فؤاد روند
قبل 64 عاماً، كانت بغداد تتلهف لرؤية رجل اسطوري ومشغولة باستقباله، خاض معارك من اجل قضیته، كان اسمه بحد ذاته اسطورة، حارب اربعة جیوش حدیثه التسلیح ببنادق قدیمة وعتاد قلیل. جیوش المملكة العراقیة، المملكة المتحدة البریطانیة وقائدها المتمرس الجنرال رنتن ذو الید الواحدة و دحره وفر الجنرال من ساحه المعركة مخلفا خسائر لا تُحصی وخاب امله بالنصر العسكري السریع والخاطف. جمهوریة تركیا والمملكة الایرانیة وقائدها الفذ الجنرال الركن حاجعلي رزم آرا (1901 1951) و دحره وكسر شوكته واصبح اضحوكة للصحف الایرانیة. ومن ثم طرق باب حدود الاتحاد السوفيتي لیصبح مع رفاقه لاجئين من العام 1947 إلی رجوعه العام 1958، انه القائد الذي خاض أطول مسیرة للمقاومة بعصره وهو مصطفی البارزاني (1903 1979).
اللجنة العلیا للاستقبال أُنتخبت من قبل قیادة الحزب الدیمقراطي الموحد الكوردستاني. وهم لا يمتلكون المال اللازم والكافي لهذا الاستقبال المهیب ولا جمهورا يُذكر. كانت اللجنة برئاسه المحامي عمر مصطفی (1923 1992) المعروف بعمر دبابة والعضو في المكتب السیاسي للپارتي من الكوادر المتمرسة والمحبوبة، وبعضویة كل من: #حبیب محمد كریم# (1931 2013) المشهور بأسم حبيب الفيلي شقيق الدكتور جعفر الفیلي (1910 2000) من أعضاء المكتب السیاسي للپارتي في المؤتمر الأول العام 1948، من الكوادر القديرة والمهنیة للپارتي. #جلال الطالباني# (19332017) وهو العضو في المكتب السیاسي للپارتي من مؤسسی اتحاد طلبة كوردستان و إتحاد الشبیبة الدیمقراطي الكوردستاني السنة 1953. كانت عملیة الاستقبال سهلة من الناحیة النظریة وصعبة لا فقط لعدم وجود المال الكافي، بل لان الرقیب للپارتي كان الحزب الشیوعي العراقي كان یمتلك جمهورا كبیرا لا یستهان به، وهم یسیطرون دائما على كل الفعالیات. قررت قیادة الپارتي بان تبني اللجنه السباعیة كل المهام ولهم كل الصلاحیات ویتصرفون حسب المهمة ویجب علیهم اكماله بصورة ممتازة.
كان الیوم الموعود، هو 6 تشرین الأول 1958. الزعیم مصطفی البارزاني، العقید الركن میرحاج احمد طاهر (1911 1988) المعروف بأسم میرحاج عقراوي، والمحامي ابراهیم احمد فتاح (19142000) ثلاثه قیادات من الپارتي نزل من سلم الطائرة الذي ودعها الرئیس المصري جمال عبدالناصر من مطار القاهرة. رسم خطة الاستقبال من قبل اللجنة السباعیة للاستقبال، أن یكون المحامي عمر مصطفی هو من یترأس اللجنة، جلال طالباني یستقبل الوفود القادمة من المحافظات الكوردیة الشمالیة، موصل، اربیل، السلیمانیة و كركوك، ومن ثم یقوم بمساعدة المحامي عمر مصطفی، بحمایة الرئیس طول اقامته في بغداد، والبقیة الباقیة تكون من حصة حبیب الفیلي. كان الفیلیون الساكنون بمدینة بغداد بمئات الآلاف، یجب تحفیظهم لهذه المهمة المطولة. واستقبال وفود الفیلیین الساكنین المحافظات الشرقیة والفرات الاوسط من العراق، بخصوص شرق نهر دجلة.
