بيار روباري
دراسة تاريخية
5/ موقع الرصافة:
مدينة “الرصافة” مدينة قديمة للغاية وتقع على بعد (30) ثلاثين كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة الرقة الحالية الواقعة في غرب كردستان. كما تم ذكرها في المدونات الآشورية واليونانية، ويعتقد أنها هي ذاتها التي ذكرت في التوراة.
وبعد سيطرة البيزنطيين على المنطقة ومن ضمنها مدينة الرصافة، بنوا على أنقاض المدينة الخورية – الميتانية مدينة حديثة وأطلقوا عليها تسمية “سرجيليوس”. وبنى البيزنطيين قلاعآ ضخمة بهدف حمياتها من الغزوات والهجمات الخارجية المعادية من قبل الساسانيين الكرد وغيرهم. وإزدهرت المدينة لعدة عصور متتالية، وكانَت دائماً محور صراع بين الساسانيين والرومان واليونانيين. كانت الرّصافة تقَع في المقاطعة البيزنطية التي كانوا يسمونها “إيفوراتنسيس” أي (سورية الحالية)، فيما كان يُطلق الرومان عليها اسم “أناستاسيوبوليس”.
يصف المؤرخ القديم، بروكوبيوس، طول الأسوار والمباني في المدينة القديمة التي بناها الإمبراطور “جستينيان”، بأنها بلغت نحو (1600) قدم طولاً، وحوالي (1000) قدم عرضآ، و فيها أبراجاً مُربعة ودائرية تنتصِب مرتفعة كل (100) مئة قدم، ولا تزال موجودة بالمدينة أنقاض الكنيسة القديمة بها وثلاث واجهات منها.
وبنى الخوريين – الميتانيين مدينتهم هذه، في القرن (9) التاسع قبل الميلاد أي حوالي (1000) ألف عام قبل الميلاد، وعندما إحتلها الأشوريين بنوا معسكرآ فيها لجيشهم. وخلال العصر الروماني، كان المكان موقعاً صحراوياً مُحصناً للدفاع ضد الساسانيين الكرد من الشرق. وكانت المدينة محطة على الطريق الذي كان يسمى حينذاك “ستراتا ديوكلتيانا”، والذي كان يغطي الحدود الصحراوية الشرقية، وتم بنائه على يد الإمبراطور “دقلديانوس” في إطار حملته الواسعة لتحصين الإمبراطورية الرومانية، وذلك وسط سلسلة من الحصون المشابهة للرصافة، بحيث كل واحد منهم يبعد عشرين ميلاً عن الآخر، وبدأت من الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وإمتدت حتى الأطراف الجنوبية للبادية.
شهدت مدينة الرصافة إزدهارآ بفضل وقوعها على الطريق، وجنوب البادية. وكانت الرصافة لا تملك ينابيع أو مياهاً جارية، لذا اعتمدت على خزانات ضخمة تخزن الماء من الأمطار الفصلية في الشتاء والربيع. ونتيجة لكونها تقع في منطقة المعارك بين الرومان والساسانيين الكرد، فقد كانت تحيط بالمدينة جدران ضخمة دون ثغرة واحدة، وكانت لها قلعتها الخاصة بها أيضاً.
في القرن الرابع الميلادي، أصبحت الرصافة مقصداً للحج المسيحي، وكان يقدم إليها الحجاج للاحتفاء بالقديس “سيرجيوس”، وهو قس مسيحي، يقال إنه استشهد في الرصافة إبان عصر الاضطهاد المسيحي. وقد بنيت الكنيسة للاحتفال بقبر هذا القديس. أعيدت تسمية المدينة باسم “سيرجيوبوليس” وتطورت حتى أصبحت مركزآ للحج الأكثر أهمية في وسط الأبرشيات البيزنطية بالمنطقة كلها، وكانت الكنيسة تجذب المسيحيين المحليين بشكل خاص وتحديدآ العرب الغساسنة منهم، كونهم كانوا يقيمون إلى الجنوب من البادية، أي بسبب القرب الجغرافي.
قلعة الرصافة في ريف الرقة
وفي القرن الثامن الميلادي، جعل الخليفة الأموي “هشام بن عبد الملك” من مدينة “الرصافة” محل إقامته المفضلة، فبنى العديد من القصور من حولها. حتى أصبحت المدينة المنتجع الصيفي له، وسميت رصافة هشام، وقد إنتشرت بها الحدائق حتى تحولت إلى واحة خضراء في المنطقة.
بعد نهاية حكم الأمويين وتولي العباسيين حكمها، إستمرت المدينة في الإزدهار حتى القرن (10) العاشر الميلادي. وعندما إحتلها التتار، هدموا المدينة بشكل وحشي كعادتهم في كل مكان. وفي القرن العشرين،
قدم فريق من العلماء المختصين بعلم الأثار من الألمان، لينقبوا في الموقع عن الآثار التي هدمها التتار واندثرت بفعل الزمن، فعثروا على بقايا قصرين أمويين، وتتابعت أعمال الحفر والتنقيب حتى تم الكشف عن أبواب المدينة القديمة، وظهرت الجدران والنقوش خلال سنوات التنقيب والبحث. ونقلت الكثير من تلك المقتنيات المكتشفة إلى متحف دمشق، فيما وجدت الكثير من مقتنيات الرصافة الخورية طريقها إلى المتاحف الغربية، وأهلها الكرد لا يعرفون شيئ عن تلك الأثار.
