ترك الفنان الكردي ريبر عيسى ورائه مسيرة نضال ل 31 عاماً، لكن إرادته وعزيمته التي كان يستمدها من فكر القائد #أوجلان# في النضال لتطوير الفن الكردي وحمايته من سياسات الإبادة والصهر أثمرت في شخصية أولاده وطلابه.
طبيعة جبال كردستان احتضنت العديد من الفنانين الذين حموا الثقافة و#التاريخ الكردي# من هجمات وسياسات الإبادة، عبر أصواتهم وألحانهم الثورية؛ هؤلاء الفنانين الذين كان لهم باع طويل في النضال الفني، استطاعوا أن يكونوا سلاحاً في وجه العدو ومحفظة تحمي تاريخ شعبهم المقاوم، وإيصال قصص الملاحم الثورية والتاريخية لانتفاضاتهم إلى الأجيال.
صفحات تاريخ ثورة 19 تموز بروج آفا أيضاً نقشت بالقصص النضالية لهؤلاء الثوار والفنانين الذين كرسوا حياتهم لتحقيق النصر لها وإيصالها إلى عموم كردستان عبر أغانيهم، من بينها قصة الفنان الكردي ريبر عيسى الذي بدأت بالتسعينات واستمرت حتى وصوله إلى مرتبة الشهادة.
من هو الفنان الكردي ريبر عيسى
ينحدر الفنان الكردي ريبر عيسى من ناحية عامودا التابعة لمقاطعة #قامشلو# بروج آفا، من مواليد عام 1974 من عائلة مكونة من 9 أشقاء و3 شقيقات، وأب لأربع بنات وثلاثة أولاد.
ترعرع ريبر في كنف عائلة وطنية، ودرس في مدارس الناحية حتى المرحلة الثانوية، ومع تأسيس فرقة آكري للدبكات والأغاني الكردية عام 1992 انضم إلى الفرقة وبدأ بنضاله الفني، وهناك تعلم العزف على آلة الطنبور والغناء.
مع اندلاع شرارة ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا، انضم الفنان ريبر إلى الفرق الموسيقية ومراكز الثقافة والفن، وأطلق العديد من الأغاني الثورية الكردية عن الشهداء وملاحم الثورة، وشارك في العديد من الكليبات التي تم إخراجها من قبل حركة الثقافة والفن.
تعرضه للاعتقال على يد سلطات حكومة دمشق
يملك الفنان ريبر عيسى مسيرة مليئة بالنضال من أجل تطوير الفن الكردي والحفاظ عليه من هجمات الصهر والإبادة، ونتيجة لذلك اعتقل مرات عدة على يد سلطات حكومة دمشق وتعرض للتعذيب على إثرها، فالمرة الأولى كانت خلال انتفاضة 2004، أما المرة الثانية فكانت بداية اندلاع ثورة 19 تموز، أما المرة الأخيرة كانت قبل استشهاده بعدة أيام.
بعد انتفاضة قامشلو في ال 12آذار 2004 تعرض الكرد لحملة اعتقالات واسعة نتيجة مطالبتهم بحقوقهم وتمسكهم بثقافتهم ولغتهم الأم وخروجهم ضد السياسات القمعية التي كانت تمارسها حكومة دمشق ضدهم.
وعن ذلك تقول زوجة الفنان ريبر، جوزة أسعد أنه بقي لمدة 45 يوماً معتقلاً لدى سلطات النظام السوري دون أن نعرف عنه أي أخبار، وقد تعرض للتعذيب خلاله؛ نتيجة ارتباطه الكبير بالقضية الكردية، حتى أنه اعتقل 22 يوماً قبل استشهاده بعدة أيام مرة أخرى.
