اتخذت المناضلة، زينب محمد، مبدأ لا يوجد عمل شاق، متعب أو خطر، هناك عمل ويجب القيام به على أكمل وجه لمواصلة نضالها ضد الأنظمة الاستبدادية والذكورية، ومناهضة كافة أشكال هجمات الاحتلال والإبادة، إلى أن وصلت إلى مرتبة الشهادة أثناء كفاحها في حماية الإنسانية من خطر داعش.
لطالما كانت المرأة ركيزة في ثورة الحرية في الشرق الأوسط وفي ثورة 19 تموز 2012 التي عُرفت باسم ثورة المرأة لدورها البارز في جميع الميادين السياسية والاجتماعية والعسكرية، تضع دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها القضاء على المرأة في محور استراتيجيتها القائمة على الإبادة والإنكار.
خلال سنوات ثورة ال 19 من تموز، استهدفت دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها العشرات من النساء. من بين تلك النساء الشهيدة هفرين خلف التي اغتيلت على يد مرتزقة تركيا عام 2019 وكذلك الشهيدتان هند الخضير وسعدة الهرماس اللتين اغتيلتا على يد مرتزقة داعش في بلدة الدشيشة جنوب #الحسكة# عام 2021.
وتواصل دولة الاحتلال التركي نهجها العدواني تجاه النساء الطامحات إلى الحرية. في يوم ال 27 من أيلول الفائت، استهدفت دولة الاحتلال التركي عبر طائرة مسيّرة المناضلة زينب محمد ويلماز شرو الرئيسان المشتركان لمكتب شؤون العدل والإصلاح في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم الجزيرة ما أدى إلى استشهادهما على الفور.
من زينب محمد؟
زينب محمد، مواليد الأول من آذار/ مارس عام 1981، ترعرعت في كنف عائلة وطنية مكونة من (9أخوات، و4 إخوة) والأب والأم، أنهت المراحل الدراسية الثلاثة (الابتدائية والإعدادية والثانوية) في الحسكة.
بالعودة إلى مرحلة الدراسة الثانوية طلب والدها أن تتلقى دروساً خصوصية، إلا أنها رفضت ذلك لأنها كانت تعتمد على ذاتها في كل شيء، وكانت تملك إرادة قوية وأهداف صائبة.
شقيقة الشهيدة زينب، ليلى محمد، تقول زينب لم تكن شقيقة فقط بل كانت رفيقة أيضاً، وأصبحنا أكثر قرباً وانسجاماً خلال سنوات الثورة، حيث كانت مناقشة المسائل المتعلقة بأعمالنا من أولوياتنا.
تتابع ليلى مصابنا جلل وألمنا عميق على شهيدتنا لكنه واجب أن أتحدث عن الخصال الحميدة التي كانت تتمتع بها الشهيدة، بل والحديث عن أدق تفاصيل حياتها وعملها حتى ارتقائها شهيدة ليتثنى للجميع معرفة من تكون زينب
وتضيف ليلى: كانت طفلة صغيرة، حركية، أحبها الرفاق وكبرت على فكر وفلسفتهم الذين كانوا يأتون إلى منزلنا وعندما انضم شقيقي ولات إلى صفوف حركة حرية كردستان إلى أن ارتقى شهيداً ازداد تعلق العائلة بحركة التحرر الكردستانية أكثر فأكثر.
تشير ليلى محمد خلال حديثها، إلى أنه عندما كانت فضائية (MED TV)، وهي أول قناة فضائية كردية، بدأت ببث نشراتها الإخبارية جميعنا كنا نشاهد الأخبار بهدوء وسكون تام، واصفة ذلك لو رميت إبرة على الأرض لسمعت صوتها، موضحة ذلك لكي نصبح على علم ودراية بما يحدث ويجري حولنا وكي تزيد ثقافتنا.
ونوهت ليلى إلى انعدام مراكز للتدريب: كانت الأوضاع مزرية والظروف الأمنية في ظل حكم نظام البعث صعب للغاية، إلا إن الدورات التدريبية آنذاك كانت تنظم في منزلنا، والشهيدة زينب كان تتفرغ بشكل كامل حينما كان الرفاق يجتمعون في منزلنا، وكانت تطلب منا أيضاً أن نتفرغ لهذه الدورات فالرفاق لن يستطيعوا المجيء كل يوم لاسيما وإنهم يناضلون من أجلنا.
'الآن وظيفتي لأجل وطني وثورتي وشعبي'
مثلها مثل الآلاف من شبان وشابات روج آفا وشمال وشرق سوريا، انضمت زينب محمد إلى ثورة 19 تموز المعروفة بثورة المرأة، تاركة مهنة التدريس لدى حكومة دمشق دون تقديم استقالتها، تشير شقيقتها لا داعي لتقديم الاستقالة بأسلوب يليق بوظيفتهم، عملي الآن لأجل وطني وثورتي وشعبي وهذا أهم من كل شيء.
تتابع ليلى حديثها عن شقيقها الشهيد ولات محمد صاروخان، المقاتل في قوات الدفاع الشعبي (HPG)، استشهد في جبال كردستان عام 1999، قائلةً: عندما ارتقى أخي شهيداً تأثرنا بذلك كثيراً، زينب كانت أكثر تأثراً من جميعنا، وقالت حينها عبارة لن أنساها ما حييت، (يتطلب منا الآن العمل أضعاف مضاعفة، كنا عائلة وطنية، والآن بتنا عائلة شهيد)، فبالرغم من ألم الفقدان وصعوبة العمل آنذاك لعدم وجود الإمكانات المتاحة حالياً، لم تتوانى زينب عن أداء واجبها ولم تتقاعس في عملها.