6/ قصر هرقلة:
قصر هرقلة والذي سُمي بإسم مدينة “هرقلة”، يقع على بعد (6) كيلو متر إلى الغرب من مدينة الرقة الحالية، وأنشأه الخليفة “هارون الرشيد، بعد أن إحتل المدينة غداة إنتصاره على الملك البيزنطي “نقفور”. ويعد هذا القصر متميزآ وفريدآ من نوعه، نظرآ لجمال آوابده وفنه المعاري المميز.
قصر هرقلة مربع الشكل (100 ضرب 100م)، ويتربع فوق سطح على هيئة مصطبة، ويصل إرتفاعه إلى أكثر من ستة أمتار، له أربعة أبراج ضخمة دائرية الشكل، أضلاعه الثلاث على شكل أواوين وتنفتح نحو الخارج، قبالتها أربع بوابات كبيرة تتموضع على سور دائري يحيط بالقصر. أما آثار القصر ذاته وسوره فتتربع فوق تربة زراعية حقلية، ما جعل المعماري الذي خطط لبنائه يبني قاعدة قوية وصلبة من شأنها أن تحمل ثقل هذه المنشأة التي كان يريد بناءها، وشيدت القاعدة من الحجر الحواري، الذي كان يجلب من الجبل القريب من الرقة.
وتعتبر القاعدة مع الجدران الخارجية للمصطبة والإيوانات الأربعة، وكذلك الأدراج وجدران الحشوات الداخلية جميعها مشيدة من أربعة عناصر:
1- الحجر الحواري. 2- الحجر الكلسي الهش. 3- الآجر المشوي. 4- الملاط الجصي المشوي والحصى النهري. لقد إستخدم الحجر الجصي في هرقلة في بناء البوابات والسور ودعاماته، وتتراوح مقاسات كل واحدة من هذه الأحجار بين 70 و90 سنتمترآ، أما الجدران الفاصلة فقد إستعمل البناؤون في تشييدها قطع الحجر الجصي المستطيلة.
الحجر الكلسي الهش هو من النوع القابل للتآكل ويتأثر بعوامل التعرية من رياح وأمطار وغيرها، وقد استخدم هذا النوع من الحجر منحوتآ بقطع تتراوح قياساتها بين 50 و 120 سنتمترآ في بناء واجهات الجدران الخارجية للبناء الرئيس والأبراج والإيوانات الأربعة.
وقصر هرقلة، يعتبر الموقع العباسي الوحيد في منطقة الرقة، الذي له سور دائري الشكل قطره حوالي (510) أمتار، وبني من الحجارة الجصية البيضاء، فوق أساس حجري على عمق مترٍ واحد من سطح الأرض الخارجي. تتراوح سماكة هذا السور بين (250 إلى 270) سنتمترآ، تتكئ عليه من الخارج دعامات على شكل أبراج مستطيلة الشكل، تبرز عن جسم السور الخارجي مقدار (2.5) مترين ونصف، وطول الضلع الخارجي لها (5.60) متر، وتتراوح المسافة بين كل دعامة وأخرى حوالي (18 – 19) مترآ. أما داخل السور فهو الآخر معزز بدعامات أصغر حجمآ، والمسافة بين الواحدة والأخرى حوالى 20 مترآ.
الملك نقفور الأول:
حكم نقفور الأول الإمبراطورية البيزنطية بين عامي (802 و811) ميلادي. ولم يكن “نقفور”، في بداية إعتلائه مناصب عليا مجرد وزير للمالية، لكنه إكتسب شهرة واسعة بسبب الضرائب التي أنهك بها الفلاحين والتجار الذين أرهقهم باللوائح والتنظيمات داخل الإمبراطورية فكيف وصل نقفور إلى الحكم.
تولت أيرين الأثنية الحكم في الفترة بين 797 و802 كأول امرأة على الإطلاق تحكم الإمبراطورية البيزنطية -التي شملت أراضيها اليونان وجزر بحر إيجة وآسيا الصغرى، وتمكنت من الانفراد بالسلطة، إذ كانت الوصية على عرش ابنها قسطنطين السادس، بعد موت زوجها الإمبراطور ليو الرابع.
سعت أيرين للتحالف والزواج من شارلمان ملك الفرنجة وإمبراطور الرومان في الغرب، في خطوة غير مألوفة بالنسبة لتقاليد الإمبراطورية البيزنطية، ما أدى إلى عزلها عن الحكم، ونفيها خارج حدود الإمبراطورية في أكتوبر/تشرين الأول عام 802. واختير نقفور -وزير المالية حينئذ- إمبراطوراً جديداً.
ونظراً لكونه وزيراً للمالية، سعى “نقفور” فور اعتلائه عرش الإمبراطورية، لإصلاح الاقتصاد الذي تعافى بعد مدة وجيزة من توليه الحكم، فقد كانت خزائن الدولة شبه خاوية بسبب ضعف الكفاءة في جمع الضرائب ومنح “أيرين” الكثير من الامتيازات الضريبية للمقربين منها.