صدى ألحانه انتشر في أحياء عامودا
حبه للفن الكردي وإصراره على مواصلة النضال ضد جميع العوائق والضغوطات التي تعرض له على يد سلطات حكومة دمشق، أثمر في شخصية أولاده، إذ توضح جوزة أنه رسخ فكر القائد عبد الله أوجلان وحركة حرية كردستان في قلب كل أولاده، وعلمهم جميعاً العزف والغناء، وتقول: كان يدعمهم لتعلم العزف دائماً، بالأخص ابنتنا دليلة التي كان يعتبرها يده اليمنى في الفن، إذ دعمها حتى أصبحت فنانة تتقن العزف والغناء بجدارة.
الفنان ريبر الذي تربى على فكر حركة حرية كردستان ومبادئها، ربّى كل أولاده أيضاً على هذا الفكر الذي كان يعتبره ضمان حرية جميع الكرد، حيث يؤكد ابن الفنان ريبر، أنور عيسى على حديث والدته جوزة أنه كان يحب الفن والموسيقى جداً، وزرع ذلك الحب فينا جميعاً.
وفي إشارة إلى خصال الفنان ريبر، يقول ابنه أنور عيسى والدي كان حنون القلب، يزرع الحب في قلوب كل من يلتقي بهم، مضيفاً: كان يردد على مسامعنا دائماً شيء من هذا القبيل الفن جزء رئيس لتحرير كردستان.
وتضيف جوزة على حديث ابنها أنور: كنا نجتمع في أغلب الأوقات لنغني ونعزف معاً، ألحانه كانت تنتشر في جميع أنحاء الحي، لقد علمنا جميعاً العزف على الطنبور والغناء، اعتبر آلته الموسيقية سلاحاً ضد العدو؛ كان يزرع الثقة بانتصار الثورة في قلوبنا جميعاً.
ويعتبر الفن من أكثر الجبهات قوة لدعم المقاومة التي يبديها الشعب ضد هجمات الإبادة، فلطالما لازمت الموسيقى الحرب على مر التاريخ، استطاعت أن تلهب حماس الشعب للمشاركة في حرب الشعب الثورية ودعم قواتها العسكرية للدفاع عن أرضها.
الفنان ريبر الذي ترك بصمة وأثراً للغناء الثوري في قلوب كل شعب روج آفا، وشاركهم في جميع احتفالاتهم بالنصر ومناسباتهم، يؤكد اليوم أولاده وأصدقائه على مواصلتهم لمسيرته النضالية على فكر حرية كردستان حتى النهاية.
ريبر الصدفة الجميلة لقلوب أصدقائه
حيث يوضح رفيقه، دارا آكري وهو أيضاً عضو في فرقة آكري الموسيقية، أن ريبر كان صاحب إحساس عميق في الفن، يملك معنويات عالية يوزعها على كل من حوله، لم يجرح صديقاً له، وكان يملك حيوية ونشاطاً لا مثيل لهما.
ويشير دارا إلى اللقاء الأول الذي جمع بينه وبين ريبر، قائلاً: تعرفت عليه عام 2006 في فرقة آكري، كانت صدفة جميلة بالنسبة لي للتعرف على فنان يملك إصراراً ومعنويات عالية للفن كريبر، لقد ترك أثراً جميلاً في قلوبنا جميعاً.
وتعد فرقة آكري الخاصة بالموسيقى والدبكات الكردية، واحدة من أولى الفرق التي تأسست عام 1992 في روج آفا قبل اندلاع الثورة من أبناء وبنات ناحية عامودا والقرى التابعة لها، كانت تشارك في جميع الأعياد والمناسبات الكردية آنذاك.
ويؤكد دارا أن فرقة آكري كانت بمثابة رمز بالنسبة لهم جميعاً فهي فرقة تملك 7 شهداء، وبكل شهيد تمسكنا بها أكثر وازددنا إرادة لحماية الفن الكردي في روج آفا وتطويره.
