همبرفان كوسه:
*موسوعة درج 24 نوفمبر 2021
خلال اجتماع التصديق على مقترح ميزانية 2022 لوزارة الدفاع التركيّة قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أنه “لا توجد منطقة جغرافية تسمّى #كردستان#، سواء داخل تركيا أو خارجها”.
موقفه أتى ردّاً على تصريح للنائبة في مجلس النواب التركي، تولاي هاتيموغولاري أوروتش، بأن ثمّة حديثاً عن استخدام للأسلحة الكيماوية في إقليم كردستان العراق من قبل الجيش التركي.
وزارة البيشمركة أدانت تصريح الوزير التركي الذي سبق أن زار إقليم كردستان- العراق، وقالت في معرض ردّها: “إذا كان لدى أكار أي شكوك حول وجود جغرافية كردستان، عليه أن يلقي نظرة على الوثائق وتاريخ الدولة العثمانية، ثم سيعرف ما إذا كانت كردستان موجودة أم لا”.
من المصادفات التي لا تبدو مدهشة، هي أن يكون تصريح الوزير التركي، بعد أيام من ذكرى رحيل الفنّان الكردي الشهير، #أحمد كايا#، الّتي تبدو قصّته تلخيصاً مكثّفاً لفكرة نفي وجود الكرد وكردستان في أدبيات الدولة التركية الناشئة. المصادفة تبدو غير مدهشة، ذاك أن لا يوم في التاريخ، ليس فيه حدث يعبّر عن خوف تركيا من كردستان، وعن العنصريّة المتجذّرة في هذه الدولة. قبل أن يُنفى أحمد كايا إلى فرنسا، ويرحل هناك، كان الفنّان الكردي، رمزاً غنائياً تركياً، يتغنّى به الأتراك، ويرافقهم في حياتهم، حتّى قال مرّة أنّه كردي، وأنّه سيُغني بالكرديّة. تحوّل زملاؤه “الفنانون” إلى أعداءٍ فوريين. هاجموه وشتموه، وتحوّلت الحادثة إلى سببٍ في موت كايا خارج بلاده.
“إذا كان لدى أكار أي شكوك حول وجود جغرافية كردستان، عليه أن يلقي نظرة على الوثائق وتاريخ الدولة العثمانية، ثم سيعرف ما إذا كانت كردستان موجودة أم لا”.
منذ سقوط الدولة العثمانيّة، التي كانت من إحدى ولاياتها ولاية كردستان العثمانيّة، عمَد مصطفى كمال أتاتورك، إلى بناء هويّة قوميّة جديدة في الأناضول وكردستان، نتيجة هذه الهوية ظهرت تركيا الحديثة، بهويتها الثقافية واللغوية والتاريخية والفولكلورية، التي اختزلت الكثير من الثقافات وصادرت كلّ ما يتعلق بالكرد، لتحويله إلى “ترك”. هذه المصادرة، أدت، إلى تداول الرواية الشهيرة على لسان القوميين الأتراك، في أن الكرد هم أتراكٌ نسوا هويتهم القوميّة في الجبال، من أجل تعويض الخوف من فكرة أن ما تملكه هذه الأمة الحديثة، هو في الأساس ملك لأمةٍ ثانية، تم سلبُها ومصادرتها، والتّباهي بها، لأن الفرصة السياسية سمحت بذلك.
وفي مطلق الأحوال، منذ ذلك الحين، تعمل الدولة التركية على نفي كل ما يتعلق بالكرد وطمسه، وصولاً إلى اعتبارهم أتراكاً، مع منع اللغة والثقافة والتراث والفولكلور، والدعوة إلى مباركة كل من يجد نفسه “تركياً”. وصل الحال إلى أن تكون الترجمات عن اللغات الثانية إلى “اللغة التركية” مصدراً إضافياً لتزوير الوجود، من خلال تغيير المصطلحات التي تدّل على الكرد وكردستان، إلى تلك التي تدل على الترك وتركيا.
من نافل القول أن ظنّ القوميين الأتراك، يقودهم إلى اعتبار الحديث عن “كردستان” يعني الحديث عن احتمال نهاية “تركيا” والحديث عن قوميّة كردية، يؤدي إلى إنهاء مقومات “القومية التركية” الحديثة؛ فهي لا تزال تعيش على فكرة أن هذه الأمة تعيش، وتتقدّم، كلّما تمكّنت من ضبط السيطرة على موارد الشعب الكردي القوميّة، وعلى أرضه.
يتجلّى ذلك بوضوح حتّى خارج تركيا، وصولاً إلى إقليم كردستان العراق، كما يجده الدستور العراقي، الذي تجده تركيا “إقليم شمال العراق”، وتنكر من خلال إعلامها ومراسلاتها وتصريحات مسؤوليها مصطلح كردستان، على رغم أنه معترف به في الدستور العراقي، وهو اسم محافظة في إيران رسمياً، وكان اسم إحدى الولايات العثمانيّة قبل سقوطها، وأكثر المصطلحات التي يمكن العثور عليها في الوثائق والمراسلات العثمانيّة المحفوظة في إسطنبول وأنقرة.
تالياً، لا يسقطُ عداء تركيا مع كردستان بالتقادم، بل يتطوّر ويُشكّل أنماطاً جديدة، تختلف عمّا سبقها. تركيا التي لم تكن تعترف بوجود الكرد، اعترفت ذات مرّة بوجودهم، وأنكرتهم تالياً، والتي لم تكن تعترف باللغة الكردية، اعترفت ذات مرّة بوجودها، وأنكرتها لاحقاً، والتي لم تكن تعترف بوجود كردستان، اعترفت ذات مرّة بحقيقتها، وأنكرتها مجدداً. حتّى وصل بها الحال أن تعتقل فناناً يُغنّي بالكرديّة بتهمة “الدعاية للإرهاب” ويُقتل في شوارعها شاب كردي يستمع لأغنية كردية. الدعاية للإرهاب في السياق التركي الراهن تعني استعادة الحقيقة، التي تكون بأن هذه الدولة التركية الحالية، قائمة على قتل القومية الكردية، وطمس كردستانها.[1]