أعاد نقفور تقييم القوائم الضريبية وفرض ضرائب جديدة على الأراضي، وفرض “ضريبة الموقد”، على جميع الفلاحين المستأجرين الذين يعملون على الأراضي المملوكة للكنائس والأديرة، وأقر بإلزام كل القرى بتمويل الأسلحة والعتاد العسكري لأفراد المجتمع غير القادرين على تحمل تلك التكاليف بأنفسهم. ومنع نقفور القروض الخاصة بين التجار، لتكون الدولة وسيلة الإقراض الوحيدة للتجار وأصحاب السفن، بفائدة بلغت 17% -وكانت عادة أقل من 6%- وأخيراً أكمل حزمة إصلاحاته الاقتصادية بفرضه ضرائب على الميراث.
قصر هرقلة
نقفور وهارون الرشيد:
منذ مجيء العباسيين إلى سدة الحكم، كانت العلاقة بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية في قمة توترها، واتخذت طريق المواجهات العسكرية. استغل البيزنطيون انشغال العباسيين بأزماتهم الداخلية وأخذوا يغيرون على مدنهم الممتدة من أعالي الفرات شرقاً حتى البحر الأبيض المتوسط ودمروا حصونهم، ما دفع العباسيين للرد فقادوا حملات أغاروا فيها على حصون البيزنطيين في آسيا الصغرى “هضبة الأناضول.
وفي العام 782 عقدت هدنة بين الطرفين أقرت الملكة إيرين -التي سبقت نقفور- بموجبها دفع جزية سنوية للعباسيين، وظلت تدفع الجزية إلى أن ماتت.
وحين خلفها نقفور في عام 802، أرسل رسالةً إلى هارون الرشيد الخليفة العباسي يطالبه برد الجزية التي دفعتها إيرين، فبعث له يقول “من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّ الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرُّخِّ، وأقامت نفسها مكان البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنتَ حقيقاً بحمل أضعافها إليها، لكنَّ ذلك ضعفُ النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، وَافْتَدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك.”
فلما قرأ الرشيد الكتاب استشاط غضباً، فأرسل رسالته الشهيرة التي خلدها التاريخ الإسلامي، إذ كتب على ظهر رسالة نقفور “بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام”.
وفي العام 811 تمكن البلغار من نصب كمين للإمبراطور البيزنطي؛ فسدّوا مداخل ومخارج ممر جبلي ضيق كان يخيّم فيه البيزنطيون، وأغلقوه بالحواجز الخشبية، وانهالوا عليهم في معركة أطلق عليها “بليسكا”، وقتل فيها أغلب القادة البيزنطيين من بينهم نقفور، ليكون أول حاكم بيزنطي يلاقي هذا المصير على أيدي قوات أجنبية منذ أكثر من 400 عام.
تعرف البلغار على جسده من خلال حذائه الأرجواني وأُحضر إلى الملك كروم حيث قطع رأسه ووضعها على وتد ضخم رصّع كروم جمجمة نقفور بالفضة وحولها إلى كأس شراب اعتاد أن يشرب فيه، هو وحلفاؤه، نخب انتصاراتهم. وقيل إن قائد البلغار احتفظ بهذا التذكار وكان يجبر السفراء المبعوثين من القسطنطينية على الشرب منه كلما سنحت له الفرصة
الملك نقفور الأول
7/ گريه خوريه (تل الخويرة):
گريه خوريه، إحدى أهم التلال الأثرية المهمة في منطقة الجزيره الخورية – الميتانية – الكردية. تقع التلة في أرض سهلية، على بعد (4) كم جنوب طريق سلوك – سريه كانية، و4.5 كم جنوب منطقة نهر البليخ والخابور. وتبتعد التلة عن مدينة ” گريه سپي” بحوالي /30/ كم من الجهة الشرقية، وقد شكلت المنطقة الواقعة بين مجرى نهري: الخابور في الشرق، والفرات ورافده نهر البليخ في الغرب، مكاناً مناسآ لقيام عدة مدن وممالك خورية – ميتانية كردية بسبب مقومات الحياة وأولها الماء، وثانيآ الأراضي الصالحة للزراعة، وثالثآ، توفر المراعي، ولعبت هذه الممالك دوراً ريادياً في تاريخ الشعب الخوري وأحفاده من الميتانيين والحثيين، وخاصة في تاريخ أبناء الجزيره الفراتية الكردية.
وتتكون المنطقة من عدة سهول منسابة نسبياً تجتازها أودية سطحية، لا تسيل فيها المياه إلا بعد هطول الأمطار الغزيرة، وتل “خويرة” هو أحد التلال الأثرية الواقعة على حافة أحد هذه الأودية، الموجودة في السهل المحصور بين نهري “الخابور” و”البليخ”.