احتضن بزقه وكأنه جزء من حياته
وعن مدى ارتباط ريبر بالفن الكردي، يوضح دارا آكري: بقدر ما احتضن بزقه لم يحضن أولاده، لقد شارك في جميع المناسبات القومية لشعبه من شنكال وصولاً إلى مدينة عفرين المحتلة، ارتباطه بالفن ليس له مثيل، لم يبخل يوماً في تطوير الفن الكردي، كان يسعى دائماً إلى تمكين كل أصدقائه فنياً وتطويرهم أكثر مما هو عليه، لكننا لم نصل إلى مستواه الفني، مضيفاً: ارتباطه بفرقة آكري دفعني إلى تسمية ابني باسم الفرقة.
كان ريبر أول الحاضرين في قاعات الفن دائماً، مستعداً لجميع المناسبات متى تطلب الأمر، وكأنه البندقية المحشوة بالرصاص، بهذه الكلمات عبر دارا آكري عن مدى ارتباط الفنان ريبر بالفن الكردي.
وعن المواضيع التي كان يسلط ريبر الضوء عليها في أغانيه وكليباته، يبيّن دارا: أغلب أغانيه كانت ثورية عن مقاومة الكرد والشهداء، فله كليب عن الشهيدة زيلان (زينب كناجي) وأغاني عدة عن مقاومة الكريلا وثورة 19 تموز.
أثبت ريبر نفسه كفنان كردي يحمي الثقافة والفن الكردي من الانصهار، وعلى أساس ذلك درّب العديد من أبناء وبنات المنطقة على العزف والغناء لتطوير هذا الفن بالشكل المطلوب وإيصاله إلى شعوب العالم، حيث يقول دارا آكري في هذا الصدد إنه بنى جيلاً جديداً من الفنانين في عامودا، واليوم نرى ميزات وخصال ريبر في شخصية كل طالب من طلابه.
مواصلة مسيرته بإرادة مستمدة من نضاله الوطني
حيث تؤكد الطالبة كُلبين محمود والعضوة في مركز هوري للثقافة والفن في ناحية عامودا، أن الفنان ريبر كرس فينا حب الفن، وجعلنا نستمر بمسيرتنا الفنية رغم الصعوبات، وسعى دائماً إلى تطويرنا من الناحية الفنية بكل أقسامه.
صقل ريبر في شخصية كل طلابه روح الإرادة والعزيمة لمواجهة جميع العوائق والروح الوطنية لحماية ثقافتهم وفنهم، إذ تقول كُلبين أنه دائماً كان يشجعهم لتطوير فنهم الكردي أكثر، لأنه جزء كبير من الثورة، ففي إحدى الأيام قررت الاستقالة من مركز الثقافة والفن لكن الفنان ريبر شجعني على مواصلة مسيرتي الفنية وموهبتي ومواجهة جميع العوائق.
من زرع روح النضال في قلوب الناس فإن جهوده لن تذهب سدى، وطالما هناك العشرات من طلابه الذين يواصلون مسيرته الفنية وفق المبادئ التي علمهم إياها الفنان ريبر، فإن الفن الكردي سيصل إلى أهدافه لا محال، وتبيّن كُلبين محمود أنهم سيواصلون مسيرّة الفنان ريبر الذي سعى دائماً إلى بناء وطن حر عن طريق الفن، وإيصال صوت الفن الكردي إلى العالم أجمع.
استشهاد الفنان الكردي
بعد مسيرة حافلة من النضال لأجل تطوير الفن الكردي الذي طالما تعرض لهجمات وسياسات صهر وإبادة من قبل الدول المحتلة لكردستان، وصل الفنان ريبر عيسى إلى مرتبة الشهادة في ال 18 أيلول المنصرم، أثناء عودته من احتفالية افتتاح مركز للثقافة والفن في قرية سنجق سعدون الواقعة في الريف الجنوبي لناحية عامودا.
تقديراً لجهوده، قدت حركة ميزوبوتاميا للثقافة والفن الديمقراطي TEV-ÇAND)) وثيقة الكرامة لعائلة الشهيد الفنان ريبر عيسى، الذي وري جثمانه الثرى في مزار ناحية عامودا في ال 20 أيلول المنصرم.
(آ)
ANHA
[1]