*الاناضول،TRT
في أعقاب الحرب العالمية الأولى أجبرت دول الحلفاء الحكومة العثمانية على القبول بتوقيع #معاهدة سيفر# في 10 أغسطس/آب 1920، التي بشروطها القاسية والمجحفة أسست لبداية حقبة الاحتلال الغربي للأراضي التركية.
وعلى الرغم من توقيع معاهدة سيفر التي تضمنت بنوداً ثقيلة جداً حول تقاسم دول الاستعمار الأراضي التركية، فقد وُلدت ميتة قبل أن تدخل حيّز التنفيذ بفضل الكفاح الوطني الذي بدأته الأمة التركية بمجرد وصول القائد مصطفى كمال أتاتورك إلى ميناء سامسون يوم 19 مايو/أيار عام 1919، وهو النضال الذي استمر حتى تحرير إزمير من الاحتلال اليوناني يوم 9 سبتمبر/أيلول عام 1922، وانسحاب آخر جندي إنجليزي من إسطنبول في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1923.
وتتويجاً للانتصارات العسكرية على الدول الغازية، بدأ الأتراك حرباً دبلوماسية وسياسية بقيادة عصمت إينونو، الرئيس الثاني للجمهورية التركية، اختُتمت بتوقيع معاهدة #لوزان# في 24 يوليو/تمّوز 1923، التي مهّدت بدورها لإعلان الجمهورية التركية المستقلة في 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1923.
أصل الحكاية
أرجأت دول الحلفاء، التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى، المفاوضات مع الأتراك إلى وقت لاحق، إذ لم يتمكنوا من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن تقسيم الدولة العثمانية. وما إن اتفقوا حتى وُقّعَت معاهدة سيفر في 10 أغسطس/آب 1920، بمتحف السيراميك في سيفر، إحدى ضواحي باريس.
واعتُبرت بنود وشروط معاهدة سيفر أكثر قسوة وإجحافاً إذا ما قورنت بشروط معاهدة فرساي التي فُرضت على الإمبراطورية الألمانية في وقت سابق من ذلك العام.
ومنذ اليوم الأول رفض الشعب التركي الوصاية الغربية بجميع أشكالها، وبطبيعة الحال معاهدة سيفر، فما إن بدأت قوات الحلفاء النزول من السفن الراسية في إسطنبول بعد توقيع هدنة موندروس نهاية عام 1918، حتى بدأ الشعب وخلايا الجيش المتناثرة في أنحاء الأناضول تشكيل نواة المقاومة الشعبية الأولى، فيما اعتُبرت خطبة أتاتورك الشهيرة التي ألقاها فور وصوله إلى سامسون الشرارة التي أشعلت أعظم حروب التحرير والاستقلال على مستوى العالم، التي حدّدَت فلسفتها وعنفوانها عبارته الخالدة إما الاستقلال وإما الموت.
الطريق إلى لوزان
عقب الانتصارات المتوالية والكاسحة التي حقّقها الأتراك خلال حروب التحرير والاستقلال التركية بين عامَي 1919 و1922، جرى التوقيع على هدنة مودانيا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1922 التي أعلنت فعلياً انتهاء حرب التحرير والاستقلال بانتصار الأتراك، بعد تمزيق معاهدة سيفر وتوقيع معاهدة لوزان التي تجاهلت ما أقرَّته معاهدة سيفر من بنود وشروط مجحفة.
وبموجب معاهدة لوزان التي وُقّعَت بمدينة لوزان السويسرية يوم 24 يوليو/تموز 1923 بين دول الحلفاء والقوى الوطنية التركية المنتصرة في حرب الاستقلال، أعلن مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه تأسيس الجمهورية التركية الحديثة يوم 29 أكتوبر/تشرين الثاني 1923.