ويحيط بموقع “گريه خوريه” أو مملكة گريه خوريه التاريخية، خندق عميق وعريض يشكل مانعآ مائيآ حصينآ لحماية لهذا لموقع الأثري الكبير، حيث يتقدم السور الترابي الذي يحيط بكامل المدينة الأثرية. ويبدو سطح الموقع وكأنه مجموعة من التلال التلاصقة وقد ضُغطت بعضها إلى البعض، مما يشير إلى ضخامة الأوابد التي كانت قائمة عليه.
عمليات التنقيب والبحث بدأت في الموقع بدءً من عام (1958م)، وقاد تلك العمليات البروفيسور الألماني “أنطوان مورتكارت”، وإستمر في التنقيب بالموقع حتى وفته المنية، وقد تابعت عمله من بعده زوجته (أرزولا) حتى عام 1986، إضافة للعديد من بعثات التنقيب والباحثين وعلماء الآثار، الذين عملوا في الموقع وقد قسم السيد مورتكارت الموقع إلى قسمين:
الموقع الأول:
يعود تاريخه إلى ما قبل (3000) ثلاثة ألاف قبل الميلاد، أي إلى حقبة الخوريين أسلاف الميديين والحثيين والكرد الحاليين.
الموقع الثاني:
يعود تاريخه إلى الفترة الميتانية وهي الأخرى حضارة كردية كون الميتانيين من أسلاف الكرد مثلهم مثل الحثيين والميديين والساسانيين.
لا شك أن مدينة “گريه خوريه” الأثرية لها أهمية تاريخية بالغة، كونها من المدن التاريخية الكبرى ومن أوائل المدن المنظمة من حيث التخطيط والترتيب فيما يخص مبانيها وشوارعها والتي تتشابه مع مدينة دمشق في العصور القديمة، وهذا دليل واضح وجلي على أن دمشق وحلب وكل سوريا المفيدة هي نتاج ثقافة “خورية” واحدة، وهي متجذرة في هذه الأرض قبل الميلاد بعشرات الاف.
مدينة گريه خوريه الأثرية
ويحيط سور ضخم بكامل المدينة، ويبعد عن مركز المدينة حوالي (100) متر لكن بشكل دائري. وتبلغ مساحتها أي المدينة حوالي (220.000) متر مربع، ويوجد فيها أكثر من (1.500) بيت، ويرتفع مركز
المدينة عن المستوى العام لها من (10 إلى 15) مترآ، وهذا يدل على مدى تقدم الخوريين أسلاف الكرد والمستوى الذي وصلوا إليه، ومن بعدهم أكمل الميتانيين والحثيين المسيرة وأنشأوا هذه المدينة العريقة وغيرها من المدن في المنطقة، وأقاموا حضارة عريقة والدليل على ذلك تلك الأثار التي تركوها خلفهم لنا. والذي زاد من أهمية مدينة “گريه خوريه”، تلك الإكتشافات الأثرية ذات القيمة التاريخية العالية، وبعضها تعود إلى عصر الملك “ميسيليم” وهنا نتحدث عن الفترة الزمنية 2700 – 2600 قبل الميلاد.
لقد تم إكشاف العديد من المعابد الضخمة في الموقع، والتي شيدت من الكتل الحجرية الكلسية الضخمة، ومباني وقاعات تتبعها غرف مخصصة لأغراض العبادة، ومعابد خورية قديمة ويتقدم هذه المعابد درج حجري ضخم، وشارع مستقيم تحيط به المباني الإدارية هائلة الضخامة وقصر ملكي كبير، وأبنية أثرية
هامة كالبناء (الرواق 3) والأبنية رقم (1 – 2 – 3 – 4)، إضافة لبيوت ومخازن وغيرها. ولكل بناء من هذه الأبنية، مميزاتها. وكما تنتشر العديد من الأثار في المدينة، وإضافة لذلك إكتشف في الموقع مجموعة من الكتل الفخارية في أكثر من مكان ضمن المدينة كمجموعة (أنطوان مورتكارت)، إضافة للقى أثرية كثيرة منها لها قرون جواميس، وتعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، ويعتقد أنها استخدمت للعبادة، هذا إلى جانب تمثال من النحاس، موجود حاليآ في متحف دمشق، وغيرها من المكتشفات في هذه المدينة الهامة من آثار الخوريين الكرد التي تعد من أقدم الحضارات في العالم.
رابعآ، تاريخ مدينة الرقة:
في البداية لا بد من توضيح نقطة مهمة للغاية لا بل جوهرية، وتتعلق بهوية المدينة القومية، لذا علينا أن ندرك عندما نتحدث عن مدينة الرقة الحالية، علينا أن نميز بين ثلاثة مدن تاريخية والتي تعرف حاليآ بإسم مدينة الرقة، وهذه المدن هي:
1- مدينة رقه:
بناها الخوريين وهي المدينة الأصلية، ولكن تاريخ إنشائها غير معروف، والسبب أنها تعرضت للدمار الكامل ويعتقد كان بسبب الزلازل. ويعتقد المؤرخين أن تاريخ أنشائها يعود إلى ما قبل ظهور الدولة الكردية الميتانية، وكم نعلم ظهرت الدولة الميتانية على مسرح الأحداث عام (1500) قبل الميلاد. هذا يعني أن مدينة “رقه” أنشأت قبل (1600) عام قبل الميلاد في حده الأدنى، ولكن متى بالضبط لا نعرف ولكن وفق العديد من المؤرخين يعود تاريخها إلى تسعة ألاف سنة قبل الميلاد.
