*القاضي زهير كاظم عبود
يفترض أن تكون نصوص الدستور العراقي واضحة و ملزمة وبدون استثناء، باعتباره القانون الأسمى والأعلى في العراق كما نصت عليه المادة (13 أولا)، إلا أن العديد من نصوصه تعطلت، وفي تعطلها أصبحت غير فاعلة، بالرغم من مضي مدة غير قصيرة على العمل بالدستور دون اي تعديل او تقويم، بينما عد هذا الدستور نافذا بعد موافقة الشعب عليه بالأغلبية وضمن الاستفتاء العام ونشره بجريدة الوقائع العراقية مما يضفي عليه صفة القانون الأول والأسمى في العراق.
فلم تزل الفقرة ب من المادة (9) من الدستور معطلة مهما كانت الأسباب، فالميليشيات العسكرية المسلحة خارج إطار القوات المسلحة، ولم تزل تخزن الأسلحة الثقيلة وغير الاعتيادية لأوقات الشدة، كما لم يتم العمل بنص مجلس الاتحاد الوارد ضمن المادة (65) بالرغم من تأجيل العمل بأحكام المواد الخاصة بالمجلس لحين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية الثلثين بعد دورته الانتخابية الأولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور، ومن يتمعن بالمدد المذكورة يجد أن غض النظر وعدم تفاعل القوى السياسية مع قيام مجلس الإتحاد يحملهم المسؤولية التاريخية دون عرض مبرر منطقي على الشعب.
كما أن مجلس الرئاسة المذكور في المادة (138) أوجب إحلال تعبير (مجلس الرئاسة) بديلا عن تعبير رئاسة الجمهورية، وإعادة العمل بالأحكام الخاصة برئاسة الجمهورية مع بقاء النص دون مبرر.
كما أن المادة (107) أوجبت إنشاء وتأسيس مجلس الخدمة العامة الاتحادي والذي لم ير النور حتى اليوم، أما عن المادة (140) والتي بقيت تراوح في مكانها، لم تنل العناية الجدية، ولم تحظ بالتنفيذ والإنجاز بالرغم من تمديد الفترة التي نصت عليها، وحيث أن المادة المذكورة أوردت الخطوات التي يستوجبها التنفيذ، وهي (التطبيع، الإحصاء، والاستفتاء) مما يوجب تنفيذها تباعا لإنجاز المهمة التي حددتها المادة (140) من الدستور.
الإحصاء يعني التعداد العام للسكان، والخاص بهذه المناطق موضوعة النص الدستوري، أما الاستفتاء فيعني إجراء الانتخابات المباشرة لتحديد إرادة المواطنين فيها ممن شملهم الاستفتاء فيها بالبقاء على حالهم او في الارتباط بإقليم أو بإنشاء إقليم أن كان هناك أسباب قانونية ودستورية، أما عملية التطبيع فقد بقيت عرضة للتفسير والتحليل.
وحقا أن المصطلح يثير التساؤل ويخلق إشكاليات عديدة، ويحمل تفسيرات متباينة، غير انه في كل الأحوال تعبير غير دقيق عما يريده المشرع في حينه، من قصده إنجاز مرحلي لعملية حل الإشكالات التي تثيرها المناطق موضوعة المادة الدستورية.
ولعل ما ولده معنى كلمة التطبيع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين المصريين وبين الإسرائيليين، يزيد الأمر تعقيدا، حيث أن الأمر لايمكن أن يكون مثلما يريده أبناء دولة اتحادية نظام الحكم فيها جمهوري برلماني فيدرالي كالعراق.
