تستمر الاحتجاجات الشعبية في المدن ال#إيران#ية والتي انطلقت من #المناطق الكردية#، وفي ظل الانهيارات التي تعرضت لها الدول التي حاولت قمع شعوبها حذرت منظومة المجتمع الكردستاني قبل أيام السلطات الإيرانية من النتائج السلبية للنهج الذي تتخذه كما دعتها إلى الذهاب نحو الحل الأمثل، فما هي العوامل التي دفعت الشعب للاحتجاج؟ وما هو حل للأزمة؟
يعاني النظام الإيراني من تصدع داخل أركان النظام نفسه، في وقت يزيد فيه حنق الشعب عليه بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وتوجيه الموارد لخدمة تدخلات إيران الخارجية على حساب المواطنين، بالإضافة إلى تهميش لقوميات وأديان عديدة ومع انحسار الجيل الذي عاصر الثورة الإسلامية وبروز أجيال جديدة وسوء الحالة الصحية للمرشد الأعلى، فإن النظام الإيراني مجبر على التغيير أو تحمل ما لا يحمد عقباه.
وعملت مراكز الدراسات والمراقبين خلال الفترة على محاولة استقراء مستقبل النظام في إيران في ظل تسارع التطورات، فما بين الاحتجاجات المتصاعدة والحديث عن تدهور صحة المرشد الأعلى والبحث عن خليفة له، قد تخرج الأمور عن مسارها في أي وقت.
جينا آميني تشعل الساحات الإيرانية
ويواصل الإيرانيون التظاهر على خلفية مقتل الشابة الكردية #جينا أميني# إثر توقيفها من قبل شرطة الأخلاق.
واعتقلت جينا أميني في طهران يوم 13 أيلول/ سبتمبر بسبب ارتدائها ملابس غير لائقة، حسب زعم الشرطة الدينية، وتوفيت بعد ثلاثة أيام، ما أشعل فتيل مظاهرات ضد النظام السياسي الديني في إيران.
وقضى عشرات الأشخاص، من بينهم عناصر من قوات الأمن، على هامش الاحتجاجات التي تعد الأكبر في إيران منذ عام 2019. وحمل مسؤولون إيرانيون المسؤولية عن التحركات ل مثيري شغب، مؤكدين توقيف المئات منهم، وبينهم طلاب.
وتقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن أكثر من 150 شخصاً لقوا حتفهم وأصيب المئات، وتم اعتقال الآلاف في حملة قمع شنتها قوات الأمن على الاحتجاجات.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها إيران احتجاجات كانت خلفية غالبيتها اقتصادية ومعيشية.
الكاتب الصحفي المصري، وليد الرمالي، تحدث عن التطورات الأخيرة، قائلاً: أعتقد أن هذه التحركات الشعبية على خلفية مقتل الشابة الكردية بدأت احتجاجاً على القمع الذي تمارسه الشرطة الدينية ضد المرأة عموماً في إيران بحجة عدم الالتزام بالحجاب وهذا ظاهر الأمر ولكن الشرطة الدينية في إيران مشهورون بفضائحهم الجنسية وهو ما أورث لدى عموم الشعب الإيراني والمرأة خصوصاً كراهة شديدة لنشاط الشرطة الدينية المتطرف حتى إن هناك تطبيقاً على الموبايل في إيران يكشف للنساء أماكن تواجد الشرطة فيلبسون الحجاب قبل الكمائن.
وأضاف لكن رغم أن بداية الاحتجاجات بسبب مقتل الشابة الكردية إلا أن استمرارها يرجع إلى سوء الأوضاع الاقتصادية في إيران الغنية بالنفط ولكن هذا الغنى مقصور على الطبقة الحاكمة ولا يصل إلى الشعب الإيراني الذي يعاني من شظف العيش.
الاقتصاد ليس هو المشكلة الوحيدة
وبالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية والمعيشية هناك مشاكل اجتماعية وسياسية، ويشبه وضع إيران حالة كثير من دول الشرق الأوسط القائمة على نظام القومية والطائفة الواحدة.
ويشكل الفرس نسبة 35% فقط من مجموع سكان هذا البلد، أما البقية فينتمون لقوميات وعرقيات متنوعة، من الكردية والعربية والأذرية والبلوشية، إلا أنّ النظام يفرض ثقافته ولغته الفارسية على الجميع بالقوة.
الكرد في روجهلات.. تاريخ طويل من النضال
وتمكنت القبائل الكردية من تشييد بعض الممالك كان أهمها مملكة ميديا، التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن السابع قبل الميلاد.
وتعد ملحمة دمدم واحدة من أهم المعارك التاريخية التي وقعت في العام 1609، بالقرب من بحيرة أرومية؛ حيث فرض الصفويون حصاراً على القلعة من شتاء العام 1609 إلى صيف العام 1610، وقام الصفويون بعد ذلك بحملة إبادة وتهجير بحق الكرد في تلك المنطقة.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، اندلعت في مناطق الكرد انتفاضة، قامت ضد الحكم القاجاري الإيراني، قادها الزعيم الكردي سمكو آغا من قبيلة توركوفون.