وعلى أثر معاهدة لوزان أيضاً رُسّمَت الحدود بين تركيا واليونان، واعتُرفَ بالجمهورية عقب حرب الاستقلال بقيادة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. فيما نصَّت بنود المعاهدة التي تضمنت 143 مادة، على استقلال تركيا وتحديد حدودها، وحماية الأقليات المسيحية اليونانية الأرثوذكسية في تركيا، مقابل حماية الأقليات المسلمة في اليونان.
لوزان بين الحقيقة واللغط
تُعتبر معاهدة لوزان باختصار اتفاقية سلام بين الجمهورية التركية الحديثة ودول الاستعمار التي كسبت الحرب العالمية الأولى، فضلاً عن كونها صكّ طابو الجمهورية الفتيَّة التي أسَّسها بالسلاح قائد حرب الاستقلال التركية مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه.
وحسب التقرير الذي نشرته الأناضول حول اللغط الدائر حول معاهدة لوزان في تركيا والعالم العربي، أشارت الأناضول إلى الأقوال الكاذبة التي يتم ترويجها بأن تركيا أُجبرَت على توقيع المعاهدة تحت تهديد دول الحلفاء، وهو كلام غير صحيح جملةً وتفصيلاً، خصوصاً أن لوزان وُقّعَت بعد انتصار تركيا على اليونانيين وطردهم من الأراضي التركية. في حين أن هذا الكلام قد يصحّ على معاهدة سيفر التي وقعت في ظلّ خسارة الدولة العثمانية الحرب، وهي المعاهدة التي لم يعترف بها الأتراك الذين أشعلوا حرب التحرير والاستقلال التركية، كما أسلفنا.
ومن بين أهمّ ما يُروَّج بلا مصداقية أيضاً، مقولة أن صلاحية معاهدة لوزان تنتهي العام المقبل 2023، في حين أن نَصّ المعاهدة بموادِّها كاملة وملاحقها لم يأتِ على ذكر سقف زمني لنهايتها.
الأغرب من كل ذلك، من يقول إن المعاهدة منعت تركيا من التنقيب عن البترول، وهو ما لم تأتِ المعاهدة على ذكره تصريحاً ولا تلميحاً، إذ تنقّب تركيا عن النفط منذ سنوات طويلة على أراضيها وفي البحار بلا أي اعتراض من أي دولة معنيَّة بالمعاهدة.
إلى جانب كل ما ذكرنا، يوجد لغط حول سيادة تركيا على المضايق التركية، المتمثلة في البوسفور والدردنيل، وأن تركيا بموجب معاهدة لوزان لا يحقّ لها تحصيل رسوم مرور السفن عبر المضايق. هذا الكلام أيضاً عارٍ تماماً عن الصحة، لأن من يقوله يتجاهل معاهدة مونترو، التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1936، وتنظّم حركة السفن في المضايق التركية الاستراتيجية، وتُعتبر مكملة لمعاهدة لوزان.
99 عاما على وثيقة استقلال تركيا
وأحيت تركيا، الأحد، ذكرى مرور 99 عاماً على إبرام معاهدة لوزان للسلام، الوثيقة التي شكلت اعترافاً دولياً بسيادة واستقلال البلاد.
المعاهدة المكوّنة من 143 بنداً ومقدّمة و4 فصول، دخلت حيّز التنفيذ يوم 23 أغسطس/آب 1923، عبر المصادقة عليها من قبل البرلمان التركيّ الثاني.
ونصّت بنود المعاهدة على استقلال تركيا وتحديد حدودها، وحماية الأقليات المسيحية اليونانية الأرثوذكسية فيها، مقابل حماية الأقليات المسلمة في اليونان.
كما احتوت بنوداً تتعلق بتنظيم وضع تركيا الدولي الجديد، وترتيب علاقتها بدول الحلفاء المنتصرين في الحرب، ورسم الجغرافيا السياسية لتركيا الحديثة وتعيين حدودها مع اليونان وبلغاريا.
كما تضمنت تنازل الدولة التركية النهائي عن ادّعاء أيّ حقوق سياسية ومالية وأيّ حق سيادي في الشام والعراق ومصر والسودان وليبيا وقبرص، بجانب تنظيم استخدام المضائق البحرية التركية في وقت الحرب والسلم.