إن كلمة تطبيع كما وردت في معاجم اللغة، أنها دعوة لتطبيع العلاقات مع العدو وجعلها اعتيادية، كما وردت بمعنى الانقياد والمطاوعة، وأنها أيضا بمعنى التسوية، ففي تاج العروس ولسان العرب الطَّبْعُ والطَّبيعَةُ والطِّباعُ ككِتابٍ : الخَليقَةُ والسَّجِيَّةُ التي جُبِلَ عليها الإنسان، وفي لسان العرب
لم يرد تعريف واضح وشافي لمصطلح التطبيع في نص المادة (140) من الدستور، كما لم يتعرض لهذا المصطلح فقهاء القانون الدستوري وأغلب الأكاديميين في العراق، فإذا كان يفترض إلحاق أهل المناطق التي سميت متنازعا عليها أو المختلف على أدارتها، أو التي يرغب سكانها بالالتحاق بإقليم معين أو البقاء مع الحكومة المركزية بالصيغة القانونية، فلماذا التطبيع ؟؟
وماهو غير المألوف في حياة هؤلاء الناس حتى يصار إلى تأهيلهم أو تطبيعهم وتأهيلهم للالتحاق بجهة معينة ؟ وماهو الشيء غير الطبيعي حتى يمكن تقويمه أو إزالته لترتيب حياتهم ؟
فإذا كان التطبيع يعني أقامة علاقات طبيعية بين أهل تلك المناطق، فأن الأمر محسوم وملموس في التعامل والتعايش الطبيعي دون أجراء حكومي ودون قرارت من جهات تنفيذية، وإذا كان ألأمر إعادة العلاقة الإنسانية بينهم، فأن تلك العلاقة لم تتمكن الحكومات العراقية السابقة ولا الحالية أن تغيرها أو تتمكن من أضعافها.
وإذا كان الدستور عقدا اجتماعيا بين أبناء الشعب العراقي، فان وجود التطبيع يدلل على أن هناك شرخا بين الشعب، والحقيقة أن الشرخ غير موجود بين العراقيين عربا أو كردا او تركمانا أو كلدان أو آشوريين، إنما موجود مع الحكومات العراقية السابقة.
أن المشكلة الأساسية التي لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تعمل على حلها، هي مشكلة تغيير الواقع الديموغرافي الذي حصل، مشكلة انتقال أعداد كبيرة من أبناء الوسط والجنوب إلى مناطق #كركوك#، لشتى الأسباب، وتمليكهم الأراضي الزراعية أو السكنية، وتهجير الملاكين والفلاحين الكرد من المنطقة،وعمدت السلطة الدكتاتورية على توفير كل مستلزمات التغيير إمعانا في عملية الخلط والهيمنة الشوفينية التي يعتمدها الحزب البائد.
كما عمدت السلطة البائدة على استعمال أسلوب تغيير القومية تمهيدا لتوفير مناخ التغيير الديموغرافي، ولذلك قام بتغيير حدود النواحي والأقضية، واستعمل أسلوب خلط الأوراق في عملية الارتباط الإداري، وهنا ندرك جيدا أن التطبيع بين الناس قائم وواضح، ولا توجد مشكلة في ارتباط هؤلاء إداريا أو إقليميا حسب إرادتهم واختيارهم، ولعل معضلة الإحصاء ودقتها تعتمد بشكل جاد على القضاء على الإرهاب وتنظيف العراق من وجوده وتطهير المدن من بقاياه، وحده من يحل المشاكل القائمة في مدن يتحمل أهلها كثيرا جراء عدم تسوية مناطقهم، وخصوصا بعدما أفرزته الأحداث الأخيرة في تسلل الإرهاب ومجموعات الأجرام إلى مدن عراقية كبيرة واحتلالها أقضية ونواحي عديدة وترويع أهلها.
ولعلنا نجد أن بقاء هذه المادة دون تنفيذ ودون تمديد فترة زمنية أخرى لحلها وتنفيذها يتطلب أيضا تعديلا للدستور، وهذه المهمة منوطة باللجنة الخاصة في مجلس النواب والتي عليها أن تقدم التوصيات اللازمة للتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور، وعرض تلك المقترحات على المجلس للتصويت، حيث تعد مقرة بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، على أن تطرح المواد المعدلة على الشعب للاستفتاء عليها.[1]