تشهد مناطق الادارة الذاتية في شمال و شرق سوريا حركة بناء غير مسبوقة فخلال السنوات الأخيرة تم تحديث حوالي 70% من الأبنية السكنية و مازالت حركة البناء مستمرة بزخم كبير حيث نجد في كل حي و شارع عشرات البنايات المستحدثة أو قيد البناء مع استمرار غلاء أسعار الشقق و العقارات.
هناك عدة أطراف مساهمة في هذه الحركة العمرانية ابتداء من متعهدي البناء مرورا بالمكاتب العقارية و تجار العقارات و تجار مواد البناء و وصولا لأصحاب البيوت و العقارات . للدخول الى تفاصيل هذه الحلقة و أسباب حركة البناء هذه و من يقف خلف غلاء أسعار العقارات و التحكم بها التقينا بعض الشرائح المساهمة في هذه الحركة في مدينة الحسكة و أعددنا هذا التقرير.
يقول السيد آلا فاطمي و هو صاحب مكتب عقاري أن حركة البناء تعتبر حالة حضارية تساهم في تغيير الوجه الحضاري للمدينة و تأمين احتياجات السكن لعدد كبير من العوائل, فالأبنية القديمة كانت أفقية و بالتالي كان حجم العقار كبيرا لكنه لم يكن يلبي احتياج السكن سوى لعائلة واحدة فقط , و معظم هذه الأبنية كانت قديمة بسبب الحالة المادية الفقيرة بشكل عام لسكان المنطقة, أما الأبنية العمودية فهي توفر سكن لأعداد مضاعفة من السكان, فالعقار الذي مساحته 200 متر مربع مثلا يتم تحويله الى 8 شقق سكنية .
و حول سبب حركة البناء قال السيد آلا بأن تدفق رؤوس الأموال من الخارج و خاصة من المغتربين و ظهور طبقة بورجوازية في الداخل اضافة الى بعض التقارير التي تبشر بمستقبل زاهر للمنطقة ساهم في استثمار هذه الأموال في مجال العقارات و الذي يعتبر أكثر المجالات درا للأرباح و لا يخلو الأمر من بعض عمليات غسيل الأموال نتيجة تجمع أموال طائلة في أيادي البعض بطرق غير مشروعة.
و حول التحكم بالأسعار قال آلا بأن هناك عدة أطراف تقف خلف ذلك و هي أشبه بمافيات فهناك بعض أصحاب المكاتب العقارية الذين يتاجرون بالعقارات عبر عمليات أشبه بالاحتيال و بمشاركة بعض تجار العقارات و يقومون بالتحكم بأسعار العقارات لجني أكبر قدر من الأرباح و غالبا ما يكون ذلك على حساب المواطنين الذين هم حقيقة بحاجة للسكن أو على حساب أصحاب البيوت الذين يضطرون لبيع بيوتهم نتيجة الحاجة. بالمقابل هناك من يحتكر و يتحكم بأسعار مواد البناء فيستوردونها بثمن رخيص و يبعونها بأسعار مضاعفة و خاصة مادتي الأسمنت و الحديد. اضافة الى الرسوم الجمركية على المعبر و التي تؤدي الى مضاعفة سعر المواد أيضا.
من جهة أخرى فان هذه الأبنية لا تخضع للرقابة من قبل البلدية , فالبلدية تمنح رخص البناء و لكنها لا تتابع المواصفات الهندسية , فيتحكم المتعهدون بنسب المواد و المواصفات و هذا ما أدى الى انهيار بعض الأبنية و قد يؤدي الى انهيار أخرى في المستقبل.
و حول السبب الذي يدفع أصحاب البيوت و العقارات للتعاقد مع المتعهدين يقول السيد أبو زكريا : أنا موظف و دخلي محدود و ليس لدي أي رأسمال , لا أملك سوى بيتي و ليس لدي الامكانية لاعادة بناءه عموديا , فاضطررت للتعاقد مع متعهد مناصفة لأحصل على شقتين أستطيع استثمارهما بحيث أؤمن معيشتي بهما.
و يقول السيد أبو محمد و هو أيضا صاحب بيت تعاقد مع متعهد بناء بأن هدفه هو تحسين سكنه, فبيته قديم و لا يملك المال لتجديده مما اضطره للتعاقد مع متعهد مناصفة و الحصول على شقة حديثة البناء و مناسبة للسكن.
أما السيد م ج و هو متعهد بناء رفض ذكر اسمه فقال بأن العمل في هذا القطاع هو الأكثر ربحا هذه الايام و قد بدأ العمل برأسمال بسيط و هو الآن يملك الكثير من الأموال و الشقق السكنية , و ذكر بأن صاحب البيت يستفيد أيضا , لكنه اشتكى من عدم ثبات سعر مواد البناء و غلاءها بشكل شبه يومي مما يتسبب له ببعض الخسارة أحيانا و يضطره لرفع سعر الشقق.
جدير بالذكر بأن النسبة الكبرى من الشقق يتم المتاجرة بها بين التجار أنفسهم بمعنى أنها لا تستخدم للسكن بل يتم بيعها على الهيكل من تاجر لآخر , كل واحد منهم يربح مقدارا من المال من الشقة و هكذا تستمر عملية المتاجرة … و من يراقب الأبنية القائمة حاليا نادرا ما يجد شقة جاهزة للسكن فيها .. أما باقي الشقق فهي على الهيكل و بغرض المتاجرة فقط. فهناك فئة قليلة تستطيع شراء الشقق لأن أسعارها مرتفعة جدا و لا تنسجم مع مستوى دخل الفرد و خاصة بعد حالة الغلاء التي تعصف بالمنطقة.[1]