واشنطن (زمان التركية) – نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرا تحليليا كشفت من خلاله تأثير العوامل التاريخية على السياسة الخارجية التركية الحالية في المنطقة تحت إدارة التحالف “القومي الإسلامي” المكون من حزبي العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب #أردوغان# وحزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي.
واشنطن بوست قالت في تحليلها المنشور الاثنين بمناسبة مرور مئة عام على معاهدة #سيفر#، إن الإرث الذي خلفته معاهدة معقودة قبل قرن وفرضتها القوى الأوروبية على الإمبراطورية العثمانية ساعد في تشكيل السياسة الخارجية التركية الراهنة في المنطقة.
معاهدة “سيفر” الموقعة في 10 أغسطس 1920 كانت تهدف إلى تصفية الإمبراطورية العثمانية وإلغاء السيادة التركية فعليًا. لكن القوميين الأتراك بقيادة مصطفى كمال #أتاتورك#، مؤسس تركيا الحديثة، رفضوا هذه المعاهدة، وبعد هزيمة القوات المجاورة للقوى الأوروبية، أجبروهم على التسوية بشروط جديدة مع معاهدة “لوزان” في عام 1923، المعاهدة التي تحدد الآن حدود تركيا الحديثة.
ومع ذلك، فإن ذكرى المخططات الاستعمارية الغربية لحرمان تركيا من السيادة – والكفاح المسلح اللازم لإحباطها – لا يزال يطارد المخيلة السياسية التركية، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن خبراء القضايا الإقليمية والدولية، خاصة أن الإسلاميين في تركيا يعتقدون أن للاتفاقية بنودا سرية وقع عليها أتاتورك، ولذا يعتبرونه “خائنا” لتوقيعه على تلك البنود.
ويزعم الإسلاميون أن هذه البنود السرية لمعاهدة لوزان تتعلق بتجريد تركيا وشعبها من القيم الإسلامية، متهمين أتاتورك بتطبيق هذه البنود من خلال ما سماه “مبادئ الأتاتوركية”، كإلغاء مؤسسة الخلافة والتخلي عن الحروف العربية والتمسك بالحروف اللاتينية، وحظر الملابس الدينية التقليدية وما إلى ذلك.
وقالت صحيفة واشنطن بوست، نقلاً عن الخبير المتخصص في تاريخ القرن العشرين لتركيا نيكولاس دانفورث، “مع أن معظم الغربيين نسوا إلى حد كبير معاهدة سيفر، لكن لا يزال لها إرث قوي في تركيا، حيث ساعدت في تأجيج شكل من أشكال جنون العظمة القومي الذي أطلق عليه بعض العلماء اسم” متلازمة سيفر””.
وأفاد الخبير أن متلازمة سيفر هي اعتقاد القوميين الأتراك بأن قوى خارجية تتآمر لتدمير الدولة التركية، مشيرا إلى أن هذه العقيدة أو الفكرة تظل عاملاً محددًا مهمًا للسياسة الخارجية التركية في الوقت الراهن.
وأضاف دانفورث: “تلعب معاهدة سيفر بالتأكيد دورًا في حساسية تركيا تجاه الانفصالية الكردية، فضلاً عن الاعتقاد بأن الإبادة الجماعية للأرمن – التي استخدمها الدبلوماسيون الأوروبيون على نطاق واسع لتبرير خططهم للأناضول في عام 1920 – كانت دائمًا مؤامرة معادية لتركيا وليست مسألة تاريخية عابرة”.
الجدير بالذكر أن تركيا بدأت تلعب دورًا نشطًا بشكل متزايد في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما أدى إلى تضارب المصالح بين دول المنطقة.
قدمت القوات المسلحة التركية دعمًا عسكريًا كبيرًا لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليًا في صراع ضد قوات المعارضة بقيادة الجنرال خليفة حفتر، المدعوم من روسيا وفرنسا ومصر وعدة دول أخرى.
في مقابل ذلك الدعم، وقعت حكومة الوفاق الوطني اتفاقية حدود بحرية مع أنقرة في تشرين الثاني (نوفمبر) بهدف إضفاء الشرعية على مطالبات تركيا باحتياطيات الغاز والنفط البحرية الوفيرة في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي أثار حفيظة اليونان وقبرص وفرنسا ودولا أخرى تتعاون على مشروع خط أنابيب قبالة الساحل القبرصي.
وتتبع تركيا أيضًا ما تسميه عقيدة التوسع البحري “الوطن الأزرق”، والتي تطالب بمياه إقليمية واسعة النطاق في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط - مما أدى إلى سلسلة من الانتهاكات الإقليمية مع اليونان العضوة في حلف شمال الأطلسي الناتو.
من جانبه، قال ياروسلاف تروفيموف من صحيفة وول ستريت الأمريكية : “إن الدافع الرئيسي لسلوك تركيا هو أن أنقرة الضالعة في العمل العسكري في سوريا والعراق ليس لديها حلفاء تقريبًا في المنطقة باستثناء حكومة طرابلس التي تسيطر على نصف ليبيا التي مزقتها الحرب.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ربط تحركه للتنقيب عن النفط في المتوسط بمعاهدة سيفر في 1920.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست، في تقريرها المعني، عن أردوغان قوله خلال اجتماع مع رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج داخل قصر عثماني سابق في إسطنبول، بعد إحدى الجلسات التي أدت إلى الاتفاق البحري التركي الليبي على ترسيم الحدود: “بفضل هذا التعاون العسكري والطاقة مع ليبيا، ألغينا معاهدة سيفر”، على حد قوله.[1]