د. محمود عباس
التاريخ لا يرحم، سيأتي اليوم الذي سيقال فيه؛ أن أحزاب كوردية في #غربي كوردستان#؛ حاربت مسيرة تطوير #اللغة الكوردية#، وفضلت عليها مناهج السلطة العروبية المحتلة، تحت حجج ومبررات وتأويلات معظمها سياسية قبل أن تكون ثقافية، مثلما بررت القبائل الكوردية عدائها لثورة الشيخ سعيد بيران، والتي حاربت ثورات البرزاني الخالد، والتي رفضت الانضمام إلى جمهورية مهاباد.
ولا شك كانت لتلك القبائل والقوى المعادية حججها، وتبريراتها، كالتي يتم عرضها اليوم في حقول اللغة أو كما يقال المناهج، ولربما بعض حجج السابقين كانت أقوى من الحالية.
فمن الجهالة إتهام كل هذه القوى بالخيانة أو العمالة للأعداء، وتركها دون دراسات منطقية، وبحوث في الأسباب التي أدت إلى ظهور تلك المواقف، مثلما الحكم على الطرف الثوري بالصواب المطلق، وعلى الأغلب معظمهم إن لم يكن جميعهم؛ كانوا قوى وقبائل وطنية وكانت ستستميت من أجل قوميتها، لو ملكت القناعة بما كانت عليها الثورات، مثلما تحصل اليوم بين القوى المتخاصمة على اللغة الكوردية (نحن هنا لا نتحدث عن مجريات الخلافات على السلطة السياسية) فهي الرافضة والفارضة، والمؤيدة، والمطالبة بالتعديلات والحوارات على المناهج، أي نحن أمام قوى عدة، ولا ننسى إشكاليات تعيين الكوادر غير المختصة، والقليلة الخبرة في الأماكن الحساسة كالسلك التربوي والثقافي.
ولكن أي كانت الإشكاليات فالتدريس بالمناهج الكوردية، بداية لتطوير اللغة ونقلها من مرحلة التعليم البسيط إلى سويات اللحاق بدروب الحضارة والثقافات العالمية، ولتسير في الدروب الصحيحة لا بد من الاهتمام بحركة الترجمة والكوادر والبنى التحتية للمدارس، والعلاقات الثقافية مع الدول والمنظمات المعنية.
إن لم يكن اليوم فمتى؟
من السذاجة عدم تطبيقها عند القدرة؛ ومن الجهالة توقع حدوثها من قبل المحتلين، فمن شبه المستحيل أن يمن بها علينا الإعداء، والنهاية لن تختلف عن نتائج ثوراتنا، والحكم للتاريخ.
من مصائبنا غياب الحوارات، ونقل الخلافات إلى خانات التخوين، وتفضيل التآكل الداخلي على قبول الكوردي الآخر، وعدم قدرة التحرر من ذهنية السيادة والموالي.
كيف سيكون حكم التاريخ على الأطراف أو الشخصيات الذين فتح لهم المجال للتحدث مع مسؤولين عالميين وبدل من أن يعرضوا القضية الكوردستانية على الطاولة؛ طلبوا منهم المساعدة لمنع التدريس باللغة الكوردية تحت حجج متنوعة؟
أُفضل تدريس المناهج الكوردية ببدايات ضحلة على مناهج الأعداء المعترفة بها. هكذا تحررت الشعوب من الاستعباد الثقافي، وهكذا يجب أن يتحرر الشعب الكوردي من هيمنة اللغات العربية والتركية والفارسية، ولإنجاح المسيرة وتقليل الأخطاء لا بد من الحوارات، وتبادل الآراء، وتقبل النقد، لكن ليس على حساب اللغة الكوردية.
وأتمنى ألا يزايد البعض على إشكالية الداخل والخارج؛ الصامدون في الوطن والمهاجرون، أو كما يعرف اللاجئون إلى نعيم الغربة وحيث الزوال، لأنها جدلية مطعونة فيها، مثلما هي قضية الهجرة والضياع في الشتات أن لم يكن اليوم فبعد عقود قليلة قادمة، لذلك كل آمالنا مرتكزة على البنية الصامدة، والتي أثبت التاريخ وبين جميع الشعوب التي عانت الهجرات أو التهجير إنها الرئيسة التي تحافظ عادة على بقاء الشعوب، والتي تنامت وأثمرت وغطت على الثغرات، وهنا نتحدث عن نواة الأمة وليس عن الذين تشتتوا، فهؤلاء جيل بعد جيل سيندثرون، الجدلية مفرغة منها.
ومن الأهمية وفي هذا البعد، يجب على سلطة الإدارة الذاتية تدريس حصتين باللغة الكوردية في المدارس التي تدرس باللغة العربية، أي في قرى الغمر ومناطق الديمغرافية العربية، بل ولاحقا على مستوى الجغرافية التي تحكمها، أي في جميع المدارس التي لا تدرس باللغة الكوردية، أو على الأقل أن تكون الحصص الكوردية على سوية نفس الحصص العربية التي تدرس في المدارس الكوردية. وإلا فهي تطعن في الديمقراطية والأممية التي تنادي بها وما يفرض على الشعب الكوردي مطعون فيه.
وبالمناسبة، كنا قد كتبنا وحاورنا مرات في بداية التدريس باللغة الكوردية، على أنه من المهم جداً، زيادة حصص التدريس باللغتين في كلا الطرفين. فعذر نقص الكادر التدريسي الذي كان يطرح سابقا تم تجاوزه الأن، ومتوفر للحالتين.
مثالا عن التاريخ، بعد أقل من نصف قرن من الغزوات العربية-الإسلامية وسيطرة الأمويين، فرضت اللغة العربية على شعوب الحضارتين، الساسانية والرومانية، والقبطية والأرامية والأمازيغية، وأهملت لغاتهم، بدأ بها الوليد بن عبد الملك وباقتراح من الحجاج بن يوسف الثقفي، بجعل اللغة العربية لغة الدواوين والمراسلات والمدارس كما وكتبت على العملة البديلة عن الرومانية، فأصبحت لغة السلطة والثقافة الرسمية بعد منع التعليم باللغات الأخرى في المدارس المشهورة حينها، كمدرسة حران وجنديسابور ونصيبين والرها والإسكندرية وغيرها، وذلك بعد نصف قرن من الفترة التي لم يكن بين قريش سوى 12 شخص يعرفون القراءة والكتابة، وفرض على القائمين على تلك المدارس ترجمة محتوياتها إلى العربية، رغم انعدام القراء والطلاب الذين يعرفون القراءة والكتابة بالعربية، لتظهر الشعوب المستعربة، وتتناسى لغاتها وأصولها، وتقوم بمهمات تطوير اللغة العربية ونشرها، والتي أستمرت أكثر من قرن ونصف من الزمن حتى عهد الخليفة المأمون الذي أنمى حركة الترجمة بشكل واسع، وذلك بعد مسيرة طويلة من التطور في اللغة العربية، من مخطوطات بسيطة إلى لغة للأدب والفقه والشرع وغيرها.
ونحن الكورد وبعد 1300 سنة لا زلنا نقف ما بين معارض ومؤيد، نتصارع بأية طريقة يمكن الحفاظ بها على لغتنا، علما أن مجموعات واسعة انفصلت عن أحضان الأمة، بعد غياب لغتهم الأم، ونسبة غير قليلة من الشعب لا يملكونها إلا كلغة للحديث، وهذه أيضا تشوهت مع الزمن ومخططات الأعداء والتطور الحضاري، وخير مثال لغة معظم السياسيين وقادة الأحزاب وبينهم الذين يعارضون القضية.[1]