ومن خلال المعاهدة المذكورة، ضمنت تركيا اعترافاً دولياً بسيادتها واستقلالها، كما أنها ألغت أحكام معاهدة سيفر التي كانت الدولة العثمانية قد وقّعتها في 10 أغسطس 1920.
كذلك نصّت معاهدة لوزان على الاعتراف بحدود اليونان كما وردت في معاهدة مودانيا، فيما تنازلت (اليونان) عن منطقة قرة أغاج لصالح تركيا، كتعويض عن الحرب.
وفي خطوة لإحياء رمزية انضمام قرة أغاج (تقع حاليا بولاية أدرنة) إلى تركيا من جديد، شيّد نصب معاهدة لوزان التذكاري بالتعاون مع جامعة تراقيا وبلدية أدرنة، داخل حرم جامعة تراقيا في قرة أغاج، وافتتح رسمياً في 19 يوليو/تموز 1998، بحضور الرئيس التركي آنذاك، سليمان ديميريل.
ويضمّ النصب التذكاري رموزاً ودلالات لها معانٍ تشير إلى بعض بنود معاهدة لوزان، ولا يزال قائماً حتى الآن، كشاهد على مجريات وأحداث تلك الحقبة قبل قرابة قرن من الآن.
وفي حديث للأناضول، قالت الأكاديمية نورتان جتين، مديرة مركز مبادئ أتاتورك وتاريخ الانقلاب للأبحاث التابع لجامعة تراقيا، إن معاهدة لوزان كانت بمثابة وثيقة اعتراف بسيادة واستقلال تركيا التي كانت قد خرجت للتوّ من الكفاح الوطني.
وأضافت أن الظروف التي كانت سائدة عام 1919، جعلت من الأتراك أسرى في وطنهم الأم، الأمر الذي دفع مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه لإطلاق عملية الكفاح الوطني، والتي استمرّت لأعوام، إلى أن كانت معاهدة لوزان للسلام، إحدى ثمارها ونتائجها.
وأشارت جتين إلى أن دول الحلفاء والقوى الإمبريالية، وبعد عام 1922 وانتصارات عملية الكفاح الوطني بقيادة أتاتورك، أدركت أن اليونان التي كانت بمثابة رأس حربتهم في منطقة الأناضول لا تستطيع المقاومة أمام الأتراك، فلجأت إلى عرض هدنة على الدولة التركية.
وأفادت بأن جهود القوى الغربية لتوقيع هدنة مع الدولة التركية أسفرت عن توقيع هدنة مودانيا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1922، التي ألغت أحكام هدنة موندروس المبرمة مع الدولة العثمانية عام 1918.
وأوضحت الأكاديمية التركية أن هدنة مودانيا ساهمت بانضمام تراقيا الشرقية إلى الأراضي التركية دون قتال، قبل أن يتم تحديد حدودها النهائية عبر معاهدة لوزان للسلام.
وأفادت بأن المعاهدة ضمنت أيضاً ضمّ جزر غوكجة أدا وبوزجا أدا الواقعتين قبالة السواحل التركية في بحر إيجة، إلى الأراضي التركية.
وذكرت أن الوفد التركي في مباحثات معاهدة لوزان كان ممثلاً حينها بعصمت إينونو، مشيرة إلى وجود مذكرة تعليمات بيد الوفد التركي، مقدمة من قبل دولتهم.
وشددت جتين على ضرورة تقييم بنود وتفاصيل معاهدة لوزان للسلام، وفق الظروف والمعادلات التي كانت سائدة حين توقيعها، من أجل استيعابها بشكل صحيح.
وفيما يخصّ نصب معاهدة لوزان التذكاري في قرة أغاج، قالت إن أعمدته الثلاثة ترمز إلى مناطق الأناضول وتراقيا وقرة أغاج، فيما يشير حوض الماء قرب النصب، إلى البحار التي تحيط بتركيا من جهاتها الثلاث.[1]