المقولة التي يرددها الكرد دائماً ويتميزون بها عن غيرهم يستشهد ولات فيحمل الآلاف اسمه ويسيرون على دربه، تيمناً باسم الشهيد ولات، حمل ابن شقيقها اسمه وترعرع في كنف الشهيدة زينب، وعقب اندلاع الثورة في روج آفا، أصر (ولات ابن شقيق زينب) على الانضمام إلى القوات العسكرية لكن قراره رفض لصغر سنه، وفيما بعد عند بلوغه السن المناسب انضم إلى القوات العسكرية، حتى وصل إلى مرتبة الشهادة في حملة تحرير مدينة منبج من مرتزقة داعش.
تستذكر ليلى أنه بعد ارتقاء شقيقهم ولات، ارتقت ابنة شقيقتهم الشهيدة آمد شهيدة أيضاً، وقالت: يتطلب منا الكثير من العمل، فالمهمة الملقاة على عاتقنا صعبة جداً، ولكي يليق بشهدائنا ونسير على خطاهم فالثورة ليست لها زمان ومكان محددين.
خصال ومهام الشهيدة زينب محمد
الشهيدة زينب كانت تتمتع بشخصية هادئة وقوية ومحبة لعائلتها، تساعد الجميع دون انتظار المقابل، محبة للقراءة والاطلاع على كافة المستجدات والتطورات السياسية والثقافية والاجتماعية
تحملت الشهيدة زينب منذ بداية مسيرتها النضالية، الكثير من مسؤوليات الثورة، حيث كانت الانطلاقة من حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، متولية فيه مهام عضوة المجلس العام، ثم تسلمت أعمال وكيلة هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم الجزيرة، ومؤتمر ستار، وكانت تشغل مهام الرئيسة المشتركة لمكتب شؤون العدل والإصلاح في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم الجزيرة حتى لحظة استشهادها إثر هجوم بطائرة مسيّرة تابعة لدولة الاحتلال التركي في ال 27 أيلول الماضي.
أوصت الشهيدة زينب محمد عائلتها، بأن يتحدث نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حسن كوجر في مراسم استشهادها، تقول شقيقتها ليلى: شهادة زينب شكلت صدمة لم نتوقعها إطلاقاً، والشهيدة زينب كانت تتحدث في كثير من الأحيان، عندما استشهد أتمنى أن يتحدث الرفيق حسن كوجر في مراسم استشهادي؛ لأنه محب جداً لحزب الاتحاد الديمقراطي.
وكانت الشهيدة تقول أقيموا لي مراسم تليق بي، كما طالبت الجميع بأن يتحلوا بالعزيمة وقوة الإرادة، وبتصعيد وتيرة نضالهم.
'في مبدئي لا يوجد عمل شاق، متعب أو خطر، هناك عمل ويجب القيام به على أكمل وجه'
وتذكرت ليلى ما كان يدور بينهما من حوار كنا دائماً نناقش في الأمور السياسية، والاقتصادية والاجتماعية وغيرها الكثير من الأمور، لم تكن تخشى شيئاً، بالرغم من تواجدها في أماكن خطيرة حيث كانت تقول دوماً في مبدئي لا يوجد عمل شاق، متعب أو خطر، هناك عمل ويجب القيام به على أكمل وجه.
كانت تخطط الشهيدة زينب محمد، بعد توليها مهام الرئيسة المشتركة لمكتب شؤون العدل والإصلاح، لافتتاح مكتبات للمطالعة في السجون التي تأوي مرتزقة داعش، وتخصيص أوقات محددة لهم من أجل القراءة، ولإعادة تأهيلهم.
وقالت شقيقة الشهيدة زينب محمد، ليلى محمد في نهاية حديثها هذه الثورة ثورتنا ولن نستسلم بل سنحمل على عاتقنا وسنبذل ما بوسعنا من أجل نجاح ثورتنا فكلما ارتقى شهيد في عائلتنا يزداد إيماننا وإصرارنا أكثر بقضيتنا
مناضلات ثورة 19 تموز
أما ابنة شقيق الشهيدة زينب، ساكنة محمد، قالت: نستذكر الشهيدة زينب وجميع شهداء الحرية، جميعنا سائرون على نهج وخطا الشهداء، جميع الشهيدات اللواتي أصبحن منارة للمستقبل، وجميع من ضحى بنفسه لأجل كردستان، كما نبارك هذه الشهادة على القائد عبد الله أوجلان.
وأشارت بالقول أننا فخورون بشهادة زينب، لأننا ترعرعنا في كنف عائلة وطنية، بثقة وإرادة كبيرة، وأينما ذهبنا سنتحدث عن مناقب شهيداتنا وسنحمل اسمها، مؤكدة عاهدت نفسي أن أحمل اسم عمتي الشهيدة زينب وأسير على دربها ودرب جميع الشهداء الذي دفعوا أغلى ما يملكون لأجل هذه الثورة ولأجل الحرية.
واستذكرت ساكنة محمد المناضلات اللواتي أصبحن منارة ثورة روج آفا هفرين، زهراء، زينب وعاهدت جميع الشهيدات بالعمل الحثيث والمقاومة الفذة والسير على نهجهن وخطاهن.
وقالت فقدنا زينب، لكن الآلاف من زينب سيولدن ويحملن اسمها ويسرن على خطاها، اليوم زينب شهيدة، وغداً قد يستشهد أحدنا، لسنا بنادمين على ذلك ولن نندم أبداً، وسنناضل حتى رفع العزلة المشددة عن القائد أوجلان وتحقيق حريته الجسدية.
(ي م)
ANHA
[1]