نورجان بايسال
كان حي سور في محافظة #ديار بكر# ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق تركيا موطننا منذ 7 آلاف سنة. وكان الحي العتيق في يوم من الأيام مزدهرا كوجهة سياحية شهيرة في قلب العاصمة الكردية آمد، وهو على قائمة التراث العالمي لليونسكو، لكنه يعيش في جحيم على مدى السنوات الست الماضية.
لقد دُمّر في الصراع بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، وواجه سنوات من حظر التجول والإخلاء القسري وهدم المنازل، وآخرها ما يسمى بمشروع التحول الحضري. وأصبح اليوم مصدر حزن بالنسبة لي وللسكان المحليين الآخرين.
عُرض إعلان في وسائل الإعلام التركية الأسبوع الماضي عن “الفيلات السياحية” في المنطقة، وصوّر منازل فاخرة في أحياء سور الستة، تتراوح أسعارها بين 600 ألف ومليون ليرة (83 ألف دولار – 139700 دولار). وذكر الإعلان: “حيث يلتقي التاريخ مع الرفاهية”.
قد يكون من المفيد التذكير بالتاريخ الحديث لأولئك الذين لا يعرفون قصة الأرض التي بنيت عليها هذه الفيلات الفاخرة. وبدأ كل شيء في أغسطس 2015، عندما اندلعت الاشتباكات في المنطقة إثر انهيار محادثات السلام بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، منهية وقف إطلاق النار الذي دام سنتين في صراع أدى إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص. وانتهت محادثات السلام عندما نفذت مجموعة يُزعم أنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني هجوما أسفر عن مقتل اثنين من رجال الشرطة في يوليو 2015. ثم شهدنا سلسلة من المظالم ضد المجتمع الكردي التركي، الذي يشكل حوالي 15 في المائة من سكان البلاد ككل. وكان حي سور التاريخي في قلب الاشتباكات.
في الشهر التالي أعلن حظر التجول الأول في سور. في البداية، امتدّت حالات حظر التجول هذه بضعة أيام فقط. ولم يغادر السكان منازلهم خلال هذه الفترة مع اشتداد الاشتباكات. واستمر حظر التجول حتى نوفمبر 2015، تراوحت فتراته بين ثلاثة وخمسة أيام في كل مرة.
سقطت أرواح خلال كل فترة، لكن سور لم تتعرض لدمار كامل، ولم يهجرها سكانها. وبعد مقتل المحامي الكردي والناشط الحقوقي البارز طاهر إلجي في 28 نوفمبر 2015، طُبّق حظر تجول خامس في 2 ديسمبر. وهنا، انطلقت العمليات العسكرية ودُفنت المدينة بأكملها تحت الرماد. لكن حظر التجوال انتهى في 11 ديسمبر لمدة 17 ساعة. كان ذلك عندما غادر الآلاف من السكان الحي مع كل ما يمكنهم أخذه.
ثم انتهت العمليات العسكرية التي استمرت 100 يوم في 9 مارس 2016 على الساعة 4 مساء، بالتوقيت المحلي، مخلّفة وراءها حوالي 100 قتيل (العدد الحقيقي غير معروف حتى يومنا هذا) وأضرارا جسيمة في المدينة.
وعندما ننظر إلى التقرير الذي أعدته بلدية سور حول الدمار، والذي يعرض صور الأقمار الصناعية من مارس 2016، نرى أن الحي كان لا يزال قابلا للترميم. لكن هذا لم يكن الطريق المتخذ. وبدلا من ذلك، دخلت الجرافات والشاحنات إلى الحي وبدأت في تدمير آلاف السنين من التاريخ. وانتهت بقايا منازل سكان الأحياء الستة وأرواحهم وذكرياتهم وحتى جثثهم في دجلة كالقمامة.
ثم بعد قرار مجلس الوزراء في مارس 2016، افتُكّت سور مع منح مبالغ زهيدة لسكان الأحياء مقابل منازلهم. وتحوّل أولئك الذين رفضوا إلى المحكمة. وكما هو متوقع، لم يحدث شيء من قضاياهم.
دُمّر 3569 مبنى في هذا الحي، مما أدى إلى تحويل المنطقة إلى مساحة مهجورة، انطلق تشييد الفيلات فيها. وفي نفس الوقت، انتُهكت خطة حماية سور المصممة للحفاظ على المنطقة. وطوال هذه العملية، استمر حظر التجول في حي غير مأهول. وتستمر القيود في مدينة الأشباح حتى يومنا هذا.
لكن الهدم لم ينته عند هذا الحد. ففي صيف عام 2017، دُمّر حي علي باشا التاريخي، الذي لم يُحاصر في الاشتباكات، ضمن مشروع التحول الحضري. وفي غضون أشهر، اختفى الحي الذي قام على مدى آلاف السنين. وانطلق تشييد المزيد من الفيلات الغريبة هناك أيضا.
بحلول سنة 2018، كانت مشاريع البناء في كل مكان في سور. وبدأ “مشروع التجديد” لأول مرة في الشوارع الرئيسية قبل التوسع في المنطقة. وصممت جميع المتاجر بواجهة من الخشب والبازلت ، لتصبح نسخًا طبق الأصل من بعضها البعض. وبقي السكان يعيشون في ظل القيود.
سجّلت سور انتعاشا بطيئا خلال السنوات القليلة الماضية أين تمكنّا من العيش خلال الهدم والحي الجديد الذي أقيم من حولنا. جلسنا في المقاهي، ننظر إلى قسم المدينة الذي أغلق لمشاريع البناء، متظاهرين كما لو أننا ما زلنا نعيش بحرية في نفس المكان الذي اعتبرناه وطننا.
وبمرور الوقت، أصبحت القيود والتدمير جزءا من حياتنا. ويواصل الشباب رسم الجداريات في المنطقة ويستمر افتتاح المقاهي الجديدة. وأصبحت سور مكانا تتشابك فيه الإجراءات التقييدية والحياة، وحيث يواجه الفقر المدقع المقاهي الفاخرة. وترى مقهى ستاربكس في جانب من الشارع بينما يخضع الجانب الآخر لحظر التجول. وبعيدا عن مدى صعوبة محاولة غض الطرف عن ذلك، تكمن الحقيقة في أننا خسرنا ما كان وطننا منذ 7000 سنة. لقد خسرنا ديار بكر وآمد وقلب ديكراناجرد.
وأود أن أقول للناس للذين يفكّرون في شراء هذه المنازل الفخمة الموجودة على أرضنا إنهم لن يربحوا من العيش هنا، لأن هذه المساكن جاءت على حساب دماء سكانها وعرقهم ودموعهم ومعاناتهم.[1]