مثنى المحمود/ تل كوجر:
يشكل الوشم، الذي ترسمه نساء المنطقة على مناطق معينة من أجسادهن إرثاً حضارياً، وتاريخاً، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة شعوب المنطقة منذ زمن بعيد.
عرفت الشعوب الوشم في القديم والحديث، وكان الوشم قبل الإسلام، واستمر بعده، والمرأة العربية، وخاصة نساء مناطق الجزيرة في شمال وشرق سوريا، سارت على ما توارثته من التقاليد، ووشمت أجزاء كثيرة من جسمها، وإلى يومنا هذا يستمر الوشم، وتختلف أشكاله وأهدافه، لكن يبقى التراث المتوارث هو الأكثر تأثيرا على ما تنقشه النساء من أشكال، وما تختاره من ألوان تناسب إطلالة النساء.
مواضع ورسوم
تتركز أماكن الوشم عند المرأة في إقليم الجزيرة، غالباً في الساقين، والأنف، وأسفل الفم، والأصابع، وأغلب النساء اللواتي كن يوشمن، هنّ من نساء القبائل العربية، وبعض نساء العشائر الكردية، وعن آلية اختيار الوشم أو “الدق” كما تسميه النساء، تتحدث الحجة مريم الصمد، التي تبلغ من العمر ثلاثة وثمانين عاماً: “تختلف المواضع، ويبقى المكان الأكثر تزيينا بالوشم هو الوجه، وبالأخص ما تحت الشفاه، أي منطقة الحنك، وترسم عليه السلاسل والرموز، وأيضا اليدين والجبهة من أعلى الوجه، وتختار كل امرأة ما يناسبها ويبرز جمالها، وقد تختلف الرسوم، ولكن يبقى الهدف منها موحدا إبراز الجمال، وإضافة رونق وصفة خاصة لكل امرأة عن سواها”.
أنواع وأسماء
تختلف أشكال الرسوم والنقوش ومسمياتها، وعن أنواع الرسوم تقول الجدة، “سارة محمود”: كل موضع له اسم، ومنها “شعابيات، أو سنابل” وتدق على الرقبة والصدر، ويعطى الاسم حسب الشكل، الذي يكونه الوشم، أو يكون قريبا من الشكل المسمى به وردة مثلا، أو “رثمة” وتنقش غالبا في طرف الشفة، و “الرثمة” وشم بطول سنتيمتر واحد، عند آخر الشفة السفلى يتجه نحو الأسفل.
ثم تضيف “سارة” هناك أنواع أخرى مثلا: “الامشاط والشقاليات”، التي تدق على الساق، و “كحلة القطة” أو “غمازيات” وترسم على طرف العين من الجنب، كما تمد الكحلة اليوم، أما ما يسمى “حجول” يرسم في أسفل الساق حول أسفل وأعلى الكعبين، و “الزلف” نقطة على الخد، و “الهلال” في وسط الجبين يكون في وسطه فوق بداية الحاجبين، ويشكل هلالا يصل بينهما، “خصر” حول الرسغ، و”صحن ورد” و “وسادة ابن العم” على الزند بشكل دائري، وبأشكال ورد، ووشم على البطن، والحنك و”الزردوم-الحلق” والصدر.
ثقافة المجتمع للوشم
لا يقتصر الوشم على النساء فقط، فهناك بعض الرجال أيضا يستخدمون الوشم على زنودهم، ويكتبون أسماءهم وصوراً لبعض الأسلحة، كما تقوم بعض النساء اللواتي يحضرن إلى المدن في الربيع، ويوشمن لقاء أجر من الخبز أو النقود ويكون ب “شك” عدة إبر مربوطة مع بعضها في الجلد، حيث يذرّ على موضع الدق الكحل و”حمام-سماد” القِدر، وبعد الوشم يتورم مكانه، ولا يشفى إلا بعد أسبوع، وتقوم بالوشم أيضا نساء من العرب، وكانت النساء يوشمن أولادهن الذكور لكي يعيشوا، هذا حسب معتقداتهم.
