بعد دقائق من التمعن، يعود أحمد بوزان(43 عاماً)، ليجلس على كرسي حديدي بينما ترفرف أعلام لمجالس عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية على قضبان حديدية بالقرب منه، في موقف أكثر إيلاماً يصف عجزه عن الذهاب إلى منزله.
“بوزان” على غرار عشرات الآلاف من سكان منطقة #سري كانيه#، فرَّ برفقة عائلته، عقب الاجتياح التركي برفقة فصائل سورية مسلحة موالية ل#تركيا#، في تشرين الأول / أكتوبر 2019.
ومنذ ذلك الحين، يقطن إلى جانب عشرات العائلات النازحة في قرية تل نصري، جنوبي تل تمر.
بعد مضي برهة من الزمن على جلوسه، استقل النازح سيارته متجهاً بضعة أمتار إلى أبعد نقطة يمكن للمدنيين الوصول إليها على طريق مدينته، شمالي تل تمر، بينما يستمع في مسجلة سيارته لأغنية الفنان الكردي، ابن مدينته، روني جان، التي تقول وفق ترجمتها من الكردية “إذا ذهبتم لسري كانيه، أوصلوا سلامي للجميلة”.
يعود أدراجه ويتجه إلى تل نصري، فلا مجال لإكمال السير إلى سري كانيه، التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل الموالية لها. وفي بهو منزل، يجلس “بوزان”، مثقلاً بذكرياته علی ذلك الطريق الذي كان يعبره يومياً بحكم عمله كسائق سيارة أجرة.
ومع حلول الذكری الثالثة “لاحتلال” سري كانيه، يسرد النازح اللحظات التي خرج من قريته عين حصان غربي سري كانيه، بعد قضاءه 40 عاماً في كنفها.
يعود الأربعيني الذي غزا الشيب شعره ولحيته بذاكرته إلی اليوم الأول للهجوم، “كنا جالسين في المنزل، عندما قصفت الطائرات التركية قرية قريبة منا، ما تسبب بهلع بين المدنيين ودفعهم للفرار من منازلهم، بدوري أيضاً أخذت عائلتي وخرجنا”.
ويضيف: “عندما وصلت لمدينة سري كانيه، ڕأيت أزمة سير خانقة، الجميع كان يود أن ينجو بحياته، وسط دوي أصوات قصف الطائرات والمدفعية”.
ومع حلول المساء، وصل “بوزان” إلی بلدة تل تمر التي تبعد مسافة 35 كم من سري كانيه، ليقضي مع عائلته تلك الليلة في سيارتهم، فيما قضی كثيرون ليلتهم في العراء وعلی الطرقات العامة ومحطات الوقود.
ويقول عن ذلك اليوم، “لقد كان أسوء يوم أعيشه في حياتي”.
مع حلول اليوم الثاني، توجه “بوزان” إلی الحسكة، وبعد المكوث هناك نحو 10 أيام، عاد مع عائلته إلی تل تمر واستقرَّ في قرية تل نصري التي كانت محطته الأخيرة في ڕحلة نزوحه الممتدة منذ ثلاث سنوات.
“لا نستطيع العودة”
ويأبی النازحون من سري كانيه، العودة إلی منازلهم في ظل سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة، خشية علی حياتهم في ظل تزايد حالات الانتهاك بحق المدنيين، بحسب تقارير حقوقية محلية.
ومنذ غزو المدينتين، وحتی اليوم، وثقت ڕابطة “تآزر” للضحايا، وهي مؤسسة غير حكومية، يعمل بها نشطاء من مدينة سري كانيه، 56 حالة قتل و 72 تفجيراً و 511 حالة اعتقال، بالإضافة ل185 شخصاً آخرين تم إخفاؤهم قسراً.
كما وثقت الرابطة، 325 حالة تعذيب، بينهم خمسة أشخاص علی الأقل فقدوا حياتهم، وجری نقل 92 محتجزاً إلی #تركيا#، صدرت بحق 48 منهم أحكام تتراوح بين 13 عاماً والسجن المؤبد.