وعلى الرغم من تقسيم معاهدة لوزان لكردستان إلى أربعة أجزاء، استمر سمكو آغا في ثورته حتى تحقيق مطالب الدولة الكردية المستقلة؛ حيث استمرت الانتفاضات ضد الحكم الإيراني حتى العام 1930، إذ استدرجت الحكومة الإيرانية سمكو آغا إلى مدينة شنو للتفاوض ونصبت له كميناً واغتالته غدراً.
وخلال حكم رضا شاه تمكن الكرد من تأسيس جمهورية مهاباد في 22 كانون الثاني العام 1946، برئاسة القائد قاضي محمد، واتخذت من مدينة مهاباد عاصمة لها، وقد تم القضاء على هذه الجمهورية بضغط من نظام الشاه على الولايات المتحدة التي ضغطت بدورها على الاتحاد السوفييتي لسحب قواته، وقامت الحكومة الإيرانية بإعدام قاضي محمد في آذار 1947 في ساحة جارجرا بمدينة مهاباد.
وشارك الكرد في الثورة على الشاه، وساهموا في إسقاطه خلال ثورة الخميني العام 1979، إلا أن الحكومة لم تعط الكرد حقوقهم ما دفعهم للانتفاض عليها في منتصف آذار العام 1979، وبعد تحقيق الكرد لبعض الانتصارات أعلن المرشد الأعلى للثورة روح الله الخميني الجهاد ضد الكرد، وقصف مدنهم بالطائرات، واستمرت هذه الانتفاضة حتى أواخر 1983؛ حيث هاجمت قوات الحرس الثوري الإيراني المناطق الكردية، في هجوم واسع أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من الكرد.
وفي عام 1999 انطلقت احتجاجات في عدة مدن كردية لكنها لاقت هجوم من قبل السلطات الإيرانية كما شهد العام 2005 احتجاجات مماثلة في عدة مدن عقب مقتل عدد من النشطاء الكرد على أيدي رجال الأمن.
ومع مواصلة القمع بحق الكرد هناك تم تأسيس حزب الحياة الحرة الكردستاني في عام 2004.
وفي أيار 2015، نزل الآلاف من الكرد إلى شوارع مدينة مهاباد احتجاجاً على محاولة أحد الضباط بجهاز الاستخبارات الإيراني الاعتداء على فتاة كردية، مما دفعها للانتحار بالقفز من شرفة بفندق، هرباً منه، وردّت الشرطة الإيرانية بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وهو ما نجم عنه سقوط العشرات من الجرحى وأربعة قتلى بين المتظاهرين.
وحول ذلك يقول الكاتب الصحفي المصري: الوضع في إيران يمثل نموذجاً لدولة دينية متطرفة تقمع كل مكوناتها سواء الكرد أو السنة وحتى المرأة يتم قمعها بحجة الحجاب وهو ما أدى إلى خروج النساء من كل الطبقات وكل الأعمار فرأينا طالبات الجامعة وطالبات المدارس خرجن للتظاهر، كما أن هناك أجنحة داخل النظام بدأت تبدي اعتراضها على القمع والقهر مثل عدد من أعضاء البرلمان الذين خرجوا بتصريحات أنه لابد من الوصول لتفاهمات ولكنهم في واد ونظام الملالي في واد آخر حيث أن النظام استعان بالحرس الثوري واتهم أميركا واسرائيل بالوقوف خلف الاحتجاجات.
وأضاف هذا ما يؤكد أن النظام يرفض الاعتراف بالواقع ويصر على قمع الشعب الإيراني وهو أمر يصعب الوصول إلى حل يرضي هذا الشعب الجريح لذلك أعتقد أن الاحتجاجات ستتوسع ولكن إذا استمر القمع فقد تتوقف هذه الاحتجاجات يوماً ما ولكن سيبقي تحت الرماد نار قابلة للاشتعال في أي وقت.
منظومة المجتمع الكردستاني تدل السلطات على الحل الأمثل.. فهل تصغي؟
وأدانت منظومة المجتمع الكردستاني (KCK) هجوم إيران على الشعب المطالب بالحرية والقوى الكردية، وطالبت الدولة الإيرانية تحقيق مطالب الشعوب الإيرانية وفي مقدمتها المرأة واتّخاذ خطواتٍ لحلّ المشاكل.