وسوف نناقش بالتفصيل تسميتها ومعناها في فصل مستقل. وفي عهد الحثيين كانت مدينة الرقة مركزآ أو محطة لنقل البضائع القادمة من گرگاميش عاصمة الحثيين إلى منطقة بابل وخليج إيلام والهند، والعكس صحيح. أي أن البضائع القادمة من الشرق كانت تحمل في قوارب في الرقة، وتذهب نحو الغرب عبر نهر الفرات.
لكن علماء الأثار الذين نقبوا في الموقع من أمثال عالم الآثار الألماني “وليام أولبرايت” الذي قام في عام (1926) بمسح المنطقة أثريآ، ومن بعده بعدة سنوات العالم “مالوان” في عام 1938 الذي قام بأسبار ودراسات أثرية في الموقع، التي من خلالها تم إكشاف معلومات علمية مهمة ودقيقة عن تاريخ الرقة، وأكد الأثنان بأن المدينة تمتد أسوارها إلى موقع تل البيعة اليوم أي مملكة ” توتول” التي تبعد عن المدينة (5) كم إلى الشرق منها، أي عند ملتقى نهري الفرات والبليخ، ويعود تاريخ هذه المملكة الخورية إلى الألف الثالث (3.000) قبل الميلاد.
وبعض المؤرخين الأخرين، يقولون أن تاريخ مدينة الرقة يعود إلى الألف التاسع (9.000) قبل الميلاد، ويربطونه مع بناء أول مسكن في التاريخ في موقع” تل المريبط” الذي غمرته مياه بحيرة سد الفرات بعد
بناء السد عند قرية الطبقة، وتؤرخ مساكن المريبط أولى الأفكار الهندسية لتطور فن العمارة والبناء، وبالتالي كل ما إدعاه ويدعي مزوري التاريخ من العرب المستعربة، إنفضح وبان عورتهم ومدى كذبهم.
2- مدينة كالينيكوس:
كما ذكرنا سابقآ، وقلنا أن المحتلين الرومانيين – البيزنطيين بنوها على أنقاض المدينة الخورية، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى سلوقس الأول مؤسس المدينة ويعود تاريخ بنائها إلى عام 244 أو 242 قبل الميلاد.
3- مدينة الرافقة:
لقد بناها الخليفة العباسي منصور عام (772) ميلادي، بجوار مدينة “كالينيكوس” أي رقه القديمة. ومع الزمن وتوسع المدينة أصبح المدينتين مدينة واحدة. ولفترة طويلة من الزمن كانت المدينة شبه مهجورة وعاد الحياة إليها في مطلع القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر أي حوالي قبل مئة عام. وهنا لا بد لي من تسجيل ثلاثة ملاحظات قبل الحديث عن تاريخ هذه المدينة، ذات الثلاث وجوه:
الملاحظة الأولى:
النسبة العظمة من المدن والقرى والبلدات الخورية – الميتانية – الحثية – الميدية الكردية، وخاصة في غرب كردستان وجنوبها، تم تعريب أسمائها وبدأ ذلك منذ وفود الموجات الأولى من المحتلين العرب لبلاد الخوريين أسلاف الكرد، وذلك في زمن قبل ظهورالإمبراطورية الأشورية الشريرة، والبابلية وأخير الإمبراطورية العربية الإسلامية الدموية الإستيطانية، ولم تتوقف هذه السياسة الإجرامية الخبيثة إلى يومنا هذا، أقول هذا كي تكونوا في الصورة أيها القراء الكرام، ولا تتفاجئوا بالتسميات العربية للعديد من المدن التاريخية الخورية – الميتانية – الحثية – الميدية الكردية.
الملاحظة الثانية:
هي أن جميع المدن الرومانية – البيزنطانية التي أقيمت في وطن الكرد “كردستان”، ومصر وأفغستان وغيرهم من البلاد، تم بنائها على أنقاض المدن القديمة أو بجوارها، والسبب في ذلك عدم معرفتهم
بطبيعة المنطقة، ولم يكن ممكنآ لهم الجلوس والبحث عن أماكن مناسبة للبناء. وثانيآ المناطق التي كانت قابلة للعيش والسكن أي التي توفر مقومات الحياة، كانت قد سكنها أهل كردستان ألا وهم أبناء الشعب الخوري وأبنائهم من الميتانيين والسومريين، الإيلاميين، الحثيين، الميديين والسوباريين والساسانيين.
وفي الأساس كان الصراع في القديم بشكل أساسي يدور حول الماء والكلئ، فما بالكم بضاف الأنهار مثل نهر الفرات العظيم، تيگريس، الخابور، البليخ، كاليس (قويق)، أفرين، رش (الأسود)، العاصي، الزاب وشواطئ البحار مثل البحر المتوسط، والبحيرات كبحيرة وان وأورميا والهمگ بإقليم ألالاخ المطل على البحر المتوسط.
