حاوره: كاظم غيلان: يجيب المفكر د. كاظم حبيب عبر هذا الحوار على العديد من الأسئلة العالقة في ذهن المواطن العراقي من خلال بواعث قلقه ازاء كل ماهو شائك وغامض في مجريات اوضاع الراهن العراقي من خروقات في البنى الاقتصادية والاجتماعية ومن تجارب جديدة تحاول القوى المعادية زعزعتها وتقويضها مثلما يجيب وبلغة الدلائل المؤكدة عن خطورة الفساد الاداري والمالي التي من شأنها هي الأخرى أن تعيد صياغة الظلام.
وبشان المادة(140) و المشاكل العالقة الآن على المستوى السياسي قضية #كركوك# المتنازع عليها، و الحلول الموضوعية اللازمة لها قال الدكتور كاظم حبيب :
تعتبر قضية كركوك واحدة من أعقد المشكلات التي تواجه العراق في المرحلة الراهنة، رغم أن الحل قد وضع اساسه في الدستور العراقي الجديد. وسبب التعقيد في هذه القضية ناشئ عن خمسة عوامل أساسية، وهي:
*السياسات التي مارستها حكومات النظام الملكي حين وجهت جمهرة من عائلات العشائر العراقية إلى الحويجة للسكن فيها وبدأت بتغيير بنية السكان في لواء كركوك، كما اتفقت مع شركات النفط الاحتكارية الأجنبية على تعيين العرب و#الكلدان# والآشوريين وتقليص تعيين الكُرد والتركمان في منشآت هذه الشركة، بأمل زيادة عدد العائلات العربية على حساب العائلات الكُردية والتركمانية.
*ثم تواصلت هذه السياسة في العهود القومية والبعثية، ولكن بشكل خاص في العهد البعثي الثاني حيث مورست سياسة التعريب القسري ثم التهجير القسري للسكان الكرد بشكل خاص ومن ثم السكان التركمان، إضافة إلى القتل الهمجي الذي تجلى في أحداث ومجازر الأنفال وحلبجة ضد الكُرد على نحو خاص.
* تنشيط وتسريع عملية إسكان العائلات العربية التي رحلت قسراً محل العائلات الكُردية والتُركمانية التي هُجّرت قسراً من محافظة ومدينة كركوك. وقد منح النظام العائلات العربية المرحلة على كركوك الكثير من المكاسب لتبقى فيها. وقد تم بذلك سلب أراضي ودور الكُرد والتركمان المهجرين.
*المعاناة الكبيرة التي تعرضت لها العائلات المهجرة من الكرد على نحو خاص وزيادة التوتر بين سكانها قبل وبعد سقوط النظام، خاصة تلك الرغبة الجامحة لدى المهجرين في العودة إلى مناطق سكناهم التي هجروا منها قسراً، وربما الانتقام ممن احتل أرضه أو داره.
*لقد صرف #صدام حسين# وحزبه الكثير من أموال الشعب ليحول الكثير من تلك العائلات العربية إلى قوى اجتماعية مساندة لحزب البعث ولنهجه الشوفيني وسياساته المناهضة لأتباع القوميات الأخرى، مما زاد في تعقيد العلاقة بين القوميات العديدة القاطنة في كركوك. ومن يتابع نشاط بعض القوى العربية في كركوك يتعرف على كونهم من اشد القوى القومية الشوفينية والبعثية خصومة للقوميات الأخرى، رغم محاولتهم التحالف مع التركمان الذين اضطهدوهم قبل ذاك ليكونوا ضد الكُرد. وقد ارتكب الكُرد العديد من الأخطاء منذ بدء محاولة حل هذه المشكلة، ولكنها ليست المسألة أو المشكلة الأساسية في ما يحصل الآن هناك.
*من الناحية التاريخية يعتبر الكُرد و#الآشوريون# والكلدان من أقدم سكان المنطقة ثم يليهم العرب وفيما بعد التركمان. فمع الفتح الإسلامي دخل العرب إلى المنطقة، ومنها كركوك، ومع وجود الدولة الإسلامية وخاصة العباسية نزحت العشائر التركمانية إلى العراق وعملت أساساً في القوات العسكرية العباسية وشكلت في فترة ما دويلاتها المعروفة لنا بين سقوط الدولة العباسية في العام 258م ودخول الدولة العثمانية إلى العراق. والمنطقة من الناحية الجغرافية والبيئية تشكل جزءاً من إقليم كردستان الجنوبي.
واليوم يسكن في هذه المدينة خليط من السكان الكُرد والتركمان والعرب والكلدان والآشوريين. وحين الاعتماد على إحصاء العام 1957م تبين لنا بأن السكان الكُرد هم الأكثرية ثم يليهم السكان التركمان فالعرب. وكركوك كانت عاصمة ولاية شهرزور في إطار الدولة العثمانية في فترة إمارة ملا محمد الشهرزوري، والتي أصبحت فيما بعد ولاية الموصل.
وضعت المادة 140 حلاً دستورياً لهذه المسألة وعلينا جميعاً الالتزام بها بغض النظر عن رأي كل منا في هذا الدستور أو هذه المادة. والحل يتطلب عدة إجراءات لا بد من الالتزام بتطبيقها. ومن المؤسف أن يجري التسويف المستمر مما يعقد القضية ولا يحلها.
وبصدد إقليم وشعب كردستان فأنا ومنذ التزامي بفكر وسياسة الحزب الشيوعي العراقي، حتى بعد أن أصبحت مستقلاً سياسياً عن الحزب، ولكني يساري ومادي جدلي الفكر والتوجه، أعرف أن من حق الشعب الكردي تقرير مصيره بنفسه، وأويد طموحه من أجل الوحدة والدولة الواحدة، كما أؤيد الوحدة العربية والدولة العربية الواحدة، وكلاهما حلم الأمتين الكردية والعربية، ولكنهما يبقيان حلمين ولفترة طويلة جداً.
ولكني أدرك ايضاً بأن الخارطة السياسية غير قابلة للتغيير حالياً ولعقود قادمة، كما أن الشعب الكردي إذا ما حصل على حقوقه المشروعة والعادلة، فلن يفكر بالانفصال عن القسم العربي من العراق، بل أن القسمين يشكلان الجمهورية العراقية الاتحادية الديمقراطية الموحدة.
مدينة كركوك مدينة كردستانية من حيث الجغرافيا ومدينة عراقية من حيث تعدد القوميات القاطنة فيها، وهي بالتالي لكل العراقيات والعراقيين، على أن تحسم المادة 140 الخلاف الحاصل بشأنها.
لا يجوز جرجرة قضية كركوك لأنها محملة ببارود شديد الانفجار على مستوى العراق كله، وبالتالي لا بد من معالجة القضية وفق الدستور ولصالح وحدة العراق وتفويت الفرصة على الشوفينيين وضيقي الأفق من إشاعة الفوضى ونزيف الدم في العراق. وحين يؤجل الإحصاء السكاني هناك فهو دليل جديد على وجود قوى تريد إعاقة تنفيذ نص المادة 140،
وفي هذا تأجيج للمشاعر وتأليب غير مباشر على الوضع ذاته، ومنح من يريد الصيد بالماء العكر الفرصة لتأليب البعص على البعض الآخر.
*صحيفة (الصباح) #07-09-2009# [1]