*رفيق خوري
الشرق اليوم- الرئيس رجب طيب #أردوغان# لا يرى مسافة بين طموحاته السياسية والشخصية وبين مستقبل تركيا. والمفارقة أنه يزيد من الالتفات إلى الوراء والتفرد بالسلطة منذ بدايات القرن الحادي والعشرين بمقدار ما تتطلع الأجيال التركية الجديدة إلى الأمام. ما حصل عليه الرئيس سليمان ديميريل عام 1998 من دمشق عبر التهديد بغزو سوريا، وهو التخلي عن ورقة حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان وتوقيع “اتفاق أضنة” الذي يسمح لتركيا بالمطاردة الساخنة داخل مسافة من سوريا، يريد أردوغان الحصول على أكثر منه بالغزو على مراحل. أما التفاوض، فإنه مع أمريكا التي تحمي الكرد شرق الفرات وروسيا التي تحمي النظام، وسط الادعاء بأنه لا يطلب إذناً من أحد. وأما الأدوار الخارجية الخطيرة في حرب سوريا، فإن أخطرها هو الدور التركي. من التفاوض مع دمشق على حصة للإخوان المسلمين في التسوية السياسية إلى دعم الإخوان بالمال والسلاح لإسقاط النظام وتقديم ممر إلى سوريا لكل أشكال الإرهابيين المتطرفين أمثال “داعش” و”القاعدة”. ومن تنظيم ميليشيات سورية تابعة لتركيا والانضمام إلى روسيا وإيران في “مسار أستانة” إلى الغزو المباشر لسوريا بالتفاهم مع أمريكا أيام دونالد ترامب، ومع روسيا والدائم فلاديمير بوتين. وكل عملية غزو تحمل اسماً رمزياً ومناقضاً للحرب:
“درع الفرات في جرابلس، غصن الزيتون في عفرين، نبع السلام بين تل أبيض ورأس العين، درع السلام في إدلب”. أما العملية الجديدة “نبع السلام-”، فإن توسيعها إلى شرق الفرات حتى الحدود مع العراق اصطدم بالرفض الأمريكي والروسي، لتصبح في حدود منبج وتل رفعت.
والهدف المعلن منذ البدء هو إقامة “منطقة آمنة” على طول الحدود التركية مع سوريا بعمق 30 كيلومتراً، لا مكان فيها لقوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، التي خاضت أصعب حرب مع “داعش”.
وهذا جزء من طموحات إمبريالية تختفي وراء عناوين “الأمن القومي”، كما هي حال الهجوم الروسي على أوكرانيا. بوتين ادعى القيام بعملية “وقائية” لمنع كييف الراغبة بأن تكون أطلسية، من تهديد الأمن القومي الروسي. وأردوغان يقول، لا فقط إن حزب العمال الكردستاني الذي يسجن زعيمه إرهابي بل أيضاً إن حزب الشعوب الديمقراطي، الذي نال ستة ملايين صوت في الانتخابات إرهابي ويمثل واجهة لحزب العمال. كذلك قوات سوريا الديمقراطية في سوريا.
ولا منطق في الدنيا يبرر اتهام ملايين المواطنين الأتراك بالإرهاب لمجرد أنهم كرد وسجن زعمائهم وإقالة رؤساء البلديات التابعة لهم. ولا منطقة أمنية تحول دون الإرهاب، لأن الإرهابيين يستطيعون القيام بالعمليات في أية منطقة أمنية ويستحيل إنشاء “منطقة آمنة” تماماً. وها هو “داعش” الذي احتفلت واشنطن وموسكو وبغداد ودمشق وطهران بالانتصار عليه، يقوم بعمليات إرهابية في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان وأماكن أخرى.
الواقع أن المنطقة الآمنة ليست سوى جزء مما يريده أردوغان، إلى جانب أمور أخرى: تغيير ديموغرافي في شمال سوريا على حساب سكانها من الكرد، إعادة مليون لاجئ سوري في تركيا إلى سوريا ليعيشوا مكان الكرد. بحث عن شعبية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل، وفتح باب جديد للمساومة مع أمريكا وروسيا حول أهداف في طموحات أردوغان. أليس أردوغان الخائف من الكرد هو من توصّل في الماضي إلى اتفاق مع القوى الكردية وهدنة مع “حزب العمال الكردستاني” حين كان ذلك يخدم آماله في دخول الاتحاد الأوروبي؟ أليس أردوغان الذي يحكم بلداً عضواً مهماً في الحلف الأطلسي أقرب إلى الأوراسية منه إلى الأطلسية، بحيث عمد في تطهير الجيش بعد القضاء على المحاولة الانقلابية الأخيرة، إلى تقريب الضباط الأوراسيين وإبعاد أو طرد الضباط الأطلسيين؟
لعبة أردوغان أوسع، بصرف النظر عن كونها أكبر من قدرته. هو يطمح للعودة إلى “الميثاق الملي” لعام 1920، الذي رسم حدود تركيا بعد الحرب ووضع ضمنها شمال سوريا والعراق وبعض جزر بحر إيجه والبحر المتوسط، لكن “#معاهدة سيفر#” عام 1925 جرّدتها من بعضها. وبريت ماكغورك، المسؤول عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي كان موفد التحالف الدولي ضد “داعش”، يصرّح بأنه سمع أردوغان يقول “إن 400 ميل مربع بين حلب والموصل هي منطقة أمنية تركية”. وقديماً قالت “العرب”: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.ومن ثم، هناك التوقعات الإجمالية في ما يتصل بالاقتصاد الكلي. سيحصل نوع من التباطؤ، واحتمال تحوله إلى ركود تقني- فصلان متتاليان من النمو السلبي– يبدو لي أقل أهمية من الصورة الأشمل والمتعلقة بما لو كان هناك نمو جيد للسنوات الخمس المقبلة، وليس الأشهر القليلة المقبلة. والواقع أنني متفائل إلى حد كبير بأن المملكة المتحدة ستتجنب الركود، لكنني أقر بأنني قد أكون مخطئاً.
*اندبندنت عربية[1]