والأشوريين، البابليين، الكنعانيين، العرب المسلمين، الفرس فعلوا ذات الشيئ، ولم يختلفوا في ذلك بشيئ عن الرومان والبيزنطيين منذ أيام اسكندر المقدوني الشرير. وإليكم بعض الأمثلة على المدن التي بناها الرومان والبيزنطيين: إسكندرونة، أنطاكيا، اللاذقية، الإسكندرية في مصر، دلبين (ادلب) وهكذا، جميع هذه المدن ومثلها بالعشرات كلها بنيت على أنقاض المدن الخورية القديمة. ومما تقدم ندرك بأن تاريخ هذه المدينة موغلة في التاريخ، وسبب تجاهل الكتاب العرب في الحديث عن ماضيها، هو سبب سياسي. لماذا؟
لأن فتح تاريخ المدينة الأصلية، بالضرورة عليهم التحدث عن الوجود الخوري ومن ثم الميتاني فالحثي ومن ثم العهد الميدي والساساني، لأن كل هؤلاء كانوا يحكمون المدينة ويعيشون في هذه الأرض، وهم يعلمون حق العلم أن هذه الأقوام كلهم أسلاف الشعب الكردي الحالي، وإن فتحوا هذا الباب سيدخلهم في مواجهة الحقائق التاريخية، التي لا يمكن تزويرها ولوي ذراعها.
كيف؟
أبناء منطقة جزيره كردان يعرفون أن مدينة “رقه” لا تبتعد كثيرآ عن أهم ثلاثة حواضر خورية – ميتانية كردية تاريخية غنية عن التعريف هي:
1- مملكة “گوزانا” وهي مهد الحضارة الخورية والديانة اليزدانية.
2- مملكة “گريه خوريه (تل الخويرة) تقع على الضفة الشمالية لبحيرة الطبقة.
3- مدينة “واش- كاني” عاصمة الدولة الميتانية.
النقطة الثانية:
لو كانت المنطقة خالية من البشر وغير مهيأ للعيش وقاحلة، لما سكن فيها بالأساس الخوريين، ولما غزاها المحتلين المجرمين: الأشوريين ومرورآ بالأموريين، الكنعانيين، الفرس، الرومان، البيزنطيين، شعوب البحر، العرب المسلمين، المغول، التتر، وإنتهاء بالمحتلين العثمانيين.
بقايا قصر هارون الرشيد في مدينة الرافقة
كم بيننا أنفآ أن تاريخ مدينة “رقه” الأثرية يعود إلى أكثر من (3.000) عام قبل الميلاد، وللأسف الشديد لا نملك أي معلومات عن هذه المدينة الخورية التاريخية، وذلك لسببين هما: السبب الأول، هو تعرض المدينة لكارثة طبيعية ما ويعتقد أنه كان زلزالآ، وقضى على المدينة ومما أدى إلى هجرة أهلها من الذين بقيوا على قيد الحياة. ثانيآ هو بناء البيزنطيين مدينتهم “كالينيكوس” على أنقاض المدينة الخورية، كما فعلوا مع مدن ومعابد خورية كثيرة، حيث كانوا يبنون كنائسهم على أنقاض المعابد الخورية اليزدانية، بعد تبني المسيحية كديانة رسمية لدولتهم المشؤومة. بقتناعي يمكن للخبراء الكرد من المختصين بالأثار (إن وجدوا)، الحفر عموديآ عميقآ في الموقع والبحث على بقايا تلك المدينة الأثرية وإجراء البحوث عليها لكشف تاريخها، لأن ذلك مهم لنا ككرد، كونه جزء من تاريخ أسلافنا الخوريين وبالتالي هو جزء من تاريخنا أيضآ كشعب كردي.
وبسبب موقعها المميز الواقع على الضفة الشمالية لنهر الفرات، إختار الرومان مدينة رقه، لبناء مدينتهم على أنقاضها، وخاصة كانت تقع وسط المنطقة التي إحتلوها من الفرس، وكانوا بحاجة إلى بناء حصون وقلاع ومعسكرات للجيش كل عدة أميال، بحيثوا يستطيعوا فرض سيطرتهم على المنطقة وأهلها من الكرد الميتانيين والحثيين وإخضاعهم لحكمهم، وفرض الجزية عليهم وتسخيرهم في أعمال السخرة.
وعند إنشائهم للمدينة الجديدة، إتخذ الرومان من مدينة “رقه” القديمة نواةً لمدينتهم كالينيكوس، لأنها هي ذاتها شدت إنتباه الإسكندر المقدوني، الذي شن حملة واسعة على الإمبراطورية (الفارسية)، التي كانت تحكم كامل المنطقة. أسس إسكندر نواة مدينة في الموقع وسماها “نيقوفوريوم”. ثم أسس سلوقس مدينة كالينكوس في الموقع عام 244 قيل الميلاد، وتقع في المكان الذي يسمى اليوم بحي “المأمون”. وورد إسمها في الكتابات السريانية والبيزنطية كمركز تجاري هام على طرق القوافل التجارية وبخاصة طريق الحرير، وفي عهد الإمبراطور البيزنطي “ليون” (457-474) ميلادي عُرفت المدينة باسم ليونتوبوليس.