تراث قديم
اعتادت النساء في الجزيرة قديماً على الوشم على أماكن معينة في وجوههن، معتبرات تلك الوشوم أنها إحدى علامات الزينة والجمال، حتى باتت الآن ثقافة قديمة، قد تندثر في الأجيال الحالية، وتقول المواطنة “كرحة الخلف”: نحن كمجتمع شرقي نتمسك بعاداتنا وتراثنا كما حرصت الأمهات والجدات قديما على اتباعها، لأننا نعدّه مصدر لجمال المرأة الجزراوية، وتضيف صاحبة ال 75 عاما: “كانت الفتاة قديما عندما تبدأ بسن النضوج، تقوم ب “الدك” أو الوشم على يدها أو تحت فمها، كنا نجتمع في بيت واحد عند مجيء ما يسمون (الغجر)، وهم الأشخاص المختصون برسم الوشوم والنقوش، كانوا يستخدمون خمسة إبر مدببة الرأس، ومادة تسمى الغنج، التي من خلالها يرسمون النقشة، التي تريدها الفتيات” .
وتشير “كرحة” بقولها هناك عدة تسميات للوشوم، منها: “بطن الحية، والهلالي والسيالات” التي تنقش على الصدر و”الحجول” التي يتم نقشها على القدمين، حيث هناك مقولة تقال للفتاة، التي تنقش على قدميها نقشة الحجول (شيلي شليل الزبون ليبين دك الحجول)، وتردف “كرحة”: “من أشهر نقشات الدك، هي التي تنقش على يد الفتاة، التي تقدم ابن عمها لزواجها، وتسمى النقشة “وسادة ابن العم” التي ترمز لحبها والقبول به كزوج”.
ظاهرة متجذرة
اليوم مع مرور الزمن وتطور المجتمع لا زالت ظاهرة “الرثامية- الدك” متداولة، ولكن بطريقة حديثة تختلف جذريا عن سابقها، لم تعد الفتيات يرغبن باتباع العادات القديمة، بل أصبحت تلاحق الشيء الأحدث والأسهل، وعادة وشم الجسد من العادات الموغلة في القدم، وهي تتمثل برسم رموز لها دلالات خاصة على أجزاء معينة من جسد الإنسان، وقد مارست الوشم أغلب شعوب العالم، والنساء على وجه الخصوص، وحيث إن لكل منطقة معتقداتها وطقوسها المتوارثة، فكذلك نجد أن أشكال الوشم ودلالاته تختلف بين منطقة وأخرى، وإلى زمن مضى غير بعيد، تعتز كثيراً من النساء بالوشم، وتتباهى به، وكان من الصعب أن تجد امرأة واحدة غير موشومة، ولعلَّ وشم الوجه، هو من أكثر أنواع الوشم تداولاً عند النساء في الجزيرة.
الرثامية وشم التاريخ
يُعرف الوشم، بأنه علامات أو رموز أو رسومات، ترسم على منطقة مختارة من الجسد ذات اسم معين، ثم ترش بمادة “النيلج”، وأهل تل كوجر أطلقوا على الوشم اسم “الدك”، وأسموا المادة، التي تذر على مكان الوشم لإظهار الرسوم “الغنج”
وتقول الحاجة ترفة العلو: “لا أذكر بالضبط متى رسمت الوشم على وجهي ويدي، لكن بالتأكيد إن ذلك حصل منذ مدة لا تقل عن السبعين عاماً، وقبل أن أتزوج ببضع سنوات، حيث طلبت والدتي من “الوشامة” أن ترسم لي وشم “الرثامية” و”الرواك” على وجهي، وهما من أشهر أنواع الوشم المعروفة، فالأول يدل على جمال البنت، والثاني يدل على نسبها الطيب، وأذكر يومها أنني تألمت كثيراً، حيث إنه كان من الطبيعي أن يتورم مكان الوشم، ويستمر ذلك عدة أيام، ليظهر أخيراً الوشم كما رسمته “الوشامة” وبلونه الأخضر المعروف، وكم كنت أشعر بالسرور وأنا أستمع لأغنية شعبية أو بيت شعر شعبي يذكر وشم الرثامية، أو الرواك[1]