وقالت المنظومة: على الدولة الإيرانية الالتفات لمطالبة المرأة بالحرية ومطالبة الشعوب في إيران بالديمقراطية وتحقيق هذه المطالب واتّخاذ خطوات لحل المشاكل، فالمطالب التي تنادي بها المرأة الكردية والإيرانية هي مطالب ديمقراطية، شرعية وعالمية، ومن غير المقبول عدم الاكتراث لمطالبها وقمعها بالعنف، إنّ نهج الدولة الإيرانية القائم على تجاهل حقيقة المرأة وعدم الاعتراف بإرادتها الحرّة ومحاولة قمعها بالعنف هو ضد الإنسانيّة وأمر غير مقبول، على الدولة الإيرانية التخلّي عن التعامل مع المرأة بعقلية وتصوّر الهيمنة الذكورية، إنّ موقف الدولة الإيرانية من مطالبة المرأة، والمجتمع والشعوب بالحرية يشير إلى أنّ ادّعاءاتها التي تزعم فيها أنّها تتعامل مع المرأة والمجتمع والأشخاص بشكلٍ إيجابيٍ وفقاً لثقافتها ومعتقدها التاريخي باطلة وغير صحيحة.
وأضافت تدرك الدولة الإيرانية والقوى الأخرى أنّ حركة التحرر الكردستانية قد وقفت دائماً ضدّ تدخّل القوى الخارجية في الشرق الأوسط، إذ أن التدخّل الخارجي لا يصبّ في مصلحة الشعوب ولا يفيدهم، لذا نعتبر موقفنا صحيحاً ونلتزم به، لو تمّ اتّخاذ خطوات في سبيل الديمقراطية فإّن هذا سيمنع الألاعيب الخارجية والتدخّل الخارجي.
وشددت أن على الدولة الإيرانية التركيز على حلّ القضية الكردية بدلاً من اتّهام الكرد بالفعاليات الشعبية، عليها الاهتمام بالقضية الكردية والاعتراف بها واتّخاذ خطواتٍ في مسألة حلّها، إنّ القضية الكردية لا تخصّ إيران فحسب بل هي إحدى أهم القضايا الأساسية في الشرق الأوسط، ولا يجوز تجاهل هذه الحقيقة، ومن يفعل ذلك سيتضرّر منه قبل أي أحدٍ آخر، لذا فإن الهجمات التي تُشنّ على الشعب الكردي والقوى الكردية لا تفيد الدولة الإيرانية، وعليها رؤية هذه الحقيقة، وإيقاف هجماتها على الشعب، المرأة والتنظيمات الكردية.
وحول مسار الأحداث والتطورات، قال الكاتب الصحفي المصري: أعتقد أن هذا الحراك الشعبي في إيران سوف يتوسع والدليل استمراره حتى الآن وانتشاره في العديد من المدن الإيرانية، كما أن القمع الذي يواجه به النظام الإيراني هذه الاحتجاجات وسقوط عشرات القتلى وأكثر من ذلك كمصابين ومعتقلين أورث لدى الشعب الإيراني حالة من الثأر ضد نظام الملالي المتطرف، كما أن وجود قوميات تعاني من ظلم اجتماعي وقهر مثل الكرد والسنة الموجودين في الأحواز أدى إلى وجود فرصة لهذه القوميات لتعبر عن ضيقها من القمع الموجود في إيران.
وتابع كما أن الفقر المنتشر في أوساط عديدة داخل ايران والذي أدى إلى انتشار حالات متعددة من السرقة بين الطبقات الفقيرة حتى أن هناك تصريحاً لرئيس مباحث طهران قال فيه إن نصف المتهمين بالسرقة في طهران وحدها هم مجرمون للمرة الأولى وهذا معناه أن هناك أناساً صالحين من الشعب الإيراني الفقير تحولوا إلى لصوص لأنهم لم يجدواً حلاً اجتماعياً من الدولة الإيرانية التي تنفق المليارات على شراء السلاح وتطوير المنظومة النووية وكذلك على مشاريعها الاستعمارية التوسعية ودعمها للحركات المتطرفة في سوريا ولبنان واليمن والعراق بينما لا يفكر النظام في حل مشاكل عموم الشعب الإيراني الفقير رغم أن دولتهم تعوم على بحور من النفط.
ويرى أن هذه الاحتجاجات ستنتشر أكثر بين أوساط عديدة من الطبقة الوسطى المهمشة في إيران كما أن الاحتجاجات سيتسع مداها كل يوم لتصل إلى مدن أخرى ما لم يجد النظام الإيراني حلاً سوى القهر والقمع المستمر للشعب الإيراني.
ويؤكد الكاتب والصحفي المصري أنه طالما لا يوجد نظام ديمقراطي عادل يوفر للشعب حقوقه ويعطي لكل مكوناته حرية فلن يلوح أي حل في الأفق إلا التذمر من جهة الشعب والقمع من جهة النظام أي أن إيران قد تدخل في حلقة مفرغة قابلة للتمدد والاشتعال في أي لحظة، ولكن النظام الإيراني يراهن على أن جذوة الاحتجاجات قد تخمد مثلما حدث في 2019 نتيجة قمع الشرطة والحرس الثوري للشعب ولكن هذا الحل كارثي وقد يؤدي لانهيار نظام الدولة الإيرانية.
(م)
ANHA
[1]