضخَ لأمرهم ورافق جميل أغا وشاركه كل نشاطاته وعطاءاته حتى ما تجاوزت اِبنته عالية بين الخامسة والسبعة من العمر ثم قرر الرجوع الى عائلته وذويه في بحزاني بعزم وأصرار .
ولا ننسى الأمير أسماعيل چول بك الذي تابع كل خطواته ونشاطاته في سوريا وأبدى دعمه المعنوي المتواصل وبحكم شخصيته وتنسيقه مع الشخصيات الحكومية والاجتماعية لم يتخلى عنه وعن مدرسته حتى ذلك اليوم الذي عاود خدر فيه مسقط رأسه بحزاني بين اهله وذويه ولخدمة بني جلدته ورعاية افراد اسرته ومن خلال تواجده في المنطقة كان يجتمع مع عدد من أبناء قريته من طالبي العلم والمعرفة منه والمعجبين بأفكاره وثقافته الدينية والاجتماعية والتاريخية حيث واصل في القاء محاضرات عامة من كتب تاريخية عالمية كانت بحوزته وابرزها الف ليلة وليلة وشمس المعارف الكبرى وكتبٍ روحانية أخرى فضلا عن مفاصل من التاريخ الايزيدي وآدابه ونصوصه الدينية وتواصل في عطاءاته حتى مماته حينما تواعد معه القدر في يوم ايماني وهو متوجه الى معبد لالش النوراني وبعد تجواله وطوفانه بين المزارات والنواشين المقدسة وفجأة توقف قلبه الكبير وقلمة المعطاء عن النبض والتواصل بعد ألم مرير في اِحشاء بطنه ولم يمهله القدر ساعة من الوقت حتى فارق الحياة في أقدس مكان على الارض ، رحل عن دنياه الفانية وتوجه الى الآخرة متفائلاً مطمئناً من اِيمانه وعمله .
هذا وبعدها توجه ذويه والناء جلدتها بموكبه الجنائزي من لالش الى بحزاني ثم الى مقبرة أجداده عند مزار الشيخ شمس بحضور ذويه وأهله وأبناء عشيرته وأبناء بعشيقة وبحزاني . ولابد هنا من الاشارة الى اهتمام المؤرخين والكتاب والباحثين من ابناء المنطقة بحياته وعطاءاته حيث زار خديدا شيخ خلف مدرسته الكائنة في قيبارة عام 2002 وتجول فيها واِطلع على سجلاته وبصماته الخالده وكذلك دوٌن زيارته في عدة مواقع من التواصل الاجتماعي والصحف التي بدات النشر في عام 2003 ،
وتبعه حفيده بركات فرمان خدر أيضا بواسطة كتاٌب وباحثين من أهل قيبارة أبرزهم محمد عبدو وعبدالرحمان مدير تيريج عفرين نت و المرحوم محمود كلش وتوصل الى مدرسته وزار عائلة درويش أغا وكذلك زار المنطقة المرحوم فريد عبدالله اِطلع على آثار ديار المدرسة والمرحوم وتجول في المنطقة.[1]