وفي العام (639) ميلادية قاد أحد قادة الغزاة العرب والمحتلين الجدد حملة عسكرية بربرية على أرض كردستان ومن ضمنها مدينة “رقه” وإسم هذا الغازي “عياضُ بن غنم” وتمكن من طرد البيزنطيين من المدينة والمنطقة المحيطة بها وبسط سيطرته على كامل المدينة، وفي العصر الأموي بنى فيها الخليفة “هشام بن عبد الملك” (743-724) ميلادية، سوقاً تجارياً، وشق قنوات مائية وترعاً للمياه فانتشرت زراعة الكروم والأشجار المثمرة من حول المدينة وضفاف الفرات، كما بنى مقابل الرقة على الضفة الغربية قصرين نشأت حولهما واسط الرقة، وكذلك أنشأ جسراً على نهر الفرات عند هذا الواسط. وفي العصرالعباسي، وتحديدآ في عهد الخليفة هارون الرشيد (809-786) ميلادية، توسعت المدينة شرقاً وشمالاً وشهدت إزدهارآ، حتى أن الخليفة الرشيد نقل إدارته إليها، ومكث فيها حوالي (12) عشر عامآ وباتت مركزاً لإعداد الجيوش لقتال البيزنطيين، واستمر ازدهارها حتى يوم خرابها على يد “هولاكو” عام 1258 ميلادية.
الرشيد هو الخليفة العباسي الوحيد الذي أقام في الرافقة (الرقة) مدة اثنتي عشرة سنة ولم يفكر بالعودة إلى بغداد حتى توفي عام 193ه/809م أثناء حملته على خراسان في شرقي إيران الحالية، وبعد عودة الخلافة إلى بغداد بعد مرور 12 عاماً، استُخدم قصره كغيره من القصور العباسية في الرقة منتجعاً صيفياً موقتاً، ويستدل على ذلك من بعض النقود التي عُثر عليها في أرض القصر التي تنتمي إلى عهد الخليفة هارون الرشيد.
وفي القرن (17) السابع عشر بدأت القبائل البدوية العربية تتسلل خلصة من البادية إلى المنطقة وترعى فيها مواشيها بشكل موسمي، ومع الوقت طاب لهم المكان وأخذوا يقيمون فيها أوقات أطول من السنة، وهكذا حتى أخذوا يتعودون على حياة الحضر وأخذوا يبنون بيوتآ طينية لهم في المنطقة والعيش فيها. و لم تدب الحياة في المدينة من جديد، سوى قبل مئة عام تقريبآ. وأنا قضيت وقتآ فيها وكان ذلك في مطلع السبعينات من القرن الماضي حيث كانت قرية، لا بل خرابة بكل معنى الكلمة.
وسكان المدينة في الأربعينات والخمسينات كانوا بعيدين كل البعد عن الحياة المدنية التي نعرفها، وكنت تراهم يتصرفون كالبدوا، وهذا أمر طبيعي لأنهم فعلآ بدوا ولباسهم كان يدل على إصولهم، ولم يكونوا من أهل المنطقة نهائيآ. وبهذا الشكل وتدريجيآ سنة بعد سنة تعربت المدينة ديمغرافيآ وإن كانت جغرافيآ مازالت كردستانية الهوية دون أدنى شك.
ومدينة الرقة طوال تاريخها مشهورة بزراعة البطيخ، وكانت تصدره إلى مدينة بغداد حتى في أيام الدولة العباسية، ولهذا تجد لليوم العراقيين يطلقون على (البطيخ الأحمر) تسمية “الرگي” نسبة إلى مدينة الرقة، مع العلم بالعربي إسمه الحُبحب والبعض يسميه البطيخ. وفي مدينتي الرقة وديرالزور، يطلق عليه تسمية “دوبشي”، وسكان المدينتين لا يعرفون أصل هذه التسمية لليوم ولا حتى الكرد من أبناء المنطقة.
الأن سنقوم بشرح معنى وأصل هذه التسمية وباللغتين العربية والكردية لكي يفهما كل من الناطقين بالعربية والكردية على حدٍ سواء، إضافة لذلك الموضوعية تتطلب شرح التسمية باللغة لإعطاء الموضوع حقه، وسنتبع في شرحنا “علم إصول الكلمات” ومن دون ذلك لا يمن تفسير التسمية ولكن عملنا علمي ولا منطقي.
كلمة “دوبشي”، مفردة كردية معربة، وهي مركبة من كلمتين الأولى: (دو) وتعني إثنين، والثانية (بش) وتعني قسم. أي التسمية كلها تعني ذو القسمين. وهنا الحديث يدور عن اللونين الذي يمتاز به البطيخ الأحمر. فعندما تنموا الثمرة فيقوم المزارع بحفر تحت الثمرة بيده، ويبعد قطع التراب القاسي، كي لا تؤذي الثمرة والهدف من الحفرة الصغيرة، هي لمنع أشعة الشمس الحارة أو اللاذعة من ضرب ثمرة البطيخ، وهكذا تكتسب البطيخة لونين أخضر من المنتصف للأعلى واللون الأبيض من الأسفل.
Têgîna “Dubeşî”, peyvek kurdî resene û lêkdirev e. Ereban ev nav ji kurdan birin û bêyî bizanibin wateya wê çî ye û kû peyvek lêkdirev e. Peyva yekemîn ji vî navî (du) ye û peyva duyemîn jî (beş) e. Li virr axiftin li ser rengan e, rengên zêbeş.
Jiber dem kurdan zebeşan diçandin û tûle mezin dibûn û “kelek” diketinê, cotyaran binê kelekan bi destên xwe dikolan û dûz dikirin jibûna zebeş çeltexarî dernetên û duyemîn ro li zebeşan nexîne.
Jiber wê te didît zebeş bi du rengan derdihatin , ji jor ve rengên wan kesk bûn û ji jêr ve gewir bûn. Û wê hin kurdan jêre digotin dubeşan û ereban ev nav ji kurdên herêmê birin û ta roja hîro bikar tînin. Ne bes ev tenê, gelek têgînên kurdî di zimanê ereban de hene û bi taybetî ew erebên di nav me de dijîn an di sînorên kurdistanê de.
من المفيد أن أذكر بأن مدينة بغدا (بغداد) أنشأها الكرد الكاشيين، وحينما بنوها وضعوا مخطط لها يشبه حدوة الحصان إلى حدٍ كبير. وعندما قام الخليفة منصور ببناء مدينة الرافقة بجوار مدينة الرقة القديمة، فبناها على شكل مدينة بغداد تيمنآ بها. ولهذا تجدون مدينة الرافقة التاريخية على شكل حدبة الحصان، هذا سر بناءها بهذا الشكل.
ومن هنا تجدونها تشبه مدينة بغداد في أبوابها، أسوارها، فصولها، مساحتها، رحابها، وفي استعمال مادة البناء نفسها (الطابوق). وسور المدينة يتألف من سور مضاعف داخلي وخارجي بينهما فاصل، وحُفر حول السور الخارجي خندق، وعرض السور الخارجي يبلغ بين 4 و5 أمتار. وبالنسبة لأساس السور الأثري الذي يحيط بالمدينة اليوم، مبنياً من الحجر الكلسي، وشابهت بغداد في أبوابها، وبيوتها، وجُعل للمدينة بابان. الأول، يُسمى “باب بغداد” وتحدثنا عنه سابقآ، ويقع في الزاوية الجنوبية الشرقية، ولا يزال قائماً حتى اليوم.
والباب الثاني، يسمى “باب الجِنان”، وكان يقوم إلى جانب كل منهما برج مستدير نصف قطره حوالي (8 و7) أمتار، وظل سكان الرقة يعتمدون على أطلال المدينة في إستخراج مادة الطابوق اللازم لبناء بيوتهم، وإستمر ذلك حتى بداية الحرب العالمية الثانية. ولها باب ثالث يقع في الجهة الشمالية، ما زال قائماً حتى اليوم، وأعيد ترميمه من جديد، ويسمى باب أورفة أو باب (حران).
منذ الإحتلال العثماني لهذه المدينة وأثاهار تتعرض للنهب والتخريب، وخاصة بعد إحتلال تنظيم داعش الإرهابي للمدينة عام 2014. وهناك حاجة ماسة لإعادة الإعتبار لأثار هذه المدينة، كما أن المدينة اليوم بحاجة إلى حملة واسعة من أعمال التنقيب، والترميم، وهذه الأعمال الواسعة تتطلب أموالاً باهظة إضافةً إلى الكوارد المختصة وتقنيات حديثة ومتطورة ومختبرات، ولا شك أن الفوائد العلمية والتاريخية ستكون بالغة الأهمية، فيما لو تم كل ذلك.
ولأهمية المدينة من الناحية التاريخية، لذا أبدى الغربيين إهتمامهم كبيرآ بها وباكرآ، وكالعادة كانوا من الألمان، البريطانيين، الفرنسيين والإيطاليين لأنهم يفهمون معنى الأثار الإنسان ويقدرون قيمتها ويرغبون في معرفة تاريخ الإنسانية بكل تفاصيل، من هنا يأتي إهتماهم بالأثار في كل أنحاء العالم وخاصة في في كردستان كونها مهد الحضارات البشرية الأولى، بعس شعوبنا حكواتنا، التي لا تعير أدنى إهتمام بالتاريخ الإنساني والحضارات القديمة وأثارها التي لا تقدر بثمن. ولهذا شعوبنا وتحديدآ الكرد يجهلون تاريخهم ولم يدونوا هذا التاريخ ولا يملكون متحفآ واحدآ للأثار!!!!!!
فأرسل الغربيين بعثات مختصة من علماء الأثار للتنقيب في المدينة القديمة مبكرآ. ففي عام (1909) ميلادية، قام “فريدريك سارا وآرنست هرتسفيلد”، بأول رحلة لها، وأصدروا كتابهم الذي حمل إسم: “رحلة أثرية إلي منطقة الفرات ودجلة ” وترجمه السيد صبحي انور رشيد.[1]