لا ریب كان اكثر المستقبلین هم من الفیلیین. طول الطریق من المطار الی محل اقامه الزعیم كان یحملون لافتات، یحیون الزعیم الكوردي. كان قسم من جمهور الحزب الشیوعي حاضرین و یهتفون للحزب الشیوعي بحرارة. ردد الفیلیون شعارات مختلطة من الكوردیة السورانیة والفیلییة والعربیة، وهم یهتفون ههر بژی نخه و نژی، رمز النضال، المقطع الاول أي ههر بژی، اي یعیش هیه سورانیه، النخه والنژي فیلییة، النخه أي الحمص وهو اصفر رمز للون الپارتي، والنژي أي العدس الاحمر وكما تعلمون أن الأحمر رمز الشیوعیین. وكان قصدهم كلنا معا، ولكننا نحن الاكبر، و یوجد في الشعار فكاهة المتداول عند البغدادیین، كان الشيوعيون یریدون السیطرة علی كل مسیرة أو استقبال أو مظاهرة، وحبیب محمد كریم كان یرید ان یردهم بلطف دون اي صدام معهم.
كان حبیب محمد كریم یدیر جماهیر بغداد وشرق نهر دجلة والفرات الاوسط، ویساعده محمد موسی صادق (1927 2007)، وهو المسؤول المالي للجنة، یأخذ المساعدات المالیة من التجار الفیلیین ببغداد، یصرف الاموال لإستئجار السیارات، شراء القماش لكتابة اللافتات، استضافة الوفود الفیلیة من شرق العراق والفرات الاوسط. عبدالحسین علي علوش (1932 2015)، المعروف باسم عبدالحسین الفیلي یترأس وفود التجار والشخصیات في استقبال الزعیم مصطفی البارزاني في المطار. ومن بعدها زیارته في محل اقامته، حسین محمد حسن (1939 2003) المعروف باسم حسین الفیلي، یترأس الكسبة وهم الغالبیة ورأس الرمح للإستقبال. عبد كریم مراد (1934 2022) المعروف بأسم #یدالله الفیلي# یترأس الشبیبة و الطلبة. وكذلك استقبال الضیوف من المحافظات الاخری وإسكانهم، والحق يُقال كان كاكه زیاد الكویي (1914 1999) أنشط كوردي ساكن ببغداد لإستقبال الضیوف، لا یعرف التعب ویصرف من امواله الخاصة بسخاء، وهو النائب الثاني للزعیم في المؤتمر الأول للپارتي في العام 1946 ومن الملاكین الاثریاء لأربیل ویسكن بمدینة بغداد. خلال 29 یوما كانت الوفود الكوردیة و العربیة تزور مصطفی البارزانی في محل اقامته، الحفاظ علیه كان صعبا جدا، عمر مصطفی تعرض خلال هذه المدة الی مضایقات كثیرة، وكان مرهقا جدا و یساعده جلال الطالباني بكل جهد.
في یوم 3 تشرین الثاني العام 1958 كانت آخر المطاف. وفي قاعه الشعب بمدینة بغداد، اقامة حفلة على شرف الزعیم مصطفی البارزاني، واشتركت الفرقة الفیلیة بدبكات من اللوان الغناء الكودري المختلف مثل (سهنی سهما، چهپی، فهتاح پاشا)، وكان حبیب محمد كریم عریف الحفل، بصوته الذكوري قدم قطعات قیمة. لكثرت الحضور كان قسم من الجمهور في خارج القاعة. كان المحامي عمر مصطفی قلقا طول 29 یوما من الاستقبال من مطار المثنی الی حفلة قاعة الشعب. وفي الختام اثنی علی الفرسان الخمسة الفیلیین وهم كل من: حبیب محمد كریم، محمد موسی صادق، عبدالحسین الفیلي، یدالله الفیلي، و حسین الفیلي، لجهودهم بإنجاح حفل الاستقبال العظیمة الی النهایة، وهنا تكلم المرحوم جلال الطالباني وقال: أنا من عشیرة الزنگنه الفیلیة منهم. اسرد هذه الوقائع لخلود الذین ساهموا بهذا الاستقبال.[1]