ولكن الرابطة تؤكد أن الانتهاكات التي ترتكبها تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها في سري كانيه وتل أبيض، “هي أكثر بكثير مما يتم توثيقه والتحقق منه”، وأن حجم الانتهاكات الفعلية “أكبر من الأرقام” الواردة في الإحصائية التي ذكرتها.
وبعد نزوحه، وفقاً لمعلومات وردته من القرية، فإن فصائل معارضة أحرقت منزله بعد نهبه وفجرت عدة منازل لأقربائه وقطعت أشجار زيتون تزيد أعمارها عن 30 عاماً.
وحول إمكانية عودته لقريته، يجيب بلهجته العامية: “لا نستطيع العودة إلی مدينتنا وقريتنا، فالمرتزقة أصدروا قراراً بحقنا، من يعود من سكان قرية عين حصان يتم بحقه حكم القصاص”.
ويضيف: “لا يوجد أمان صراحة، فكل فصيل مسلح لديه توجه مختلف عن اڵاخر”.
“حياة النزوح صعبة”
ويقول “بوزان” الذي يعمل إلی جانب عمله كسائق علی سيارته، ڕئيساً لكومين حيه في تل نصري (الكومين: وحدة مجتمعية صغيرة شكلتها الإدارة الذاتية في الاحياء والقری لتلبية متطلبات السكان)، إن “حياة النزوح صعبة جداً”.
وبينما كان يتحدث عن معاناته بسبب النزوح، أخبره جيرانه بأنه يجب الحضور لتوزيع سلال غذائية إغاثية تقدمها إحدی المنظمات للنازحين بين الحين واڵاخر.
وفي ساحة كبيرة ضمن تل نصري، تجمع حشد من النازحين حاملين دفاتر العائلة لاستلام حصتهم من المعونات الغذائية، فيما كان أطفال ونساء يسارعون بنقل حصصهم علی عربات صغيرة إلی المنازل.
وبعد الانتهاء من عملية التوزيع التي استغرقت نحو ثلاث ساعات، يشير “بوزان” إلی أن هذا ما آلت إليه أوضاعهم “بعدما كان كل شيء متوفراً في سري كانيه”.
ويضيف: “الوضع هنا مختلف تماماً، نعاني كثيراً فحتی المياه بالكاد تصلنا”.
وضمن الحي الذي يقطن فيه، يلهو بضع أطفال بكرة القدم، بينما تتبادل بعض النساء الأحاديث عند عتبة باب أحد المنازل، فيما يتمشی بعض الشبان ذهاباً وإياباً.
ومع تشتت شمل سكان قريته، يحاول “بوزان”، كما غيره التأقلم مع حياته الجديدة ڕغم تغير نمط الحياة الاجتماعية كثيراً.
ومع دخول العام الرابع لنزوحه من مدينته، لا يزال يتمسك “بوزان” كما أقرانه، ببصيص آمل يعيدهم إلی ديارهم في أقرب وقت.
ويقول: “سبب بقاءنا في تل تمر، أنها المنطقة الأقرب إلی سري كانيه، علی الأقل نستنشق هواء سري كانيه، فعندما نخرج إلی تل تمر نشعر بأننا اقتربنا من مدينتنا، خاصة أنه عندما نسلك طريق سري كانيه ضمن البلدة ينتابنا شعور لا يمكن وصفه”.
ويضيف: “نأمل أن نعود، فأملنا بالله كبير أننا سنعود يوماً إلی سري كانيه”.
إعداد: دلسوز يوسف[1]
$ژیاننامە$
...
تێبینی: ئەگەر هەریەكێك لەو زانیارییانەی سەرەوە بەردەست نەبوون، ئەوا تكایە دێڕەكە لابەرە.
ئەگەر تەنها ساڵ هەبوو، ڕۆژی لەدایكبوون و كۆچی دوایی بكە:
ساڵی لەدایكبوون:
ساڵی كۆچی دوایی: